الجواهري وعي على ذاكرتي (8)

- هل كان هذا ما قصدت بكلمة (خدمة) هذا الصباح في ندائك التلفوني؟!!
- نعم واكبر خدمة ..ألم أخلصك مما اسميته بـ (الهولوكوست)؟! ...أريد وساطتك لدى الجواهري..اعتبرها لطف صديق لصديق يا فلاح!!

خدمة بخدمة ( 3 )

استمر في ابتسامته العريضة وتحديقة عينيه المتسائلتين في رجاء " ..مهمة عسيرة!..اعرف كافة تفاصيل الملابسات المحيطة بالدعوة ..يتصورني و في الغالب، جاهل بما تم في الاسابيع الثلاثة الماضية ..الفضل لصادق الجلاد .اخبار اتحاد الادباء لدي .
الحلقات السابقة..اين انت يا ابا فريدة في هذه الاضافة الجديدة في الاحداث، لعلك كنت في عوني عليها! .."
بدأت مظاهر التعب تغزو الابتسامة، وانا ابادل التحديقة بأخرى.. لابد وان تحديقتي كانت بليدة او خالية من اي تعبير يستدل به
..ها قد ذبلت اخيرا ابتسامة حميد بعد أن امتدت برهة الصمت .
. بدأ يشاغل نفسه بالبحث دون هدف في الاوراق المنثورة امامه ..رفع بصره تجاهي من جديد وبابتسامة متعبة :
- هه! ما رأيك؟
- برقية " لا تسمح صحتي بذلك " لم تكن هي برقية الجواهري الاولى التي يستلمها اتحاد الادباء ..أليس كذلك يا ابا بادية؟ .
- نعم . هذا صحيح .
- الم تسبقها قبل ثلاثة اسابيع برقيته " إن سمحت صحتي بذلك "، وكانت هي رده الاول على دعوة الاتحاد؟.
- اراك مطلع على الكثير ..قالها حميد بابتسامة لا تحمل الكثير من التساؤل .
- بل واكثر من هذا! ..لاتنس ان الجواهري أبي .. ما الذي تعنيه لك كلمات البرقية الاولى تلك؟ عبارتي الاخيرة المتسائلة خرجت بانفعال وحرارة عفويتين .
- تعني لي، ان الجواهري متردد في تلبية الدعوة لحضور المؤتمر . قالها حميد دون ابطاء او تردد .
- الاصح من ذلك، ان الشوق الى بغداد بدأ يحفر من جديد ثغرة في جدار غربة الشيخ ..ليس المؤتمر هو الغاية، وخصوصا اتحاد الادباء العرب وبتلك الوجوه الكثيرة المنتقاة، والتي همها الاول في مثل هذه (المؤامرات ) ..عفوا المؤتمرات النيل من الجواهري .
- ما الذي امات هذه الرغبة عند الوالد في تصورك؟ وجه حميد سؤاله هذا متشاغلا بأوراق مكتبه .
- أنت يا ابا بادية .
- أنا؟!.. قالها ببراءة ودهشة .
- نعم انت للأسف الشديد ..قلت ذلك بأسى صادق، و واصلت عتابي :
آه لو كنت تعلم مدى فرحتي بالبرقية الاولى، فأنا اعرف مزاجاته.. " إن سَمحتْ .." تعني ان هنالك احتمالا جديا لقدومه، وربما انت تعلم كم امضني الشوق لرؤياه . ومع هذا الامل في قدومه بدأت في اعداد كل ما يوفر له الراحة والمزاج الرائق لمثل هذه الزيارة . اردت ان اجعل منها نزهة الشوق لمزمن الغربة ذاك .
- وانا مشتاق لرؤياه ايضا، واعرف انك تثق باني صادق فيما اقول .
تمهلت قليلا متذكرا لقاءاتي الاولى بحميد ولقاءاته الاولى بالجواهري بعيد عودته من الغربة والمصحوبة بالفرح والمودة الصادقتين .
- كنت اثق بذلك قبل قرابة العشرين عاما، لكن زيارتك الاخيرة والوفد الاعلامي الى اوربا، إعدادا لهذا المؤتمر المزمع اثبتت العكس . فمع علمك بما تعنيه برقيته " إن سمحت صحتي بذلك "، تصرفتَ كمن يريد قطع الطريق على اي احتمال لحضور الجواهري .. لقد زرت انت والآخرين كل الاماكن، وقابلتم كل من هب ودب صغيرا كان او اكبر من صغير، وتعمدت والوفد برئاستك، ان لا تشمل الجولة براغ، وبالطبع من هو في براغ . و حين علم الجواهري بالجولة تلك، تحولت " إن سمحت صحتي بذلك ْ " في برقيتة الاولى الى " لا تسمح صحتي بذلك ُ " في الثانية .
- صدقني يا فلاح لم تكن تلك زيارة الوفد الاعلامي مخططة لهذا الغرض ..
" ..اعرف يا صاحبي امثال هذه الزيارات ..لقاءات في العلن والخفاء ..نثر وعود ومغريات .. فتح ابواب مشاريع .. اصدارصحف ونشرات محلية عربية في اوربا، شرقيها وغربيها .. تأسيس مكاتب لوكالات صحفية واعلامية يطبل لها كثيرا، ويتم تسليمها حتى لاكثر الناس إقفاراً وبعداً عن عالم الصحافة والاعلام .. "
..ثم كانت زيارتنا لايطاليا وفرنسا ..
.."..غاليريات ومعارض لكل فنان متعاون ..جوائز( عالمية ) وهمية تمنح بميداليات ذهبية و فضية، الفائزون الوحيدون فيها عراقيون، و بالطبع مخلصون لمآثر السلام الدائر رحاه على البوابة الشرقية ..ندوات ومؤتمرات وتجمعات في القصة والشعرو كلها تشيد بروعة القادسية الثانية وابعادها الانسانية ودور( القائد الضرورة ) في اسناد و توطيد امجاد امة العرب من المحيط الى الخليج.."
..ولم يكن مرورنا بلندن وفينا ضمن خطة معدة من قبل ..
.."..وبالرغم من محطاتكم في الاسناد والدعم الثابتة في اوربا، من سفارات وممثليات، ومجلات حكومية سخية تصدر في عواصم تلك البلدان، كنتم مثقلين بهدايا السيد الرئيس ( حفظه الله )، تلك المظاريف السمينة التي تسلم يد بيد، وذلك خارج اطار ما يودع لهم في الحسابات الخاصة سرا،ً وبشكل دوري منتظم .."
..وكان دورنا كما ترى ..
.." . .نعم لقد تكلل دوركم بنجاح لا مثيل له .. لقد اشتريتم صوت الكثيرين ..وصمت الاكثر الآخر "
..وها انت ترى يا فلاح ان الجولة الاوربية كانت عفوية ومستعجلة ..
..".. ما الذي يبغيه متنعم بالأمان والحرية والضمان في اوربا، ليبيع صوت الضمير ..وكيف يغلف مبدع عطاء روحه في سوح الحقيقة والعدل بعباءة سميكة من الصمت المقرر ..صمت عن مآسي الذين لم يفلتوا مثلهم من عذابات السجن الكبير، ممن ينتظر دوره في التصفية الجسدية .
..للقول ثمن ..وللصمت ثمن ..العذابات وحدها مجانية وبلا اصداء .."
.. اولا واخيرا لم يكن هنلك تنسيق مسبق وجدولة لاماكن تنقلاتنا ..ربما كان هذا احد الاخطاء .
انهى حميد شرحه للجولة الاوربية التي لم يصل الى انتباهي منها إلا قطع متناثرة .
- ما المطلوب مني بالتحديد .
- لنفترض ان هنالك خطأ غير مقصود مع الوالد ..نريد اصلاح هذا الخطأ .
" ..يبدو ان هنالك فركة آذان .. خبر الرفض وصل الى اسماع شيخ المشايخ! "
- شيء جيد .. أصلِحه اذا ً!
- نحاول! .. لقد تم الاعداد لوفد يتوجه الى الوالد خلال ايام لدعوته الى المؤتمر.
- شيء جيد ايضا .الى الآن لا اعرف ماهو دوري أنا ..ما هي ( الخدمة ) التي تريدها مني بالتحديد .
مشددا على كلمة ( الخدمة ) .
- ان تتصل بالوالد تليفونيا و تستخدم تأثيرك واقناعك في لين المقابلة .
" كأنك تخطط يا حميد من جديد على تأكيد الرفض. . "
- لا ارى ضرورة للإتصال التلفوني ..المفاجئة اكثر تأثيرا واليك الصورة :
..يصل الوفد الى براغ ..يفتح الجواهري باب الشقة التي يطرقها ..يتفاجأ .. ينظر بإستغراب .. تبدو على وجهه علامات غضب ..يهزراسه بعصبية وهو يطيل التحديق في القادمين بصمت متوتر . ..يطلق " نعم؟! " متسائلا .
..يبتسم القادمون، وتبدء اناشيد شوقهم لرؤياه، على الاقل صادقة من احدهم، ممن يوده الجواهري، والذي يُختار بحرص ليكون في معية الوفد.
..يسأ ل القادمون الجواهري إن كان سيترك ضيوفه المتعبين ( مصلوبين ) على الباب..
..يهز الجواهري رأسه ويعدل طاقيته ويتراجع برهة امام هجومهم .
..يجلس الصحب في الصالة الوحيدة الصغيرة ويتصرفون وكأنهم لم يفارقوه إلا من بضعة ايام ..يصمت الجواهري مقطبا .
..هم يتحدثون ويمازحونه بحذر .
..ينفجر غضب الجواهري ويدمدم ويرعد .
..ينهض من مكانه ليشير بكفه المفروشة الاصابع كالشبكة .. يشير الى كل فرد منهم .
..يقطع الصالة الصغيرة رواحا ومجيئا وهو يواصل الدمدمة والإرعاد .
..يتواصل الاعتذارمن الجبهة القادمة .. من اقربهم اليه من الضيوف.. الجبهة القادمة الغازية هم ضيوفه الآن .
. يتحول الغضب العارم المرعد الى عتاب قاسي .
..يطالب احدهم بكاس بيرة ( بلزن ) فهو عطشان .
.. وانت تعرف الباقي .
سيقوم الجواهري باعداد الكؤوس والمزات و تظهر على وجهه معالم ابتسامة خفية، فحتى حديث الغضب والعتاب اكثر أنسا من مرارة ساعات وحدة الشيخ في برد الشتاء الاظلم .
ابتسم حميد :
- صورة تفصيلية وغير بعيدة عما كان ليحصل .ولكن مع ذلك فالحذر واجب ايضا ..هل اطلب كثيرا إن رجوتك مكالمته وابلاغه بقدوم الوفد!
- اتصور انك مخطأ بمحاولة التمهيد هذه ... إن كنت مصراً فسأقوم بهذه المهمة . . من هم اعضاء الوفد المزمع ارساله؟
- لم يحسم الاختيار بعد ..انت من تقترح؟
- سؤال مجاملة، مشكور عليها بالطبع ..لكني اتصور أن وجود ( علي الحلي ) معهم سيكون صمام أمان، فالجواهري يحبه ولا اعتقد ان هنالك اعتراض من اية جهة على انضمامه الى الوفد .
بدأ حميد يبحث بين اوراق مبعثرة على الطاولة ..علائم وجهه تبحث عن شيء آخر خارج الطاولة ..
" ما الذي تريده الآن يا حميد؟ .. قل! لا تعذبني! انا منتظر ..ارجوك لا تفاجئني بشيء آخر!.. للآن الامور ليست سيئة كما حسبت .."
- ما رأيك ان تكلمه من مكتبي الآن .
.." تريد الآن حصري في الزاوية! "
- أعدك اني سأتصل به من الدار حالما اعود .
- لا شك عندي في ذلك . لكن الخطوط التلفونية غير مضمونة الاتصال في هذه الايام ونحن هنا لدينا تسهيلات خاصة في الجريدة ..رقم التلفون عندي لقد استحصلته من فرات ..
لا اسأله لمَ انا اذا ً.
أخذ حميد يطلب من بدالة الجريدة خطاً خاصاً .
..بدأ يدوّر الارقام ..
.. " مع الوالد! ومنفردا في الدار!، احسب خمسين حسابا للحديث عبر هذه الآلة الباردة الميتة ..انها تجمّد كل عواطفي .. افقد حريتي معها .. تضيع كل الكلمات المعدّة بامعان ومراجعة حين اتحدث تليفونيا مع من احب ..فكيف وانا اتحدث مع الجواهري .
..اتصرف بحرية كبيرة وبلهفة في حديثي معه بجلساتنا العائلية الموسعة في اغلب الاحيان، وباقل من ذلك بقليل في جلسة منفردة معه، ولكن بعد ان استكشف سلامة العرين قبل اقتحامه، ومزاج الليث الرابض وموقعه في ذلك العرين، ذلك المكان الواحد المختار و المحدد دائما لجلوسه، و في اي زاوية من البيت كان له مكانه الخاص الذي لا يتبدل .
..هنا مكانه!! ..لا يتجاسر احد من العائلة على شغله مادام موجودا ..بل و حتى في غيابه احيانا .
..في مثل هذه الغيبات المتكررة، اجلس قريبا من احد أمكنته تلك، فاراه حاضرا جسدا وروحا وحديثا،ابتسامة ساخرة كانت او تقطيبة همّ ٍ عظيم.
..كل هموم الجواهري عظيمة حتى اقلها شأنا ..وكلها غالبا ما يتجاوزها بلحظة حاسمة لا توقيت لها، ومع تنفيسته الصعداء و عبارته " إيه دُنيا!! " والتي يرجع صداها لمن في الدار، ناهضا بعدهاعن مربضه، نافضا كل همومه .."
" ..لقد اوقعتني في ورطة يا صديقي ..وكيف لك ان تقدر حجم هذا المأزق، فأنت لست أنا، وجواهريي الذي تريدني أن اخاطب امامك بهذه الآلة الباردة،غير جواهريك .
..ألف جواهري لالف محب!! وللأ لف الكاره جواهري واحد . "
يعاود حميد الكرّة في تدوير ارقام الهاتف وللمرة الثانية يفشل في محاولة الاتصال ببراغ .
- يبدو ان هنالك بعض الصعوبات في الخطوط الخارجية . يقولها وهو منهمك في اعادة المحاولة .
استغل انا الفرصة وانهض على عجل قبل إفلات لحظة الفرج تلك .
- طيب ابا بادية، ساحاول انا الاتصال لاحقا من الدار، واعدك اني ساحاول قدر المستطاع مع الوالد .
- وعد؟!
- وعد!.. سأتصل وأحاول .

في اليوم التالي أ ُبلغت بأن الوفد قد تشكل، وان علي الحلي من بين اعضاءه، وأن طائرتهم ستقلع ظهر يوم الخميس القادم، اي بعد اربعة ايام .
بعد اعادات متكررة لجمل متراكبة، وكلمات متقاطعة، و تخيل مسرحي لحوارات تتبدل صيغها في ذهني وفق ما سأفلح في قوله، وما سأ ُجاب عليه، ومع اعداد الكثير من السيناريوهات البديلة وفق احتمالات الردود المتوقعة، اقدمت على رفع سماعة التلفون ودوّرت قرص الارقام وانا نصف سارح .
- ألو ..ألو ..يصلني صوته وفي رناته معالم توتر وملل.
..تتبخر كل الحوارات والسيناريوهات .
- كيف حالك يا ابي؟
- من؟ ..فلاح! ..أهلا ً ..أهلا ً
- انشاء الله انت بخير؟
- بكل ٍ تـَداوَينا ..اي نعم بكل ٍ تـَداوَينا .
- كنا في انتظار قدومك في نهاية الشهر بعد برقيتك ( لو سمحت صحتي بذلك ) - تجاهلت ُ معرفتي ببرقيته الثانية - .. بل لقد رتبت لك كل ما يعطيك اجازة حلوة للايام التي ستقضيها معنا في بغداد .
- لا تنتظر! ودعهم ينتظرون طويلا ..لقد ارسلت لهم اعتذاري عن الحضور . قا ل ذلك بلهجة واضحة الاستياء .
" ..مع ذلك، دعني اغامر بمواصلة حذرة . "
- لقد بدأت اتصالاتي في محاولة استئجار دار دجلة ..دار الجعيفر ..دار القصائد كما تسميها ..مالكة الدارالآن سيدة عجوز، تستخدمها كبيت نزهة واستجمام، ولا زالت محاولاتي جارية لاقناعها .
- لا تحاول! ..لن تعيد الماضي يا ابني . . وانا لن اعود!. وشدد على العبارة الاخيرة .
" انت في ورطة يا فلاح ..لا منفذ ولا ثغرة في جدار الرفض هذا.. لقد سقطت كل السيناريوهات المعدّة ... وهل بقي منها شيء اتذكره الآن! "
- كيف براغ التي تعشق .
- غادة ٌ باردة تتمنع بشتاءها على شتاء عمري .
- انت ربيع دائم ..لابد وانك منشغل عنها بشيء آخر ..غادة اخرى ربما؟!
- منشغل نعم ..قل مرهق بالانشغال في كتابة( الجمهرة )..لقد بدأت جمهرة الشعراء تستهلك بصري.
- ليتني معك فاساعدك في التدوين .. لا يُسمح لطبيب بالسفر . ارجوك لا تستهين بعينيك .
- لم يبق إلا القليل فقد انجزت معظمها . .كيف حالك انت؟ .
.." لابد ان ادخل في الموضوع بروية دون ان اسبب له اي نوع من الازعاج .."
- انا بخير ..هناك من يرغب في القدوم لرؤيتك .
- ..ما هذه التقدمة يافلاح ..( يرغب)! ..( القدوم لرؤيتك)! قال ذلك بسخرية قاسية ..لا تتصنع المقدمات وخبرني من هو القادم ولماذا؟.
- وفد من محبيك في اتحاد الادباء يرغب بزيارتك .
- هل تريد ازعاجي يا فلاح ..لا محبين لديّ في بيت العقارب، هذا الذي تسميه اتحاد ادباء .
- حتى لو كان علي الحلي هو الراغب في زيارتك؟
- ما دام يمثلهم فلا اريده ..اكرر ..لا اريد ان اقابل احدا ..هل فهمت ام أعيد ..لا اريد..
بدأ صوته يتعالى ويرتجف غضبا..اعتصر الألم صدري فشهقت واختنق صوتي وانا احاول ان اهديء انفعاله المفاجيء :
- ارجوك خلص! ..خلص! ..إهدأ الله يخليك! الله يخليك! انا غلطان ..لاتريدهم؟! ..يلعن والديهم! فقط لا تنزعج ارجوك! ..عذري انني مشتاق لرؤياك حتى وإن في زيارة عابرة، حتى ولوكان ذلك عن طريقهم ..ارجوك انا آسف .
..وبدأ صوتي يتهدج وانا اكرر ..يلعن والديهم! ..انا آسف ..انا آسف .
بدء هو الآن يحاول تهدأتي بصوت لم تبق في نبراته إلا الاسى .
- لا لوم عليك ..لست انت المخطيء، رسالة كُلفت انت بتبليغها.. وشوقك اشاركه..إسمع يا ابا حسن!
وبدأ صوته يأخذ طابعا جادا مرة اخرى
..أعِدْ لهم جواب رسالتهم وبلّغهم! ..لا اريد ان ارى احداً منهم!.. لا اريد ..
وعادة نبرة الغضب وإن بدرجة اخف فأكملت انا عبارته
- لا تريد رؤية ايا ً منهم ..ٍسأ بلغ الجواب، فقط ليكن مزاجك رائقا! وليذهبوا الى صقر، وحقك علي!
- إن لم تبلغهم فسأبلغْ انا السفارة هنا بذلك ..أتسمعني؟!
لم يكتف الجواهري بتبليغي لهم فقد طلب من اخي نجاح والمقيم في منطقة اخرى من براغ للقدوم الى شقته وعلى الفور، ليحمله رسالة الى السفير العراقي يبلغه فيها عدم استعداده لاستقبال اي وفد من بغداد .
كان الوفد قد اعد نفسه للسفررغم هذا الرفض .
..في صبيحة يوم الخميس وقبيل اقلاع الطائرة الى براغ بساعات قليلة تم تبليغ اعضاء الوفد، ومن اعلى الجهات المتنفذة بإلغاء الزيارة .