الاتجاه المعاكس... وإشاعة الطائفية البغيضة إعلاميا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
امتازت الحلقة الأخيرة من البرنامج الفضائحي المعروف "الاتجاه المعاكس" على قناة الجزيرة بالرداءة العامة في مضمونها وفقدان السيطرة بشكل مطلق من قبل معد ومقدم البرنامج فيصل القاسم... فيما يبدو انه إشارة الى استنفاذ البرنامج لأي دور تنويري او تثقيفي او حواري، ربما كان يلعبه في السابق... وأقصد عندما كان لقناة الجزيرة دوراً تثقيفياً او تنويرياً في العالم العربي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001... عندما استحقت جائزة الأمير كلاوس الهولندي بسبب الدور المهم والرائد الذي كانت تلعبه في المجتمع القطري خاصة، والعربي عامة.
فيما بعد تحولت الجزيرة الى صوت وصورة "القاعدة" وجميع أشكال التطرّف الفكري والعملي، وتحوّل دورها في كثير من الأحيان من التنوير الى التحريض، ومن التثقيف الى التبشير... وباستثناء الخدمات الإخبارية المباشرة، فان كل برامج الجزيرة يغلب عليها خطاب سياسي واحد، إسلامي أصولي وقومي عتيق من الستينات... مع انفتاح عام على كل ما هو مضاد للسياسة الأمريكية في هذا العالم. ولا تختلف في هذا برامج الجزيرة المعدّة مسبقاً او البرامج الحوارية مع ضيوف محددين او برامج الآراء الهاتفية. بالطبع كان لنا شهر عسل مع الجزيرة مع حلقات البرامج الحوارية مع المفكر "محمد أركون"، مع الأستاذة "نوال السعداوي"... وغيرها من البرامج او الأفلام عن غيفارا او الشيخ إمام... لكن كل ذلك لا يعدو ان يكون واحات صغيرة جداً في صحاري الجزيرة القاحلة الشاسعة!
اختار فيصل القاسم لحلقته الأخيرة عن إعدام صدام حسين شخصين نموذجيين من العراق، مشعان الجبوري - عربي سني معارض سابق لصدام حسين... ومعارض للحكومة الحالية أيضاً، وصادق الموسوي - عربي شيعي معارض سابق لصدام حسين... وموالي للحكومة الحالية. ومنذ الساعات الأولى، كان إعدام صدام قد تحوّل الى مسألة خلاف سياسي/طائفي في وسائل الإعلام المختلفة، وعلى رأسها الجزيرة بالطبع. وجاء برنامج الاتجاه المتعاكس ليستثمر مثل هذا الخلاف المزدوج... واكتفى القاسم بإشعال الفتيل، وأعطى "الحرية" لضيفيه ليتبادلا الاتهامات والسباب السياسي/الطائفي بعصبية بالغة وصوت عالي... وفي لحظات تصورت ان لغة الأيدي سوف تستخدم، وكذلك المقذوفات الخفيفة عبر طاولة هذا الحوار "الحرّ" - الحرية هنا مأخوذة من مصطلح المصارعة الحرة بالطبع.
لقد أثارتني الحلقة الى حدّ الضحك من البرنامج وموضوعه وضيوفه ومقدمه الذي بدا يائساً لا يستطيع ان يسكت أياً من المتحاورين او يعيد النقاش الى نبرة موضوعية وعقلانية... وأجزم انه في نهاية الحلقة، كان القاسم يتنفس الصعداء بعد هذه المصارعة الكلامية الحرة التي فجرت رأسه وبرنامجه، وأجزم - مرة ثانية - ان أياً من مشاهدي البرنامج لم يتمكن من فهم وجهة نظري الضيفين "المتصارعين" بسبب العصبية والغضب والتركيز المتطرف على الخلافات والنزاعات السياسية/ الطائفية الراهنة في المجتمع العراقي. علماً، ان الموضوع بذاته ساخن جداً، ويتحمل العديد من التأويلات والتفسيرات السياسية في توقيته وسرعة تنفيذه، والرسائل الإعلامية التي صاحبته... والأهم من كل هذا، ونتيجة كل هذه القضايا والتداخلات والتشويش... فقد أصبحت مسألة إعدام صدام حسين تبدو وكأنها معلقة في الفراغ او خارجة عن سياقها المنطقي والتاريخي والسياسي. وحتى من كان خصماً لدوداً لصدام طوال حياته، فقد أصبح - بسبب كرهه للسياسة الأمريكية او للحكومة العراقية الحالية - معارضاً شرساً لإعدام صدام.
لقد استبشرت خيراً بدخول شخصية إعلامية ليبرالية ومطّلعة جداً مثل الأستاذ "محمود شمّام" الى مجلس إدارة الجزيرة... وتراجع دور القوى الدينية والمتطرفة في رسم سياسات الجزيرة وتشكيل خطابها الإعلامي الملتبس. مثلما استبشرنا خيراً بمولد قناة الجزيرة الدولية، التي نتمنى ان تكون صوتا إعلاميا عربياً محترفاً ومتوازناً في الساحة الدولية، ونذكّر هنا أيضاً بمولد قناة الجزيرة الوثائقية التي نتمنى لها كل النجاح. ان كل هذه التطورات والتغييرات تستدعي - فيما تستدعي - إعادة النظر في الجزيرة "العربية" ومراجعة برامجها المعتادة وخطابها الزاعق - غير اللائق بأي محطة إخبارية محترفة ومحترمة ومعروفة عالمياً. وبالتأكيد، فان العديد من برامجها - وحتى كوادرها "المحبوبة" - قد أصبحت بحاجة حقيقية الى تغيير او تحديث... او على الأقل، الى عمليات شدّ الوجه!