كتَّاب إيلاف

جامعة آل البيت في العراق 1924ـ 1930 (2)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

جامعة آل البيت في العراق 1924ـ 1930
مصداقية التأسيس وفشل التجربة!
مشروع تأسيس أول جامعة إسلامية اجتهادية حديثة
عند العرب المعاصرين

الحلقة الثانية
أفكار الميجر ويلسن ومخططاته الهندسية:
الميجر ويلسن: معمار بريطاني يتمتع بثقافة عالية وله طموحات مهنية لا حدود لها.. وكان يحتل منصب مدير الاشغال العمومية كمهندس عسكري لامع، وهو الذي وضع المخطط العام للجامعة وقام بتصميم مبانيها المهمة. وسبق للمعمار الميجر " ويلسون " ان وضع تصاميم مستشفى " مود التذكاري " بالبصرة عام 1920، واشرف بنفسه الحلقة الأولى على تنفيذه، كما ساهم في تخطيط واحدة من ضواحي بغداد الجميلة الواقعة وراء السور والتي اسميت بضاحية " العلوية " ببغداد عام 1921، وصمـم ويلسن معسكراً لإيواء الجنود والضباط البريطانيين والهنود في نفس تلك الضاحية (وقد أزيلت بقايا هذا المعسكر في نهاية عقد الخمسينات). كما قام بتصميم " نادي العلوية " في العام نفسه 1921 بطلب من " المس غروترود بيل " في نفس المكان الذي تشغله مباني النادي حالياً (1). واعتبر نادي العلوية واحدا من اقدم نوادي بغداد الحديثة والذي اقترن بتأسيس العراق المعاصر.. ولما كان النادي قد بني في ارقى الضواحي الحديثة للانكليز، لكنه فتح ابوابه للمثقفين العراقيين ونخب المجتمع العليا ببغداد. واخيرا، فان ويلسن ان لم يحقق حلمه باكمال تنفيذ مبنى جامعة آل البيت بالعراق لاخفاق المشروع، فانه بقي وفيا لقناعاته الخاصة وحّقق بعد ربع قرن من الزمن حلمه المعماري بتصميم وتنفيذ المحطة العالمية ببغداد للسكك الحديدية 1947 - 1952، فكانت ولم تزل صرحا معماريا رائعا وجاءت مثيرة للدهشة والجمال.
ولي ان اقول مشاركا احكام بعض الباحثين العراقيين الممتازين ان الميجر ولسن كان قد اضفى على ثقافاته المتنوعة واهتماماته المتعددة جملة من ثقافة العراق الحضارية ووظف ذلك كله في اعماله الى جانب اعمال غيره من المهندسين والمعماريين امثال المعمار كوبر الذي صمم ونفذ مبنى الضريح الملكي 1934 - 1937 (2). لقد كان ويلسن حرفيا رصينا وخبيرا لامعا وفنانا قديرا في مجال اختصاصه، وابدع في اخراج العمارة العراقية بمشاريعه الكبرى وتصاميمه الضخمة التي غدت معالم تاريخية للعراق في القرن العشرين، واستلهم المعماريون العراقيون من اعماله جملة من الرؤى الفريدة في ابداعاتهم اللاحقة في النصف الثاني من القرن العشرين.. لقد جسد القرن العشرون اضافات حضارية للعراق الحضاري الذي اختلف تماما عن العراق السياسي، ولكن التاريخ سيقول كلمته في المستقبل.. وستحكى قصة العراق النهضوية وسيذكر العراقيون من خدمهم وابدع في بناء العراق.. وسيذكر العراقيون على مدى التاريخ من دمّرهم واحرق بلادهم وافنى حياتهم!! وستبقى اسماء من ابدع في العراق ابداعات حقيقية وجليلة واضفاها إلى مصادر الفكر الانساني.

مشروع الجامعة بين فيصل والميجر ويلسن
كتب الميجر جي.ام. ويلسون J.M. Wilson مدير الاشغال العمومية جملة من آرائه الفنية حول هذا "المشروع " في تقرير له أهميته البارزة (3). وقبل ان نحلل التفاصيل التي تضمنّها تقرير الميجر ويلسن، يتّضح لنا بعد قراءة جملة من المراسلات والوثائق والكتب الرسمية بأن جي.إم. ويلسن قد فاتح الملك فيصل بشأن تأسيس هكذا جامعة منذ وقت مبكر لصدور الإرادة الملكية بتشكيل اللجنة التأسيسية، وأن فيصلا قد وافق مبدئيا على ذلك " المشروع " الذي عّلق عليه بالقول انه " عمل يتفقّ مع جل طموحاته واهتماماته ". واذا كان الملك قد كلفه بالاتصال بوزارة الأوقاف لهذا الغرض ؛ مما جعل البعض من الباحثين يتكهن بأن " ويلسون " نفسه هو الذي اقترح بناء جامعة بمثل هذه المكونات والتسهيلات الحديثة، فأنني أعتقد اعتقادا جازما بأن فكرة المشروع ذاته كمؤسسة علمية قد ولدت على يد فيصل الاول، ولكن الميجر ويلسن قد كساها المزيد من الافكار والمقترحات.
صحيح ان كتابا صادرا من دائرة الاشغال العمومية بتاريخ 4 كانون الثاني 1922 (أي قبل قرار تأليف اللجنة بأسبوع) يشير موقّعه " ويلسون " بأنه قدم تقريراً بضرورة إنشاء جامعة آل البيت جامعة بالعراق، ويرسل طي كتابه نص التقرير الذي كان قد أرسله إلى الملك في وقت سابق عن " جامعة في الاعظمية ". ولكن الذي فهمته من فرز الترتيب الزمني للمراسلات بأن ذلك الكتاب جاء رّدا على طلب شفوي من قبل الملك " باستمزاج الفكرة " ويكتب ويلسون ما يلي: " أقدم طيه صورة التقرير الذي قدمتـه إلى صاحب الجلالة الملك المعظم، فيما يخص الجامعة الجديـدة في الأعظمية. وقـد تفضل صاحب الجلالـة بالموافقـة على معروضاتـي، وكلفني أن أعرض المسألة إلى معاليكم لإجراء الإيجاب " (4).

يقول المعمار خالد السلطاني: " ومن سياق المراسلات يفهم بأن " ويلسون " لم يكتف بمجرد إجراء حوارات مع الملك حول إنشاء الجامعة الجديدة وإنما قدم له تقريراً مفصلاً ووافياً عن جميع منشآت الجامعة وكلياتها شارحاً به معايير النهج التخطيطي للجامعة وطبيعة المعالجات المعمارية المقترحة لأبنيتها مشيراً، في الأخير، إلى مقدار الكلف التخمينية للمشروع. ويفهم، أيضاً، بأن التقرير الذي يرسله إلى " الأوقاف " هو ذاته الذي كان قـد اطلع الملك عليه في وقت سابق، وحصل على موافقته الأولية عنه ". ويستطرد قائلا: " ان الوصف الشامل لمفردات التخطيط ومعاييره المثبتة في التقرير، وكذلك أسلوب تتابع عرض محتوياته، تجعل من تقرير " ويلسون " وثيقة على جانب كبير من الأهمية في إدراك وفهم الدلالات التخطيطية والتصميمية " لجامعة آل البيت". وتزداد أهمية هذه الوثيقة معمارياً إذا أخذنا بنظر الاعتبار ضياع وفقدان التصاميم الموضوعة للجامعة ؛ ذلك لأنها " أي هذه الوثيقة " تعتبر الآن ليس مجرد تقرير فني بقدر ما تمثله من مكانة كقيمة مكافئة للمخططات المفقودة، وسجل نصي بدلاً عنها ". ويستنتج بعد كل هذا وذاك قوله: " ومهما يكن من أمر، فان التذكير بمحتويات التقرير ومحاولة استشفاف مغازيه تسهم، باعتقادنا، في تحقيق منظور معماري شامل يتصف بالواقعية لمعظم منشآت الجامعة " (5).

ما الذي نستفيده من قراءة خطّة الميجر ويلسن؟
لقد تطرقت " الخطة " الى جملة من التفاصيل الأساسية، ومنها:
1)حاجة العراق لإنشاء معهد علمي مركزي راق من اجل تأهيل أبنائه للخدمة الاختصاصية في الحكومة وللخدمات الفنية والمهنية. وقد قررت وزارة الاوقاف العراقية الاستفادة من مستجداتها من الأموال ببناء كلية جامعة للارتقاء بالتعليم الديني.
2)لقد أبدى الملك فيصل الاول اهتمامه البالغ بخصوصية هذا "المشروع" ونال تأييده، وجعله حقيقة بعد ان كان فكرة يعالجها في مخيلته. وقد بدأ العمل بتنفيذها، وبمقتضى إرادته خصصت الرسوم والمبالغ المالية من اجل مصادقة مجلس الوزراء على ذلك.
3)على الرغم من ذلك كله، فان هكذا مشروع خطير من الصعب ان ترسم خطة له من دون ان يطرأ عليها أي تغيير، وبالأحرى، ليس من السهولة ضبطها، اذ ينبغي ان تّركز الرؤية الى كيفية نموها وتوسيعها تدريجيا ثم تطويرها من اجل ايفاء البلاد لاحتياجاتها.
4)وعليه، فان المخططين للمشروع ذهبوا الى تأسيس هيئة عمومية واسعة من اجل رسم السياسة والكيفية التي لابد من اتباعها للنهوض بالمشروع واكماله. وان جميع الخطط والمقترحات ذات العلاقة كانت أولية وتمهيدية فقط. ان ارتقاء البلاد وتبدل أوضاعها كفيلان بالعمل على نمو هذه المؤسسة (6).
هكذا، وعلى الرغم من كل المقترحات، فقد رصدت الاموال على وجه تقريبي وبرفقتها بعض المخططات والرسوم التي تظهر التصور الشكلي للمشروع.. وتم الاتفاق على الموقع المناسب للجامعة وتقرر ان يتّم تأسيسها بعد موافقة الملك فيصل الاول في المنطقة الواقعة بين باب الاعظمية ووسط بغداد، وقد اختيرت حديقة واسعة عائدة للاوقاف كائنة على طريق الاعظمية في بستان الطلومبة، وذلك لطيب الهواء واتساع المساحة والابتعاد عن ضوضاء مدينة بغداد وجلبتها.. وقدعدّ ذلك أحد ابرز الشروط التي يمكن توفيرها للجامعات.. كما كان المختصون قد تأملوا بناء خط (ترامواي) كوسيلة نقل متطورة في ذلك الوقت لكوادر الجامعة من اساتذة وطلبة وموظفين بين قلب بغداد حتى موقع الجامعة وبالعكس، وبدأ العمل بوضع الخطط بعد اجازتها من قبل ذوي الاختصاص من المهندسين الذين صادفوا صعوبات جمة في تطبيق الرسوم والمخططات الهندسية (7).

لسؤال:كيف بدت تلك الرسوم الهندسية؟
لقد ضمت " جامعة آل البيت" مكونات وظيفية عديدة ومتنوعة بغية تسيير وتنظيم أدائها كمؤسسة أكاديمية حديثة، إذ شملت ست كليات أو ـ كما سميّت بـ (شعب)، وهي الشعب: الدينية والطبية والهندسية والحقوق والآداب والفنون (8). اما مبانيها، فلقد اشتملت على القسم الإداري المركزي للجامعة الذي دعي (بالصرح المركزي) والذي يحتوي على القاعة الرئيسة (= المحفل الأكبر) والمكتبة والمتحف والمرصد الفلكي، وثمة مسجد كبيـر ملاصق " للصرح المركزي "، فضلاً عن وجود أقسام داخلية للطلبة ودور للأساتذة مع جميع مرافقها ؛ كما احتوى الرسم التصميمي على مطاعم متعددة وأبنية خدمية ويتخلل ذلك مساحات نضرة واسعة وملاعب رياضية عديدة (9).

نعم، من خلال اطلاعنا على بعض خطط تلك " الرسوم " الهندسية باستطاعتنا القول احتوت على صرح مركزي ذي منظرين اثنين لواجهتين اثنتين رفقة حديقتين، إحداهما باتجاه الطريق من المعظم الى بغداد وباقترابات مسافة وافية منها. اما الثانية، فهي باتجاه النهر. ويحتوي الصرح على الباب الكبير وقاعة المحفل الأكبر الذي يبدو على شكل مسرح (= تياترو)، وهناك المكتبة والمتحف والمرصد الفلكي ومجموعة من الغرف الصغيرة للادارة وغيرها. إن هذا الصرح الهندسي بمميزاته الفنية قد أضفى جمالا باهرا من الجهتين: المعظم والنهر، وقسّم رحاب الجامعة الى قسمين متناسقين أحدهما لمساكن الإقامة بينه وبين النهر، والأخر للكليات والاقسام العلمية بينه وبين طريق المعظم (10).
يجري الدخول الى دائرة الجامعة من بوابة كبرى مطلة على جادة المعظم، ويمضي طريق طويل بالداخلين على طرفيه ساحات الرياضة والالعاب، ثم يمضي الى طريق اخر موصل ببوابة الصرح الكبير.. ويشاهد على جانبي هذا الطريق الثاني: ابنية الكليات والاقسام العلمية، ستا منها كبيرة واربعة اخرى صغيرة تتخللها الحدائق المزهرة واشجار النخيل الباسقة. وقد خطط ان تشغل هذه الابنية الستة الكبيرة، الكليات التالية: الكلية الدينية، وكلية المعلمين، وكلية الحقوق، وكلية الطب، وكلية الهندسة، وكلية العلوم والآداب والفنون. اما الابنية الصغرى، فستشغل للامتحانات الفنية والالعاب الرياضية (11).
اما الابنية الواقعة بين الصرح ونهر دجلة، فستغدو منازل سكن داخلية للطلبة الراغبين في السكن الجامعي، وبيوتا جميلة ومريحة للاساتذة، وغرفا للخدم وحمامات ومقاصف ومرافق ومطاعم واسواق وغير ذلك. كما سيبنى مسجد واسع ملاصق للصرح المركزي الكبير، اضافة الى مطعم قريب من البوابة الكبرى للطلبة غير الساكنين في الجامعة. كما وان التصميم المذكور قد راعى في انشاء هذه الابنية على شكل قابل للتوسع فيه في المستقبل (12).
ان كل بناء من ابنية الكليات الست يتسّع باستيعابه اربعمائة طالب، ويحتوي على قاعات المحاضرات تتسع كل واحدة اربعين طالبا، فضلا عن قاعة كبيرة للندوات تتسع لمائتي وخمسين شخصا، فضلا عما يحتويه كل مبنى من غرف مكاتب الاساتذة والادارة. ويعتني طراز البناء المعماري على اسمى الاشكال الفنية الجذابة والمؤثرة التي تعبر عن روح النهضة الفنية العربية. هذا من ناحية البناء، اما الفضاء البيئي، فان المخطط ورسوماته تشير الى تخصيص نسب عاليه من المساحات الخضراء ضمن مديات الموقع، أي ادخال المصمم لعنصر المسطحات الخضراء، وهو عنصر لم تألفه الحياة المحلية المدينية التقليدية في المدن العراقية.. وهنا يمكننا القول بأن المصمم قد ادخل ما يسمى بالمنطقة الحدائقية التي ولع بها الانكليز وشغفوا بها، أي ينبغي على ابنية مثل هذه ان تقع في فضاء من المسطحات الخضراء الفسيحة.

الكلفة والتقديرات المالية:
ولما كان هذا "المشروع" العلمي النهضوي العراقي سيقام على مراحل تدريجية، فلم تقدر نفقاته الا على التخمينات سواء ما يتعلق باجور العمل واثمان المواد في ظل اسعار متقلبة! وعليه، فقد كان من الصعب وضع تقدير مالي دقيق محدد، ولكن كان من ضمن تقديرات المهندسين والفنيين الاختصاصيين ان نفقات الانشاء والتعمير للابنية المقرر اعمارها، وهي الكلية الدينية والصرح المركزي الكبير وقسم من المساكن الداخلية التي تبدو كما في الجدول التالي:

المكان التقديرات بالروبية (التقديرات) بما يوازيها بالدينار
الكلية الدينيــــة30000-40000022500 - 30000
الصرح المركزي الكبيـر700000ـ 90000052500 - 400000
المساكن الداخليـــــة200000ـ250000 15000 - 18750
المجمــوع1200000ـ1550000 90000 - 116250

كما قدرت النفقات الكاملة لتنفيذ "المشروع" بين 4 ـ 5 ملايين روبية (ما يوازي: 300000 - 375000 دينارا عراقيا) بالامكان توزيعها على عدد من السنين تبعا للظروف المالية للبلاد.. كما واقترح انه يستحسن ان يصرف مبلغ قدره نصف مليون روبية (ما يوازي: 37500 دينارا عراقيا) سنويا الى حين اكتمال العمل بالمشروع. لقد كانت وزارة الاوقاف قد تعهدت من المبلغ اعلاه بمليون ومائتين وخمسة وثمانين الف روبية (ما يعادل: 96375 دينارا عراقيا) لتأسيس الكلية الدينية والصرح المركزي الكبير وغيرهما من المرافق، على ان تتكفل كل وزارة ببناء وتأسيس الكلية المرتبطة بها فقط، وسمح بمنح سقف زمني لاكمال المنشآت قدره اربع سنوات فقط، وبناء على مقترحات المهندس الميجر جي. ام. ويلسون، فقد قررت وزارة الاوقاف ان ترصد في ميزانية السنتين الاوليتين مبلغا قدره (375000) روبية (أي ما يقابل: 28125 دينارا عراقيا) لكل سنة، كما انها ترصد في ميزانية السنتين الاخيرتين مبلغا قدره (175000) روبية (أي ما يقابل: 13125 دينارا عراقيا)لكل سنة، وللوزارة المذكورة الحق ان تصرف في السنة اكثر من المبلغ المقرر اذا ما توفر لديها الوفر المالي اهتماما من لدنها بتسريع انجاز المشروع (13).

تأسيس الكلية الدينية بجامعة آل البيت:
لقد اسميت الكلية بـ "الشعبة " التي اخذت وزارة الاوقاف العراقية على عاتقها تأسيسها، وذلك في اليوم التاسع من شهر شعبان سنة 1340 هجرية / 7 نيسان (ابريل)1921م. واعدت سرادقا كبيرا في حدائق الجامعة، وجرى حفل وضع حجر الاساس.. وعرضت في مداخل الساحة مجاميع الخرائط التصميمية التي توضح صورة جامعة آل البيت كاملة. وحضر الاحتفال الملك فيصل الاول واركان الدولة والحاشية والأعيان والاشراف ورجالات العراق من العلماء والادباء والمعتمد السامي البريطاني السير برسي كوكس. والقى وزير الاوقاف الاستاذ محمد علي فاضل افندي خطبة استحسن فيها قرار الملك بتشييد الجامعة، ثم قدم للملك اسطوانة مختومة بالرصاص خزنت فيها صورة الملك بتوقيعه وخريطة الجامعة وخريطة الشعبة الدينية وصحف العاصمة بغداد مع بيان تاريخي كتب على رق وانواع من النقود. وقام الملك بوضعها في الاساس واطبق عليها حجر الزاوية الذي دّق عليه وهو يقول: " كل عمل لا يشّيد على اساس متين كهذا الاساس لا تقوم له قائمة وها انا اضع الحجر الاساسي في اول جامعة تشاد في هذا البلد وأؤمل ان تقدرها الامة العزيزة حق قدرها وتعنى بتأسيس الجامعات الكثيرة امثالها وارقى منها لتستعيد مجدها التاريخي وغارب عّزها القديم وتتسنم مكانة رفيعة في عالم العلم والادب والفن " (14).
وبدأ العمل في بناء المشروع التأسيسي على عهد الوزارة النقيبية الثانية.. وبعد مضي سنتين بالضبط، اكتمل بناء الكلية الدينية. وجرى في اليوم التاسع من شهر شعبان سنة 1342 هجرية / 16 اذار (مارس) 1923 م والذي اسمته الصحف العراقية بـ " يوم الجامعة " و " عيد الامة " اذ كان يوما مشهودا افتتح فيه الملك فيصل الاول بوابة الكلية الدينية بمفتاح من ذهب، ودق بفأس من فضة على حجر الزاوية في الصرح المركزي الكبير. وعاشت بغداد احتفالية كبرى اذ شارك فيها الملك رجالاتها من الاعيان والعلماء واركان الدولة وطلبة المدارس العالية وتلاميذ المدارس الرسمية والاهلية والمعتمد السامي السير هنري دوبس مع عدد من الموظفين الاجانب والسيدات الاجنبيات، ومشت الجماهير من عشرات الالوف من العراقيين نحو جامعة آل البيت التي كسيت ساحاتها وحدائقها بالفرش النفيسة وانتشرت الزينة، ورفعت الاعلام وصّفت الكراسي لجلوس المحتفلين المحتشدين الذين كان وافد منهم يعلق على صدره عند دخوله رمز الجامعة (= شارة تسمى روزه ت) وهو عبارة عن زهرة من حرير ملونة بالوان العلم العربي ذات شريطين كتب على احدهما: " تذكار جامعة آل البيت) وكتب على الثاني (سنة 1342 ) يقدمها الى القادمين المحتفلين طلبة دار المعلمين.
وتليت في الاحتفال الكبير عدة خطب، منها : خطبة وزير الاوقاف صالح بيك باش اعيان التي تلاها نيابة مدير الاوقاف عطا افندي الخطيب عرض فيها خلاصة بالاعمال التي قامت الوزارة بها وما ستقوم به ازاء جامعة آل البيت، واوضح بأن الكلية الدينية قد تّم بناؤها في عامين اثنين طبقا للخرائط التي رسمها مهندسون بريطانيون بارعون، وهم: الميجر ويلسون والميجر ميسن والمستر ترنو حسب الرغبة الملكية. وبلغت كلفة ذلك : (579000) من الروبيات وروبيتين وعشر آنات (ما يقابل: 43425 دينارا عراقيا ). واضافت الكلمة بأن الوزارة قد الّفت لجنة من الخبراء لوضع نظام للجامعة، وقامت بوضعه طبقا لانظمة الجامعات ثم قدمته الى مجلس الوزراء للتصديق عليه.. وان الاستعدادات جارية للبدء بالتدريسات واتتخاب الاساتذة (15).
قدمت بعد ذلك الى الملك فيصل الاول اسطوانة خزنت فيها خريطة الجامعة العمومية وخريطة الكلية الدينية مكتوبا عليها: تّم بناؤها في 9 شعبان سنة 1342 هجرية مع خريطة الصرح المركزي الكبير مع بعض الصحف العراقية والطوابع المحلية.. وقام الملك بتسلمها مجيبا بقوله: " اشكر لوزارة الاوقاف عملها واقدر مسعاها في تشييد الشعبة الدينية واؤمل ان تواصل سعيها بتشييد بقية الفروع مع باقي الوزارات لنرفع للعراق في الجامعة مجدا خالدا "، ثم وضع الاسطوانة في الحجر الاساس ودق عليه اربع دقات على كل ركن منه قائلا: " بسم الله الرحمن الرحيم بحول الله وقوته اسس هذا الصرح ". لقد جرى هذا الاحتفال على عهد الوزارة العسكرية الاولى.. وتناقلت صحف العالم هذا النبأ مع المزيد من الاطراء والتقييم (16).
التخطيط لتأسيس كليات الجامعة الاخرى:
يذكر الاستاذ فهمي المدرس في " بيانه " عن جامعة ال البيت التي تولى رسميا ادارتها والذي رسّم منصبه بعنوان: " امين الجامعة " بأن كليات (= شعب) الجامعة سيجري تشكيلها من الوجهة العلمية على الطريقة التالية:
1)يفسح المجال لمدرسة الحقوق العراقية واضافة فرعين للدراسة احدهما للعلوم المالية، وثانيهما للعلوم الادارية.. وعند نمو الكلية تلحق بها مدرسة للعلوم التجارية ومدرسة للعلوم السياسية.
2)استحداث صفوف عليا في مدرسة الهندسة.
3)تكييف المادة في دار المعلمين العليا لتغدو صالحة من اجل جعلها شعبة (= كلية) للاداب يتفرع منها: قسم للتاريخ والجغرافية وقسم اخر للعلوم الفلسفية.
4)وحتى الاوان الذي يكتمل فيه بناء الشعب (= الكليات) تكون الثانويات العراقية قد استعدت لتخريج طلبة يتعلموا الطب والعلوم الرياضية والطبيعية.. فيبدأ الشروع بتشكيل شعبتي (= كليات) الطب والفنون (17).
السؤال: ماذا تقرر بعد ذلك؟
تقرر ان تستقبل الكلية الدينية بجامعة آل البيت الطلبة من خريجي مدرستي الاعظمية والرحمانية.. كما ان هناك صفوفا تجهيزية في نفس الشعبة ويضاف ايضا الخريجين من بقية مدارس الاوقاف التي تحتاج الى روح الاصلاح وتسييرها بواسطة نظم ومناهج تربوية ومعرفية في الابتدائيات والثانويات.

هوامش:
1-لا يزال قسم من أجنحة النادي وجدرانه محافظة على شكلها الأصلي ومتانتها لحين الوقت الحاضر ـ حسب الذي ذكره المعمار خالد السلطاني ـ.
2- هذه الآراء الهندسية سجّلها المعمار خالد السلطاني في اكثر كتاباته التي أرخ بها نهضة العمارة البغدادية ابان النصف الاول من القرن العشرين.
3- راجع تقرير الميجر ويلسون في:
PRO, F.O. 371, 23214 X1 PO 2648. Annual Report of Iraq, written by Major Welson. 4- كتاب دائرة الأشغال العمومية المرقم ب و / 112 في 4 كانون الثاني 1922،(جدير بالملاحظة أن الكتب الصادرة من دائرة الأشغال العمومية كانت تكتب بنصها الإنكليزي على الجهة اليمنى من الورقة ويترجم النص إلى اللغة العربية على الجهة اليسرى منها ؛ وأنا هنا أنقل حرفياً النص العربي بأسلوبه وأخطائه اللغوية ".
5- راجع بحثه الموسوم: دراسات في العمارة الحديثة في العراق: عمارة جامعة آل البيت.
6- راجع تقرير الميجر ويلسون (سبق ذكره) في:
PRO, F.O. 371, 23214 X1 PO 2648. Annual Report of Iraq, written by Major Welson.
7- Loc. cit
8- فهمي المدرس، " بيان موجز عن جامعة آل البيت "، بغداد، 1930.
9- المصدر نفسه.
10- تقرير ولسن ibid.
11- تقرير ولسن loc.cit.
12- تقرير ولسن

13- فهمي المدرس، بيان.. ص 10ـ11. وقارن مع تقرير الميجر ويلسن اعلاه
14- اعتمادا على: الحكومة العراقية (وزارة الاوقاف): نظام الشعبة العالية الدينية من جامعة آل البيت نظام مدارس الاوقاف الابتدائية والثانوية سنة 1346 هجرية / 1927 م (بغداد: مطبعة النجاح، د. ت).
15- معلومات مختزلة عن اوراق قديمة كتبها جدي المرحوم علي الجميل الذي حضر حفل الافتتاح كواحد من الاعيان اعضاء الشرف.. وقد سجّلها بقلمه ونشرها لاحقا في جريدته، صدى الجمهور، 12 آذار 1927.
16- المدرس، بيان..، ص 13ـ 14.
17- المصدر نفسه، ص 14 ـ 15.

يتبع

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف