في ذكرى مصرع الشيخ معشوق الخزنوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خالص جلبي: جاءتني من أخت فاضلة كردية تعمل في الصحافة تسألني رأيي في الشيخ معشوق الخزنوي، الذي قضى نحبه بيد المخابرات السورية، كفكر وحدث وجريمة، بعد أن تم رسم سيناريو عجائبي عن ظروف موته، أنه إنه قتل على يد جماعة سلفية في حلب، ليدفن بعدها في مدينة دير الزور، بعيدا عن مسقط رأسه، في قرية تل معروف التابعة لمدينة القامشلي، وينقل جثمانه إلى القامشلي فيما بعد، وهو ما يذكرني بفلم (فان توماس) العجيب؟ أو اختفاء الملك الأموي هشام المؤيد مرات ميتا ثم يبعث من اللحد؟؟ وعندما قتل الشيخ الخزنوي فليس لأنه كردي، فهذا تسرع في الحكم، بل لأنه شكل خطرا مميتا على الطاغوت فكان لابد من التهامه..
وخلاصة القول في موت واختفاء معشوق الخزنوي أو باقر الصدر أو موسى الصدر أو حاليا ميشيل كيلو الذي استقدم الأنجيل من زوجته كي يموت في سجن البعثيين في دمشق.. فالشيخ الخزنوي ليس بدعة من الرسل والمصلحين، فهناك الكثير من الأنبياء قتلوا، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه، والمسيح وصل لحافة الصلب بدون صلب، ليختفي في ظروف أشد عجبا من اختفاء معشوق أو الإمام الأثني عشر، فهذه هي قصة مكررة في ظلمات الاضطهاد السياسي، ولقد أعملت الذهن جدا في هذه المسألة، فانفتح لي نور من روزنة التاريخ.. فأقول وبالله المستعان..
قبل أن يموت (تشاوسسكو) بأربعة أيام سئل عن الأوضاع في رومانيا وكان في زيارة إلى طهران هل يمكن أن تتأثر بالإعصار الذي يدمدم في شرق أوربا وتتساقط فيه تباعاً عروش الملوك الحمر ؟ قال : سلوا شجرة التين هل تنبت حسكاً ؟ صحيح أن من حولي تساقطوا ولكنكم لا تعرفون الشعب الروماني وقيادته الحكيمة. وعندما سألوه عما يحدث في مدينة (تيمي شوارا) والعصيان المدني خلف قس مغمور؟ قال: أما القس الذي حرض على الشغب فهو أخرق مأفون وأما من حوله فهم شرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون. وبعد أربعة أيام كان يحاكم ويعدم ولا يعرف قبره. وانطبقت عليه دورة التاريخ فأخرجوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيه فاكهين كذلك وأرثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين.
وأما شاه إيران فقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وظن أن لا ملجأ من الله إلا أمريكا فخذلته ورفضت استقباله مع أنها هي التي صنعته على عينها. وعندما تشفع لأولاده أن يتابعوا دراستهم سمحت لهم بدون رفقة الوالدين. وعندما شكا من المرض قالوا له بعد وساطات وتوسلات إنها إقامة للعلاج فقط فإذا قضيت خرجت ولم تعقب. وبعد العلاج دفع بعربة من البوابة الخلفية للمستشفى فخرج من حيث تخرج النفايات وتدخل البضائع. وعندما أصبح في (باناما) عند ديكتاتور صغير قطعوا عنه التلفون وبدأوا يخططون لتسليمه للحكومة الإيرانية الجديدة. وعندما أوى في النهاية إلى طاغية مثله بكى سوء الحال وانقلاب الزمن وتنكر الأصدقاء ونفض أمريكا يدها منه إلى درجة أن أفردت له ملفاً بعنوان (الخازوق) وأن يخاطبه مسئول أمريكي بقوله: يا صاحب الجلالة يظهر أنك مختل عقلياً. وأن يبتلع أحد سماسرته سبعين مليون دولار بضربة واحدة فيعض الشاه على أسنانه محنقاً إنها سبعين مليوناً فهل ضاعت في أنابيب المجاري.
وفي النهاية كاد أن يموت الشاه غيظاً فحبس نفسه في حجرة عندما علم أن رجل أعماله (بهبهانيان) اختفى مثل الملح في الماء بمئات الملايين من الدولارات وهو لا يستطيع أن يقاضيه أو يرفع عليه دعوى لأنها كانت صفقات سرية.
روى كل ذلك (حسنين هيكل) في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ). وفي مصر فتح يديه بالهبات والمجوهرات التي كان يحملها معه في حله وترحاله عسى أن تؤلف القلوب، وقيل أنه حمل معه من ثروة إيران ما زاد عن خمسة مليارات دولار، واعترف مسئول بنكي سويسري بثروة له زادت عن عشرين مليار دولار، وكانت أربع حقائب كبيرة محشوة بالكنوز لا تفارق عيناه حتى قبل موته بلحظات عسى أن تنفعه يوم الزلزلة. فما أغنتهم عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. وفي النهاية مات بالمرض الخبيث وأصبح سلفاً ومثلا للآخرين.
إن أمريكا تستخدم الطغاة ولا تحبهم فهي تصيخ السمع لخونة الشعوب ولكنها لا تحب الخائن وتعرف أن دور الجلادين لا يزيد عن (ممسحة زفر) فإذا انتهى دورهم رسا مصيرهم حيث ترمى أوراق المهملات التي نظفت القاذورات لتصبح مع القاذورات وبئس القرار.
"رسم مصير الطغاة في التاريخ بريشة سريالية. "فكلاً أخذنا بذنبه؛ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون". هكذا يرسوا مصير الطغاة بين طلقة في الرأس، مع جرعة سيانيد في انتحار مضاعف، كما انتهى هتلر وعشيقته إيفا براون. وبين فرعون يغرق في اليم هو وجنوده أجمعون. أو الإمبراطور الروماني (دوميتيان) الذي يقتله 14 من أهل بيته دفعة واحدة طعناً بالخناجر.
وبين تشاوسيسكو الذي انشقت الأرض من تحت قدميه فابتلعته فلم يعثر له على قبر؟
وبين من دارت عليه الدائرة بعد طول جبروت، ليعلق من قدميه عاريا كالخاروف في المسلخ، في ساحة عامة، كما حصل لـ (موسوليني) وعشيقته (كلارا بيتاتشي). أو إمبراطور الحبشة (هيلا سلاسي) الذي أودع دورة المياه وردم فوقه بالإسمنت المسلح على يد هيلا مريم، وهو أبغض الناس لمريم. أو مع إعدام صدام المصدوم.
ولكن التاريخ يفاجئنا بصورة مبتسرة، غير مكتملة، بل وأحيانا مقلوبة الظل، حيث مات (ستالين) في كل طغيانه وعنفوانه.وحافظ الأسد صنو صدام، ورفيق مغامراته، ومنافسه اللدود من نفس المعدن والعود، الذي حمل على عربة حربية فقال الرفاق ابنوا له بنيانا، فكل سوري وجب عليه الحج إليه مرة، والطواف سبعا في سبعة فروع أمنية، ثم رمي أبي رغال الزعبي في حوران.
ومات (فرانكو) طاغية أسبانيا عزيزا كريما، ووضع جثمانه في ضريح عظيم في مبنى هائل، على سفح جبل، فوقه أعلى وأكبر صليب في العالم، وهو عدو المسيح رقم واحد. فهو نصب خالد لكن من زار مدريد. زرته أنا ووظئته بقدمي مع مساعده الأيمن من العصابة.
وأما (لينين) فمات وهو يرسل الناس إلى الموت بإشارة وكلمة، كما كشفت الأبحاث الحديثة عن رسائله الأصلية المكتوبة بخط يده، والمودعة في سرداب فظيع محفوراً تحت الأرض بثلاث بوابات مصفحة يصمد لقنبلة نووية. التاريخ إذا يظهر ثلاث صور متباينة: طغاة يَقتلون ويُقتلون مثل صدام وميلوسوفيتش. وطغاة يَقتلون ويُحملون على محفة عسكرية بكل مظاهر التكريم إلى قبورهم مثل عبد الناصر وبول بوت وستالين وحافظ أسد؛ فيدفنون في ضريح عظيم يحج الناس إليه من كل فج عميق.
وعلى العكس من ذلك نرى نهاية بعض الصالحين والفلاسفة والأنبياء الذين عذبوا وشردوا وقتلوا بدون قبر؛ فـ (سقراط) انتهى بتجرع سم الشوكران. وطعن (سبينوزا) بسكينة في رقبته، وأحرق (جيوردانو برونو) في ساحة عامة مثل الفروج المشوي. وحبس (ابن تيمية) حتى الموت في سجن القلعة بدمشق فانتهى به الأمر أن كان يكتب بالفحم على الحيطان مثل المجانين. ونحر (سعيد بن جبير) بين يدي الحجاج وهو يشخب في دمه ويصيح الحجاج بل أنت شقي بن كسير؟
الصورة كما نرى ضبابية، فبقدر النهاية التي تحمل العبرة في سقوط الجبارين، وأن الكبرياء سبقت السقوط دوما؛ بقدر نجاة الكثير من الطغاة بجلودهم في عزة وشقاق. أو بالعكس بمصرع الكثير من المصلحين حرقاً أو ضرباً بالرصاص أو صلباً أو اغتيالا مثل الشيخ المعشوق الكردي، أو مثل سبارتاكوس أيام روما، أو شنقاً مثل سيد قطب، والمعمم الأزهري يقول له انطق بالتوحيد، والرجل أمضى حياته في شرح التوحيد.
(حسن البنا) مات صريعا بالرصاص في شارع عام. والمصلح الديني التشيكي (هوس) انتهت حياته حرقا. ومات (الحلاج ) صلباً في بغداد بكلمة بعد أن جلد ألفاً و قطعت أطرافه بالتقسيط قطعة قطعة وهو يصيح الله ... الله في دمي؟
ومات الحسين وجميع آل البيت ذبحا على يد يزيد الخليفة الأموي لوم ينجو إلا طفل مريض بالصدفة. وأنهى المفكر السوداني (محمود طه) حياته وهو يتأرجح على حبل المشنقة بتهمة الردة.
ماتوا جميعا لا لذنب فعلوه؟ بل من أجل أفكارهم ونشاطهم. فهل يمكن أن نفهم ما يحدث ونرى الصورة واضحة متألقة في نهاية الطغاة والصالحين؟
تبدو نهاية الدنيا في بعض الأحوال كوميديا تدعو للضحك، وليست خاتمة المطاف، أو نهاية الدور الأخير على خشبة المسرح؛ فقد ينتهي طاغية في الدنيا بما يستحقه من لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كما حصل مع (آركان) و(ميلوسوفيتش) في صربيا وصدام عند أوروك. أو على العكس قد يودع الحياة هنيئا مريئا مرتاحا على كرسي السلطة، ويحكم من قبره كما حصل مع جنكيزخان وحافظ أسد وآخر من شكله أزواج.
وإذا كان تشاوسيسكو قد دلف إلى قبره باللعنة والرصاص؛ فإن نظائره وهم كثر ماتوا بالهتاف بحياتهم، ولطم الخدود لفقدانهم. ورفع الأعلام السوداء وتعتيم زجاج السيارات والباصات عنوة وهي مخالفة دورية دولية ولكن من يعبأ؟
وهناك من زحفت في موته جماهير هائلة مثل عبد الناصر وهو الذي قاد إلى كارثة العرب أجمعين؟؟ وينتحر البعض حزنا عليه كما رأيت أنا في لبنان؟ بحيث يفرك المرء عينه ولا يصدق هل هو المجنون أم هم المجانين؟
إنها جدلية محيرة كما نرى يحتاج الإنسان فيها إلى بوصلة جديدة من غير هذا العالم، بإحداثيات مغايرة ليفهم هذا اللغز. وأحيانا يمسك الإنسان رأسه بين يديه ويتساءل هل هو في بلاد (أليس) للعجائب أم أرض عبقر للجن؟؟؟
إننا مطوقون بالظلمات، مسحورون... سكرت أبصارنا ... وختم الله على قلوبنا وعلى سمعنا وعلى أبصارنا غشاوة فهم لايفقهون؟
إن التاريخ يمشي وفق قانونه الخاص، وترزح الشعوب في العذاب المهين إلى أجل غير مسمى، وتتحمل الأمم كثيرا، ويموت الكثير من الطغاة، بكل سؤدد وفخار. فقد حكم (رمسيس الثاني) سبعين سنة وأنجب مائة من العجيان، وبقي الفرعون (بيبي الثاني) متربعاً على سدة الحكم تسعين سنة، وأما (فرانكو) فقد استمر يركب ظهور العباد يقودهم بالسوط أربعين سنة كاملة غير منقوصة وربما ستجاوزه القذافي فيسبقه إلى حيث ذهب، وهو الذي عين الملك (خوان كارلوس) الحالي بدلا من أبيه. وعندما مات (لويس الخامس عشر) طرب الناس في جنازته ولم يصدقوا أنه رحل أخيرا، فقد ملوا حكمه الطويل الذي تجاوز نصف قرن. وعندما رمي (بريجينيف) في قبره وقع التابوت فتكسر؛ فلم يأبه له أحد، فالكل مله وانتظر نهاية مرحلته بعد طول عفن. إن الأوضاع السياسة تصل في بعض مراحلها أن البلد كله يوضع في ثلاجة، فتتجمد فيه مفاصله حتى موت الطاغية.
ونشرت مجلة (در شبيجل) الألمانية في إحصائية مثيرة عن أطول الناس حكماً فكان في رأس المخطط حكام العالم العربي في متوسط يصل ثلاثين عاما ويزيد! مما يجعلنا نعلق على صدرونا نياشين رائعة؟ في إعلان خفي عن بزوغ عصر الملكيات في الجمهوريات، في رجعة قهقرى ضد مجرى التاريخ.
إن الطفل عندما يكتمل خلقه في الرحم لا يسأل كيف جاء إلى الحياة؟ وهل كان من زواج أو سفاح أو اغتصاب، وعندما يولد إلى الدنيا يأخذ اسمه، وفي عالم السياسة تتخمر الأحداث والأيام حبالى وتتكون الأوضاع وتبرز إلى السطح فيتعجب الناس كيف حدث هذا؟ وهي من صنع أيديهم.
يقول المؤرخ الأمريكي (ديورانت) وهو يستعرض بعض المراحل التاريخية أنه مر عدد من الحكام لم يحصل في فترة حكمهم شيء يؤبه له أو يحتاج أن يذكر. ونحن اليوم نتذكر (ابن رشد) مثل الشعرى اليمانية في أفق التاريخ، ولا نذكر أسم الملك الذي عاصره؛ فقد انمحى اسم الملك من الذاكرة لأنه لا جديد تحت الشمس، مع أنه أيام الملك الموحدي كانت كل مصائر الناس بمن فيهم ابن رشد بين إصبعين من أصابع الحاكم يحركها كيف يشاء وهو يلعب بالمسبحة وهو الذي قرر النفي لابن رشد في عمر السبعين. إن الملك الذي نفى ابن رشد يتمنى لو قرن اسمه باسم ابن رشد.
إن هؤلاء الشهداء لا يموتون بل أحياء عند ربهم يرزقون. إنهم كسروا حاجز الموت ومربع الزمن فهم يسبحون في فضاء الذكر إلى يوم يبعثون. إن المماليك بركوا خمسة قرون على صدور المصريين بدون حراك وبركة وكذلك العثمانيون. ولكن مسلسل المماليك البرجية والبحرية يمكن ضغط الزمن فيه فلا يتغير شيء. وهكذا فالزمن كما يقول (محمد إقبال) إنه ليس دورة الفلك بل حالة النفس وتقلب المجتمعات.
إن أحدنا تمر عليه أسابيع يعيش مثل النبات وفي بضع ساعات يتطور فيها بأكثر من سنوات. ذلك أن شخصية الإنسان هي بتراكم الخبرات وليس بالرتابة اليومية والروتين القاتل. ومن العجيب أن ما يصقل جوهر الإنسان ويسمو به في معارج القدس هو المعاناة . ولقد خلقنا الإنسان في كبد.
إننا لا نفهم حركة التاريخ ولا نملك التحليق العلوي لنبصر تسلسل الأحداث ولا نعي لماذا ترزح الشعوب في الضلالة وتسبح بحمد الطواغيت مع أنه لا يقدر عليهم إلا بقدر ما منحوه أنفسهم. إنها (عبودية مختارة) كما يقول (آتيين دي لا بواسيه) ولا تحتاج للتخلص من هذه القيود أن تقتل الحاكم أو تتآمر عليه. إن ما تحتاجه يختصر بكلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان وهي : (رفض التعاون) و (عدم الطاعة). لكنها وصفة لا يعرفها المثقفون ولا يتقنها المواطنون ولا يوجد حولها مؤسسات ولم تخلق بعد في قاموسنا الفكري والكل في الضلال المبين.
إن المصلحين الاجتماعين والفلاسفة المفكرين قد يقتلون أو تنتهي حياتهم على شكل أسيف في عصر الظلمات السياسي التي تمر بها الأمة ولكن موتهم يختلف عن موت الطغاة. فهم يخضعون لقانون دفن البذرة في الأرض كي تخرج منها شجرة باسقة طلعها هضيم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
و(نزار القباني) بقي منفياً طول حياته ولم يقبله وطنه إلا جثة ولكن شعره يقرأه الأطفال قبل الكهول وفي كل الأرض. وأما موت الطغاة والجبارين فهو شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. إن موت الطاغية هو نهاية نظام ونخبة لأن الحاكم لا يحكم بنفسه بل بشبكة جهنمية يديرها من حوله رهط أتقنوا الإجرام واستكان لهم الناس بالفزع الأكبر. لكن الذي يحدث يتكرر كما حصل مع شاه إيران عندما قال: إن حولي 750 ألفا من الجنود والضباط فمن يريد الوصول إلي عليه أن يقفز فوق رؤوس هؤلاء أجمعين. واستكبر هو وجنوده بغيا في الأرض حتى جاء يوم الزلزلة وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود.
ويمضي التاريخ وتنضج الشعوب ويتقلص ظل الجبارين ويموت أهل الفكر فيتركون أملا في الحياة ويسحق الجبارون سحقا. ويكتشف الناس في ذهول أن الموت حق لأنه يكنس الظالمين ويطور الحياة وبذلك يصبح الموت أحد مفردات الحياة. يقول (ديورانت) إن الامبراطور (كاليجولا) قال لجدته أنطونيا عندما حاولت نصحه :(اذكري أن في مقدوري أن أفعل أي شيء بأي إنسان) وأرغمها في النهاية على قتل نفسها. وذكر لضيوفه في إحدى الولائم أن في وسعه قتلهم أجمعين وهم متكئون في مقاعدهم لا يبرحون. وكان وهو يحتضن عشيقته أو زوجته يقول لها ضاحكاً (سيطيح هذا الرأس الجميل بكلمة تخرج من فمي).
وكان يرسل إلى النساء ممن يهوى كتابا بالطلاق بأسماء أزواجهن (فلم توجد امرأة ذات مكانة إلا دعاها إليه) وأنفق في أحد ولائمه (عشرة ملايين سسترس) وفرض الضرائب على كل شيء حتى الحمالين والعاهرات ولو تزوجن. ونفى كل الفلاسفة من روما لأنهم رمز الخطر ومقلقي النوم العام ومفكر واحد أخطر من فرقة عسكرية مدرعة. وجاء اسم الفيلسوف (سينكا) في قائمة الإعدام إلا أنه نجا لكي يقتل لاحقا على يد نيرون. ونجا عمه (كلوديوس) من القتل عندما تظاهر بأنه أبله مجنون.
وأخيرا طلب من الناس عبادته لأنه أفضل الآلهة ونصب تماثيله في مداخل المدن والساحات العامة وهو يحيي الجماهير. وفي النهاية قتل على يد ضابط من الحرس (البريتوري) وعندما ترددت الإشاعات في البلد أنه قتل لم يصدق الناس ويقول (ديو) المؤرخ أن: (كاليجولا عرف في ذلك اليوم أنه ليس إلهاً).