حكاية ماكس ميشيل وأشياء أخرى (1-2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الزوبعة المفتعلة التي أثارها السيد ماكس ميشيل وإعلانه عن تأسيس كنيسة جديدة في مصر، وإنشاء مجمع مقدس في مصر والشرق الأوسط، طرح العديد من الأسئلة عن حكايته ومن ورائها، وأهم تساؤلين هما عن طبيعة الدور الأمريكي والدور المصري وراء ظهوره، وهل هذا البالون سيظل منتفخا أم سيترك حتى يهبط تدريجيا أم سيتم تفريغه عنوة؟
أولا:حكاية ماكس ميشيل
أصبح معروفا الآن، أن ماكس ميشيل الذي تخرج من الكلية الأكليريكية في السبعينات من القرن الماضي أختلف مع البعض في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وطرد من الخدمة ولكنه لم يشلح لأنه لم يكن يحمل رتبة كهنوتية. أخذ يتنقل عبر كنائس مختلفة في مصر إلى أن أستقر في نهاية المطاف في الولايات المتحدة ليدرس ويتخرج من مدرسة سانت ألياس للاهوت الأرثوذكسي عام 2004 باسم ماكس حنا St. Elias School of Orthodox Theology، وتمت رسامته أسقفا من أحد المجامع للكنائس الأرثوذكسية المنشقة عن المجامع الأرثوذكسية المعروفة والمعترف بها. وأسم المجمع الذي رسمه هو المجمع المقدس في الشتات الأمريكي للمسيحيين الأرثوذكس الحقيقيينHoly Synod for The American Diaspora of The True Orthodox Christians وهو أحد المجامع المنشقة عن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية ومقره سيوارد بولاية نبراسكا الأمريكية. وهم مجموعة تتبع التقويم القديم، والذين يتبعون التقويم القديم رفضوا التغيير من التقويم اليوليوسى إلى التقويم الجريجورى وأنفصلوا فى عام 1924، أي مازالوا يحتفلون بعيد الميلاد يوم 7 يناير مثل الأقباط في مواجهة التيار الرئيسي من اليونان الأرثوذكس الذين يحتفلون بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر، ولهذا أطلقوا على أنفسهم أصحاب "التقويم القديم" Old Calendarists " ويسمون أنفسهم الأرثوذكس الحقيقيون True Orthodox أو الأرثوذكس الاصليون Genuine Orthodox وقد قاموا برسم ماكس ميشيل أسقفا في 14 يوليو 2005 تحت قيادة رئيس الأساقفة ملكي صادق ليؤسس كنيسة القديس أثناسيوس الرسولى في مصر والشرق الأوسط، ويقول موقعهم على الانترنت أن كنيسة القديس اثناسيوس الرسولي بمصر أنشأت مجمعها المقدس يوم 2 يوليو 2006 وأصبح أسم الأنبا مكسيموس هو البابا مكسيموس حنا الأول.
عودة إلى ما تسمي بالكنائس الأرثوذكسية المستقلة في أمريكا، الواقع يقول أن هناك العشرات من هذه الكنائس، وهي ليست منشقة عن الكنائس الأرثوذكسية الأصلية المعروفة وإنما يمكن أن نعتبرها "متمردة" قام بتأسيسها المطرودون من كنائسهم لأن الانشقاق له أصوله ويتبع الأختلافات الإيمانية، ولكن مؤسسوا هذه الكنائس في الأغلب هم متمردون على قياداتهم الدينية، وليس لهم وجود يذكر في بلادهم الأصلية، وإنما اختاروا أمريكا باعتبارها أرض الحريات الدينية بحق وهي أهم دولة في العالم تسمح وتشجع التعددية الدينية طالما أن هذا لا يخالف القانون ولا يضر بالآخرين، وقد وجدت أثناء بحثي عشرات الكنائس الأرثوذكسية ذات مسميات مختلفة في أمريكا بعضها متمرد على كنيسته الأصلية والبعض الآخر يدعو لأفكار شاذة لدرجة أنني وجدت كنيسة تسمي الكنيسة الأمريكية الأرثوذكسية للشواذ، وهذه الكنائس غير معترف بها لا فى بلادها الأصلية ولا من المجامع الكنسية التاريخية.
هناك غموض يحيط بالكنائس الأرثوذكسية المستقلة في أمريكا،وهو نفس الغموض الذي حمله ماكس ميشيل معه إلى القاهرة، فلا يوجد لديهم "إعلان عقائد" يوضح ما هو إيمانهم وتفاصيل معتقداتهم، كما أنهم عكس كل كنائس العالم الرسولية وعكس العرف المتبع تاريخيا يؤمنون بزواج البابا والأساقفة .
وهناك نقطة اخرى وهى لكى تكون رسامة الأسقف صحيحة يجب توفر ثلاثة شروط وفقا لقوانيين الرسل والمجامع المسكونية: اولا أن يقوم برسامته اسقفان أو ثلاثة وثانيا من يقوم بالرسامة خلافة رسولية أى ذات تسلسل رسولى مستمر لرسل المسيح وثالثا أن يكون لهذه الكنيسة إيمان صحيح معلن ومكتوب. والشرط الثانى والثالث لم يتوفرا فى الكنيسة التى قامت برسامة ماكس ميشيل والشروط الثلاثة لم تتوفر فيمن قام برسمهم ماكس ميشيل فى المقطم.
ثانيا: دور أمريكا
ولعل من المناسب أن نوضح الدور الأمريكي في قضية ماكس ميشيل، فقد ردد البعض بجهل وأحيانا بنفاق وكذب أن ماكس ميشيل عميل أمريكي أو مسنود أمريكيا ووصلت الجهالة أن أحدهم قال ان ماكس ميشيل ينتمي إلى طائفة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، و المعروف عن رايس أنها بروتستانتية وأبيها كان قسيسا بروتستانتيا، وقد أثبت بعض الأقباط في هذا السياق في أنهم أبناء البيئة المتخلفة ذاتها وأن بعضهم لا يقلون نفاقا وجهلا عن بعض أشقائهم المسلمين، فالمهرب هو تحميل أمريكا المسئولية بعيدا عن الدولة والأجهزة المصرية.
كما قلنا أن أحد أهم ميزات أمريكا أنها أرض الحريات الدينية، فالحريات الدينية مصانة بحكم الدستور لا تمس وهناك احترام صارم وحقيقي لهذه الحريات، وكل المؤسسات الدينية والشركات العملاقة تؤسس كشركات قابلة للربح أو غير قابلة للربح،وفي الأغلب جميع المؤسسات الدينية تسجل كشركات غير قابلة للربح لتحصل على إعفاء ضريبي لصالح المتبرعين، وهناك مئات الآلاف من الشركات الأمريكية القابلة أو غير القابلة للربح، وبمجرد تسجيل هذه الشركات من حقها أن تحصل على وثائق تثبت وجودها وتعتمد هذه الوثائق من الخارجية الأمريكية إذا رغبت في فتح فروعا لها في أي مكان في العالم، ويتوقف حق فتح الفرع خارج أمريكا على الدولة المستقبلة وليست أمريكا، وفي نفس الوقت يمكن التصديق على أي شهادة أو رسامة لأسقف أو غيره من الخارجية الأمريكية فدور الخارجية هو اعتماد فقط أن هذا صادر عن مؤسسة أمريكية مسجلة ولها رقم ضريبي وختم معتمد، Notary Public أما التفاصيل فليست مهمة الخارجية أو غيرها.
النقطة الثانية في أمريكا ليست فقط الحرية الكاملة في إنشاء الالاف من الطوائف والأديان المختلفة، ولكن الفصل التام بين الدين والسياسة، لدرجة أن هناك قضايا كثيرة رفعت ضد الحكومة الأمريكية فى السنوات الأخيرة لتأكيد هذا الفصل منها رفع قضية لإزالة لوحة للوصايا العشر من أمام أحدى المحاكم الأمريكية، وقضايا لإزالة تماثيل دينية من أمام مؤسسات أمريكية رغم أن هذه وتلك ليست أكثر من لوحات فنية جميلة، بل وصل الأمر لرفع قضية أمام محاكم سان فرانسيسكو لإزالة كلمة "في الله نثق In God We Trust " من على العملة الأمريكية.
والذين يعرفون أمريكا بحق يعلمون تماما أنها لا تشجع فريق أو طائفة دينية على حساب الأخرى، وإنما الكل يلتزم بالدستور الأمريكي الذي يقدس الحريات وفي مقدمتها الحريات الدينية. وقد أكد ذلك المتحدث باسم السفارة الأمريكية بالقاهرة جون بري لوكالة الأنباء الفرنسية " إن القول بأن الولايات المتحدة تدعم كنيسة الأنبا مكسيموس غير صحيح على الإطلاق، نحن لا نتدخل بأي طريقة من الطرق في شئون الكنيسة القبطية، نحن لا ندعم أي فريق، سواء كانت كنيسة مكسيموس أو غيرها وما قيل في هذا الشأن لا أساس له من الصحة".
ثالثا: الدور المصري
الدور الأمريكي واضح، لا أحد يستطيع أن يخالف المبادئ الدستورية والقوانين التي تفصل الدين عن السياسة، والمسألة ليست هزار فهو التزام حقيقي وصارم.
ماذا عن الدور المصرى؟
المسألة أذن برمتها في الملعب المصري، والمسئولية الأساسيةعن هذه الزوبعة تقع على الجانب المصري، وأختلف مع قداسة البابا في قوله أن الجانب المصري التزم الحياد، قد تكون الحكومة المصرية لا تدرشيئا عن ماكس ميشيل، ولكن الشأن الديني القبطي وتفاصيله في قبضة الأجهزة الأمنية التابعة للدولة.
وقد سألتني محطة إذاعية حول هذا الموضوع فقلت بوضوح أنه إذا كان قداسة البابا شنودة حصل على رتبته البابوية من التسليم الرسولى ونفخ فيه من الروح القدس فإن ماكس ميشيل نفخ فيه من المخابرات المصرية.
فالموضوع من أوله إلى آخرة ما كان سيحدث لولا دور أجهزة الأمن المصرية، ولذلك أختلف أيضا مع ما أعلنه الرئيس مبارك بأنه لا يتدخل في الشأن الديني ولا في القضاء. فهذا غير صحيح، فكل شيء في الشأن الديني وخاصة القبطي هو تحت أيادي ثقيلة للأجهزة الأمنية المصرية التابعة له تحركه كما تشاء، فهل إنشاء كنسية على رؤوس الأشهاد في المقطم لم تدر بها أجهزة الأمن ولم تباركه أو على الأقل تتغاضى عنه؟ وماذا عن القرار الجمهوري للتصريح بإنشاء هذه الكنيسة؟ وماذا عن الشروط العشرة التعسفية التى تطارد بناء الكنائس؟ وماذا عن العراقيل الأمنية والإدارية؟ وماذا عن الرعاع الذين يتصدون لمحاولة إنشاء أي كنيسة وذلك تحت نظر الأمن وأحيانا بتحريضهم حتى أصبحت كل كنيسة مصرية لها قصة محزنة ومبنية بدماء الأقباط؟ وماذا عن الحكومة المصرية التي تراقب كل شاردة وواردة وقامت بإغلاق المعهد الجمهوري الأمريكي منذ أسابيع رغم أنه مؤسسة أمريكية عريقة وليس ككنيسة ماكس ميشيل الوهمية؟
وإذا كانت الحكومة المصرية لا تتدخل في شأن الأديان كما ذكر الرئيس مبارك فلماذا تضطهد الشيعة وهم طائفة مسلمة تعدادها مئات الملايين في العالم ولا تسمح لهم ببناء مساجدهم وممارسة عقائدهم بحرية؟ ولماذا تضطهد البهائيين وتنكر عليهم حق الاعتراف بهم رغم أنهم يشكلون 6 ملايين في العالم ولهم مراقب رسمي لدي الأمم المتحدة وتنتشر معابدهم في أغلب دول العالم؟ وهل إذا قام شخص في أمريكا بتأليف حكومة في المنفي وإعلان نفسه ملكا على مصر، وهذا حق له في أمريكا، هل ستعترف به الحكومة المصرية وتسمح بدخوله مصر؟ وهل تسمح الحكومة المصرية للعلويين وهم يحكمون دولة عربية هي سوريا بإقامة مساجد لهم في مصر ؟ ولماذا لم تسمح الحكومة المصرية لشهود يهوه بالوجود وأغلقت معابدهم؟
أنا شخصيا أؤمن تماما بحق الإيمان وحق الإلحاد وبالحريات الدينية كما هي موجودة في أمريكا، ولكن الأمر في مصر مختلف، فلا توجد حريات دينية وإنما حريات انتقائية تخضع لتقديرات الأجهزة الأمنية بالدرجة الأولي ولا مجال لادعاء غير ذلك فالمسألة واضحة.
وهناك نقطة أخرى فيما يتعلق بالكنائس المعترف بها عالميا،هناك بروتوكول يشبه سيادة الدول، فلا يستطيع رئيس أساقفة روسيا أو اليونان أن يرسم أسقفا على مصر ويلبسه زي الأقباط الأرثوذكس ويقول له أذهب وأسس كنيسة أرثوذكسية مستقلة فهذا مرفوض وفقا لقرارات المجامع المسكونية ويشبه أن يعين الرئيس بوش محافظا للقاهرة أو أسيوط مثلا فهذا لم يحدث حتى في ظل الاحتلال المباشر. باختصار كل الأسئلة وكل علامات الاستفهام توجه إلى الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية دون غيرها.
رابعا: دور أقباط المهجر
ردد البعض أقاويل حول علاقة ماكس ميشيل بأقباط المهجر، هذا أيضا جزء من بروبوجندا التشهير بهم، فالسيد ماكس ميشيل لا علاقة له بكل التيارات الرئيسية في المهجر التي تقف بقوة مساندة للكنيسة القبطية برئاسة البابا شنودة الثالث، ولمن لا يعلم لا يوجد انقسام قبطي في المهجر بين الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت كما فى مصر، فأغلب الأقباط هنا بمختلف طوائفهم ينتظمون في الكنائس القبطية الأرثوذكسية بحكم انتشارها في أغلب الولايات الأمريكية لانه لا توجد كنائس كاثوليكية وبروتستانتية مصرية كافية، وبالتالي فأتباعها ينتظمون في الكنائس القبطية الأرثوذكسية. والكنائس هنا لا تمثل مكانا للعبادة فقط ولكنها تقوم بدور النادي الاجتماعي ومكانا للتعارف والالتقاء بين الأقباط ولهذا ينتظم فيها الأقباط على اختلاف طوائفهم، والجميع يساندون كنيستهم القبطية ورئاستها الدينية.