كتَّاب إيلاف

جوزيف سماحة.. وداعا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما غادرت الجزائر سنة 1992 و أستقررت في لبنان لم أجد أدنى صعوبة في الإنضمام إلى الخارطة الإعلامية اللبنانية التي كنت أكتب في صحفها قبل ذلك و التي تضامنت معي كصحفي جزائري ففتحت لي ذراعيها و أحتضنتني كاتبا و صحفيا ومحللا، و كنت أكتب في معظم الجرائد اللبنانية اليومية بدءا من جريدة اللواء التي ما زلت عضوا فيها إلى وفاة جوزف سماحةيومنا هذا ومرورا بجريدة السفير و الديار ونداء الوطن وغيرها من الصحف والمجلات، و أعترف أنّ ما قلته في بيروت لا يمكنني أن أقوله في أي عاصمة عربية، فبيروت و الحرية توأمان،
ومثلما ربطتني بالصحافة اللبنانية أوشج العلاقات والتي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، كانت تربطني برموز الصحافة اللبنانية علاقات وطيدة بحكم الزمالة أولا، و بحكم النقاش الفكري و السياسي المفتوح والذي يتناول تفاصيل العملية السياسية في كل الجغرافيا العربية و غيرها، و ممن عرفتهم عن كثب الأستاذ جوزيف سماحة الذي تنقل في منابر إعلامية كثيرة و إنتهى به المطاف في جريدة السفير كرئيس للتحرير ثمّ إستقال منها ليتولى رئاسة تحرير جريدة الأخبار الناشئة،.
و عندما غادرت بيروت للإستقرار في السويد، كنت أجد نفسي مضطرا للعودة إلى بيروت دوما تارة بصفة شخصية و تارة للمشاركة في مؤتمرات و ندوات تقام في هذه العاصمة التي لا ينضب نقاشها الفكري وجدلها السياسي و إحتجاجاتها المفتوحة، و من الذين كنت أحرص على زيارتهم الأستاذ جوزيف سماحة حيث يذكرك بجيل الصحافة العربية المؤسسة لسعة إطلاعه و علاقاته الواسعة و حنكته الإعلامية اللامعة، وقد كان دائم المراجعة لأفكاره و منطلقاته الإيديولوجية يبحث عن الأفضل دوما، و في كل مرحلة مراجعة كان يدنو أكثر إلى ثوابت الأمة ومنطلقات الشارع العربي وهو القادم من مدرسة إيديولوجية لا تؤمن كثيرا بهذه الثوابت،.
مرة و في مكتبه في جريدة السفير سألني عن المعلومات المتوفرة لديّ عن جريمة إغتيال الحريري فقدمت له تحليلي الخاص و كان قد إطلع على مقالة لي في جريدة اللواء بعنوان : الدوائر الغربية و إغتيال رفيق الحريري، ووجدته قد أخذ بالتحليل الذي قدمته له، و هكذا في كل مرة كنّا نلتقي و نتجاذب أطراف الحديث في المتغيرات الراهنة، و أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان كنت موجودا في بيروت وقد حال إغلاق مطار بيروت وكافة الطرق البرية دون مغادرتي السريعة لها، فكنّا على تواصل دائم أحدثّه عن أخباري و ما ألاقيه من صعوبات في التنقل و كنت أعد كتابي الذي يحمل عنوان : شاهد على تدمير بيروت، في تلك الأثناء طلب مني جوزيف سماحة أن ألتقيه في مبني جريدة الأخبار يوم الجمعة 14 تموز 2006 لكن كثافة القصف الإسرائيلي و إنعدام الطريق الآمن حال بيني و بين الوصول إلى اللقاء و إكتفينا بالحديث هاتفيا،.
وبعد ذلك إتصل بي هاتفيا و طلب مني الإنضمام رسميا إلى جريدة الأخبار و كلفني بملف شمال أوروبا كما حددّ مهمتي في مراسلة جريدة الأخبار من العاصمة السويدية ستوكهولم، كان دقيقا في متابعة تفاصيل العمل الصحفي، و عندما إنعقد المؤتمر الدولي لدعم لبنان طلب مني متابعة المؤتمر و ما سوف يتمخّض عنه،.
كان يعتبر نفسه أنّه وصل إلى شوط متقدم في العمل الصحفي و أنّه سوف يخصّ الجريدة التي تولى رئاسة تحريرها بكل تجاربه السابقة، و دعا للكتابة فيها أمهر الصحفيين اللبنانيين و العرب وكان يحلم أن تصبح جريدة الأخبار مدرسة مغايرة في العمل الإعلامي والصحفي وبعيدة عن لعبة التجاذبات السياسية في لبنان،.
كان مسكونا بالهم اللبناني و بالهم العربي، و حاول عبر إفتتحياته اليومية في جريدة الأخبار أن يعكس هذه الهموم و قد وصل إلى قناعة بأنّ الأمركة خطر على العالم العربي بل والإسلامي و الأسرلة مصطلح مرادف للأمركة ويكمل بعضهما البعض،.
بموته خسرت جريدة الأخبار و الصحافة اللبنانية و الصحافة العربية رمزا من الرموز الإعلامية و الصحافة المكتوبة و التي ستظل رغم بريق الفضائيات الأساس و الأصل والمنطلق والأبقى، و شتّان بين صحفي مرئي يردد ما كتب له على شاشة مكبرة و بين صحفي يجمع بين الفكرة والصياغة و يدبّج ما لا تقدر الكاميرا على تقديمه،.
لقد كان سماحة ضدّ ثقافة الشطيرة و شطيرة الثقافة - أو ثقافة الساندويش وساندويش الثقافة - كان يبحث عن الجديد يوميّا و يتفاعل مع القضايا الكبرى لأمته،.
آخر إتصال هاتفي تلقيته من سماحة، قال لي : يحي لقد حولت حقوقك و هي محفوظة، و بالتأكيد فإنّ هذا الصوت لن أسمعه ثانية،
ربما ستجد مقالاته الرائعة في كبريات الجرائد اللبنانية طريقها إلى الجمع ومن ثمّ النشر، وهذا أقل ما يمكن أن يفعله محبوه،...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف