كتَّاب إيلاف

كردستان: مشاريع في المركز، وقتل في الأطراف!(1ـ2)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ثمة مشهدان أثنان، يكتشفهما المراقب الحصيف عند النظر لحال اقليم كردستان الجنوبية (أو: كردستان العراق)، والذي يٌدار بإدارة كردية مستقلة منذ 1991. المشهد الأول: حمّى البناء والتطوير والتحديث واقامة المشاريع الكبرى في مدن ومواقع الداخل، اضافة إلى "المدة التبشيرية" الناهضة، والتي تجهد القيادة الكردية لبثها في المنطقة والترويج للإقليم بوصفه "جزيرة ديمقراطية" وسط بحر الظلام والديكتاتورية في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بالتالي. وتستفيد المؤسسة الدعائية الكردستانية من واقع حال العراق: حيث تراجيديا تفخيخ الأسواق الشعبية واعمال القتل اليومي على الهوية المذهبية. وهناك كذلك، علاوة على كل ذلك، إنهماك كردي رسمي واضح في استقطاب الأصوات الليبرالية العربية الداعية للتغيير والتحديث، ودعوتها لكردستان بغرض الإطلاع عن قرب على "التجربة الديمقراطية في الإقليم" وتسويق تلك التجربة، حيث التعددية والإعتراف بالأقليات العرقية والدينية والإعلام الحر، كانموذج يجب ان يقتدى به، عراقياً واقليمياً...
وثمة، في موازاة كل ذلك، مشهد آخر، وهو المشهد الذي يتفاعل جزئياته "تحت البساط" بعيداً عن الأضواء الكاشفة. وأعني به حالة التهميش والظلم الواقعة على شريحتين أساسيتين من شرائح الشعب الكردي، وهما "الكرد الإيزيديين" و"الكرد الفيلية" اضافة إلى "الكرد الشبك"!. بمعنى آخر، هناك سياسة تجاهل تجاه "كرد الأطراف" وتأجيل النظر في مشاكلهم البنيوية مع كل من تركة النظام الصدامي الآفل، والحكومة المركزية المتذبذبة، وأخيراً الإدارة الكردستانية نفسها. وهناك، في المقابل، تركيز واضح وفاضح على "كرد المركز" والحديث عن مشاكلهم وتخصيص كل الوقت والميزانية لهم، واللهاث لتحقيق المزيد من الرقي والتطور في مناطقهم، وحقن تلك المناطق بالمزيد من المشاريع الإنمائية/الإستثمارية، والعمل الجاد على توفير الخدمات في المركز، الذي بات يٌمثل قلب كردستان النابض(ان لم نقل كردستان كلها)، حيث ان كردستان هنا اصبحت تعني محافظات اربيل والسليمانية ودهوك. مع أخذ مكانة كركوك بعين الأعتبار، حيث هي القضية ومحور النضال الآن.
والأنكى من ذلك، ان هناك عقلية تخوين وتجريم بدأت في الظهور والتجذر بين "كرد المركز" ومثقفيهم "القوميين الليبراليين"، وهذه العقلية تنظر بعين الشك والريبة ل"كرد الأطراف" وتكيل لهم التهم الجاهزة بالتخلي عن "الكردايه تي" بمجرد حديث هؤلاء عن خصوصياتهم الدينية والمذهبية. لذلك نسمع ونقرأ للبعض وهو يتأفف ويكيل الإتهامات للإيزيديين بالتخلي عن القومية لصالح الديانة حال مطالبة هؤلاء بالمساواة والحقوق، والفيلية بالميل للطائفة على حساب القومية فور سماع شكاويهم حول الإهمال المقصود الحاصل في مناطقهم و"الخمخمة الرسمية" في إزالة الغبن الصدامي عنهم وإرجاع مناطقهم لحضن الإقليم. والأكثر من ذلك، ان هناك اشارات لاتخلو من خبث، تغمز من قناتهم وتتحدث همساً وجهراً، عن قربهم من ـ وولائهم ل ـ الشيعة العرب، الذين يتقاطعون معهم بالإنتماء المذهبي. هؤلاء الأخوة في الإدارة الرسمية وفي المؤسسات المستقلة جعلوا من كردستان حكراً على شريحة كردية واحدة هي الكرد السنّة، وساهموا في اقصاء بقية الشرائح الكردية وكيل التهم الجاهزة المعيبة لها. لقد نجحوا في خلق كردستان السنيّة بامتياز. كردستان التي تجعل كل مفاتيح الحل والربط بيد الكرد السنّة/كرد المركز السادة أصحاب الأمر والنهي، وتقصي بقية الكرد وتحشرهم في اطراف كردستان على الهامش: جغرافياً، وسياسياً كذلك.
انظروا إلى حال الإيزيديين، فهؤلاء يعانون التهميش الصارخ ويتم استبعادهم عن المشاركة في ادارة الدولة الكردية الفيدرالية، في مؤسسات الحكم وفي قيادة البيشمركة. وكنا حذرنا طويلاً ومنذ بضع سنين في كتاباتنا الكردية والعربية من استمرار حالة عزل وتهميش ومحاصرة الإيزيديين، وقلنا ان الضغط يولد الإنفجار. لكن لاحياة لم تنادي، فالقوم في حكومتنا الرشيدة مشغولون بأولئك "النفر المثقف" الآتي من اصقاع أوروبا الباردة، من الذي يكيل المديح الخلبي المفرط مقابل رزم الدفاتر اياها!. حذرنا ولم يسمعوا حتى وقعت الواقعة وحصل الذي حصل في مدينة الشيخان، عندما هجم قطيع من الرعاع( والذين ترواحت اعمارهم، وهنا الكارثة، بين 9 و25 عاماً) ليحرقوا دور العبادة والمراكز الثقافية العائدة "للكورد الأصلاء" ويجعلوها اثراً بعد عين: وكان الحقد والإحتقان ظاهراً، فلم "تكن رمانة، لكنها كانت قلوب مليانة"، على رأي المثل الشامي.
وتطور الوضع نحو الأسوأ، لتتوسع الهاوية بين الإيزيديين والمسلمين: جناحي الأمة الكردية. وكانت ردة الفعل الخاطئة من جانب البعض الإيزيدي في تأسيس احزاب سياسية تدعو ل"القومية الإيزيدية"، وهي احزاب "ردة فعل" على واقع التهميش الطويل، ولاتملك الحجة ولانراها تخدم الإيزيدية في شيء.
وكانت حادثة مقتل الفتاة "دعاء" بالشكل الهمجي الذي حصل، فازداد الإحتقان وتحول الإيزيديون الى هدف مشروع للتنظيمات الإرهابية الظلامية في الموصل، حيث عد هؤلاء الإيزيديين "خارجين عن الدين"، ويجب "الإنتقام منهم لقتلهم فتاة مسلمة" كما ادعوا زوراً وبهتاناً. وبذلك صار الإيزيديون تحت مرمى نار الإرهاب القاعدي المسعور. فمن يحميهم الآن؟. هل ستقرر حكومة أربيل ارسال فرق البيشمركة لحماية الإيزيديين في شنكال المحاصرة(350,000 كردي ايزيدي) مثلما ارسلت الفرق العسكرية الكردية لبغداد لحماية العرب السنّة؟.
وماذا بشأن المادة 140 والتي يجب بموجبها ان تلحق شنكال بالإقليم؟ ماالذي فعلته الحكومة من اجل ضمان عودة شنكال لحضن كردستان؟. وما صحة الأخبار التي ترددت كثيراً، حول "ترك الحكومة الخيار" لأهالي شنكال المهمشين، المحبطين، الغاضبين، المحاصرين فيما يتعلق بقبول المادة 140 أو رفضها ؟. اين هي منجزات الحكومة ومشاريعها في شنكال، التي قد تغري الشنكاليين بالتصويت بنعم على المادة 140؟. الحقيقة، والحقيقة مرة كالحنظل هنا، ان الحكومة اهملت، ومازالت، شنكال وجميع مناطق الكرد الإيزيديين، وهي عندما حصدت 110 آلاف صوت في شنكال لصالح (اللائحة الكردستانية) ولم تدرج شخصاً إيزيدياً واحداً ضمن مجموعة البرلمانيين الكرد الأقحاح ال54، نالت غضب الشنكاليين واستدعت خيبة املهم. ومعلوم هنا ان من يزرع الريح يحصد العاصفة. فكيف اذن بإهمال الحكومة للمناطق الإيزيدية من نواحي الخدمات والمشاريع التنموية، ناهيك عن التمثيل السياسي في البرلمانيين والحكومتين والإدارتين الإقليمية والمركزية؟. ففي الوقت الذي تخصص فيه حكومة الأقليم مبلغ 800 مليون دولار لبناء مدينة اعلام عملاقة بالتعاون مع شركات إمارة دبي( والمدينة ستقام في اربيل وليس في شنكال او خانقين) يتعرض فيه العامل الكردي الإيزيدي للنحر في الموصل، وهو في طريقه من اجل كسب دولار واحد في اليوم؟؟.
لماذا لا تجد منتجات الفرد الإيزيدي الطريق لبعض مدن الداخل الكردستاني بحجة انها "غير طاهرة"؟. اين الخطط التربوية في بناء جيل جديد، وتجفيف منابع الإصولية الإسلاموية، التي لن تجلب علينا سوى الخراب والدمار، مثلما جلبت على غيرنا؟.
الإيزيديون يحتاجون لحماية من ابناء جلدتهم بقية الكرد، والقيادة الكردستانية متمثلة في شخص رئيس الإقليم مسعود البارزاني، الذي نحبه ونجله، مدعوة لحمايتهم وفعل كل ما من شأنه من اجل ربط شنكال بالإقليم وبسط سيطرة القانون، ومن ثم البدء بحملة بناء وتعمير واستثمار في المنطقة لتوظيف شبان شنكال وضمان اللقمة الشريفة لهم. تلك اللقمة التي تغنيهم عن التوجه لمناطق الخطر في الموصل للركض وراء لقمة العيش والتحول لصيد سهل للمجرمين هناك.
الرئيس البارزاني قادرعلى وضع استراتيجية جديدة وخطة ممنهجة لإعمار المناطق الكردستانية ذات الأغلبية الإيزيدية، وتعويض الإيزيديين عن بعض من الغبن التاريخي الذي لحق بهم، والظلم المزدوج الذي كابدوه اثناء فترة حكم النظام الصدامي، حينما كانوا يقتلون مرتين: الأولى بسبب قوميتهم الكردية والثانية بسبب انتمائهم الديني الإيزيدي.
نحن نعلم ان القرار في يد الرئيس البارزاني، وهو الذي قلنا عنه انه بسياسته القومية وبعد نظره حيال اجزاء كردستان الأخرى وحركة التحرر في شمالي كردستان انهى "عصر الشقاق الكردي" للأبد. والمأمول الآن ان يتدخل لينصف الإيزيديين وينهي الشقاق والصدام الحاصل بين مكوني كردستان الرئيسيين. ذاك الصدام الذي لم تكن "حادثة الشيخان" ومقتل "دعاء" واستشهاد الفتيان ال24 في الموصل، سوى رأس جبل الجليد الضخم، وماخفي كان اعظم.
وكردستاننا، كلنا، من وراء القصد...

tariqhemo@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف