عالم الأدب

نظرة سينمائية مختلفة للإرهاب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

المخرجان لينا مقبول وطارق صالح..

قيس قاسم من السويد: أخذت، في السنوات الأخيرة، أسماء بعض السينمائيين العرب مكانها في عالم السينما السويدية، ولونت بأختلاف، نظرتها ومعالجتها لكثير من الموضوعات، شاشتها بألوان كسرت المعتاد والثابت في عيون مشاهديها. أسماء مخرجين عرب، بعضهم جاء مهاجرا، وبعضهم ولد هنا. من بين هؤلاء لينا مقبول وطارق صالح. الأثنان ولدا في السويد، لينا من أصل فلسطيني وطارق مصري. وبالرغم من صغر سنهما، أنجز الأثنان أفلاما وثائقية تجريبة كثيرة عرض بعضها في دور السينما والتلفزيون السويدي. لكن ثمة أنعطافا واضحا في شغلهما لمسناه بعد عرض "غيتمو" و"ليلى خالد، خاطفة الطائرات". أشترك الفيلمان في موضوع واحد: الأرهاب.
وإذا كان هذا الموضوع قد أغرى الكثير بتناوله، مثل المخرج ستيفن سبيلبيرغ في فيلمه "ميونيخ" والفلسطيني هاني أبو أسعد في "الجنة الآن"، فأن أختلاف الرؤى والمعالجة يسمحان لسينمائيين أخرين بتقديم أفكارهم حوله، خاصة للوثائقيين الذين قد يكشوفون أسرار جديدة فيه كالتي كشفها "غيتمو" أو أفلاما تحاول أقناعنا بالنظر الى الصور القديمة نظرة ثانية، وحتى مختلفة، كفيلم "ليلى خالد، خاطفة الطائرات".

أسرار "غيتمو"..!
لمعرفة حقيقة ما يجري داخل "غيتمو"، الأسم المتداول بين الجنود الأمريكان لسجن غوانتانامو، قرر طارق صالح الذهاب بصحبة زميله أريك غانديني الى المكان ذاته. لهدف المحدد لرحلتهم: أولا معرفة العلاقة بينه وبين سجن أبو غريب في بغداد، خاصة وأن صحف أمريكية أشارت الى ان مصادر التعذيب في السجن العراقي منقولة أصلا من معتقل كوبا، وأن أوامر من مواقع عليا في الجيش، شددت على عدم البوح أو كشف مثل هذة العلاقة. ثانيا معرفة الوضع القانوني للمعتقلين، سيما وأنهم أدرجوا تحت خانة (محاربين غير قانونيين) لأبعاد صفة (أسرى حرب) عنهم، بحجة انهم ليسوا جنودا رسميين وبالتالي لا تنطبق عليهم قوانين معاهدة جنيف الخاصة بالجنود الأسرى.
بتسجيل مكالماتهم مع المسؤلين والضباط الأمريكان، ومع الشخصيات الأخرى أعطو وثيقتهم مصداقية عالية وسهلت عليهم فيما بعد ربط اللقاءات الصحفية التي أجروها مع شخصيات مختلفة وفي مناطق مختلفة. أتصلوا أولا بالقائد الأمريكي للمنطقة الجنوبية وسألوه ان كان بمستطاعتهما تصوير قاعدة غوانتانامو باي، وعلى غير المنتظر وافق القائد على طلبهما، بل وفر لهم نقلا جويا مجانيا من بورتو ريكو. عند وصولهم القاعدة وجدوا جنودا في أنتظارهم ، نظموا لهم جولات صحفية ، وأطلعوهم على جمالها وجمال حيواناتها، وسعة ملعب الغولف فيها، لكنهم لم يسمحوا لهم بتصوير المعتقل من الداخل. لم يستمرهذا الوضع طويلا كما أراد الضباط وخططو له، فالخطوات اللاحقة من الزيارة أربكت أدارة المعتقل وكشفت وجها ثانيا حاولو أخفائه. طلب الصحفيان مقابلة بعض العاملين في السجن وأيضا مقابلة السجين السويدي مهدي غزالي. بان التلكؤ في أجوبة العاملين، وأنكشف ما أرادوا التستر عليه. وكل الكلام الملقن عن تمتع السجناء بكامل حقوقهم لم يجد نفعا، خاصة وأنهم ظلو مصرين على عدم السماح لهم بالأقتراب من السجناء مباشرة. مقابلة غزالي في كامب دلتا، لم تضف لهم شيئا، ولكن ما ألتقطاه من "زلات" في أحاديث المسؤلين شجعهم للمضي في عملهم. لقد أكتشفوا مثلا ان أغلب الضباط السابقين الذين تولو أدارة السجن وعرفوا بلينهم، قد ابعدوا وأستبدل كبير مسؤليه بالجنرال جيوفري ميلر. هذا الضابط الذي سيتولى بعد مدة مسؤلية أدارة سجن ابو غريب وسينقل خبرته في أساليب التعذيب ليستخدمها هناك. نقلة مهمة في مسار الفيلم أحدثتها مقابلة جنيس كارينسكي مسؤلة سجن ابو غريب أثناء فضيحته، خلصت الفيلم من عاديته، سيما وان ما توفر عند المخرج حتى لحظة لقائها ليس بالشيء المهم. أستقبلتهم كارينسكي في بيتها في ساوث كارولينا، وصفت لهم نفسها "كبش الفداء" الذي ضحى به مسؤلو وزارة الدفاع الأمريكية لأبعاد مسؤليتهم المباشرة عما جرى. وأنها كانت ضحية مخطط مدروس أريد له ان يطبق بأشراف الجنرال ميلر. حكت لهم الخطوات التي أتبعت لنقل تجربة غيتمو الى بغداد، ثم دور المسؤلين الكبار في فضيحة أبو غريب وكيف حملوها المسؤلية كاملة وأنقذوا جلودهم. ما سيتبع هذة المقابلة سيضع مفهموم السجناء غير القانونيين موضع السخرية! يذهب طارق لملاقاة مسؤل شركة بديبا الرومانية للحماية الشخصية في بوخارست. سيعرف منه ان قرابة 20000 موظف يعملون في بغداد ليس لهم أي صفة عسكرية رسمية، أنهم ببساطة جنود غير قانونيين، ولا تنطبق عليهم صفة جندي رسمي كما يتضح من كلامه، ورغم ذلك فوجودهم موافق عليه أمريكيا!
بتحقيقه هدفيه، أكسب طارق فيلمه جودة وأهمية. وللحقيقة فأن كم المعلومات المتوفر في الفيلم قليلة جدا، خاصة وأنهم لم يدخلو الى داخل المعتقل. وعلى قلته تمكن طارق صالح من صناعة فيلم وثائقي مقنع، ولو أقنعوا بدورهم غزالي بالكلام لتوفرت لديهم مادة خام جيدة ولرفعت مستواه أكثر. لا بد أيضا الإشارة هنا الى أستثمار طارق لصمت الغزالي أستثمارا معقولا، حيث أوحى لنا من خلال تركيزه على حركة عيونه انه يخفي شيئا ما، سرا ما، مما أعطى شريطه موضوعية كافية، فهو لم يبريء غزالي تماما، ولم يدنه أيضا، ولكنه كشف من خلاله خوفا دفينا قد أستقر في داخله. خوفا يحمله كل سجناء العالم أينما كانوا.

"ليلى خالد، خاطفة الطائرات".. صورة مختلفة
تحيلنا المخرجة لينا مقبول في لقطتها الأولى لليلى خالد وهي تتمشى في أحد المطارات العالمية الى نقطة البداية التي أنطلقت منها شهرتها كخاطفة طائرات. بين زمن خطفها لأول طائرة وزمن تصويرها الحالي في المطار أكثر من ثلاث عقود، تغيرت فيها ملامح الفتاة الجميلة وتغيرت ملامح العالم أيضا. بعد كل هذا الزمن تحاول لينا رسم صورة جديد لامرأة ذاع صيتها كأرهابية، وسائل الأعلام الغربية رسخته ومسح الخيال الشعبي كل ملمح أنثوي فيها وأستبدله بملامح بطل أسطوري. تذهب لينا الى عمان لملاقاتها، تحمل معها أسئلة، كررها الصحفيون قبلها مع فارق النوايا. فلينا تريد سماع أجوبة مختلفة عما نقل عنها في الماضي. أسئلة مثل: هل تحبين، هل تقفين أمام المرآة، أتهتمين بجمالك وغيرها. ولولا معرفة ليلى بحب وأعجاب لينا بها كمناضلة لما صبرت كثيرا على أسئلتها التي تجردها دون ان تدري من أنسانيتها.. أسئلة سأمت منها ومن سمعاها. مع الوقت والمصاحبة اليومية التي صورتها لينا خفت هذة الأسئلة وحل محلها حوارات ومشاهد يومية عكست سلوك ليلى اليومي. ولأن ليلى أجريت عملية جراحية غيرت فيها ملامح وجهها لتضليل شرطة المطارات في التعرف عليها أثناء محاولاتها المتكررة لخطف الطائرات. ظلت هذة القضية عالقة في ذهن لينا وظل سؤالا مثيرا يدور فيه، كيف تشعر امرأة وقد فقدت بإرادتها سمة من سمات أنوثتها؟ لم تتخلص منه رغم قطعها شوطا لابأس به في معرفة أفكار ليلى. ظلت تركز كثيرا على وجهها، وكأنها تريد رؤية ذلك الوجه الجميل الذي لم تعرفه ولم تشاهده سوى عبر تسجيلات الفيديو والصور الفوتوغرافية. ساعدت ليلى المخرجة كثيرا في أنجاح فيلمها. فحركتها أنسيابية وحزنها عميق وواقعي وحديثها متسلسل وواضح يكشف وضوحا في أفكارها وحتى للدوافع التي دفعتها لخطف الطائرات. بالنسبة لليلى وبسبب مشكلات وطنها الذي لم يجد العالم ولا هم أنفسهم حلا له، ظلت القضية حارة، ترسخ القناعات السابقة ولا تلغيها. حتى الأخفاق في تحقيق الهدف النهائي لنضالها لم يغير في الأمر شيئا. من المشاهد المؤثرة لقائها أحد المناضلين القدمى، وقد أتعبته الحياة وماتت زوجته فبقى وحيدا حزينا. يكشف اللقاء عمق حب الشعب الفلسطيني لها وقوة شخصيتها في آن. فالزمن غير من شكلها لكنه لم يلن عزيمتها. هذة الصفة تمسكت بها لينا وأشتغلت عليها فاشبعتها وضوحا، في حين ظلت جوانب حياتها الأخرى غامضة. وربما تكون هي نقطة ضعف الفيلم الرئيسة، لأن من المهم للمشاهد الذي يقتنع بفكرة أعادة النظر في صورة "الأرهابية" أن يعرف أكثر جوانبها الأنسانية الغامضة، لا قوة عزيمتها النضالية فهذا أمر معروف، وربما هو موضع الخلاف في تقييم ليلى. يستثنى من هذا النقص علاقتها الحميمة بأطفالها وتماسكها العائلي. العلاقة الثانية والمؤثرة هي علاقة لينا بليلى، علاقة تواصل الأجيال الفلسطينية، والتي جسدها الشريط الوثائقي في لحظة تسليم لينا قطعة حجرمن بيت ليلى العتيق في القدس، الممنوعة من الوصول اليه، في الوقت الذي لا يمنع جواز سفر لينا وجنسيتها السويدية من الدخول الى تلك المناطق.
حاولت المخرجة وبمهارة أستغلال النبرة الواطئة، الهادئة في صوت ليلى لتنقل أحساسا برقة هذا الكائن. كل تفاصيل الفيلم توحي أن نضالا طويلا ومكلفا لم يحقق ما كان يصبوا اليه، ما بقى منه أفكارا تبرر فعل الماضي وتصر حاضرا على عدالة قضية. أنه فعل الزمن، الذي ترك أثاره على ليلى وجعل المشاهد يعيد أو يقبل أعادة النظر في صورتها القديمة وربما يستبدل بعض ملامحها بتفاصيل جديدة مختلفة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف