عالم الأدب

بؤس الشعر في مجموعات شعرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بؤس الشعر العربي الآن من خلال مجموعات شعرية جديدة مختلفة (الحلقة الأولى)

العودة الى لغة وأغراض الشعر المنقرضة
أبديت في مناسبة سابقة اعجابي بما حققه الشعر العربي المعاصر من انجازات وتجارب واتجاهات ومحاولات جادة، بدأت منذ الستينيات من القرن الماضي في اللحاق بركب الشعر العالمي وتطوير القصيدة العربية الجديدة ولغتها ورؤاها ومعمارها وفنيتها، عبر الفهم الواعي المسؤول والواضح لدور الشعر في العالم الراهن بعيداً عن رماد السياسة والآيديولوجيا التي تحاول دائماً اخضاع الشاعر وتجربته الابداعية الخاصة الى رؤيتها القاصرة للواقع المبتلى بشرور شتى لا تريد أن تنتهي، ولا تستطيع هذه الآيديولوجيات التي تكاد تضمحل الآن أن تقدم لها الحلول اللازمة ولا حتى أن تفك الغازها، وباركت جهود الشعراء العرب في خلق قصيدة جديدة ومغايرة تنأى عن السائد والمألوف والعابر. الآن بعد قراءة جادة لـ8 مجموعات لشعراء عرب من أمكنة وتجارب مختلفة صدرت في الفترة 2001 وحتى 2005. أجدني أعلن عن خيبة أمل في شعرنا العربي الآن وفي تجارب هؤلاء الشعراء وهم من المعروفين جداً وقد أصدر البعض منهم أكثر من 10 مجموعات. تتبدى خيبى أملي هنا في أن هؤلاء الشعراء الذين حققوا لهم شهرة كبيرة في العالم العربي من خلال الآيديولوجيا والعلاقات العامة والقضية الفلسطينية التي كانت المفتاح السحري للدخول الى الوظيفة والى المهرجانات والاعلام والشهرة. لم يقدموا جديداً في مجموعاتهم هذه، وظلت الرؤى واللغة والموضوعات المكررة هي نفسها على مدار التجربة الطويلة وكأن الشاعر هنا غير معني في الزمن ونهر الحياة المتدفق دائماً. لا بل أن البعض بعد أن انتهت وتهشمت الحاضنة والمرجعية السياسية التي كان يتكئ عليها بعد اصدارات كثيرة تحت ظلال هذه الحاضنة، قد عاد الآن الى الوظائف التقليدية في الشعر العربي وراح يكتب على غرار شعراء العصور الأخيرة للأندلس في الغزل، ومن المعروف أن الغزل الآن لا مجال له في قصيدة الحب الحديثة التي تخلت عن وظيفتها السابقة منذ زمن لا بأس فيه. أحاول هنا قراءة المجموعات وأبدأ بالمجموعة الأولى :

1- "غزل عربي"
هاشم شفيق. سنة الأصدار 2001 (رياض الريس للكتب والنشر)

يضع الناشر على غلاف المجموعة الأخير التي قسمت الى قسمين (هي 48 قصيدة) تعقبها قصيدة بعنوان (البرزخ) و (هو 40 قصيدة) مذيلة بقصيدة عنوانها (البرزخ) أيضاً. الكلمات التالية : (شعراء عرب كثيرون أشاحوا بوجههم وسمعهم عن شعر الغزل والشبق والجسد بأبجديته الحسية، إبان طغيان الآيديولوجيا من سياسة وأدب في السبعينيات والثمانينيات، رغم أن دماء هذا الشعر بمفرداته وعباراته من شوق، ضراعة، ابتهال وطقوس جنسية - دينية - تتدفق في شرايينهم منذ ستة آلاف عام. في شعر هاشم شفيق هنا ما يشبه العودة الى الينابيع، الى الرافدين والنيل ونشيد الانشاد، كأن الشاعر الضليل عاد بعد رحلته ليتمرغ في طين وغرين الخصب الشعري. ليست العودة هنا بالطبع الى إينانا وعشتار والنصوص العربية المحرّمة من قبيل الاطلالة على الاسطورة والموروث، بل هي نسيج ومحاكاة لتلك الأغنيات والصلوات والتمتمات التي حولت الجسد الى معبود يفيض بالشهوة والعطر والنعمة. في القصائد ثمة قطف للرغبة، نهل للعسل، هتك للفراغ، جزّ للأحراش، ولعق للأسرار، في أطباق من حلو ومالح، مما يفتح أبواب الوليمة الايروسية على لهفة خلودها المنشود).
اترك الآن هذه المقدمة الطنّانة الرنّانة وجملها الانشائية التي يبدو انها كتبت خصيصاً لاصطياد القراء المغفلين المكبوتين في العالم العربي والتي أراد من خلالها الناشر أن يحقق نسبة معقولة من البيع بطريقة تجارية فهلوية لتغطية نفقات المجموعة التي صدرت في طبعة أنيقة وفاخرة، وأركز على (نسيج ومحاكاة لتلك الأغنيات والصلوات وألأغنيات التي حولت الجسد الى معبود يفيض بالشهوة والعطر والنعمة). من حسن حظ الشاعر أن لا شيء في مجموعته من هذا الكلام، ولست أدري كيف وافق على أن يكون ينسج ويحاكي تللك الأغنيات والصلوات طالما هو وريث ثورة شعرية كبيرة ما زالت مستمرة، ويحيا الحاضر وله تجاربه الخاصة والمتعددة في الشعر والحياة ومع المرأة ؟ لا محاكاة للصلوات القديمة ولا للأغنيات والترانيم في الشعر العراقي ما قبل الاسلام في المجموعة أبداً. يأتي سياق اصدار هذه المجموعة بعد صدور 10 مجموعات للشاعر. كانت الأولى قد صدرت في عام 1978 وبعد رواية صادرة عام 1992 وكتاب (دراسة ومختارات . شعراء الطليعة في العراق) لم أطلع عليه ويذكرني عنوانه بعنوان مشابه لعلي العلاق (شعراء الطليعة) صدر في السبعينيات وانقرض الآن كل الشعراء الذين ضمهم هذا الكتاب. وانكشفت لنا بعد انقراضهم الحقيقة المرة للآيديولوجيا وبؤسها ومشروعها. لنا أن نتساءل هنا. كيف يستطيع شاعر الطليعة أن يكتب وأن يظل وفياً دائماً لقاموسه الشعري ولغته الرومانسية التقليدية طوال أكثر من 30 عاماً من دون تغيير أو انزياحات في اللغة والصورة وعلى صعيد السياقات والعلامات والدال والمدلول في اللغة ؟ هل يمكن لشاعر الطليعة أن يتعكز على كاف التشبيه في كتابة القصيدة الحديثة والجديدة ؟ أين مكان ووظيفة وفهم الصورة الشعرية في القصيدة التي تكتب الآن ؟ أضع هنا بعض المفردات التي تتكرر في قاموس الشاعر دائماً في مجموعاته لنرى تقليديتها وجفافها من كثرة الاستعمال بطريقة تجعلها ميتة وغير مؤثرة : (النواجذ. النواظر. ولدان يواقعون السوائم. الدهر يلاطفنا. الهجير. الهجيرة. جلدك الملسوع بالتوق. مشية الخيزلى. يتطفأ. مغاور. تلابيب. أغتدي. غرام. مغازلتي. مكنوني. تغار وتزعل. أسلحة غنجة. الكف المحتلبة. ثناياك. الخلوات. مهجتك. أنفاسك الحرى. تعازيم. اشارات نورانية. انتشى بالضرام. الوقيد. أعطافي. الموبقات. أرتعي. لدونة واكتناز وحلاوة. ناهل. الفرائد. الطغراء. الحلكة. الوداد. حيرى. انتقاب. الالتياع. المغفى. تتلاطم) . أكتفي بهذا القدر مع أن هناك الكثير من المفردات القاموسية التي تركها أغلب شعراء القصيدة العمودية في السعودية والأمارات وموريتانيا الآن، ولم يعد أحد ما أن يستخدم في أيامنا هذه (مشية الخيزلى للمتنبي) ولا (أغتدي والطير في وكناتها لأمرئ القيس) ولا (وقد أغتدي لأبي نؤاس) وأعذر الشاعر لأنني قرأت معه اليوم حواراً في صحيفة (الصباح) التي تصدر ببغداد يرد فيه على سؤال ويقول انه (يقدس اللغة العربية) وكان قوله هذا هو عنوان الحوار، وأعود الى مناخات وموضوعات المجموعة التي تتشابه بشكل حاد طوال 214 صفحة وكلها تتوسل موضوع الجنس بطريقة تخفي وتضيّع دور الرغبة وحرارتها بسبب التكلف والميوعة التي التي يحاول الشاعر فيها أن يضبط ايقاع العاطفة، لكنه يفشل بسبب قصديته في النظم ولغته التقليدية وكلماته المستعارة والتي لا تسعفه في التحرر من الموضوع المسبق والتفكير الجاهز في القصيدة، ومن المعلوم أن التفكير في القصيدة يقتلها دائماً، ويبرز هنا بشكل واضح دور الناظم لا الشاعر، فهو في القسم الأول يتحدث بصوت (هي) وفي القسم الثاني يتحدث بصوت (هو). أقدم هنا نموذج من كل قسم ولنرى النتيجة :

اجلد بزعافك ناصيتي

جزّ الأحراش
وجُزَّ تلابيبي
طوّقني بلعابكَ
اجلد بزعافكَ ناصيتي
يا جلاّدي وحبيبي
إن لهيبي
لا يطفئه إلاّ ماءٌ منتصبٌ
ينسابُ على سهلي وكثيبي
جُزَّ الأسفل يا حطّابي
جُزَّ تلابيبي.
القصيدة السادسة من (هي).

نامي على هاجسي

ليس لي
من غذاءٍ سوى الصمت
يحملني هذا السكوت
ألتهي بالإشارات
منتهلاً
رمزها والعلامة
محتلباً
آخر الصبروت
أشتهيكِ إذن
فسِّري التمتمات وتأتأتي.
اشرحي اللعثمة
غيِّبي الرهبوت
أوغلي في الكلام
انثري الكلمات هنا وهناك
ارسمي الصمت
فوق مراياكِ
نامي على هاجسي
واعلني الرغبوت.
القصيدة الأولى من (هو)

نسّاجة الشبق

حائكة الشبق أنتِ
المدرّبة على الرموز
وتفكيك لذّتها
أنتِ المشرَبةُ بالدهاء
تستوفزين فيَّ
متاهات داخلية
توقظين شعابي
ومغاوري العميقة
لصوتكِ تصحو خطاي
تتوثَّبُ
مكركِ تخلطينه بالعسل
وشفاهكِ بالملح
ولهذا ظمئي يفورُ
وجبيني يتصبب ارتعاشات
وذاك الملتهب ٌ الذي تعرفينه
المحزّز
المتورِّم
المتعرِّق
لن يهدأ
يا نسّاجة الشبق.
القصيدة الرابعة من (هو).

لا يخفى على القارئ طريقة النظم القصدية في القصيدة الأولى من خلال استخدام القافية والمفردات القاموسية الموجودة في الشعر العباسي والأندلسي من أمثال (تلابيبي. بزعافك ناصيتي. سهلي وكثيبي. منهلاً. محتلباً). ونستطيع الآن أن نبدل السياق ونجعل المتكلم في القصيدة الرجل وليس المرأة بسهولة تامة، طالما انها نظم لغوي بقصد واضح غايته غير مفهومة سوى النظم لحد ذاته. لن يتغير شيء وسوف يسير السياق مثلما نريد عبر الصياغات اللغوية التي نرغب فيها نحنُ وليس كما يوهمنا الشاعر من خلال ادعاءه من أن المتكلم في القصيدة المرأة التي تحترق بنار الرغبة وهي تدعو الرجل لممارسة الحب معها. كنت في مناسبة ما قد أسميت هذا النمط من الشعر ممارسة العادة السرية في الكلمات . في القصيدة الثانية وهي أيضاً نظم لأجل النظم من خلال توسلها المفردات القاموسية والتقفية غريبة الكلمات في زمننا الآن. نستطيع أن نقلب السياقات اللغوية قليلاً ونجعل المتكلم المرأة لا الرجل ولن يتغير أي شيء وسوف تبقى القصدية واضحة جداً. يحاول الشاعر والعاشق المثقف الطليعي في القصيدة الثالثة وهو المقيم في بريطانيا منذ سنوات طويلة وكتب قصائد مجموعته فيها، عبر رؤية عربية متخلفة مع الأسف في التعامل مع المرأة، أن يرمي اسقاطاته واستيهاماته الجنسية المزعومة لأننا نعرف انه هنا نظّام لا عاشق، على المرأة التي يتوهمها من خلال النظر اليها كونها شبقة وتحيك الاغراءات وتوقع الرجل في حبائلها، من خلال دهاءها ومكرها وهو القديس الورع الذي تستفز مغاوره العميقة اغراءاتها، ويوقظ صوتها خطاه المتوثبة وحين تخلط مكرها في العسل وشفاهها في الملح يفور ظمأه ويتصبب جبينه ارتعاشات ويتورم عضوه ويختم منظومته بقوله (يا نسّاجة الشبق) وكأن الرجل لا ينسج الشبق. تدور بقية القصائد الأخرى في هذا الفلك الممل من الاستيهامات التقليدية عبر موضوع واحد هو أن المرأة شبقة دائماً وماكرة و تصرخ (أحبُّ الحليق، بطلعته المبهجة. يهيجني دمعه. عند غايته المحرجة). هل تحب هذه المرأة الرجل حليق الرأس الباكي ؟ ولماذا يبكي هذا الرجل أمام المرأة التي يحبها ؟ تذكرني هذه المنظومة للشاعر ابن حجّاج وهي موجودة في كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) ولها نفس القافية. أما بقية القصائد في القسم الثاني فيظهر الرجل فيها عبر رؤية ذكورية تقليدية للمرأة من خلال ادعاءه الدائم في انه الفاتح العظيم الذي تنتظره المرأة في لهفة :
ترتسم اللهفة
في خديك
تنث رذاذاً
أتحسسه
في صوتكِ المبحوح
وفي تقاسيم الثياب،
أنتِ حقل أحمر للهفات
وحصيدي قد حان.
القصيدة 27 (حقل أحمر للّهفات) (هو).
هنا تبدو المرأة بستان مثمر ومتلهف وجد من أجل الرجل لاشباع رغباته. يقطف من ثماره متى ما ارتسمت اللهفة في خدي المرأة البستان وبح صوتها في مناداة الرجل الذي سيشبع رغبتها بفحولته وعظمته حين (يحين حصيده). لا مكان للحب بين المرأة والرجل في كل قصائد المجموعة. ولست أدري كيف يرغب المرء في امرأة لايحبها ولا يعرفها ولا تحبه ولا تعرفه؟.

2- "الشاي ليس بطيئاً" لمنذر مصري
أخبار وتقارير وحوادث يومية تضحي بالشعر

صدرت مجموعة الرسام والشاعر السوري منذر مصري (الشاي ليس بطيئاً) عن شركة رياض الريس للكتب والنشر عام 2004 وهي الاصدار السابع في رحلته مع الكتابة، وصدرت له عام 2005 بالفرنسية مختارات من شعره بعنوان (أهل الساحل) عن دار النشر (آليدادس). يتوقع القارئ هنا أن المجموعة الأخيرة التي أعلن الشاعر فيها عبر قائمة اصداراته عن قرب صدور (الأعمال الشعرية) والتي جاءت بعد تجارب طويلة له مع الكتابة. سيكون فيها من الابداع وحرارة التجربة الشيء الكثير، لكن مجرد تصفحها وقراءتها بهدوء ستثير الغثيان وخيبة الأمل بسبب خلوها من شذرة شعرية واحدة على مدار الصفحات ال 183، هي كامل المجموعة التي جاءت بصيغ نثرية اخبارية وتقريرية وشروح مملة ومكررة عبر لغة صحفية تتوسل الآني واليومي والمألوف وغيرها من الموضوعات التي انشغل فيها الشعر المصري والسوري واللبناني في التسعينيات وانتهت صرعتها الآن مثلما انتهى وغادر الى غير رجعة الكثير من الذين تورطوا في كتابتها وأراقوا بحاراً من الحبر والضجيج والتقريظ والاصدارات. توزعت المجموعة 7 أقسام بعشوائية واضحة ومن دون هدف معين يحدد لماذا هذه الأقسام وهذه العناوين طالما أن لغة وموضوعات ومناخ المجموعة هو هو لم يتغير أبداً. لا عجب هنا لأننا نعرف أن هذه فذلكات الشعر اللبناني والسوري منذ أمد بعيد. جرى رصف سطور الكتابة كلها بطريقة غنائية توحي انها شعر لكن الحقيقة هي عكس ذلك، اذ تخلو صفحات المجموعة من أي شعر وذلك لأنها مكتوبة بأساليب وطرائق الصحافة من حيث التقرير والإخبار وشرح الحادثة، واذا كنا نعرف أن الشعر الحديث والشعر عموماً يتسم بالتشظي واللعثمة والهمهمة ويتوسل الصورة والرمز والايماءة والاشارة والايحاء، فأن كل قصائد المجموعة جاءت على هذه الصيغة التي سأعيد تصفيطها لأوضح أنها كتابة صحفية خادعة :

لا أستطيع مغادرة الأغنية
(الى ثرثاري الثلاثاء)

المقارنة بين اللاذقية
وباريس
لن تكون
لصالح باريس
ليس لكوني طمّاعاً
ولا حدود لقناعتي
بل أيضاً
كما تقولين
أن نحب
شيء
وأن نقع في الحب
شيء آخر).
أعيد هنا رصف الكلمات حسب صيغتها الصحفية لنرى مدى المجانية فيها ولا أقصد المجانية في قصيدة النثر وهي شرط أساسي فيها والتي لا يكتبها أحد في العالم العربي بجوهرها الحقيقي إلا قلة قليلة من الشعراء العرب :
(المقارنة بين باريس واللاذقية لن تكون لصالح باريس، ليس لكوني طمّاعاً ولا حدود لقناعتي، بل أيضاً كما تقولين أن نحب شيء وأن نقع في الحب شيء آخر). الآن حصلنا على تقرير من الراوي أو على وجه التحديد رسالة من رجل الى امرأة وليس شعر يتوسم التخيل والصورة والانزياح في اللغة والاشارة والايماءة. أقدم هنا جزء آخر من القصيدة وهو صيغة اخبارية صفّت سطورها كما في الجزء الأول ولنلاحظ الحكي النثري العادي الذي من الممكن أن نسمعه في الشارع أو المقهى أو ما شابه :
(أخذت لنا الصور التذكارية
ونحن نقف
واضعين أقدامنا الموحلة
على جذوع أشجار نخيل
أقتلعت من منابتها البعيدة
وأحضرت الى هنا
حيث طرحوها أرضاً كطرائد حية
جلبت لتوها من الفخاخ
وقد لفّوا جذورها بأقماط
ما زالت مبللة
جاهزة لننصبها
اختصاراً للوقت
كأعمدة طبيعية ذات تيجان من السعف
في أية حديقة
وخلف أي سور.
ترى ما الذي سنلتقطه من تحتها
عندما سنتسلق أعناقها الطويلة ؟)
أعيد هنا صف كلمات القصيدة كما في المرة الأولى لتتبين لنا صيغة الإخبار التي تتضمن الشرح وتتوسل كاف التشبيه مرتين، وهذا الجزء على الرغم من صيغته الاخبارية هو جواب رسالة أيضاً وشرح لموضوع ما :
(أخذت لنا الصور التذكارية ونحن نقف واضعين أقدامنا الموحلة على جذوع أشجار نخيل أقتلعت من منابتها البعيدة وأحضرت الى هنا حيث طرحوها أرضاً كطرائد حية جلبت لتوها من الفخاخ وقد لفوا جذورها بأقماط ما زالت مبللة، جاهزة لننصبها اختصاراً للوقت كأعمدة طبيعية ذات تيجان من السعف في أية حديقة وخلف أي سور).
يشرح الشاعر جذوع أشجار النخيل التي أقتلعت من منابتها البعيدة ويشبهها كطرائد حية جلبت لتوها من الفخاخ. لا أعتقد أن الشعر بحاجة الى الشرح والتشبيه والايضاح. جاء القسم الرابع في المجموعة تحت عنوان صحفي يتعمد الاثارة المملة التي نعرفها في صفحات الحوادث (عباس والوطواط في بيروت، وريلكه وأنا في المنام، وأسامة لوحده في اللاذقية). أقدم هنا مقطعات من القصيدة الثانية فيه لنتعرف على المناخ المجاني الذي صال وجال فيه الشاعر عبر كل صفحات مجموعته السابعة وهو يستعد لأصدار أعماله الشعرية التي ربما تكون قد صدرت الآن وحجز مقعده العتيد في الأبدية العالية للشعر العربي ونال الخلود في الدهر :

تبعاً لاحساس أعمى في الاتجاه
(شبه اعتذار عن عدم قبولي دعوتكِ لقضاء السهرة تلبية لنداء الواجب بالقيام كل ليلة بجولتي الوطواطية)

أصِل
وكأنني كنتُ على موعدٍ
مع المطر
كعادته
ينتظر لحظة خروجي
وخبطة الباب ورائي
لينهمر.
لم أشعر بالاثارة
بالقدر الذي تتوجبه
مؤخرة الممثلة المضيئة
حال دون ذلك الذباب
الذي كنت أسمع أزيزه
محوِّماً في العتمة
على غير هدى
ثم فجأة يلطم وجهي
وكأنه يلتقط انعكاس
الأضواء
في عينيّ).

لا شيء يثير الرغبة في مواصلة الكشف عن المجموعة لأنها كما ذكرت من قبل لا تتعدى الكتابة الصحفية وتخلو من أية قيمة شعرية.

يتبع

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف