عمارة يعقوبيان يفوز بجائزة مهرجان السينما العربية بباريس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صور من الماء والتراب
باريس منصلاح هاشم: انتهي مهرجان السينما العربية في باريس بحصول فيلم "عمارة يعقوبيان" للمصري مروان حامد كما كان متوقعا علي كل الجوائز، فقد حصل الفيلم علي
أي انه وحيد حامد ترزي، أو "مفصلاتي " إن صح التعبير، وخياط ماهر للسيناريوهات، لكن اغلبها سيناريوهات " فاضيه "، لأنها تصنع هياكل من الكرتون المحشو بالورق المقوي، والملفوف في ورق سوليفان وحرير، وخذ عنك تصوير للصبح..
مكان اسمه الوطن
سينما وحيد حامد هي في اغلبها، الا من بعض الاعمال الباهرة سينمائيا التي حققها مع المخرج المصري المرحوم عاطف الطيب، مثل فيلم " البريء "، سينما خياطة وتفصيل، وربما يدافع احدهم عن هذا النوع من الافلام، علي اساس انه افضل من كوم الزبالة من نفايات الانتاجات السينمائية التافهة المنحطة في مصر، التي تروج للزغزغة والفرفشة والهراء العام، وتعمل علي تكريسه، باحتفالات قطع تورتات البدء في تصوير هذ االفيلم وذاك المسلسل ان يا رب أرحم.. وجميعها يلزم القائها في البحر، والشروع فورا في ترميم وغسيل واجهة السينما المصرية من جديد، وقبل ان تتهاوي تماما وتغرق. ولانحسب كما يعتقد البعض، او كما يحلو لناقد ان يردد، انها غرقت بالفعل، ولا امل في الاصلاح او الثورة. بل نحسب ان تلك مهمة ملقاة علي عاتق جيل جديد من شباب السينما المصرية الذي لم يسقط بعد في هاوية الفيلم التجاري، ويعيش في مناخات القمع والرعب والانكسارات الكبيرة المحبطة، التي لاتشجع علي أي ابداع أي كان في الوطن. شباب جديد يصنع في مصرافلاما تشبهنا، وعلي مقاس همومنا، وتجعلنا نفرح بابداعات السينما الفن، في اعمال عاطف حتاتة " الابواب المغلقة " وهالة لطفي " الشعور بالبرودة " و" صور من الماء والتراب " وتامر السعيد " يوم الاثنين " ومحمود سليمان " يعيشون بيننا " وتامر عزت " مكان أسمه الوطن " وشريف البداري " 6 بنات " وغيرهم. ونعود الي سؤال الناقدة اللبنانية الصديقة في مهرجان " كان " بعد ان شاهدنا الفيلم، وتململنا كثيرا في مقاعدنا، ولم تهتز لنا شعرة. قلت لها ان الفيلم طويل وطويل وممل، وقد بدا لي اشبه مايكون بمسلسل تلفزيوني في 30 حلقة، وقد لخص في فيلم تصويرمن ساعتين ونصف، كما اني وجدت تمثيل عادل امام في الفيلم، ولاتعنيني الاسماء الاعلانية والدعائية التي اطلقت عليه مما يدخل في باب المجاملات مثل " الملك " او غيرها، وجدته لايحضر في الفيلم بتمثيله، ولم اقتنع به كأبن باشا، بل يحضر فقط بنجوميته، ولم يجعلني اتماهي مع الشخصية التي لعبها وافتقدت المصداقية. واظن ان اهم دور برز فيه عادل امام وشمخ من خلاله كممثل قدير حقا هو فيلم " الحريف " لمحمد خان، اما عن ادواره التمثيلية في الافلام التجارية التي صنعها مع شريف عرفة ووحيد حامد، الثلاثي المشهور، اعني اعمال " التفصيل " التي طعمت التجاري السائد في السينما المصرية بموضوعات اجتماعية حريفة، فهي تدخل عندي في ذات خانة " التفصيل " المذكورة، وهي افلام من نوع " الجودة " كما كان يطلق علي الافلام الفرنسية السائدة في فترة الخمسينيات في فرنسا ثم ثار عليهانقاد " الموجة الجديدة " وكتبوا كمخرجين سيناريوهات اعمالهم الاولي ضد سينما الجودة المحنطة وخرجوا بأفلامهم من جحيم الافلام المفبركة في الاستوديوهات الي الحياة المفتوحة علي الهواء الطلق بكل توهجها علي رصيف الشارع في فرنسا. ولذا تظل تلك افلام مثل " عمارة يعقوبيان " افلاما خادعة في رأيي لأنها لاتحمل هما وتتحاشي الصدام بقوة مع السلطة والرقابة، وتعمل لهما ألف حساب، عند اجراء عملية التفصيل. السينما ليست عمليات تفصيل بل محاولة تفصيص لمشاغل وهموم وأحزان. انها هم بل هموم الامساك بجوهر الحياة ذاتها، واكتشاف معاني لوجودنا الانساني، و هي ايضا حضور متألق في اللحظة التي يعرض فيها الفيلم. أحب السينما - قلت لصديقتي الناقدة اللبنانية- السينما التي تخبط رأسها في الحيط وتدق بمعول الهدم في جدران الخوف، وتكسر في التابوهات المحنطة التي عفي عليها الزمن وتحب الخربشة. احب في السينما الاكتشاف والابتكار والاختراع والهم الواضح. هم الاشتغال علي فن السينما ذاته، لتطويره من داخله، وابتداع اساليب تعبير جديدة، ونحن نصور همومنا ونضيف من التسجيلي الي الروائي ولا نحسب حسابا للتصنيف. احب الافلام التي لاتقول لنا عما نعرفه، بل تحكي عما لانعرفه ولاتمنحنا بسخاء كل شييء. مايهمني في افلام السينما هو اختراع " النظرة " والزاوية التي ننفذ من خلالها عبر الفيلم الي العالم والكون، وندلف من دون وجل الي تناقضات مجتمعاتنا العربية وهمومنا العربية ويأسنا من غربتنا تحت الشمس في الوطن الاصلي. احب في السينما محاولة التواصل عبر الفيلم مع كل الكائنات والموجودات. مع النباتات والعصافير والشجر. غير ان احدا كما يبدو في خانة " سينما التفصيل " لايود ان يكون سحابة كما يقول الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت، وقد صرنا الي زمن اصبح فيه الجميع يكتفون بالسائد العادي والمبتذل التجاري الاستهلاكي، ضد كل انواع السينما التي تجعلنا نفكر. احد لايدعونا في افلام مثل " عمارة يعقوبيان " الي التفكير في هم، بل ان الفيلم كله بدا لي اشبه مايكون بدعوة الي عدم الاستغراق في أي هم، ولنرضي بما قسم الله لنا ونخرج ممن الفيلم مبسوطين. كنس الهم العام اذن صار وسيلة تدر ارباحا علي السينما المصرية الاستهلاكية. وقلت هذا الكلام عن الفيلم عندما التقيت بالصديق الفنان نور الشريف عندما التقيته في مهرجان روتردام. واصغي الي نور باهتمام، وكان ينصت ويهز رأسه مؤيدا، وأنا أخبطه بكلامي، فقد شارك هو ايضا في بطولة الفيلم، وتورط في عمل هو اقرب مايكون الي مسلسلات التلفزيون المصرية الاستهلاكية، منه الي اعمال السينما الفن، كما في فيلم " لي لي " لذات المخرج. ونشرت بعض الجرائد هذا الكلام، ونوهت بما قلته عن الفيلم،وردا علي ماكتبه الناقد السينمائي الكبير الصديق سمير فريد عن الفيلم في جريدة " القاهرة "، قلت في رسالة الي سمير اننا مختلفون علي طول الخط، وهذا الاختلاف بالطبع صحي ومفيد ولايفسد للود قضية..
اعتبر سمير ان الفيلم يمثل فتحا للسينما المصرية، وانه يحفر لما اطلق عليه ب " سينما الاصلاح " التابعة للجنة السياسات في الحزب الوطني، التي يترأسها جمال مبارك ابن الزعيم حسني مبارك، يحفر ويفتح لها سكة جديدة، ورأيت غير ذلك..
لاادري عن أي سياسات يتحدث ؟. استبعدت ان يكون لتلك اللجنة اية علاقة بالسينما، حيث ان كل الصحف والجرائد الرسمية تخضع لتوجهات النظام، و تمثل ترسانة اعلامية للدعاية للنظام الحاكم والاشادة دوما بسياساته، رغم علمها بأن الحزب سيذهب، اما الشعب المصري الذي يأن تحت ضغوطات وانتهاكات وفساد الانظمة فهو باق، ولا يتصور احد ان اللجنة المذكورة بحاجة الي التخطيط لسينما الاصلاح. أي أصلاح ممكن ياصاحبي، وسط هذا الخراب الذي نعيشه في الوطن، علي كافة المستويات. فلتخطط اللجنة الموقرة ان كانت تريد ان تفعل شيئا، تخطط لسينما الصحة لا الاصلاح، للنهوض بالعناية الطبية المركزية، لصحة المواطن المصري والارتقاء بها. ذلك المواطن الذي لايجد ثمن الدواء الآن " يعيشون بيننا "ويطلب منه قبل دخول احدي المستشفيات الآف الجنيهات، ولولا ان البيوتات في قلعة الكبش وأحياء مصر العامرة بالخلق تسند بعضها..
ولولا التعاطف والتراحم في بر مصر، لكان الجميع يقينا غادروا الوطن من الظلم والبطالة والهم والقهر للبحث عن عمل ولقمة عيش في أي مكان. ألم يعد العمل بنظام " الجمعيات " المنزلية في الاحياء الشعبية والعشوائيات، هو الضمان الوحيد لاستمرار الحياة، ومواجهة الاعباء والمصروفات الضرورية، والغلاء الفاحش لكل شييء واي شييء. ضمرت ومرضت الاجساد ياصاحبي وباتت هياكل عظمية او اجساد منتفخة مترهلة بفعل الذل اليومي والوقوف في طوابير العيش. أين كل هذه الهموم ياصديقي في عمارة يعقوبيان. ؟. أليس ترفا مابعد أن نصنع افلاما بنظام الانتاج الضخم علي شاكلة استوديوهات هوليوود وهم يتضورون جوعا. قلت لسمير اني وجدت التمثيل في " عمارة يعقوبيان " باهتا ومتهافتا وغير مقنعا بالمرة. حضرت صحيح " يسري " في الفيلم لكنها لم تمثل، وربما حاولت لكنها لم تنجح في تميثلها. ثم أني أريد أن يقول لي أحدهم يسري مثلت في أي فيلم. ؟ وبانتظاراجابة اقول حضر عادل امام في الفيلم صحيح لكنه راح يتمشي ويتمخطر بنجوميته ويختال مزهوا، ولا لكي يمثل بل لكي يلقي علينا ببعض الخطب العصماء النكراء عن ثورة 52، وينكل بها في بعض اجزاء الفيلم ويمرر لافكار جد سوداء، عن تلك الثورة العظيمة التي صنعتنا..
وكان فيلم " أنت ياوجيه " لنمير عبد المسيح الذي حصل علي شهادة تقدير خاصة من لجنة تحكيم التسجيلي ويستحقها عن جدارة واكثر، كان في مسابقة البينالي نوه بانجازات ثورة يوليو علي لسان مناضل شيوعي سابق، هو المترجم الباحث وجيه عبد المسيح المغترب في فرنسا منذ زمن، والذي ذاق اهوال التعذيب في سجون الواحات، لكنه لم يتحامل ويشتم في الثورة، بل قيم انجازاتها مثل الاصلاح الزراعي وبناء السد العالي وت\ويب الفوارق بين الطبقات، وبين انه كانت هناك اخطاء حقا كما يحدث وحدث في كل ثورات العالم، لكن هذا لايعني ان نشطب علي الثورة ونلغيها من دماغنا. لمصلحة من وماذا. في حين بدا لي " عمارة يعقوبيان " كما لو كان يريد كما في فيلم " حليم " من انتاج نفس الشركة جود نيوز، ان يفرغ تاريخ ثورة 23 يوليو المصرية من افضل انجازاتها ويهيل عليها التراب. وكل شييء الآن جاهز بالطبع بعد ان اصطفي لهم الجو، لاجراء غسيل مخ يخلص شعبنا من انجازاتها وذكرياتها، والتمهيد لاصلاحات مقبلة علي يد اللجنة الموقرة، ونحن في الانتظار..
سينما الإصلاح أم صحة المواطن؟
حكي سمير مطولا عن الرواية في مقاله، وراح يذكر باحداثها وبتفاصيلها المملة، وشرع يقارن بينهاوبين مسرحية البريطاني جون اوزبورن " انظر خلفك في غضب " ولم يجد الناقد الكبير معادلا موضوعيا سينمائيا، يصلح لمقاربتها به، وأخذ يحكي عن صاحب الرواية وسيرته، ولم يكتب عن رأيه في الفيلم الا في الثلث الاخير من المقال، عبر سيل من المديح للانجاز الذي تحقق. أي انجاز هذا الذي يدخل في بند التفصيل والتجارة، والاعلان والفهلوة والشطارة، واين كل ذلك من السينما الفن.. ؟
لقد حشدت الشركة اسماء لامعة للتفصيل والتمثيل والتصويروالموسيقي والديكور وكل عناصر الفيلم لكنها بدت جميعها مثل حشد من الاعمال الفردية المتراكمة، عملا تحت عمل، ونمرة تمثيل فوق نمرة تمثيل، ووفرت للمخرجه كل الامكانيات لصنع فيلم تجاري بارد وبلا روح. وحققت بذلك عملا تجاريا ناجحا بكل مقاييس وحسابات الفيلم التجاري، مقارنة بكل افلام " الزبالة " التجارية الاستهلاكية العبيطة، وذلك لكي تستقطب الجماهير لمشاهدته بأي شكل،وعلمنا انها تخطط الآن لعمل آخر عن " د علي " علي شاكلته بأسلوب التفصيل السينمائي المعتاد لحساب السلطة. ونحن لا ننتظر مثل تلك افلام مصنوعة، بنظام الانتاج الضخم، علي نمط أفلام شركة والت ديزني الكرتونية، ومثل تلك انتاجات يقينا لن تصنع سينما الغد في مصر. بل سيصنعها هؤلاء المخرجين من الشباب بافلامهم الصغيرة من نوع " سينما المؤلف " التي تحاول أن تصنع جاهدة صورة تشبهنا، و تحمل هما مثل همومنا، وهي تسعي الي ان تمسك في ظل تلك الظروف الصعبة الرديئة التي نعيشها في الوطن.. تمسك بتوهج الحياة ذاتها في بر مصر العامرة بالخلق والالفة والغبطة المتصلة والناس الطيبين، وتقربنا باعمالها كما في " مكان اسمه الوطن " و" انت ياوجيه " و" البنات دول " لتهاني راشد، تقربنا اكثر من انسانيتنا..
حصدت عمارة يعقوبيان كل الجوائزبتخطيط مسبق من ادارة المعهد والمهرجان علي مايبدو، ولسبب وضيع، كما ذكر الناقد حسين قطايا في جريدة " البان " منعتنا من ادارة ندوة الفيلم حسب الاتفاق المسبق، لأننا لم " نبخر " علي حد قوله للفيلم، ويقينا هذا ماوقع، ولم ننضم الي شلة المعجبين والمبخرين، وخطفت الادارة الميكروفون منا في القاعة، وسلمته الي احد العاملين في الشركة، الذي حضر خصيصا من مصركمسئول في " جود نيوز" عن الدعاية والترويج لافلامها في المهرجانات السينمائية الدولية. فراح يبخر كما هو مطلوب.. وأجاد، ووضعت لجنة اختيار افلام المسابقة قصدا أفلاما بريئة عبيطة ساذجة الي جوار انتاج العمارة الضخم، لكي يكتسحها الفيلم اكتساحا عند التصفيات النهائية. وهذا ماحدث بالفعل. وضعت ادارة المهرجان أول فيلم عماني " البوم " اخراج خالد الزدجالي وهو نموذج لا يحتذي لافلام التخلف العبيطة، المصنوعة علي مقاس الفيلم التجاري التلفزيوني المصري الترفيهي، وليس به أي سينما علي الاطلاق، وركبت عليه بعض المناظر السياحية للمنظر الطبيعي الرائع بجوار البحر في عمان، وأنهت الفيلم بمطاردة مضحكة وتبادل اتطلاق النيران في عرض البحرتقليدا في افلام جيمس بوند، وكله يمشي عند العرب من انواع السلطات والمقبلات والمشهيات السينمائية الحلمنتيشية، ويسرت علي لجنة التحكيم المهمة. ثم رفدت الفيلم العماني بفيلم آخر بشع هو فيلم " زهرة الخشخاش " التونسي الجديد لسلمي بكار، الذي بدا لنا كما لو كان خرج للتو من مخازن أرشيف ومتحف السينما التونسية في الخمسينيات، وجعلنا نقرف من السينما والملل والموضوعات القديمة المهلهلة عن الحشيش والجنون في المصحات التي عفي عليها الزمن، وواضح بصراحة ان سلمي بكار انتهت كمخرجة وليس لديها ماتقوله..
"يوم آخر" أين؟
واستقدمت ادارة المهرجان الموقرة فيلما بائسا هو عبارة عن سلاطة سينمائية مخلصة ويدعي الفيلم " ظلال الصمت " وكله رغي ووش وكلام في الهواء،
ولايوجد به أي صمت علي الاطلاق، وعلي الرغم من ان السينما حسب ما عرفناه وادركناه، لا تصنع الا في فترات الصمت التي تفصل مابين مشهد ومشهد أخر يعقبه، سوف تجد ان الفيلم المزعوم، والسينما من تلك اعمال براء، يبدأ بحرب وعنف وهجمة دموية بوليسية شرسة لتحطيم وتدمير حي فقير يشتبه في ان بعض الارهابيين المتطرفين دخلوه ثم نكتشف في مابعد ان مجموعة من المثقفين دخلت بالفعل صالونا فاخرا وآخر شياكة وراحت تدبر مؤامرة لاعتقال ونفي بعض المثقفين المعارضين للنظام - أي نظام وفي أي بلد تقع احداث الفيلم ؟- واحالتهم الي معهد لتدجينهم وترويضهم في الصحراء، وتبحث زوجة في الصحراء عن مكان المعهد لنجدة زوجها المختطف، وتذكرك الحكاية في الفيلم بقصة " المستعمرة " القصيرة لفرانز كافكا، ويروح المخرج العاجز مثل فيلمه الواقع، وحرام كل هذه مصاريف وكتابة السيناريو عشرات المرات بمشاركة وتوريط اناس كنا نحترمهم من ضمنهم المخرج الجزائري احمد راشدي الذي تعهد بالسيناريو اخيرا ووجد فيه علي مانظن بقرة حلوب تدر ذهبا، حين سلمه المخرج كل الفيلم فأخذه بالفعل الي حيث اللامنتهي وسقط في هوة العدم، وكأنه لم يوجد ابدا وعلي الاطلاق، حيث ان النوايا الحسنة لاتصنع فيلما، كما رحنا ننوه منذ زمن، لكنها علي المدي الطويل، وهنا تمكن خطورتها، تخلق نوعا من البارانويا،أي جنون العظمة، ونخشي ان تكون هذه البارانويا اللعينة قد اخذت بتلابيب مخرجنا السعودي المعجزة، الذي تمخض جبله عن فأرة صلعاء، وبلا شعر، ويصعب حالها علي الكافر..
اراد عبد الله المحيسن ان يكون فيلمه أول فيلم سعودي، من تحت عباءة الانشغال بالهم العربي الشامل، فخرج بلا اي هم سعودي، وبلا أي هم عربي شامل علي الاطلاق، وجاء مجردا وفاقدا لاي انسانية تجعلك تتعاطف من الناس الذين يتحدثون في الفيلم. ذلك لان أي فيلم سعوديا كان ام مصريا يحكي عن هموم سعودية ومصرية، وينهل من تاريخ وذاكرة المكان ويجعلنا نحب أهله ونتوحد معهم. نتوحد مع احزانهم وافراحهم وناسي لهمومهم، ونشاركهم تجاربهم، نستشعر أنفاسهم، وليس في فيلم " ظلال الصمت " أي شييء من كل ذلك. "ظلال الصمت " فيلم عقيم ولا يستحق مثل اغلب افلام المسابقة المشاركة في مسابقة أي مهرجان يحترم نفه و ويهتم ولو قليلا بما هو سينما وما هو فن ن ويفرق بين الغث المهمل لأن كل مايصنع في السينما ليس بسينما ولا كل الافلام الرديئة من هذا النوع تستحق ان نطلق عليها افلاما..
ورتبت ادارة المهرجان لكل تلك امور، فوضعت الي جوار الفيلم السعودي المزعوم فيلما
كنديا مرعبا وعديم الانسانية، عن شاب كندي مسيحي من اصل لبناني، يعود بجثة الوالد ليدفنه في لبنان، ويظهر هنا كل اللبنانيين بصورة قاتمة بشعة، كأناس عديمي الانسانية والشفقة والرحمة، فتتعجب من أين أتي بهم، ويروح يقصفنا باناس لبنانيين سرياليين عبثيين من اختراع المخرج وجدي معوض، المتأثر علي مايبدو بالسينوغرافيا المسرحية التي تبدو زاعقة وصارخة جدا في الفيلم، فيحول مشاهده الي " طقس " مسرحي تراجيدي يلغي مسافة التفكير في العمل ويحوله الي نوع من الصراخ المزعج الذي يكرس له مخرجنا مشهدا طويلا في نهاية الفيلم يستغرق ربع ساعة، لتحنيط جثة الاب ودفنها في البحر، ولا ندري لماذا اختارت ادارة المهرجان هذا الفيلم الفاشي وتجاهلت فيلما لبنانيا رائعا هو " يوم آخر " لجواناحجي وخليل جورجي، وكيف فاتها ضمه كفيلم عربي متميز، ازعم انه من احسن الافلام اللبنانية والعربية التي خرجت في فترة السنوات الخمس الاخيرة، كيف ؟..
ولم يبرز ويشد الجمهور من بين الافلام الروائية الطويلة المختارة للمسابقة الافيلم " أحلام " للعراقي محمد الدراجي الذي اعجبنا به، وكتبنا عنه من قبل، كعمل أول متميز، ويحمل علي الرغم من تحفظاتنا علي اجزائه هما، وفيلم " زوزو " لجوزيف فارس من لبنان ويعيش في السويد، وكنا ننتظر حضور فيلم" يوم جديد في صنعاء القديمة " الذي اعجبنا به كثيرا، ويستلهم تراثنا الحكائي والمرئي، لكي يحكي عن قصة حب في صنعاء القديمة الجديدة بنت اليوم، ويصنع نسيجا سينمائيا متوهجا بسحر الغموض والسينما الفن. هذه السينما التي تجعل المشاهد ايضا يشارك في صنعها وهو يشاهد الفيلم , اليمني البديع، لكن اذاا بالفيلم الذي كان يمكن ان يقف ندا ل " عمارة يعقوبيان " في المسابقة يتخلف عن الحضور فجأة لاسباب مجهولة- كما تخلف المخرج محمد عسلي عن المشاركة في لجنة التحكيم - وتضع ادارة المهرجان في محله فيلما لم تسمح لنا ظروف العمل وادارة الندوات بمشاهدته..
"عن العشق والهوى".. فيلم مكسيكي
هل رتبت الادارة لفوز عمارة يعقوبيان اذن؟. أكيد. لأنها ضمت الي افلام المسابقة ايضا فيلما رديئا بعنوان " عن العشق والهوي " للمصرية كاملة أبو ذكري، الذي اعتبرناه في شموايته الفنية تجسيدا للهراء العام، والدعاية والترويج لسينما التفصيل بالمشغولات المحلية، حيث تركب الطبقات المرفهة السيارات الفاخرة المكشوفة، وتنطلق بها باقصي سرعة، ولاتعبأ لأي شييء..
وجعلنا الفيلم نضحك لعبطه، اذ يحكي عن هموم طلاق، وحب وزواج وخيانات الطبقات المرفهة التي تسكن الفيلات المسورة تحت الحراسة، ويجعلنا نتأسي لمشاكلها العاطفية، وجديد الفيلم انه يترك ابطاله ولاول مرة في تاريخ السينما المصرية يبكون لمدة طويلة علي الشاشة ويقف عند مشاهد البكاء ولايتحرك فيجعلنا نضحك في عبنا، ولن تجد فيه أي حضور لهموم ومشاكل الناس الغلابة المحرومين من كل شييء في مصر، اذ يطرح مشكلة فتاة من حي فقير و تدرس في الجامعة، واختها مومس تعمل في بار للسكاري وتضغط علي نفسها وتتكفل بمصاريف اختها الشريفة الغلبانة حتي تكمل تعليمها،وتعرض كامة ابو ذكري في فيلمها لنماذج من ابناء الحارة المصرية، الذين تحولوا في ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية في مصر اليي مدمنين علي المخدرات، للهروب من ظلم الواقع، او نساء عاهرات تبيع عرضها وشرفها لكي تصرف علي اخواتها، ويختفي من الفيلم مصر التي نعرفها تماما. اذ ان كل شييء يوحي في الفيلم بانه فيلم مكسيكي خالص. وقد هبط اناسه الي مصر من كوكب آخر، ولولا اللطف الالهي،وان الله سلم، لكان المتفرجون الساخطون الذين خرجوا من الفيلم وهم يسبون ويشتمون - كانوا احتشدوا كالعادة لرؤية فيلم مصري جديد في المسابقة- ضربوا مخرجته بالشباشب لجرأتها في صنع واخراج هذا الفيلم التجاري الرومانتيكي الحريف، واستقدام ممثلينه من المكسيك. وكان من الطبيعي بمشاركة فيلم كهذا ضمن افلام المسابقة الهزيلة، ان يفوز عمارة يعقوبيان بكل الجوائز..
غير أن الحدث الاهم والابرز هنا خارج جدران الانظمة العربية، حيث كانت تجري وقائع المهرجان في بدروم المعهد، هو حفل العرض الخاص الذي نظمته " سينما اايزيس " يوم الاربعاء 26 يوليو لفيلم " دردمات " للمخرج العراقي سعد سلمان في قاعة سينما " ايماج دايور " في الحي الخامس في العاصمة الفرنسية. واشتمل علي عرضين للفيلم في الرابعة والسادسة والنصف بعد الظهر، بحضور جمهور وعدد كبير من النقاد والصحفيين،الذين كانوا في باريس لتغطية مهرجان عمارة يعقوبيان، وأعجبوا جميعا ب " دردمات " وأشادوا به، ومن ضمنهم الناقد السينمائي المصري كمال رمزي الذي الذي اعتبره مرثية الي العراق الوطن، وكذلك الكاتب الصحافي اللبناني حسين قطايا من " البيان " والناقدة المصرية عواطف صادق من جريدة الاهرام، والشاعر المصري حسن عقل، والناقد الادبي الكبير صبري حافظ استاذ الادب العربي في جامعة لندن،وكان قدم للعرض الاول للفيلم بكلمة عن مشروع ايزيس السينمائي، وكانت هذه هي المرة الاولي التي تخرج فيها "سينما ايزيس" من علي شاشة الانترنت كمجلة، لكي تتواصل مع الجمهور علي رصيف السينما في باريس، وتكشف من خلال فيلم " دردمات "، عن السينما التي تسعي الي تأصيلها، لخلق صورة تشبهنا. صورة فريدة من نوعها، ضد السائد المبتذل، والسينما التجارية التي عفي عليها الزمن..