القنبلة النووية الشيعية: هل هي المهدي المنتظر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
-1-
العالم كله شرقه وغربه، مهتم ومنهمك وقلق من القنبلة النووية الشيعية القادمة التي تعتبر بديل القوة الأسطورية للمهدي المنتظر الذي سيُخضع آسيا والعالم الإسلامي والعربي لهيمنة الإمبراطورية الفارسية الشيعية بقوة السلاح، كما سبق وخضعت هذه المنطقة للهيمنة الإمبراطورية العثمانية السُنيّة على مدار أربعة قرون كاملة (1517-1918).
والقنبلة النووية الشيعية لن تكون ضد الغرب. فالغرب لقمة كبيرة لا يتسع لها فم الإمبراطورية الفارسية الجديدة التي كان يحلم بها شاه ايران السابق، ولم تواتيه الظروف الدولية الخارجية ولا الظروف الداخلية لتحقيقها. وكانت بلاهته متبديةً حين حاول استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية ليس عن طريق امتلاك القنبلة النووية، ولكن عن طريق إقامة الحفلات الكبرى الباذخة، التي كان يُبهر بها أعلام العالم من السياسيين والصحافيين ونجوم السينما والغناء والمسرح!
والقنبلة النووية الشيعية لن تكون ضد اسرائيل. فما يقوله أحمدي نجاد من قرب زوال اسرائيل بهذه القنبلة ما هو إلا لذر الرماد الفارسي في عيون حكام الخليج التي تضمر لهم القنبلة النووية الشيعية القادمة حساباً عسيراً انتقاماً مما قاموا به من دعم مالي ولوجستي ضخم لصدام حسين في حرب الخليج العراقية - الإيرانية الأولى (1980-1988)، كما تقول الأخبار والتعليقات السياسية القادمة من طهران هذه الأيام. فاسرائيل تعني في الشرق الأوسط الغرب، وخاصة أمريكا. وإزالة اسرائيل من خارطة الشرق الأوسط يعني إزالة الغرب (وخاصة أمريكا) من خارطة الشرق الأوسط. وسوف يهبُّ الغرب حكومات وشعوباً ومنظمات واحزاب للدفاع عن كيانهم الغربي وحضارتهم وقيمهم الغربية في الشرق الأوسط.
فعن ماذا يتحدث أحمد نجاد؟
القنبلة النووية الشيعية هدفها واحد فقط ، وهو سيطرة الإمبراطورية الفارسية الجديدة على آسيا والعالم الإسلامي والعربي سيطرة المستعمر العثماني منذ بداية القرن السادس عشر وحتى بداية القرن العشرين. ونشر الثقافة السياسية والدينية لهذه الإمبراطورية الفارسية الجديدة.
فما هي الثقافة السياسية والدينية لهذه الإمبراطورية الفارسية الجديدة؟
-2-
يقول ابن خلدون في "مقدمته" عن الحكم: "الإمامة هي نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا".
فقد كان الإسلام السياسي في الفكر العربي الكلاسيكي يدور حول محاور محددة، كانت سبباً في خـلاف تيارات هذا الفكر وتباينها ومغايرتها لبعضها بعضاً. وكان من أهم هذه المحاور التي ربما تبدو في أعين المفكرين المعاصرين من تفاهات الفكر السياسي العربي ومن المحاور الهشَّة التي ما كان للفكر العربي الكلاسيكي أن يقف عندها على ضوء المستجدات السياسية في النظرية والتطبيق السياسي المعاصر، ومن هذه المحاور:
أولاً: النسبُ القرشي . فلقد شَغلَ هذا المحور معظم التيارات الفكرية الإسلامية والفِرق الإسلامية المختلفة التي حارت بين أن تتبع مجموعة من الأحاديث النبوية المتناقضة المتضاربة التي قيل أنها وُضعت في العصر الأموي، لتبرير ولاية الأمويين واغتصابهم للحكم، والتي كانت تنصُّ على ضرورة أن يكون الإمام/الحاكم/ الخليفة من قريش، وحديث آخر مناقض ومخالف ينصُّ على طاعة الحاكم العادل، ولو كان عبداً أسود على جبينه زبيبة!
وفي هذا يقول الرسول الكريم:
"إن أُمِّرَ عليكم عبدٌ مجدع (مجدوع الأنف) يقودكم بكتاب الله تعالى، فاسمعوا وأطيعوا".
والأحاديث التي تروى عن الرسول الكريم، بشأن حصر الخلافة/ الإمامة/الحاكمية في قريش فقط، كانت تقول:
"الأئمة من قريش" . (رواه البخاري في باب "الأمراء من قريش"). و "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبَّـه الله على وجهه ما أقاموا الدين" (رواه معاوية بن أبي سفيان). و "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان". (رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب). و "قريش ولاة هذا الأمر". (رواه أبو بكر).
وهذه الأحاديث كلها وغيرها - إن صحَّت أو لم تصح - تُكرِّس الولاية وأمرها لقريش كما هو واضـح، وتحصرها في هذه القبيلة الصغيرة لا لعلمها ورفعـة شأنها وغناها وتاريخها السياسي الطويل وذراعها الحربي المشهود له على مرِّ التاريخ بالذود عن الحياض وعن كرامة العرب، ولكن فقط لأن الرسول قد خرج منها، ولأن القبلية والعصبيـة كانت مهيمنة على الفكر والسياسة والثقافة كذلك، وهو ما عبَّر عنه الشاعر ابن قيس الرُقيات بقوله:
أن تُودِّع من البلادِ قريشٌ لا يكن بعدهم لحيٍ بقاءُ
ومن المعلوم أن قريشاً كانت قبيلة صغيرة من القبائل العربية ، وهناك قبائل في الجزيرة العربية أكبر حجماً وأشد بأساً وأرفع مقاماً كتميم والأزد وقضاعة وعبد القيس وهوازن وغطفان وغيرها. وأن الثروة التي أصابت قريشاً كان محصورة في هاشم بن عبد مناف. وأنه عندما مات هاشم ترك أخاه المطلب وبنيه فقراء لا مال لديهم، ولا علو لمكانة لهم في قريش. ورغم تميز الكثيرين من رؤساء العرب على القريشيين في فضائل الجود والكرم، فإن قريشاً كان تزعم لنفسها امتيازاً على بقية العرب. وبسبب عملهم في التجارة عُرف القريشيون بالطمع والمغالطة والتطفيف والإخسار في الكيل والميزان والمقياس والرشوة. كما يكفي قريش ذُلاً وهوناً أنها حاربت النبي ونفته من مكة وأرادت قتله لو استطاعت. ويحاول بعض مؤرخينا تمييز قريش على غيرها بخصائص الحلم والجود والذكاء وبعد النظر ولكن هذه كلها مبالغات سببها أن هؤلاء المؤرخين يأخذون من مجد قريش بعد الإسلام ويضيفونه إلى مجدها قبل الإسلام. (حسين مؤنس، تاريخ قريش، ص 7، 143، 193، 195).
في الجانب المقابل، هناك أحاديث تكاد تنفي وتنسف كل هذه المقولات وتعارضها وتناقضها، ومنها الحديث الذي يقول معناه: "اسمعوا وأطيعوا ولو وُلّيَّ عليكم عبد أسود في جبينه زبيبة". ويروى عن الرسول الكريم حديثاً يقول: "أطيعوا ولو وُلّيَّ عليكم عبد حبشي". ومن المعروف أن لا عبد أسود في قريش، وأن قريشاً كلها من البيض، ومن السادة والملأ الأعلى.
فكيف يتم هذا الأمر والأئمة كلهم من قريش، والأمر كله معقود لقريش وسادتها ولا أحد غيرهم؟
وكانت فرقة الخوارج هي الفرقة الوحيدة في تاريخ الأحزاب السياسية الإسلامية التي وقفت من موضوع وجوب أن يكون الإمام الحاكم من قريش موقف المعارضة الصريحة المتصلبة. وهم الذين نادوا بأن يكون الإمام الحاكم مَن تتوفر فيه شروط الإمامة دون التقيد بجنس أو لون أو نسب. وهم يعزلونه متى افتقد إلى شروط الإمامة. وقد عُدت نظرية الخوارج في الإمامة "سابقة في فلسفة الحكم العربي الإسلامي لم يسبق لها مثيل. ولعلها التطبيق الأول لروح فلسفة الإسلام في هذا المقام" (محمد عمارة، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، ص170).
-3
ثانياً: عصمة الإمام. فقد عرَّف المعتزلة العصمة بأنها "اللطف الذي يمنع عن عمل القبح"، أما الشيعة فقد عرَّفوها بأنها "اللطف من الله والتهذيب النفسي من العبد للعبد". واختلف المفكرون المسلمون بشأن ضرورة أو عدم ضرورة عصمة الإمام الحاكم. ففرقة من الشيعة الإمامية التي كانت ترى رؤية الكنيسة المسيحية من أنه لا بُدَّ من وجود واسطة بين الله وعبـاده سواء كانت هذه الواسطة نبياً أو مبشراً أو حاكماً. وأن الشرع الذي جاء به النبي لا بُدَّ له من حافظ، والحافظ هو الإمام/الحاكم. ورأت أن الإمام معصوم، شأنـه شأن النبي في عصمته. وقد بدأ المجتهدون (الفقهاء) في إيران يمارسون منذ القرن السادس عشر وظيفة الكهنة بالمعنى الاجتماعي على الأقل. وقد تفاقم هذا الميل في نهاية القرن التاسع عشر مع ظهور وظيفة "آية الله" لأول مرة، وهي أول معادل للأسقفية. (لويس برنارد، اللغة السياسية في الإسلام، ص43).
وتأتي فرقة الشيعة الإمامية بأدلة مختلفة على عصمة الإمام، منها أن الإمام لو لم يكن معصوماً عن الخطأ لجاز عليه الخطأ ، وبالتالي جاز عليه إنكار الخطأ بوجوب النهي عن المنكر. وهـذا يتنافى مع قول الله بإطاعة أولي الأمر منا. ومن هنا فإن هذه الفرقـة تجعل طاعة الحكام أمراً مطلقاً لا شك فيه، ولا غبار عليه.
وقد اختلف المعتزلة مع الشيعة الإمامية حول عصمة الإمام. وكـان مردُّ هذا الاختلاف أن المعتزلة لا تضع الإمام/الحاكم في مقام النبي المُنـزَّه عن الخطأ وعن الحساب والعقاب في وظيفته الإبلاغية، وإنما تضعـه في مقام الحساب والعقاب مثله مثل بقية حكام وولاة الأرض في التاريخ. كما أن المعتزلة لا تُسند إلى الحاكم مهمات دينية تُؤهله للعصمة، كما هي الحال عند الأنبياء الذين نالوا العصمة في البلاغ - وليس في التصرفات الحياتية - لدورهم في تبليغ رسالة الله. في حين أن المعتزلة قالت بضرورة العدالة للإمام، وليس بضرورة العصمة. وقالت بعض فرق السُنَّة قول المعتزلة هذا. ولقد اتفق مع المعتزلة جانبٌ من أهل السُنَّة. ونبّه أبو حامد الغزالي إلى أن الشيعة بموقفهم هذا من عصمة الإمام يقفون موقف المعادي للديمقراطية بلغة العصر الحديث، وذلك عندما حكموا بأن الطريق الوحيد الآمن هو المتمثل في الأخذ عن الإمام الفرد المعصوم، وأن تعدد الآراء يدخل في نطاق الخطأ والباطـل . ( محمد عمارة، المعتزلة وأصول الحكم، ص 213).
-4-
ثالثاً: عِلْمُ الإمام. وكما غالى الشيعة في عصمة الإمام فقد غالوا أيضاً بعلم الإمام، وكأن أحكامهم في العصمة والعلم كانت أحكاماً مثالية ونظرية لا أرضَ واقعيةً تستند إليها. والدليل على ذلك قولهم إن الإمام عالم بجميع الأمور التشريعية وبكافة الأحكام، وبكل ما كان وبكل ما يكون أو ما هو كائن. وبلغ الغلو في الشيعة أنهم رأوا أن "علم الإمام أكثر من علم النبي، بل وأكثر من علم كل الأنبياء مجتمعين. وإذا كان الرسول يتلقى العلم من السماء بواسطة الوحي الذي يأتيه به ملك يراه حيناً ولا يراه حيناً آخر، فإن الشيعة يعتقدون أن الأمر نفسه يحدث للإمام، ولكنه لا يرى الملك، وإنما يسمع صوته. وأن الوحي بالنسبة للإمام هو التفهيم والتحديث. والنبي والإمام كلاهما يتلقيان الوحي من مصدر واحد وهو السماء، بواسطة روح القدس" (محمد عمارة، مصدر سابق، ص216-218).
ويرد محمد عمارة هذا الرأي وهذا الموقف للشيعة إلى كون هذه الآراء مُسندة إلى الإمامين: جعفر الصادق ومحمد بن علي زين العابـدين. وأن هذه الآراء عقيدة طارئة في الفكر الإسلامي. وما هي إلا بقية من عبادة الملوك المشهورة التي خالطتها بعض العقائد الإشراقية عند قدماء الفرس.
أما المعتزلة فقد رفضوا رأي وموقف الشيعة من علم الإمام. وقد انطلق رفضهم لهذا من خلال موقفهم من عدم عصمة الإمام وعدم مسؤوليته في الحفاظ على الشريعة. وقال المعتزلة بعدم حاجة الإمام إلى هذا القدر الكبير من العلم. وأن العلم الذي هو بحاجة إليه ليس العلم الديني وإنما العلم الدنيوي الذي يستطيع به إدارة شؤون الدولة والرعية. وأن مجرد الاجتهاد في الأحكام يكفي. وأن الرسول نفسه - الذي يُقرنه الشيعة بالإمام - لم يكن يعرف كل الأحكام. وأن المعرفة كانت تنـزل عليه بالتدريج.
وبهذا نرى أن المعتزلة (علمانيو الإسلام الأوائل) الذين احتلوا مساحة كبيرة في الفكر العربي السياسي الكلاسيكي، قد فصلوا صراحة بين الدين والدولة، وبين مهمة الداعية الديني ورجل الدولة، وبين علم الحاكم وعلم النبي، وبين المعرفة الدينية والمعرفة الدنيوية. ومن هنا كان يُقال لو أن القيصر كان له قلب المسيح لما استطاع أن يحقق الفتوحات التي حققها.( بنيلوبي مرّي، العبقرية .. تاريخ الفكرة، ص195).
وأما الشيعة، فقد ربطوا ربطاً محكماً بين الدين والدولة، وبين الإمام الديني والإمام الدنيوي. بل إنهم اعتبروا أن هناك إماماً واحداً للدين، يقبض على الدالين معاً: دال الدين، ودال الدنيا، كما هو الحال في إيران الآن منذ 1979 وفي العراق مستقبلاً فيما لو تولوا الحكم وعزلوا بقية الأحزاب السياسية العراقية الأخرى. فاعتبر الشيعة أن الأئمة حفظة الدين وحكام الدين والدنيا في الوقت نفسه. وهو ما تسعى الجماعات الإسلامية السياسية إلى تحقيقه في أنحاء متفرقة من العالم العربي.
ويعلل محمد عمارة موقف الشيعة من الإمامة ومن منحها "الحق الإلهي" بأنه موقف نابع من معارضتهم ورفضهم لسلطة البشر الظالمة، وتعلُّق بالمطلب الرامي والداعي إلى استبدال هذه السلطة البشرية الظالمة بسلطـة السماء العادلة ( محمد عمارة، المعتزلة وأصول الحكم، ص 290).
ولكن هذا التبرير غير صحيح وغير منطقي ويخالف الواقع التاريخي الذي كان قائماً آنذاك. فالمعتزلة كانوا من المعارضة أيضاً ومن الرافضين للسلطة البشرية الظالمة، ولكنهم لم يستبدلوا سلطة البشر الظالمة بسلطة السماء المطلقة كما فعل الشيعة. وإنما نادوا بعدل سلطة البشر، وفصل هذه السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وفصل العلم الديني عن العلم الدنيوي.