كتَّاب إيلاف

كي تبقى المرجعية الدينية في ضمائرنا!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

جاء في مسودة الدستور العراقي المقترح (للمرجعية الدينية استقلا ليتها ومقامها الإرشادي كونها رمزا وطنيا ودينيا رفيعا). لم تحتج المرجعية في يوم من الأيام إلى مادة قانونية تحفظ لها مقامها الكريم، سواء في ضمائر المؤمنين، أو في هاجس المخالفين، أو في حسابات الدول الكبرى، أو في مخططات صناع القرار السياسي في العالم كله، لم تحتج المرجعية يوما من الأيام إلى هذه الكلمات المتعثرة، لتثبت وجودها في صلب التاريخ، فهي أرقى و أسمى من هذه المحاولات التي تنطوي على نزعة التزلف المسبق، أو على خلو الذات بما فيها المخلصة، من حضور للحقيقية الروحية في جوهرها. هل كانت ثورة التنباك مسبوقة بمثل هذه العبارة البليدة؟ وهل كانت ثورة العشرين في حاجة إلى مثل هذه المادة المنحوتة من عجز نابت في اللاشعور؟ وهل ثورة إيران الأخيرة قد استأذنت مثل هذه الحروف الركيكة؟ وهل كان آية الله العظمى السيد علي السيستاني في حاجة إلى هذه الخطاطة الباهتة لكي يقول لا للديكتاتورية، لا لتأجيل الانتخابات؟ لا لمهمة الأخضر الإبراهمي؟
هذه المادة خطر على المرجعية، خطر على مستقبل هذا الوجود القوي، الذي يستمد قوته من أصالة الفكر، من أصالة النص، من أصالة التجربة، من أصالة التاريخ، فما الذي حدث حتى تسبق هذه الحروف حقيقةً وجدت صداها في أعمق أعماقنا؟
يقولون : هي محاولة رائعة لصد كل تلاعب خبيث بهذا المقام الجليل، وهي محاولة قانونية لوضع حد لكل من تسول له نفسه تجاوز هذا المقام الكريم ؟
ليعلم هؤلاء أن الدستور قد يكتب بماء من ذهب، ولكن سرعان ما يكون شهيد حذاء عسكري متهور، وليعلم هؤلاء أنهم بهذه المادة البليدة حولوا المرجعية إلى علكة في أفواه الآخرين، يلوكون بها وقت لهوهم وجدهم، وقت فقرهم وغناهم، في ليلهم ونهارهم، ولسنا ندري ماذا سيكون المصير لو أن المراجع كثروا، واختلفوا، ونحن نعلم أن اختلافهم رحمة، ولكن بهذه المادة سوف يحول هؤلاء (المشرعون) اختلاف مراجعنا حفظهم الله ورعاهم إلى فتنة، لا ندري كيف يطل قرنها من هنا وهناك، فأن فوضى العالم، تخلط الأوراق، تخلط الحابل بالنابل، فيُدسْ أسم المرجعية في زحمة من هذه الفوضى بشكل وأخر، فيتحول المراجع إلى علكات تدورها الأفواه بلا ذمة ولا ضمير... ولسنا لا ندري ما هو المصير لو أن ا لمرجع رفض التدخل لأمر هو يراه.ويحكم ماذا تفعلون؟
هذه المادة تجعل حرمة المراجع عرضة للنقاش، عن حق وباطل، تجعل هذه الحقيقة الصارخة، الحقيقة النابتة في عروقنا، تجعل منها عرضة لسهام التشكيك، عرضة للمسائلة، تفتح علينا أبواب جهنم، وإذا ظن مشرعوها أنها سوف تحفظ للمراجع حرمتهم، فإنها في الواقع سوف تعرض هيبتهم، تعرض قدسيتهم، تعرض مقامهم ، تعرض منزلتهم... تعرض كل هذا الثراء العظيم إلى معادلات القيل والقال، الاتهام بالباطل، التجري، العدوان، كل ذلك قد يكون بلغة صريحة، أو بلغة فنية دقيقة، تصب في النهاية في مصير لا نريده، ولا نرضاه، ولا نحب يوما أن نرى أثره هنا وهناك...
هل من المعقول أن ا لمشرعين لم يفهموا هذه الحقيقة؟
لقد سوق بعضهم لحملاته الانتخابية برفع صور المرجعية الشريفة، وكانت محاولة مخزية، تنطوي على خبث أو جهل، وقد كتب صاحب هذه السطور ضد الظاهرة، معلنا أنها بادرة خطرة، تسئ إلى أكبر قوة روحية، و أسمى أصالة معنوية، تصيبها في الصميم، فإن الدعاية الانتخابية لا تخرج عن كونها دعاية في المحصلة النهائية، فهل يليق بمقام المرجعية أن تتحول إلى وسيلة دعائية؟
وكانت الوقفة الشجاعة...
لقد أمر السيد أية الله العظمى السيستاني بإنزال صورة الكريمة، كانت لفتة رائعة، ليس من ضعف، ولا من هدف دنيوي زائل، ولكن عن زهد وإيمان وصدق.
هذه المادة لا تختلف في مفارقاتها من رفع الصور كدعاية انتخابية، ذلك أن المرجعية تملك مقامها في القلوب، وفي الضمائر، وفي الوجدان، و لها تأثيرها المعروف، فهل نريد أظهار ما هو أجلى من الظهور؟ وهل ينتج من ذلك إلا تضيع حقيقة ساطعة؟
هل المرجعية في حاجة إلى هذه المادة؟
المرجعية الشريفة مستاءة كما ينقل العارفون من قصة الإمتيازات لأعضاء الجمعية الوطنية، فهل استجاب المؤمنون؟
فلماذا هذه الازدواجية الغريبة؟
لقد قالت المرجعية أنها تفضل أن لا تكون الوزارة من أعضاء الائتلاف ولكن أنبرى عضو ليقول أني لا أقلد المرجعية القائلة بذلك؟
أين إذن نضع تلك هذه المادة؟
أين هو تأثيرها؟
أين هو مفعولها؟
أم هناك مآرب شخصية أو حزبية من وراء ذلك؟
لنحترم هذا المقام الروحي العظيم، فقوتنا به يا ناس، لا تطيحوا بهذا الصرح الشامخ بمثل هذه التصرفات الصبيانية المتهرئة.
ولكن لماذا مقام إرشادي؟
وليس مقام الحاكمية؟
وهل هذه المادة اجتهاد؟
أم هي رأي؟
أم هي تعليمات من المرجعية الدينية؟
لا أبالغ أن يقول بعضهم أنها تعليمات من المرجعية الدينية الشريفة، كما سربوا ما لا واقع له على لسان هؤلاء العظام في ملحمة الانتخابات، وكان شيئا مؤسفا، لأنه لم يكن حقيقة أبدا.
من الذي وضع مثل هذه المادة؟
كيف يسمح لنفسه أن يعين وظيفة المرجع؟
ومن قال له أن المرجع يريد أن يكون مرشدا؟
ربما مرجع يريد أن يكون حاكما؟
ولنفترض أن السيد أية الله العظمى علي السيستاني لا يرتأي حاكمية المرجع، فما العمل مع مرجع يرى عكس ذلك؟
لقد قال الصادق عليه السلام لهارون الرشيد (أنت إمام الأجساد وأنا إمام القلوب)!
هل تعرفون الصادق حقا؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف