نجيب محفوظ .... أيقونة مصرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في يوم الأربعاء 30 أغسطس ودعت الإنسانية أحد فرسانها النبلاء، ذلك هو نجيب محفوظ الذي وصفته نيويورك تايمز ب "ضمير المجتمع المصري" ،أما لوس أنجلوس تايمز فقالت "انه أيقونة الحياة الأدبية العربية"، صحيفة هآرتس الإسرائيلية نعته بعنوان كبير "رحيل أحد أعظم الأدباء في القرن العشرين". وفي حيثيات منحه جائزة نوبل عام 1988 قال بيان الأكاديمية السويدية "نجيب محفوظ أسهم في تطوير اللغة الأدبية في الأوساط الثقافية على امتداد العالم الناطق بالعربية. بيد أن مدى إنجازه أوسع بكثير، ذلك أن أعماله تخاطبنا جميعا". ووصفه الرئيس جاك شيراك ب "الشخصية العظيمة في حقل الأدب العالمي ورجل سلام وتسامح وحوار"، أما الرئيس جورج بوش فقال " أن مؤلفات هذا الروائي العظيم تغوص في أعماق حياة المصريين والبشرية أجمع.. مؤلفاته ستطلع أجيالا من الأمريكيين والقراء فى العالم كله على مصر التي كان يحبها".
وقد نعي الرئيس مبارك نجيب محفوظ واصفا إياه بأنه "علم من أعلام الفكر والثقافة وروائي فذ ومفكر مستنير وقلم مبدع وكاتب خرج بالثقافة العربية وآدابها إلى العالمية.. وأنحاز بقلمه لشعب مصر وتاريخه وقضاياه وعبر بإبداعه عن القيم المشتركة للإنسانية ونشر بكتاباته قيم التنوير والتسامح النابذة للغلو والتطرف". وتوالت الكلمات التى تصف هذا الروائي العظيم مثل "عاشق مصر"، "آخر الليبراليين الكبار"، "الهرم الإبداعي للرواية العربية"، "عميد الرواية العربية"، "الأب المؤسس للرواية العربية"، "فيلسوف القاهرة الروائي"، "آخر العمالقة"، "الفرعوني الأصيل".... الخ.
ورغم كل هذه الألقاب التى يستحقها بجدارة الإ أن الأجمل هو ذلك الإجماع بين المتابعين لادب وحياة هذا الرجل، أن حياته وصفاته وسيرته الشخصية هي أهم وأجمل وأبدع روياته والتي تركت أعظم الأثر في أصدقائه المقربين، فهو شخص رقيق، شديد التواضع ، إنساني، متسامح، منفتح، مسالم، منضبط، صبور، نزيه، متوازن،عقلانى، واقعى ، مخلص، ليبرالي وعلماني. جسد في حياته وأعماله قيم التقدم والاستنارة والعدالة والتسامح الديني. هذه الصفات بالإضافة إلى خفة ظله وضحكاته المجلجلة وتشجيعه الدائم للآخرين جعلت منه مغناطيس يجذب إليه كل من يقابله. ورغم كل هذه الصفات الجميلة التي كان يتحلى بها كاتبنا العظيم نجيب محفوظ إلا أنه لم يكن محبوبا من التيار الشعبوى العام فى مصر والعالم العربى، وبالتأكيد كان محل كراهية وعدواة الإسلاميين مثله مثل طه حسين واحمد لطفى السيد وسلامة موسى وتوفيق الحكيم وزكي نجيب محمود ولويس عوض وكل من سار على نهجهم في التنوير والعقلانية وأنسنة الثقافة العربية والانفتاح الإيجابى على العالم الغربي.
فالحربجية لا يحبونه لأنه رجل سلام أيد الأتفاق مع إسرائيل ومعاهدة كامب ديفيد وخرج من ثقافة الكراهية والحرب المستدامة، والإسلاميين يكرهونه لأنه يطرح الأسئلة الحقيقية الصعبة عن الدين والحياة والعلم، ويدعو لثقافة الحب والتسامح والأستمتاع بالحياة، بمعني أوضح هو النقيض الكامل لفكر هؤلاء المتطرفين أعداء الحياة. والقوميين العرب ينفرون منه لأنه ضد الإيدلوجيا والدوجما المسيطرة على عقولهم، والعروبيين لأنه مصري أصيل تشكل مصر عشقه الأول ومحور حياته وادبه.
والأزهر ،الذي رفض حتى أيامه الأخيرة الموافقة على إعادة طبع "أولاد حارتنا" وطبعتها دار الشروق في بيروت، لأن نجيب محفوظ يطرح أسئلة عن الإيمان الحقيقي الداعم لحرية الإنسان وحقه في الحياة والاختيار والعدالة لا تستوعبها هذه العقول الكلاسيكية التراثية التي تجسد العلاقة مع الله في مجموعة من الشعائر الصماء.
والثورجية والعسكريين لأنه عاشق للحرية وضد شعاراتهم الكاذبة التضليلية والدجل الذي يمارسونه بأسم الوطنية المزيفة والتي أدت في النهاية إلى القضاء على الحريات والازدهار والتنمية لصالح الأستبداد والفساد والخراب.
ولهذا لم يخرج في جنازته إلا حوالي مائتي فرد أغلبهم من أصدقائه في حين ودع لاعب الكرة محمد عبد الوهاب، الذي رحل في نفس التوقيت، أكثر من 125 ألف حسب ما نقلته وكالات الأنباء.
باختصار نجيب محفوظ سيبقى في وجدان المصريين الحقيقيين ولكن للأسف ما اندرهم في مصر هذه الأيام. وسيبقي في وجدان العالم لأنه مبدع حقيقي وروائي إنساني لمس وجدانهم بابداعاته وأفكاره الإنسانية.
الإرهابى الذي طعن نجيب محفوظ عام 1994 هو يعبر عن التيار العام للهوس الديني في مصر، فعمر عبد الرحمن الذي كفره، والإسلاميين بمختلف اتجاهاتهم المعاديين لافكار وكتابات ومبادئ الرجل ، والمناخ الثقافي الطارد للفكر المستنير، كل هذا تجسد في أداة إرهابية استخدمها جاهل للأعتداء على أحد رموز الاستنارة الكبار. نجيب محفوظ كروائي قام بتشريح المجتمع المصري في روياته ،أدرك حجم التغيرات السلبية التي لحقت ببلده فى العقود الأخيرة وهو يقول " كل الصفات الشريفة تزدهر في الأوقات الصحية وتتدهور في الأوقات غير الصحية، ومصر تعيش مناخ غير صحي". مضيفا " أشعر بالأسف لأن شابا من شبابنا يكرس حياته للمطاردات والقتل، فيطارد ويقتل بدلا من أن يكون في خدمة العلم والوطن".
لن أضيف كثيرا بالكلام عن نجيب محفوظ الذي تناولته العشرات من الأقلام والمقابلات والدراسات والكتب والأفلام الوثائقية.. ولكن في الختام أود أن أنقل بعض من أقوال الرجل:
bull;الدكتاتورية هى أم الكبائر السياسية.
bull;الحرية ذلك التاج الذي يضعه الإنسان على رأسه ليصبح جديرا بإنسانيته.
bull;النظام الديموقراطي هو أفضل نظام لحياة الإنسان حتى لو شابته بعض الأخطاء. ذلك إنه النظام الوحيد القادر على تصحيح نفسه بنفسه، والنظام الوحيد الذي يعطي الشعب حق محاسبة حكامه بل وعزلهم.
bull;الإيمان الوحيد الحاضر في قلبي هو إيماني بالعلم والمنهج العلمي.
bull;الأدب ثورة على الواقع لا تصويرا له.
bull;لو لم نصل للمعني العام لا جدوي لكتاباتنا.
bull;المرأة أهم رابطة تربطنا بالحياة.
bull;هذه هي الحياة أنك تتنازل عن متعك الواحدة بعد الأخرى حتى لا يبقي منها شيء وعندئذ تعلم أنه قد حان وقت الرحيل.
وداعا أيها الأستاذ العظيم... الشامخ بتواضعه الغنى ببساطته القوى بزهده العملاق بإنجازاته الحر باستقلاله المتسامى بتسامحه
وطوبى للودعاء والمتواضعين لأنهم يرثون الأرض والسماء
وذكرى الصديق تدوم إلى الأبد
magdi.khalil@yahoo.com