منهج سوزوكي في تدريب المّمثل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"العالم هو بمثابة مشفى للأمراض العقلية، نحن جميعاً نزلاؤه!. هذا الأعتقاد كان وما يزال هو القوة المحركة أبداً لعملية الخلق في مسرحي". تاداشي سوزوكي
مدخل موجز لحياته وعمله
ولد تاداشي سوزوكي عام 1939 في مرفا مدينة شيميز في مقاطعة شيزوكا Shizuoka اليابانية، وترعرع في منزل كانت تسمع فيه الموسيقى الغربية الكلاسيكية على الأرجح مثلما كانت ُتسمع الأغاني التقليدية لمسرح الدمى. إنضم إلى جامعة طوكيو "واسيدا" عام 1958 لدراسة علم الأقتصاد السياسي، وتخرج منها عام 1964 بعد أن ترك
1960ـ 1961 أصبح سوزوكي رئيساً للجنة المسرح الحر مشدداً على الهموم الفنية أسوة بالهموم السياسية، وأخرج خمسة نصوص، ثلاث منها لآرثر ميللر وتشيخوف وسارتر، وإثنان لزميله في النادي المسرحي الكاتب مينورا بيتسوياكو Minoru Betsuyaku. وكانت نصوص كتابّ مسرح اللامعقول "يونسكو، أداموف، أرابال وأدوارد ألبي" يومها قد ألهبت مخيلته لاسيما في إستخدامها تقنيات تجريبية في ما يتعلق بعنصري المكان والزمان المسرحيين.
شّكل سوزوكي وبتيسوياكو فرقتهما المسرحية عام 1961 وكانت الفرقة هي جزءاً من تلك الفترة المزهرة التي كانت تدعى بـ (المسرح السري).
كان سوزوكي يبحث عن طريقة للفرار من واقعية مسرح شينجيكي المعاصر ذو التأثيرات الغربية، وقد إستطاع أن يبلور أسلوبا أكثر تخييلية ونأياً عن الواقعية.
نصوص بيتسوياكو المتضمنة لغة مبتكرة وتلميحية، والطريقة الأخراجية لسوزوكي المعتمدة على تفجير الطاقة الجسدية إتحدتا معاً لخلق توليفة جديدة أثارت الانتباه للفترة مابين 1962 ـ 1967 وهي الفترة التي أخرج فيها سوزوكي خمس مسرحيات لبيتسوياكو لعل مسرحية "الفيل" عام 1962 هي الأشهر.
كان سوزوكي يُخرج، وبشكل متواز، مسرحيات قديمة ومعاصرة، ومن هذه الأخيرة "عربة إسمها الرغبة" لتنيسي وليمز عام 1967.
في العام 1966 إستبدل سوزوكي إسم فرقته المسرحية بتسمية جديدة أخرى حملت إسم (فرقة مسرح واسيدا الصغير) مدشناً ريبورتوارها بنص لبيتسوياكو بعنوان "البوابة"، وبعدها في ذات العام أخرج للكاتب نفسه مسرحية "زواج الطفلة الصغيرة" العرض الذي حقق نجاحاً كبيراً للكاتب والمخرج على حد سواء. يومها شرعا معاً في تشييد إستوديوهما المسرحي الصغير على سطح مقهى طوكيو والذي كان يضم 120 كرسي. كان الأستديو صغير جداً ومن دون ستائر أو أجنحة وبخشبة مسرح من الطراز القديم، إستخدمت مداخله السفلى كأجنحة مركزية.
سعى سوزوكي منذ تلك الفترة إلى تجنب الكثير من الخدع المسرحية جاعلاً من الممثلين وسيلة تعبير (جسدية وصوتية) بالقدر الممكن. وقد إرتبط أسلوبه إلى حد ما بإسلوب المسرح الفقير لجروتوفسكي.
لقد إبتدأ سوزوكي التركيز على تأسيس طريقة جديدة ومبتكرة في فن التمثيل. فقد طبق طريقته تلك على نسخ منقحة إقتبسها من القصص اليابانية القديمة ونصوص جديدة لكتاب الأفانغارد اليابان أمثال ماكوتو ساتو وجورو كارا.
لقد أراد سوزوكي أن يحل بدل النص المنطلق من واقعية شينجيكي Shin-Geki، مسرحاً مركزه الممثل المّفكر والجّيد التأسيس والذي تخضع أفكاره إلى الكثير من التعديلات المتنوعة.
لقد بدأ في أواخر الستينات يؤمن بأن التمثيل يعني مواجهة الممثل لقدراته التعبيرية الذاتية، وليس لتفسير أو ترجمة النص المسرحي للكاتب.
تحت تأثير نفوذ الفلسفة الوجودية كان سوزوكي فسر سلوك الممثل في مواجهته للمتفرج إلى أنه نوع من إثبات الذات. فمن خلال تلك المواجهة بين الممثل والمتفرج، يكتشف الأثنان إنسانيتهما المشتركة المثقلة بالخراب والأسى.
النموذج الأول والرئيسي لأسلوبه المبتكر كان عمله الخاص "آنذاك،آنذاك ماذا بعد ذلك؟" وهو نص مسرحي ساتيري لمسرح الكابوكي الشعبي والذي أعدّ لغرض إظهار المناهج المضادة لمنهج ستانسلافسكي، وقد تضمن عرضه إستخدام الأعلانات التوضيحية التي تفوح منها النكهة البريختية.
لقد أنجزت فرقة سوزوكي العديد من العروض التجريبية والمرتجلة معتمدة على مواد إستمدت من المسرحيات الغربية واليابانية الحديثة وكذلك من الكابوكي علاوة على الأدب غير الدرامي، إلا أن مسرح الكابوكي، على وجه الحصر، كان قد ترك تأثيراً كبيراً وحاسماً على أعمال المخرج السابقة واللاحقة.
كان الأرتجال الهدف منه ليس التعبير عما أراده المؤلفين عبر حواراتهم، إنما وظف لغرض إرتباط الممثلين بكلمات ذلك النص على المستوى مادون الوعي. بناءاً على ذلك فإن الكلمات والطرق التي يُجسد فيها ذلك النص في مجرى العملية، تتخذ دلالات جديدة وغير متوقعة.
سوزوكي يعتقد أن مهمة المخرج وعملية الأخراج معاً هدفهما مساعدة الممثلين للتعبير عن علاقتهم الشخصية بالدور عبر العثور على طرائق مبتكرة حية تجعل أرواحهم الخلاقة من الداخل تتبنيّ وتستوعب مغزى نتائج تلك التمرينات بإستخدام نهج أستعير من السورياليين يسمى بـ (التشويش) يجري بمقتضاه جمع تلك التمرينات وتشكيلها داخل كولاجات درامية إدائية.
النموذج الأول عبر عنه من خلال التحليل الفولكلوري لمسرحية غوركي "الحضيض" أو "الأعماق السحيقة" 1968، والذي يجسد فيه سكنة حضيض غوركي شخصيات نزلاء ملجأ يمثلون مشاهد درامية لغرض التسلية، تسلية أنفسهم بالطبع.
الممثل هنا يحتل الأولوية بالطبع مقارنة بالنص المسرحي، لذا فالمنجز التمثيلي المتعدد والمركب كان معروضاً على الأنظار.
ـ الشيء المثير للدهشة والأعجاب كان عمله (الآلام الدراماتيكية للسيد المسيح ج1) عام 1969 وهو عبارة عن كولاج لمشاهد شهيرة أخذت من مصادر مسرحية غربية وكابوكية نظمت بطراز سوريالي يفتقر إلى الشكل، والذي هو رغم ذلك يبقى ملتحماً ومتماسكاً من خلال إرتباطه بالوضعية المركزية، حيث تنتقل تلك المشاهد من بيئاتها الأصلية إلى بيئات جديدة تبتكر تحت توجيه سوزوكي.
الديالوج غالباً ما يتعارض أو يتباين مع السلوك، خالقاً إحساساً أو مغزى من التشويش واللامنطق، إلا إنه في ذات الوقت يُنتج قوة من الأدراك وعمق البصيرة.
كايوكا شايراشي الممثلة التي مثلت في هذا العمل والذي كان هذا العرض هو الأول الذي رسم ملامح مميزة لها، أصبحت مثالاً لأمكانيات منهج سوزوكي، حيث كان لطاقاتها الصوتية والجسدية والعاطفية وقعاً مادعى النقاد العالميين إعتبارها واحدة من أعظم الممثلات في العالم!.
ـ تابع سوزوكي عام 1970 الجزء الثاني من عمله (الآلام الدراماتيكية للسيد المسيح) والتي لعبت فيها كايوكا شايراشي دور إمراة مجنونة تتخيل نفسها وقد تحولت في أوضاع درامية متنوعة من مسرحيات الكابوكي.
(لابد من التنويه هنا من أن الشخصيات المجنونة تتكرر في أعمال سوزوكي، وإن نزعاتهم من أجل لعب الأدوار يقدم الأساس المنطقي للمشاهد الدرامية الممزوجة والمتعددة الأشكال).
كانت فرقة "مسرح واسيدا الصغير" دعيت لحضور المهرجان الوطني للمسرح في باريس بدعوة من رئيس المهرجان جان لوي بارو والذي من خلاله إستطاع ممثلو سوزوكي إحراز شهرة عالمية واسعة. أما سوزوكي فقد بوغت بـحقيقة أن "المسرح المعاصر"، وهو المسرح الخاص بجان لوي بارو، كان يقع في المنطقة السكنية للمشاهدين، مما دفعه وشجعه على البحث عن مكان شبيه له في اليابان لبناء مسرحه. وهكذا وفي عام 1976 شيّد سوزوكي مسرحه في منزل مصنوع من القش في مزرعة تقع في قرية جبلية صغيرة ونائية في ولاية تويمان تدعى "توغو"، هناك حيث أقام مركزه الرئيسي والذي يبعد عن العاصمة طوكيو حوالي 400 ميل. قراره هذا واقع الأمر كشف عن ضرورة أخرى وهي أن المسارح اليابانية ينبغي بل ويمكن أن تشيّد في القرى والأرياف وليس بالضرورة أن تكون متمركزاة في العاصمة، على الرغم من أن فرقته التي أعيد تأسيسها عام 1980 كانت إتخذت من العاصمة طوكيو مقراً لها.
العرض الأول الذي دشن به سوزوكي مسرحه الريفي آنذاك هو الجزء الأول من كولاج "المساء والمأدبة" وهو عبارة عن مواد مزيجة من تشيخوف وبيكيت ويوربيدس.
قام سوزوكي عام 1982 بتأسيس مهرجان المسرح العالمي (توغو) الذي صار يأمّه الكثير من الفنانين المعروفين في العالم سنوياً، وكان البيت الذي يقع في المزرعة هو عبارة عن مسرح خشبي جميل يحتوي على مائتي مقعد سمي بـ (مسرح توغو سامبو) وهو شبيه إلى حد ما بمسرح نـو، والذي توسع فيما بعد ليحاط ببحيرة من كل جانب وهو يستوعب 800 مقعداً. وهذه الأماكن بالنسبة لسوزوكي هي بمثابة أماكن مقدسة وهو الذي كان شيّد مسرحاً يحيط به أهالي قرية توغو.
لقد إنهمك ممثلي سوزوكي في توغو وتحديداً من عام 75 ـ 1980 في تدريب مكثف ومضاعف حسب منهج سوزوكي، تلك الطريقة التي إقتبست الكثير من التقنيات الكلاسية لمسرح نـو وكابوكي فضلاً عن إستفادتها من الفنون القتالية اليابانية وإلتزامها بنظام تدريب صارم للجسد والصوت.
كان من عادة سوزوكي وهو يجري تدريباته مع الممثلين حمل سيف من الخيزران بيده وضربه في الأرض بقوة وقسوة. تقول الممثلة ماريا ميكرسكوف: "سوزوكي شخص صارم، وفي بعض الأحيان إستبدادي، إلا أنه يمكن أن يكون أنيساً مرحاً وعذباً وأقل حّدة وصرامة.
إنه شخصية إنتقادية إلى أبعد الحدود حين يرى عيوباً في التمثيل حتى وإن كانت طفيفة، وهو لايتردد أحياناً في توجيه الشتائم أو الأهانات إلى الممثل، بل ويمكنه أن يصرخ بشكل وحشي.
تمريناته تندمج وتتوحد في سلسلة من العروض المبتكرة أستمد العديد منها من مصادر كلاسية غربية لذا فهي تظهر إندماج أو صهر طرق التمثيل الشرقي بالدراما الغربية. إن التركيز والتشديد ينتقل من إكتشاف الذات إلى براعة الحركة والنطق".(**)
الكلمات، حسب سوزوكي، تتجسد عبر جسد الممثل وليس من خلال مجرى العملية الذهنية. الجسد والصوت ينبغي أن يكونا شيئاً واحداً.
إنه يريد من ممثليه ان يكونوا اشبه بالممسوسين يتماهون تماماً وكهنة الشامان. (***)
إن طريقته تتطلب حركة القدم الواسعة مع جسد يستخدم المركز الأدنى لجاذبية الأرض والأستخدام الكبير لتشكيلة واسعة من الضربات بأخمص القدم والسقطات الحادة وجر القدمين على الأرض والأنزلاقات والرفسات.
لقد كان يطالب أن تكون تمريناته مؤسسة في المقام الأول على الشكل الياباني للحركة، إلا انه صار فيما بعد يعيد تشكيل تمريناته لتأخذ طابعاً شموليا أكثر هذه المرة.
في عروضه تتوحد الحركات مع ديكور بسيط، عروض الواجهة الأمامية، الرقص الإيقاعي، موسيقى النقر التي هي عادة ما تصم الآذان لشدة ضجيجها، ومقدار كبير من السرد الكلامي المتحول إلى مونولوجات طويلة تستخدم سلسلة واسعة من التعبيرات بحدها الأقصى.
لقد طبّق سوزوكي منهجه في العمل على تراجيديات أغريقية مختلفة معيداً تركيبها وتنظيمها من جديد للتعبير بشكل ضمني عن الأفكار ذات الصلة بالموضوعات الأجتماعية. ومع ذلك وعلى الرغم من أمانته لتلك النصوص أو الأصل إلا أنها بدت من خلال موشوره الرؤيوي كما لو أنها مرايا لليابان المعاصرة وللعالم بشكل عام.
لقد أعاد سوزوكي بعث الحياة في بعض النصوص الأغريقية منقحاً إياها بطريقة مبتكرة، أمثال "نساء طروادة" 1974 ليوربيدس، "الباخوسيات" 1978، "كليتمنسترا" 198، "ديونيزيوس" 1990.
"سقوط منزل أتريوس" المعدة عن كليمنسترا عرضت عام 1983 على قاعة المسرح الأمبراطوري ذو الـ 1900 كرسي في طوكيو.
"الباخوسيات" و "كليتمنسترا" قدمتا باللغتين اليابانية والأنكليزية وكان تأثير ذلك جذاباً وهاماً.
العمل الأكثر أهمية من بين جميع أعماله الأغريقية هو "نساء طروادة" التي تعتبر ثيمة مضادة للنزعة القومية والتي عبر عنها سوزوكي بأسلوب المسرحية داخل المسرحية كما هو الحال مع "الباخوسيات".
في النسخة المنقحة والشهيرة لـ "نساء طروادة" لعام 1977 كانت الممثلة كايوكا شيراشي تجسد دور إمرأة عجوز متشردة تسير وسط قنابل الحرب اليابانية الأخيرة ينتابها القلق عبر روح هيكوبا وروح كساندرا.
بتلك الوسيلة إستطاع سوزوكي أن يبلغ المأزق العام والشامل لجنس النساء في تعارضهن مع الحق الذكوري.
ثمة مشهد شهير في هذا العرض هو مشهد إغتصاب أندروماك من قبل ثلاثة من جنود الساموراي العنيفين وتمزيقهم لجسد إبنها (بإستخدام لعبة وحشية ضخمة) أمام الأله الذي كان يجلس في أعلى المسرح مجرداً من أية عاطفة.
العمل إضافة إلى كونه يحكي عن الحرب الأغريقة، كان يحكي أيضاً عن الحرب اليابانية الأخيرة وأي حرب خراب قومية.
عروض "نساء طروادة" و "الباخوسيات" عولجتا كإحتدام ضاري بين الحرية والأستبداد مثلما يحلم بها سجناء سياسيون.
الثقافة هي الجسد
يلعب الجسد في العديد من البلدان الشرقية كأداة نقل لتهذيب الأحاسيس والمدركات الفلسفية والدينية، سواء عبر القواعد أو الطرق التي تنظم الممارسات التأملية والشعائرية أو خلال قواعد العرض المسرحي. وبناء على ذلك تبنى الآسيويين علوم الأساطير التقليدية للجسد ليس بأفتراضهم، ببساطة، بأن الجسد ينفصل فيزيائياً عن الأشكال الأخرى للوجود (وأعني بها الأشكال العاطفية والروحية والفلسفية والكوزمولوجية)، بل، وعلى نحو أدق، يصبح الجسد بالنسبة لهم هو الوعاء الذي يحوي كل هذه الأشكال ممزوجة معاً.
إن جسد الممثل أو (المؤدي) الآسيوي هو جهاز خلاق مشكلّ بنوع يشبه تركيب الآلة الموسيقية، ففي الوقت الذي يستخدم الممثل في الغرب جسده كوسيلة لمحاكاة الواقع أو التعبير عنه، نرى جسد الممثل الآسيوي يصبح الواقع ذاته!. فقط، عبر تكييفه بهذه الطريقة يصبح بإمكان الجسد أن يكون وسيلة إستجابة لأي تباين طفيف مستمد من الفكرة المستوحاة تجعل من الممثل قادراً على الغوص إلى داخل القوة الكونية، والتي تعني في التفكير الآسيوي تفسيراً للحقيقة الباطنية لايقبل الجدل.
منهج سوزوكي يفترض ضمناً فكرة عن الجسد من أنه بمثابة واسطة يستطيع الممثل من خلالها إظهار الوعي والأحساس المفرطين، الذي هو في المحصلة إرتباط سيكوفيزيائي كلي لعقل وروح الجسد في إطار الفعالية.
سوزوكي يعكس بدقة الهدف والفلسفة والمران التي تقف خلف طريقته أو منهجه في التدريب والتي تؤكد على علاقة الممثل أو صلته بالأرض عبر قدميه، وهو الموضوع الذي يكشف عن ظاهره وباطنه في العديد من مقالاته الطويلة في كتابه (طريقة التمثيل: الكتابات المسر حية لسوزوكي تاداشي. ترجمة توماس رايمر. نيويورك. مجموعة الأتصالات المسرحية 1986).
يطلق سوزوكي على منهجه أو طريقته (قواعد الأقدام) نظراً لأن "إدراك صلة الجسد بالأرض يقود إلى وعي هائل لكل نقاط الأتصال الفيزيائية الأخرى".
في كتابه " تقاليد العرض الشرقية ـ التدريبات الصارمة لسوزوكي" يوضح جيمس براندون كيف أن قواعد التدريب الصارمة لسوزوكي تترك أثراً على الممثلين، فهو يقول:" لقد كانوا يندفعون إلى أقصى حد في الأهتمام والمشاركة والرغبة بالتشويش ملزمين أنفسهم بوضعيات جسدية معذبة وموجعة جداً، إنهم ينشدون أغان ٍ مفككة لاتوجد صلة فيما بينها غير قابلة لأن تروى، لذا فقد كان الممثل يُكره على الدخول في مواجهة أو مصادمة ذاتية عميقة وعنيفة من شأنها أن تجلب القدرة على القيام بمهمة الذات أيما كانت الشخصية". وفي مكان آخر يقول: "إن السير على الأرض وضربها بقوة، كذلك الإيماءات الإيقاعية العنيفة والتركيز على الطاقة الكامنة في منطقة الحوض وإستخدام الجسد كلياً في التمثيل، جميعاً تمثل الأهداف الأساسية لهذا التدريب. إن هذه المفاهيم والتموضعات الجسدية الخاصة والحركات تنشأ بشكل مباشر أو غير مباشر من الأشكال التقليدية اليابانية، بل إن قواعد الأقدام ذاتها، هي في الآخر، مستمدة تقريباً من قواعد التمثيل في مسرح نـو وكابوكي اليابانيين التقليديين.".
لقد أوضح سوزوكي لبراندون مرة شكل المشاركة التي يتوقعها من الممثل حين كان يعمل التمرينات قائلاً:
"يخطىء الممثل ويخدع نفسه حين يظن بأن مايقوم به أثناء التمرين هو مجرد مران وتدريب لقواه العضلية. ينبغي على الممثل في أية لحظة من لحظات التدريب والمران أن يعكس عاطفة، حالة ما، طبقاً لتفسير جسده الخاص لها. إن إستخدام الممثل للتمرينات هو ليس فقط لتنمية قدراته فيما يتعلق بالتقنيات والبراعات فحسب إنما هو أيضاً طريقة لتعزيز حياته العاطفية والسيكولوجية والروحية والمسرحية. هذه هي قواعد تدريب التمثيل".
إن هدف الممثل حسب سوزوكي هو جعل الجسد كله ينطق حتى وإن كان الممثل صامتاً. فالجسد بالنسبة له يصبح مجازاً أساسياً للوضع الأمثل للممثل وهو على خشبة المسرح. بالتالي، (الثقافة) تعني (الجسد) بالنسبةإليه.
***
(*)
"الثقافة هي الجسد" مقالة مجتزأة من كتاب "إعادة النظر في فن التمثيل المسرحي. نظريات وتطبيقات"، والذي يتضمّن أثنتان وعشرون مقالة لأشهر مسرحيي العالم المعاصر، الصادر عن دار (روتليج، لندن، نيويورك)، الذي أشرف على تحريره والتعليق عليه فيليب. ب. زاريللي، بروفيسور المسرح والدراما في جامعة ويسكونسن ماديسون، ومخرج المسرح التجريبي الآسيوي منذ عام 1980.
(**)
ماريا ميرسكوف: لقاء الشرق بالغرب في فن سوزوكي تاداشي. مجلة (المسرح الأمريكي) العدد 2 1986.
(***)
الشامان هم كهنة يستخدمون السحر لمعالجة المرضى وكشف الأشياء المخفية لغرض السيطرة على الأحداث. والشامانية دين آسيوي بدائي يتميز في الأعتقاد بوجود عالم محجوب عنا مُمثل بعالم الآلهة والشياطين وأرواح الأسلاف، يؤمنون بأن هذا العالم لايستجيب لأحد سواهم.
alikamel50@yahoo.co.uk
يتبع: النص الكامل لـ"الثقافة هي الجسد"