كتَّاب إيلاف

صراع الحضارات .. حرب العراق .. والتجربة اليابانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

من المعروف بأن الفيلسوف الألماني، كارل ماركس، قد رفض النظريات المثالية لفريدريك أنجلز، وطور فلسفته المادية التي تفسر التاريخ على أساس مادي بحت. وقد كتب في عام 1848 يقول، بأنه قد بداء تاريخ البشرية بالمجتمعات البدائية اللاطبقية، فكان الجميع فقراء ويقومون بنفس نوعية العمل. ومع اكتشاف الإنسان لمهنة الزراعة، بداء البعض يطور أساليبه الزراعية ويقتصد من حصاده، مما أدى لزيادة ثراءه وبروزه كقوة اجتماعية. ومنها بداء صراع الطبقات: السيد والعبد، اللوردات والخدم، أصحاب المال والعمال. وأستنتج من نظريته بأن النهاية الحتمية لتاريخ العالم هي المجتمعات اللاطبقية. ويتهم البعض كارل ماركس بأن نظرياته كانت السبب وراء الصراع الشيوعي الرأسمالي الذي أنهك اقتصاديات العالم وأخر تقدمه.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وفشل نظرية صراع الطبقات، ظهر فريق جديد من المنظرين السياسيين. ففريق الحمائم مقتنع بأن العالم قد استفاد من معاناة الحروب ومتوجه للسلام، أما فريق الصقور فيتوقع بأن العالم سيواجه صراعات شعبية خطيرة. وقد صدر كتاب في عام 1989 بعنوان نهاية التاريخ، لفرانسيس فيوكوياما، الأكاديمي الأمريكي ذو الأصول اليابانية. ويناقش هذا البروفيسور مستقبل العالم بعد انتهاء الحرب الباردة فيقول، "ما نشاهده اليوم ليس فقط نهاية الحرب الباردة فقط، بل نهاية التاريخ بتطور إيديولوجي تدريجي، وبعولمة الديمقراطية اللبرالية الغربية كشكل نهائي للحكومات المستقبلية."
وقد أنتقد فريق صقور الحرب تصورات البروفسور فيوكوياما واعتبروها ساذجة. ففي عام 1990، كتب لويس برنارد، الأستاذ بجامعة برنستون الأمريكية، في مقالة بمجلة الاتلانتك مونثلي، وبعنوان الغضب الإسلامي، يقول فيه "ليكون من الواضح بأننا نواجه انفعالات وحركة بعيدة عن القضايا والسياسات التي عادة تطرحها الحكومات، وهي ليست بأقل من صراع الحضارات، التي قد تكون غير عقلانية، ولكنها بالتأكيد انفعال تاريخي لعدو ضد التراث اليهودي المسيحي، وحاضرنا العلماني."
تلاحظ عزيزي القارئ كيف يحاول هذا المؤرخ أن يخلق شرخا بين الأديان ليشعل العالم بصراعات جديدة. وقد انتشرت أفكاره في الغرب، فقد كتب المؤرخ الأمريكي جول بينين عن لويس فقال "ربما يكون البروفيسور لويس أكثر المتعلمين ومؤيدي الصهيونية فصاحة في المجتمع الأكاديمي الأمريكي الشمالي والشرق أوسطي." كما مدحه أحد كبار رجال الحكومة الأمريكية قائلا " في هذا القرن الجديد، يبحث صانعي القرار الأمريكي والدبلوماسيين والأكاديميين والإعلاميين عن حكمة البروفيسور لويس."
وليسمح لي القارئ العزيز أن أقدم له نموذج أخر للصقور الجدد وهو البروفيسور الأمريكي ساميول هاتنجتون. فقد تخرج هذا البروفيسور من جامعة ييل الأمريكية المشهورة وهو في الثامنة عشر من عمره، وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد ليعين فيها أستاذا وهو في الثالثة والعشرين من العمر. وقد كتب مقالا بعنوان صراع الحضارات، فقال "النظرية التي أطرحها هي أن صراع المستقبل سيكون صراع ديني ثقافي، والخلافات الأساسية بين سياسة العولمة ستكون بين أمم بحضارات مختلفة. وصراع الحضارات هو العامل المسيطر على سياسة العولمة المستقبلية. وسيكون خط الصدع بين الحضارات الخط الفاصل في معارك المستقبل."
ولو راجعنا التاريخ سنجد بان اليابان عانت من منظري صراع الحضارات. فقد ولد في اليابان عام 1222 راهب بوذي يسمى بنشرين. وقد ألتحق منذ صغره بإحدى المعابد البوذية، وتفرغ لدراسة مختلف مذاهبها، التي انتشرت وتشعبت في اليابان منذ القرن السادس. وقد تطرف في الاعتقاد بأنه الوحيد الذي أكتشف الطريقة الصحيحة للعقيدة البوذية. وأصر على رجال الدين والحكومة أن يعتبروا مذهبه هو المذهب الوحيد المعترف به في اليابان، مما أغضب رجال الدين وقامت الحكومة باعتقاله ومحاكمته. وأستمر يثير الجدل بأطروحاته وتوجهاته حتى وفاته عام 1282، تاركا ورائه عدد كبيرا من الأنصار. ويتهمه المؤرخون بأن أرائه المتطرفة كانت سببا في اعتقاد عساكر اليابان بأن بلادهم ستواجهه حرب عظمية مع الغرب، وعلى جميع دول أسيا ألاستعداد لها بقيادة اليابان. وقد قامت عساكر اليابان بغزو الدول المجاورة وتسخير مواردها البشرية والطبيعية بحجة التهيئة لحرب الحروب العظيمة، والتي انتهت بإلقاء القنبلتين النوويتين وتدمير اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد رد السيد أغا خان في عام 2007 على منظري صراع الحضارات، في مقدمة كلمته لافتتاح معرض،الروح والحياة: روائع الفن الإسلامي، فقال "صراع الحضارات المقترح ما هو، في الحقيقة، إلا ظاهرة لجهل متبادل." ومن المؤسف أن تنبع نظرية صراع الحضارات من أساتذة بجامعات رائدة في تطور الحضارة الإنسانية المعاصرة. فمن المعروف بأن البروفيسور ودرو ولسون، الذي كان أستاذا بجامعة برنستون وأصبح رئيسها، وأنتخب رئيسا للولايات المتحدة في عام 1912، قد حاز على جائزة نوبل للسلام لجهوده باقتراح عصبة الأمم، كمؤسسة لجمع الأمم لتحاور خلافاتها بعيدا عن ساحات الحروب والدمار. فهل نجح اللوبي الصهيوني أن يتغلغل بهذه المؤسسات وينشر نظرياته؟ تلاحظ عزيزي القارئ كيف امن اللوبي الصهيوني بأهمية المعلومة، وعمل لخلق جيل من خيرة العقول بذكاء لتستلم المواقع الحساسة في الغرب، كما أصر تجارهم على أنشأ خيرة الجامعات وأغدقوا عليها الكثير من المال، وأدخلوا نسبة كبيرة من أبنائهم بهذه الجامعات لتتغذى بقوة العلم والمعرفة.
والسؤال لعزيزي القارئ هل حولت الصهيونية العالمية الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع أسلامي يهودي مسيحي؟ وهل مأساة حرب العراق هي نتيجة لغزو نظرية صراع الحضارات للمؤسسات الغربية؟ وهل فشل هذه الحرب نهاية لهذا الفكر الصهيوني؟ وهل الصراع العربي الإسرائيلي المستقبلي هو حرب معلوماتية؟ وهل ستنتهي هذه الحرب بنظرية فيوكيوما بانتهاء التاريخ؟ ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف