لقاء إيلاف

السريحي: صحفياً نعكس اتجاهات لم تكن مقبولة اجتماعياً

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أصوات من مملكة الغد
هذه السلسلة من الحوارات تأتي لتفتح نوافذ الحوار عن الوطن.. عن المملكة العربية السعودية هذا اليوم وغداً.. هنا نستضيف اصواتاً فاعلة في المشهد الثقافي والاجتماعي المحلي.. هي أصوات لا تذهب إلى الغد.. بل قد تكون عائدة منه للتو.. أصوات تحاور وتقرأ تفاصيل الوطن والمرحلة التي يعيشها كما تشعر و ترى وتتمنى.. قد تقترب هذه الأصوات من الحقيقة، قد يكون تشخيصها دقيقاً.. وقد يحمل قراءة خاصة لا يمكنها أن تكون على الصواب دائماً.. لكن الصواب الذي نحن متيقنون منه هو أننا نهجس معاً بوطن واحد يثق بنا ونثق به. الآراء المطروحة هنا والتي تمثل أصحابها بالضرورة لا نتبناها بقدر ما نتبنى الحوار الذي يمكن أن تثيره وتفعله وتطلق أجنحته. هذه الأصوات كلها ل(مملكة الغد)، منها:

حوار شامل مع سعيد السريحي (1/4):

*ثراء الأمة يكون بتعدد أطيافها وبقدرة هذه الأطياف على التعبير
*هناك تناغم بين مشروعي الشخصي ومشروع الجريدة

*نشرنا صور الفتيات الأوائل ب(عكاظ) كي ننفتح على الاتجاهات الواعية في المجتمع
*للمؤسسة كوادرها وللسلطة ثقافتها وليتوجه المثقف بخطابه للرأي العام

حاوره عيد الخميسي: سعيد مصلح السريحي ليس ناقداً أدبياً وحسب.. وإذا كانت الثمانينات الميلادية قد شهدت حضوره المكثف في الساحة المحلية والعربية كناقد يدشن مشروع الحداثة الشعرية السعودية ويقدم شعراءها وتجاربها في إطلالتها الأولى على الفضاء العربي في (جرش) و(المربد) وغيرها من المهرجانات فإنها قد شهدت كذلك في نادي جدة الأدبي حضوره الفاعل في صنع مناخ ثقافي أدبي يتذكره كل شهود تلك المرحلة.. قبل ذلك فالسريحي أستاذ جامعي ظل يدرس الأدب الحديث في جامعة أم القرى بمكة المكرمة لثمان عشرة سنة (حتى تقاعده المبكر).. قبل ذلك هناك سعيد السريحي الصحافي الذي صنع عبر جريدته ملاحق ثقافية متميزة (كانت قمة صعودها منتصف الثمانينات أيضاً).. هو الصحافي الذي وصل حالياً لكرسي نائب رئيس التحرير في جريدة (عكاظ) وظل لما يزيد عن العشرين عاماً مساهماً فاعلاً في صياغة اتجاهات هذه الجريدة وخطواتها..
لعل السريحي كان المثقف السعودي الوحيد الذي سحبت من شهادة دكتوراه بعد أن أقرتها لجنة المناقشة (في حادثة شهيرة نهاية الثمانينات) والسبب في ذلك ببساطة كان ما يحمله من أفكار !!
السريحي المثقف والناقد والصحافي.. الشاعر (الذي لم تعد له رغبة في النشر كما يقول في حوارنا معه) كان صوته مرحباً بنا وب (إيلاف) حين هاتفته لأجري معه الحوار.. اتفقنا على موعد يقترب من منتصف الليل فهو سيكون بصحيفته حتى الثالثة فجراً لمتابعة طبعتها الثانية … كان مكتب السريحي مزدحماً بالأوراق.. مواد صحفية، دراسة أدبية حديثه علمت أنه ألقاها مؤخراً في منتدى (عبد الله با شراحيل) بمكة المكرمة.. القرآن الكريم كان على المكتب كذلك.. جرائد وكتب متنوعة، خطابات رسمية وأخرى من داخل المؤسسة.. أما التلفزيون والكمبيوتر فلم يكن لهما أثر.. بدا السريحي وهو يستقبلني منهكاً لكن هذا لم يخف بشاشته وفرحه وأريحيته..
حملت معي لسعيد السريحي الكثير من الأسئلة وقدم لي الكثير منها أيضاً اثناء حديثه..

*كان سؤالي الأول عن واحد من التقارير الصحافية التي دأب السريحي على نشرها وفيه حاور عدداً من رموز الطائفة الإسماعيلية بالمملكة قلت له: إن المملكة العربية السعودية غنية بتنوعها.. هذا التنوع الذي غيب لسنوات كيف يمكن استثماره والتعامل معه برأيكم خاصة وقد أجريتم قبل فترة حواراً مع مرجعية الإسماعيلية؟
- لم يكن حواراً مع مرجعية الإسماعيلية الشيخ حسين المكرمي رحمه الله وإنما كان حواراً مع عدد من رموز الطائفة الإسماعيلية بالعموم وهو يأتي في إطار مشروع تقوم به الجريدة التي أعمل بها.. فقبل فترة نشرت تحقيقات ل (هاشم الجحدلي) حول الصوفية وسبقت ذلك حوارات حول الشيعة وهناك حوارات قادمة مع أطياف أخرى.. الرؤية التي ننطلق منها هي أن ثراء الأمة إنما يكون بتعدد أطيافها وأمن الأمة مرتبط بالفرص المتساوية التي تتاح لهذه الأطياف كي تعبر عن نفسها وبذلك تكون الأمة الجديرة بالحياة هي الأمة التي تحمل تعدداً داخل وحدتها الوطنية ويكون أمنها ومستقبلها رهيناً بكون الوحدة الوطنية المشتركة هي القاسم المشترك الوحيد بين الأطياف الثقافية المتعددة داخلها والعلاقة بين هذه الأطياف تبدأ من التعايش والتفاهم والاحترام المتبادل المبني على الحوار بين هذه الأطياف...

* هذا السؤال المدخل ذهب بنا مباشرة إلى الصحيفة.. وهنا سألته: هل كان المشروع خاصاً بالجريدة وحسب أم أنك تشترك فيه أيضاً كمثقف؟
وبسرعة أجاب: هنا يكون الالتقاء بين مشروع الجريدة التي أعمل بها (عكاظ) والثقافة التي أحملها وهي الإيمان بالتعددية.. في هذا المشروع هناك تناغم كامل بين مشروعي الشخصي والذي أعتقد أنه أساسي بالنسبة لي وبين مشروع الجريدة والذي أعتقد أنه أساسي بالنسبة لها وهو الإيمان بالتعددية والإيمان بإتاحة الفرصة للأطياف الثقافية – الفكرية المختلفة بأن تعبر عن نفسها وأن تتعايش داخل الوطن الواحد.

* هل يتحقق هذا المشروع في (عكاظ) برأيكم؟
- أعتقد أننا نسعى جاهدين لتحقيقه وأن نسبة ما نحققه تتجاوز كثيراً ما يتحقق في كثير من المؤسسات الصحفية الأخرى. دعني أستشهد هنا باحتفائنا بالمرأة، باحتفائنا بكل خبر للمرأة على صدر الصفحة الأولى، الاعتراف بحق المرأة، بعمل المرأة، بقضية المرأة ن بصورة المرأة... هل أشير إلى أننا الصحيفة الوحيدة بالمملكة التي احتفلت بصور الفتيات اللواتي حصلن على الدرجات الأولى في امتحان الثانوية العامة.. نحن لا ننشر الصور بحد ذاتها كصور وإنما كي نعبر عن اتجاهات رأي في المجتمع ترى أن صورة المرأة بحجابها الإسلامي لا تتعارض وقيم المجتمع.. إذن الصورة هنا تعبر عن رأي وتعبر عن فكر.

*بينما يرى البعض أنكم بهذه الأخبار والصور والاحتفالية إنما تفرضون وعيكم كصحيفة على القارئ والمجتمع؟
- نحن نتحدث عن صحيفة مستقبلية بمعنى أنها تستشرف آفاق المستقبل ونتحدث عن صحيفة تحمل وعياً لا تعكس واقعاً فحسب.. الأمر الآخر نحن واثقون كذلك من أن هذه الرؤيا تنبع من داخل المجتمع نفسه ولا تفرض عليه.. إننا نستجيب لوعي اجتماعي موجود في مجتمعنا..أعود ثانية إلى صور الفتيات.. ألا تلاحظ أن الآباء الذين وافقوا على نشر صور بناتهم يحملون هذا الوعي ونحن عكسناه فقط على صدر صفحتنا الأولى.. نحن إذن ننفتح على الاتجاهات الواعية في المجتمع ونعمل على تنميتها وتعزيزها. رأي المثقف ليس ملزماً.

*في مؤتمر المثقفين السعوديين الأول قبل شهور طرح السريحي ورقة أثارت الكثير من الأسئلة فقد دعا كما يرى البعض أن يتوقف المثقف عن مسائلة السلطة ومطالبتها بإصلاحات في الشأن الثقافي.. سألته كيف يتأتي ذلك في بلاد لم تكتمل مؤسساتها الثقافية بعد؟
فأجاب مصححاً وموضحاً:لم أدع إلى أن يتوقف المثقف عن مسائلة السلطة، فدور المثقف هو مسائلة السلطة، دوره أن يحمل الرؤية النقدية.. الذي دعوت غليه هو ألا يعتبر المثقف نفسه على الصواب دائماً، هو ألا يعتبر المثقف نفسه وصياً أو ملزما وإنما هو صوت من حقه أن يعبر عن رأيه ومن حق السلطة أن تنظر في هذا الرأي فإذا رأت فيه ما يتناسب مع مشاريعها تتبناه وإن لم تر فيه ذلك فإن لدى السلطة كوادرها الثقافية ومجموعات التكنوقراط التي تعمل معها وعندها تستطيع السلطة أن تفند هذا الرأي.. ليس هناك فصل كامل بين السلطة والثقافة.. السلطة لها ثقافتها ولها كوادرها التي تعمل معها ولها رؤيتها وعلى المثقف أن يعي ذلك. من هنا- يتابع السريحي - من حق المثقف أن ينتقد بل من واجبه ذلك غير أن عليه أن يعي أنه ليس ملزماً بانتقاده وعليه أن يعي أن السلطة حينما لا تأخذ برأيه لا تكون متخاذلة أو خائنة.. السلطة لها ثقافتها وبرامجها وعليها أن تبرر ما تقوم به وعندئذ يتحول الأمر إلى الرأي العام الذي بإمكانه أن يتقبل مشاريع السلطة – وأنا أفضل أن اسميها المؤسسة – أو أن يتبنى آراء المثقف وعندها سيتحول المجتمع إلى قوة ضاغطة موجهة للمؤسسة.. لا يمكن للمؤسسة أن تتبنى قراءات فردية مهما كانت ثقافة المثقف الذي يصدرها وإنما عليها أن تتبنى ثقافة الرأي العام وهنا لا بد أن يأتي خطاب المثقف لتكوين الرأي العام بالأساس.

*وهل ترى أن المثقف لم ينجح في تشكيل رأي عام يمكن أن يسانده؟ ولماذا؟
المسائل لا تحسب بهذه الصورة برأيي.. ليست هناك طريقة واضحة لتحديد معايير الفشل والنجاح.. والمسألة تتحقق عبر تراكمات طويلة المدى تفعل فعلها في المجتمع والمثقف ليس وحده في هذا المجال..
يتابع السريحي: هناك أجهزة عديدة تكون هذا الرأي العام.. هناك برامج تعليمية وإعلامية إضافة إلى صوت المثقف.. كل هذا لا يتم بين ليلة وضحاها وإنما عبر تراكم طويل المدى.. نحن الآن كما أشرت قبل قليل نعكس اتجاهات لم تكن مقبولة في المجتمع.. قبولها يعني أن هناك دوراً ثقافياً فعل فعله في المجتمع فاصبح يتقبل ذلك أو فعل فعله في المؤسسة فأصبحت تتقبله.

في الحلقة القادمة من الحوار سيتحدث السريحي عن الهجوم الذي تعرض له نهاية الثمانينات إبان اشتعال قضية الحداثة الأدبية بالمملكة وسيقول :

•كنا ندرك أن هذا التيار سيتضخم!!
•أشعر بحزن شديد لأنهم بدأوا بنا ولم يلتفت لنا أحد
•جامعاتنا أسيرة للتطرف.
•كانت التوجيهات تقتضي عدم إثارة الموضوعات !!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف