زهاء: لايزال الرجل يهيمن على صناعة البناء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
زهاء حديد .. مايكل أنجلو عصرنا الحديث
إعدادظافر معن: تعد المعمارية العراقية زهاء حديد بمثابة مايكل أنجلو زمننا هذا. فهي تساهم بخلق عالم أجمل من خلال تصاميمها للأبنية والأثاث وغيرها من
امتازت لغة زهاء حديد المعمارية المبكرة بالزوايا الحادة والقائمة والأشكال المربعة، أما في السنوات الأخيرة فقد أخذت مفرداتها المعمارية تمتاز بأشكال لدنة متموجة ونابضة في آن واحد. عناصرها المعمارية كالجدران والأرضيات والسقوف تبدو ممطوطة ومحنية لأجل تشكيل الفضاء الذي تدعوه زهاء "الحيز السائل" أو "الأحياز السائلة" بصيغة الجمع. حيث تمحى الحدود بين العمارة والطبيعة فتغدو الأبنية مركبا عضويا ضمن .Landscape المشهد الطبيعي منذ بدايات ممارستها المعمارية أيقنت زهاء أن الأساليب التقليدية التي يتبعها المعماريون لتوضيح أفكارهم التصميمية، كانت أضيق من أن تعبر عن الفضاءات والأشكال المعمارية التي كانت في مخيلتها آنذاك. فبدأت برسم لوحات خيالية، ذات أكثر من منظور وزوايا نظر متعددة في اللوحة الواحدة. كانت تلك اللوحات والأشكال بمثابة تحد صارخ لقوانين الجاذبية والمنطق السائد لشروط رسوم المنظور المعماري. إضافة لاكتشافها مجالات فريدة للتكوين المعماري، وبأسلوب جديد تماما. تم اعتبار الحلول التصميمية الراديكالية التي قدمتها زهاء للعديد من المشاريع في السنوات الأولى لممارستها المهنة، ضمن الحلول غير القابلة للتنفيذ. رغم كل هذا كان مكتبها المعماري يحاول البقاء بالاعتماد على بعض المشاريع القليلة والمسابقات التي كانت توفر بعض المردود المادي. طوال ذلك الوقت كان على زهاء أن تبدي حماسا وطاقة كبيرين لإدامة إيمانها بان مشاريعها ستنفذ ذات يوم.
في عام 2004 أعادت زهاء كتابة تاريخ العمارة، حين تم منحها كأول امرأة (وأصغر معماري عمرا وأقل بناءا .. المترجم) جائزة برتزكر أرفع جائزة معمارية في العالم، لتنضم إلى عمالقة تاريخ العمارة الحديثة مثل فرانك غيري (متحف غوغنهايم بلباو) رنزو بيانو (مركز بومبيدو باريس) يورن أتزن (أوبرا سدني).
تعد زهاء حديد الآن بمثابة النجمة العالمية. ويعتبر طريقها إلى النجومية درسا في قيمة التشبث بالفرادة والجرأة على الاختلاف. لقد أثبتت انه من المهم والمثمر أيضا الدفاع عما تؤمن به حقا. وان ما يعد ضربا من الخيال قد يمكن تحقيقه، إذا ماتمكن المرء من تحمل ومعالجة معارضيه واستمر في تطوير امكاناته الإبداعية.
س: لماذا يمتاز أسلوبك المعماري بالفرادة والاختلاف مقارنة بمعظم المعماريين الآخرين؟
ج: ذلك لأنني أثناء عملي أحاول استفزاز الشروط التصميمية من خلال مسائلة القناعات السائدة بشأن معاني الرموز والأشكال .. أو التعريفات الجاهزة بخصوص كيفية تصميم الأبنية، سواء كانت دارا سكنية أو مكتبة عامة من حيث الشكل أو التوزيع الوظيفي. لا اعتقد بوجود حل ثابت ومثالي لأي مبنى مهما كانت وظيفته. عندما نبدأ بإعادة كتابة تعريف المبنى، تأتي النتيجة المعمارية مختلفة.أعمالي كانت تبدو مختلفة منذ البدايات، حيث كنت أسعى لتقديم المشاريع بوسائل غير تقليدية. كما أننا في مكتبي نقضي وقتا طويلا في البحث وتطوير الفكرة التصميمية. طموحي دائما هو تحويل بعض المشاريع النظرية التي تبدو للوهلة الأولى مستحيلة التنفيذ الى واقع إنشائي معاش.
س: مبانيك تبدو وكأنها أعمال نحتية ضخمة، هل تعتبرين أعمالك المعمارية فنا نحتيا؟
ج: كلا. قد تشترك العمارة والنحت بعامل الشكل "الفورم"، لكن العمل النحتي يفتقد الوظيفة العملية. العمارة تلبي وظيفة خدمية محددة، فندق مكتب أو مسكن .. الخ
س: مرت سنوات طويلة على المساواة بين الجنسين، لكن لم يزل الرجال هم الأغلبية السائدة بين المعماريين المهمين في العالم؟
ج: هناك بالتأكيد مشاكل إقصاء وعدم مساواة في هذا المجال. النساء المعماريات يقفن غالبا في الظل. كما تعامل النساء بشكل مختلف في معظم المكاتب المعمارية في العالم. مهنيا ليس هناك أي سبب منطقي لذلك. أفضل طلابي في الجامعات التي درست فيها كن من البنات عادة. لذا فالأمر برمته يتعلق بالأحكام المسبقة. رغم أنني ليس لدي أطفال لكن باعتقادي انه من الصعب الانقطاع لفترات طويلة خلال فترة الولادة مثلا، حين تكون المرأة بصدد إرساء وضعها المهني. الاستمرارية عامل مهم لتطوير إمكانيات المهندس
في الغرب هناك تقليد العائلة الأساسية الصغيرة ذات الموارد الإنسانية القليلة ما يجعل الأمر أكثر صعوبة.من ناحية أخرى فان صناعة البناء مازالت صناعة يهيمن عليها الرجل، سواء تعلق الأمر بالعمال الاسطوات المقاولين أو الزبائن أرباب العمل. الآن بدأنا نلمس بعض التحول فقد ازداد تعاملنا أكثر فأكثر مع أرباب العمل من النساء.
س: ما المطلوب إذن كي تحظى المعماريات النساء بالاعتراف الذي يستحقنه؟
ج: زيادة عدد المعماريات الممارسات للمهنة بجدارة، لكن مسالة اختفاء الأحكام المسبقة السائدة ستستغرق وقتا طويلا.
س: إضافة الى نشاطك المعماري تعملين كبروفسور للهندسة المعمارية في جامعة فيينا للفنون التطبيقية، ما الذي يمنحك التواصل مع طلبتك؟
ج: ليس لدي الوقت الكافي للتدريس هذه الأيام لكنني مازلت اعتقد بأنها عملية مثيرة حقا لما تتيحه لي من اختبار للأفكار التصميمية، حيث تتمخض هذه التجربة دائما عن الجديد. انه لمن المنعش حقا رؤية الآخرين أثناء عملية اكتشافهم وإبداعهم.
س: تعملين بجد وتواصل وتسافرين كثيرا. كنجمة عالمية هناك العديد ممن يود أن يأخذ جزءا من وقتك أو بتعبير آخر يقتطع قطعة منك. كيف يمكنك تجنب فقدان السيطرة على زمام نفسك ووقتك.
ج: من الصعوبة جدا السيطرة أحيانا عندما تتوقع الناس الكثير دون أن يكون هناك الوقت الكافي. لكنني اضحك وأحاول أن أحافظ على مزاج فكه. لولا ذلك لما تمكنت من
الحوارات الجيدة والصداقات مهمة أيضا، رغم أن الناس قد لا يعطون ذلك وقتا كافيا. على المرء أن لا يخشى الانتكاسات لان ذلك يعني بانه لن يكون هناك من سيجازف، وهذا يؤدي الى الركود. على الإنسان الحر أن يدع الباب مفتوحا دائما للتعرف على كل جيد وجديد، رغم المخاطرة أحيانا بان يكون المرء اعزلا أمام بعض التجارب السيئة.
س: هل جعلك نجاحك انسانة سعيدة؟
ج: من الصعب قياس السعادة .. لكنني لست انسانة غير سعيدة. الجيد في الأمر إنني مجبولة جدا على التفاؤل. حين أكون غاضبة أو حزينة لا ادع ذلك يستفحل. أكثر الأوقات كآبة في تاريخ مكتبي كان حين جرت الأمور كما جرت بالنسبة لأوبرا خليج كاردف (لم ينفذ مشروع أوبرا كاردف عاصمة مقاطعة ويلز في بريطانيا، رغم فوز زهاء بالجائزة الأولى في المسابقة التي أجريت لهذا الغرض.. المترجم) لكننا قررنا عدم الرضوخ للحزن والنظر نحو المستقبل.
س: بغداد هي مكان ولادتك (1950) ما هو تأثير ذلك على لغتك المعمارية؟
ج: مرحلة نشوئي الأولى في العراق كان يسودها طابع من التفاؤل العام بالمستقبل، إحساس جديد ونابض بالإيمان بالتقدم، الاكتشاف والحداثة. هذا الإحساس حملته معي طوال حياتي.
س: كم كان عمرك وما طبيعة عمل والديك حين غادرت العراق؟
ج: بدأت دراستي خارج العراق في السادسة عشرة من عمري. والدتي كانت ربة بيت، بينما كان والدي رئيس شركة صناعية وناشطا سياسيا (محمد حديد احد الصناعيين
س: هل تتصورين يوما بان تنفذين أي عمل معماري في وطنك العراق حين تستقر الأمور؟
ج: من الصعوبة تخيل ذلك الآن لعدم استقرار الوضع. لكن المساعدة الملحة التي يجب تقديمها الان للعراقيين هي عملية استشارية استراتيجية بعيدة المدى ودعم مبكر وسريع لتطوير وتعزيز البنية التحتية للمدن العراقية، كي يشكل هذا القاعدة الأساس لمجتمع وحياة جديدين. قبل البدء بتنفيذ أي عمل معماري فخم.
س: هل تتميز أعمالك بطابع اجتماعي مسييِس؟
ج: بالتأكيد، لكن بصورة غير مباشرة، فحين نقرر على سبيل المثال أن يكون الموقع أسفل بناية ما مفتوح للعامة (كما هو الحال في مركز فاينو للعلوم في ألمانيا. تم رفع المبنى برمته على أعمدة ما يسمح للمرور العام من تحته) فيمكن القول بان هذا قرار إنشائي ذو طبيعة شعبية عامة. كل الأعمال المعمارية ذات الطابع العام تحمل مضمون اجتماعي مسييس. لكن على الأعمال المعمارية أن لا تمثل أيديولوجية سياسية محددة، فهنا يكمن الخطر. العمارة يجب ان تكون مستقلة وان توفر ظروف معيشية جيدة للبشر دون تمييز.
س: كيف تتكيف أعمالك المعمارية مع المشهد الطبيعي المحيط بها؟
ج: حين نبدأ بتصميم بناية ما، نجري مسحا وتحليلا لمكان البناء والموقع المحيط به. التصور التصميمي للعلاقة مابين العمارة والمشهد الطبيعي أو الأبنية المجاورة، قد تغير كثيرا في العشرين سنة الأخيرة. قديما إذا أراد المعماريون خلق تناغم مع الموقع المحيط فإنهم يقومون بتصميم المبنى الجديد على غرار الابنية القديمة الموجودة مسبقا في الجوار. ليس هذا هو الحال الآن. فالتناغم بين العمل المعماري الجديد والبيئة المحيطة يمكن خلقه ببساطة إذا حاول المعمار استلهام عنصر أو أكثر من البيئة المجاورة، ليس بالضرورة أن يكون بناية قديمة.
س: ما هي الحالة المثالية لخلق علاقة ديناميكية بين العمل المعماري وإحساس الفرد في الفضاء المعماري؟
ج: الفضاء المعماري المصمم بشكل جيد يجب أن يضيف تجربة جديدة الى حياة وأحاسيس الفرد.
س: كيف تنظرين الى أعمال زملائك من المعماريين الآخرين؟
ج: ما تم بناؤه قبل حوالي عشرين سنة لم يكن بالروعة والطموح الكافيين. لكن باعتقادي إن المستوى المهني والإبداعي قد ارتفع قليلا هذه الأيام بسبب التنافس بين الزملاء.
س: ما هي الكفاءات التي يجب أن يتحلى بها المرء كي يكون معماريا جيدا؟
ج: على المعماري أن يكون متواضعا فالغرور يمنعه من التطور. كما عليه أن يمتلك الأفكار الجديدة مع إمكانية تطويرها بشكل مدروس حتى يتم تحويلها بنجاح الى عمل إنشائي. صدقني هذه الصفة ليست بمتناول الجميع.
س: تركزين كثيرا على البحث والتحليل في أعمالك، كيف تفسرين ذلك؟
ج: البحث المعماري يتم على ثلاث مستويات؛ أولا من خلال الرسم وبناء المجسمات، ثانيا تحليل موقع البناء وما يحيطه وأخيرا دراسة ظروف الحياة وأساليب المعيشة في المكان. بهذه الطريقة يوسع المعماري عالمه البصري. إنها عملية بحث مستمرة، فليس هناك مجال للقول "آه .. اعتقد إنني سأذهب في نزهة هذا اليوم حتى يأتيني الإلهام".
لكنني استفيد كثيرا في أعمالي من الفنون المختلفة، المشاهد الطبيعية والتكوينات الهندسية، كل هذا يمتزج اليوم في عالمنا بوحدة كلية معقدة ذات مكونات مختلفة.
كان للمدرسة البنائية الروسية في الفن من عشرينات القرن الماضي تأثير على أعمالي أيضا.
س: كيف تؤثر التكنولوجيا الرقمية الحديثة على أعمالك؟
س: هل لديك علاقة خاصة بمشروع معين من مشاريعك؟
ج: أحب كثيرا مركز فاينو للعلوم في وولفسبرغ ألمانيا، كما إنني كنت متعلقة كثيرا بمحطة إطفاء فيترا في ألمانيا أثناء التنفيذ. ومن الجدير بالذكر أيضا مبنى بي ام دبليو في مدينة لايبزك.
س: ما لذي ستفعلينه اذا منحت مطلق الحرية لتصميم وتنفيذ أي شيء تريدينه؟
ج: لا وجود لهذا النوع من المشاريع. على المعماري أن يتكيف مع الشروط المحددة للمشروع. بعض الشروط تساهم في الواقع بجعل المرء مبدعا ومبتكرا للحلول الرائدة، خصوصا عند توفر الوقت الكافي للتصميم.
يمكن زيارة المعرض الاستعادي الشامل "زهاء حديد" في متحف غوغنهايم نيويورك لغاية 25 أكتوبر هذا العام
أجرى المقابلة (توربيورن غوا) عن صحيفة بيرلنغ الدنماركية وقام بترجمتها بتصرفمشكورا لإيلاف المعماري العراقي ظافر معن