مقدمة في الفكر الشرقي القديم (1/3)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الفكر الصيني القديم
ترجع بدايات التفكير الصيني المنظم إلى عهد قيام إمبراطورية الشانغ والتي ظهرت في الألف الثاني قبل الميلاد. حيث التنظيم السياسي الواضح المعالم المستند إلى التوزيع الطبقي والقائم على النشاط الاقتصادي ، حيث برز للعيان النشاط العمراني والتعدين وظهور طبقة من المثقفين الذين عرفوا الكتابة وأسرارها، والتي اختص بها كبار الكهنة، ومن هذا فإن الإمبراطور حظي بالسلطتين السياسية والدينية ، حتى عد إلها أعلى،باعتبار أن الدين كان قد ارتبط وبوثوق بفكرة عبادة روح الأجداد وتعظيمهم.والواقع أن الأصل الذي استند إليه العقل الصيني ، كان قد ارتبط بالطبيعة بشكل وثيق عبر فكرة ( الكوي) والقائمة على تقديس روح الأجداد.وفكرة ( الشين )المستندة إلى العاصر المادية الرئيسة حسب طريقة تفكيرهم والقائمة على ؛ المعدن، الخشب، الماء، النار، التراب. ومن واقع امتزاج هذه العناصر يبرز مسار الثنائية القائمة بين الخير( الينغ) والشر ( اليين). وبين هذين العنصرين يبرز مقام القانون ( الطاو).
السماء بوصفها أصلا للوجود
مزج العقل الصيني بين ثنائية ( الكوي - شين)، حتى صار التطلع إلى القوى التي تزخر بها السماء، فيما كان التشخيص للقوى المادية بأنها لا تحتوي إلا على عنصر الشر.ومن هذا الشغف بالسماء راح التركيز كله ينصب عليها ، بوصفها أصلا للوجود ومحركا له.فالخصب والنماء والخير واستمرار وديمومة الحياة ، إنما هو رهن بالسماء. ومن هذا عرف الكيان السياسي الأول مبدأ الربط بين الإمبراطور بوصفه ابنا للسماء وهو الكاهن الأعظم والزعيم السياسي الأعظم.حتى كان الدين الطاوي بمثابة العقيدة الرسمية والتي راحت تكنى بـ (شانغ طاو) ليبرز التكريس للإمبراطور شانغ بوصفه ابنا للطاو.
انطلقت عبادة ابن السماء من ضفاف الأنهار اليانغ تسي ونهر الهوانغ هو ، لتشمل عموم الصين التي راحت تدين بهذه العقيدة، حيث السعي إلى السماء من خلال التركيز على المناطق العالية التي تقربهم من السماء، حتى كان جبل شانتونغ بوصفه الأعلى في المناطق الشمالية ، لتتم فيه ممارسة الطقوس ووفود جموع الحجيج إليه. والذي راح يوصف بـ طاو شان.مرورا بـ بان لو وهو الطريق الذي يسلكه الحجاج والذي تم تعميره خلال عهد أسرة الهان 206-220 ق . م. ومن ذها ترابط المادي بالروحي ، من خلال السعي إلى محاولة الإنسان الارتقاء بجسده المادي إلى السماء عن طريق الطبيعة ، والمتمثلة بأعلى قمة الجبل، التي تطل على باقي المظاهر الطبيعية مثل بحيرة التنين الأسود و وادي الهوانغ هو.
تكرست عبادة (شانغ - طاو) باعتيار البحث عن العدالة ، والاعتقاد الراسخ بأن الإنسان في حقيقته كائن يقوم على معطيات الخير، أما الشر فهو مظهر عارض وليس أصيل فيه. ومن هنا يكون التفاعل بين الروح الأصيلة للخير الكامن في الإنسان وشريعة السماء التي تتمثل في الطاو، والتي تقوم على الجانب الأخلاقي والذي يتمثل فيه قانون الواجب. هذا القانون الذي يقوم على ؛ أن البصيرة بالخير تقود إلى نور النفس، ومن هذا النور يكون الطريق إلى الوجود الذي يفضي نحو الإله.إنه الواجب الأخلاقي المستند إلى أهمية الفضيلة بوصفها سر سعادة الإنسان والقوة الكفيلة بالحفاظ على تماسك وقوة المجموع، والذي يتم عبر البحث الداخلي العميق في النفس البشرية، استنادا إلى حرية الاختيار والإرادة الواعية. ومن هنا فإن الواجب في الطاو لا يقوم على احتكار وظيفة الطقوس الدينية ، بقدر ما يكون قائما على البحث عن جوهر الخير.
ثقافة أسرة شو
انتهت أسرة( الشانغ) على يد الغزو القادم من الغرب ، والمتمثل في قبائل الهان والتتر، وخلال العام 1125 ق م. تم الإعلان عن ظهور أسرة الـ شو، لتبرز معالم التغير في التفكير الديني، والذي استند إلى فكرة الهياو - تيان، أو الطاو الحي، وهي الفكرة التي راحت تعمل على تجسيد فكرة الإله الماثل في السماء والقادر على ضبط الإرادة والتحكم بها. فيما تفاعلت المفاهيم والأفكار القادمة على يد القبائل القادمة من الغرب ، لتنتج إضافات تم تحميلها على الدين الصيني القديم، حيث قام حكم آيسن جرو المنشوري ، على فكرة النسبة إلى السماء عبر ولادته من قبل أمه العذراء، بزعم أنها قدمت قربانا إلى السماء، أرادت فيه أن يكون لها نسلا سماويا. وحتى القرن السادس ق . م. بقيت الصين تحت حكم أسرة الـ شو، لتبدأ سلسلة من الفتن والانقسامات، والتي عصفت بالبلاد لتبدأ التجزئة والتقسيم ، والذي جعل من الصين تتحول إلى ستة آلاف مقاطعة عاشت تحت هيمنة السادة الإقطاعيين، الذين لم يتورعوا عن الصراع والتطاحن فيما بينهم، ليدمغ تاريخ الصين حول تلك الفترة بـ عصر الفوضى.
في القرن السادس قبل الميلاد، برز اتجاهان من الإصلاح، الأول ظهر في مناطق الجنوب وقد اتخذ الطابع الروحي ، فيما كان الثاني قد تبدى في الجانب الاجتماعي والذي تركز في مناطق الشمال، حيث دعوة كونفشيوس. وفي الجنوب برز دورا لمصلح ( بي يانغ) لي والذي حظي بلقب الحكيم العظيم ( لاو تسو) والذي نادى بأهمية العودة إلى نظام الطاو - الواجب، لكن هذه العودة اتخذت بعدا تجديدا قوامها الاستناد إلى تكييف معنى الطاو، والذي تم تقديمه بوصفه المجرد اللامحدود والذي لا يخضع لمؤثرات الزمان والمكان.ومن هذا ظهر دستور ( الطاو طي كنغ) والذي راح يتخذ بعده الفلسفي في العقل الصيني إبان تلك الحقبة.ومن هذا وضع لاو تسيو آراءه وأفكاره في كتاب ليؤكد على البحث في العقل الذي يؤدي إلى الكامل الذي لا يحده حد. إنه السعي إلى الطاو من دون الخضوع للطقوس أو تقديم القرابين، بل أن العقل هو الذي يقربك إلى الطاو.وعلى اعتبار أن الخير مرتبط بوجود الطاو ، فعلى العاقل أن يركن إلى ( الوو - وي) والتي تتمثل بها الطمأنينة التامة.فالبحث عن الخير والطريق إلى الصلاح يحصن صاحبه من الشر، هذا الأخير الذي يمثل عرضا طارئا في الحياة، باعتبار أن الخير هو الأصل.ومن هذا تقوم نظرية المعرفة الصينية استنادا إلى النفس التي تقود إلى المعرفة.
في القرن الرابع قبل الميلاد ، برز للدعوة إلى العقيدة الـ لاو تسي، الحكيم ( شوانغ تسي) والذي ركز على مبدأ أن الحكيم ومكانته تقوم على مدى قدرته على تحمل اللآلام، وباعتبار القدرة المحدودة التي يمتلكها البشر العاديون ، فإن الأمر بات يرتبط بالسحر باعتباره الوسيلة التي يتم من خلالها تسهيل شؤون الناس، وعليه ، برز دور الكهنة الذين لم يترددوا من الادعاء بجعل (لاو تسيو) نبيا وأن دعوته تعد عقيدة دينية.ولم يتردد الكهنة الذين تحولوا إلى مؤسسة لها مصالحها ونفوذها ، أن يقتبسوا عن البوذية فكرة الساكياموني الهندية، حيث الربط بين الصوفية والسحر، ليتم المسعى نحو تجسيد لاوتسيو بصورة ابن العذراء، ليتخذ طابعا شرعيا بوصفه تجسيدا للإله.
يتبع