الذكرى 1300 لوصول الإسلام إلى أوروبا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع المستعرب الإسباني خواكين بوستامانتي كوستا
حول مشروع إحياء الذكرى المائوية الثالثة عشر لوصول الإسلام إلى أوروبا
حاوره محمد المودن في مدريد: توجد في أقصى جنوب إسبانيا أقدم مدينة تاريخية في أوروبا: هي مدينة "قاديس"، تشرف على المحيط الأطلسي، ولكنها كذلك تطل على
"قاديس" اليوم تعود من جديد متقمصة وقارها التاريخي، لتحتضن إحياء ذكرى حدث وصول طارق إلى أول نقطة في البر الأوروبي. لاتعير للغط الدائر بالا، فهي أكثر من غيرها تعرف السر فلذلك لاتبالي. جامعة هذه المدينة الإسبانية الوديعة، وبالضبط الطاقم الجامعي لشعبة الدراسات العربية والإسلامية بهذه الجامعة، تحين فرصة اقتراب موعد الذكرى الثالثة عشر المائوية لوصول المسلمين إلى شبه الجزيرة الإيبرية، ليعلنوا عن نيتهم إحياء الذكرى، فهي قد تأتي مرة في العمر، مرة كل مأئة عام. لذلك أعدوا مشروعا متكاملا يحمل تصورا عن مبررات إحياء هذه الذكرى، ومظاهر وصور إحيائها.
المشروع الذي تقدم به المستعربون المشرفون على شعب الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قاديس، كتبوا في وثيقة المشروع التي اطلعت عليه إيلاف ما يلي : "منذ ذلك اليوم ( في إشارة إلى يوم وصول طارق بن زياد إلى طريفة بإقليم قاديسسنة 711م ) تغير تاريخ العالم". من أجل ذلك التغيير يقولون إنه يستحق ذلك اليوم أن يخلد ويحيى. يسمونه كذلك في الوثيقة ذاتها" يوم وصول الإسلام إلى أوروبا". في وثيقتهم كذلك يكتبون : "من دون الأندلس،( تجربة ناجمة عن الوصول الاول)، لم يكن لينتج الفن القوطي كما نعرفه اليوم، لم نكن لنستطيع اكتشاف أمريكا ، ولم يكن ليصل الإنسان إلى القمر. " لكن "أليس في الأمر مبالغة؟" هكذا تساءلنا، وهكذا تساءلوا هم كذلك في وثيقتهم لكنهم أجابوا قائلين:الفن القوطي يجد أصله في الكتابات الأركتكتونية التي تبلورت في قبب محراب مسجد قرطبة. والوصول إلى أمريكا أصبح ممكنا بفضل بلورة تقنيات الإبحار في المحيط الهندي وبفضل التقدم في المعرفة الجغرافية والفضائية . هذه الأمور بالإضافة إلى التطور القوي للرياضيات الذي بدأ مع دخول الأرقام العربية، والحساب بالنظام العشري، وبالجبر وغيرها، وضعت بذلك الأسس المتينة من أجل أن يستطيع الإنسان غزو الفضاء". يضيفون كذلك:" من دون زرياب ما كان هناك بتهوفن ، ولا السمفونية التاسعة ، ولا شعار السعادة ، ولا فيما بعد الشعار الأوربي. ناهيك عن أن الشعار الوطني الإسباني يجد أصله في نوبات موسيقية أندلسية". هكذا يعرضون تصورهم لوصول المسلمين الاوئل إلى الساحل الاوروبي. الحضارة عندهم واحدة ، مركبة ومتنوعة ساهم فيها الإنسان على اختلاف انتمائه الثقافي والعقدي، لتكون في النهاية فقط واحدة ، حضارة إنسانية متصلة أجزاؤها اتصالا تطوريا ، لتكون فقط في النهاية من أجل الإنسان.
وللاقتراب اكثر من هذا المشروع وتعرفه عن قرب، التقت إيلاف بأحد المستعربين الإسبان المشرفين على هذا المشروع، وهو الدكتور خواكين بوستمانتي كاستو، من شعبة الدراسات العربية بجامعة قاديس، له عدة إصدارات ذات الصلة بمجال تخصصه ، وخاصة تلك التي ترصد الأثر الثقافي العربي على نظيرته اللاتينية، وله في هذا الباب مثلا: كتاب "الإعارات العربية للمعجم اللاتيني في مجال الطب" مدريد 1992. وله كتاب آخر في الاتجاه ذاته بعنوان "حركات الاستعراب في مجال علم النبات وعلم الحيوانات في الترجمة اللاتينية" 1996، قاديس. وله العشرات من الأبحاث والدراسات اللسانية الأخرى التي تناولت المتن الكلامي العربي في الأندلس وفي شمال إفريقيا.
المستعرب خواكين بوستمانتي كوستا، استظاف إيلاف في مكتبه وكان معه الحوار الآتي:
* في أي سياق يجري تقديم هذا المشروع؟
- يعتبر هذا المشروع مبادرة من شعبة الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قاديس، التأم على إخراج فكرته أساتذة و طلاب هذه الشعبة. فبعد أربع سنوات من الآن، أي في عام 2011، ستحل، كما هو معلوم، ذكرى مرور ثلاثة عشر قرنا على وصول طارق بن زياد إلى سواحلنا في 711م . فانبثقت فكرة إحياء هذه المناسبة، وإحياء ما حملته تلك المناسبة من مزايا إلى أوروبا، مع وصول أولئك المسلمين الأوائل.
* لماذا إحياء ذكرى وصول الإسلام إلى أوروبا؟
- إننا مقتنعون بأن الإسلام قد جسد إغناء قيما بالنسبة إلى أوروبا منذ وصوله في القرن الثامن الميلادي وحتى إلى يومنا هذا. وبما أن السياق العالمي يبدو في الآونة الأخيرة كما لو أن غيوما مهددة قد خيمت عليه، تحاول إثارة الخوف من الإسلام وإثارة العنصرية ضده، فإننا وددنا من خلال إحياء هذه الذكرى شد الانتباه إلى الأصول الثقافية المتعددة لما يعرف اليوم بالتطور المشترك للإنسانية. فأوروبا على وجه التحديد قد انتفعت من التقدم الكبير المتعدد الذي خلفه وصول الإسلام إلى فضائه الفزيائي، ومن الاتصال القائم بالشعوب العربية الإسلامية على مدى تاريخه، ومازالت أوروبا تتقدم بفضل ما يحمله كذلك إلى الجهد المشترك ملايين الأشخاص يعد الإسلام ملمحا من ملامح هويتهم. إن المسوغات تبدو كافية لنا حتى نتبادل التهاني بخصوص ذلك.
* كيف تفكرون إحياء هذه الذكرى؟
- لقد اقترحنا عبر سبل داخلية على السلطات الأكاديمية لجامعتنا، مقترحا يقوم على فكرة تجسيد إحياء تلك المناسبة عبر لقاء يجمع كل جامعات العالم، ومن كل القارات، التي توجد بها شعب للدراسات العربية والإسلامية. وقد يتخذ هذا اللقاء شكل حفل عارض، تعرض فيه الجامعات من مختلف العالم ما حققته من منجزات علمية ومعرفية متصلة بالثقافة العربية والإسلامية ومدى تأثيرها في الحضارة العالمية.
إننا نود لو تشارك في ذلك اللقاء جامعات ممثلة عن شعوب القارة الأمريكية، التي وصلتها منافع الثقافة العربية والإسلامية التي حملها إليهم الأوروبيون، إذ نعتقد أن قاديس ومضيق جبل طارق يمكنهما أن يكونا موضع تقاطع بين أوروبا من الشمال وإفريقيا من الجنوب، ولكن كذلك بين المتوسط الذي يقود إلى آسيا في جهة الشرق و الأطلسي الذي يقود إلى القارة الأمريكية جهة الغرب. كما نطمح في المناسبة ذاتها أن يتم في مضيق جبل طارق الذي يوحد بين النقط الجهوية الأربعة، بناء معلمة تكون شاهدة وذكرى على معنى الترحاب والشكر الواجب على أوروبا لأولئك الذين قدموا من الجنوب منذ التاريخ القديم حتى القرن الواحد والعشرين.
*جاء في نص ملخص مشروعكم المتعلق بإحياء ذكرى وصول الإسلام إلى أوروبا:" إنه منذ ذلك اليوم تغير تاريخ العالم"، في إشارة إلى يوم وصول طارق بن زياد إلى سواحل طريقة الإسبانية. بأي اتجاه كان ذلك التغيير؟
- إننا ندرك أن وصول الإسلام إلى أوروبا قد أحدث تغييرا كبيرا تبدو مظاهر ذلك بشكل جلي من خلال المنظور التاريخي. فحتى ذلك الوقت كانت الديانات المهيمنة هي اليهودية والمسيحية، ولعل ظهور دين ثالث أضاف عناصر التعايش مع الديانات السابقة، كان شيئا مجهولا حتى هذه اللحظة . ولعل ما حمله التسامح الإسلامي باتجاه تشكيل روح أكثر ليبرالية وأكثرعالمية، ساهمت في إخراج أوروبا من انغلاق ذهني وجهالة متشددة. بل أكثر من ذلك، فقد ربط الإسلام أوروبا بالمسارات التي كانت تروج فيها الأفكار والإنجازات المعرفية، وأتاح لشعوب البحر الغربي أن ينضموا إلى بناء الحضارة المشتركة، حضارة بني الإنسان، وأن يبتعدوا عن قرون الظلمات. وقد قاد هذا، مع مرور الوقت، إلى وضع من الرقي الأوروبي بفضل عدة عوامل، بما في ذلك اكتشاف أمريكا وتشكل الإمبراطوريات الأستعمارية. فلهذا، ومن أجل اعتبار الإنجازات التي حملتها أوروبا إلى باقي العالم، بعيداعن إسنادها لعبقري أو سيد خاص، علينا الاعتراف بواجب الشكر لكل الشعوب والثقافات التي يسرت لها ذلك. إن وصول الإسلام إلى أوروبا وانضمامه إليها كان واحدا من أكبر الدعامات الأساسية لهذا المسارالذي بلغته أوروبا.
*هناك قطاع من المجتمع الإسباني، بمن فيه بعض مثقفيه لا يشاركونكم رؤيتكم نفسها التي ترونها أنتم في وصول طارق بن زياد إلى السواحل الجنوبية الإسبانية، كيف تردون على أفكارهم وتصوراتهم وطروحاتهم بهذا الشأن؟
- دائما هناك قطاعات في كل المجتمعات يفتقرون إلى مزيد من المعرفة والدراسة والبحث والفهم. في الواقع كلنا نحتاج إلى فهم أكبر لأفكار وتصورات الآخر. إن الدعوة لإحياء وصول الإسلام إلى أوروبا عبر سواحل مضيق جبل طارق إنما هو مقترح للتأمل في الكثير مما يجمعنا، وخاصة في ذلك الذي يستحق أن نخلصه من الماضي لإنارة المستقبل.
*هناك نقاش ساخن في إسبانيا حول تاريخ الأندلس، وخاصة بعد الأحداث الإرهابية في مدريد، وفي ضوء تداعيات أفكار هتنغتون التي تشير إلى تصادم الحضارات، حيث يرى طرف أن الأندلس كانت واحة للتعايش بين الديانات والثقافات، بينما يرى طرف آخر أنه لم يكن هناك على عهد الأندلس أي مظهر من مظاهر التعايش. أنتم كمستعربين إسبان ، يتوقع منكم معرفة أعمق بتاريخ هذه المرحلة، كيف يمكنكم الحسم في هذا النقاش، وهل تصدقون على مقولة: الأندلس يقابلها رمزيا وحضاريا التعايش الثقافي والديني؟
- ليس المستعربين وحدهم هم الذين بإمكانهم معرفة التاريخ أفضل، بل المؤرخون كذلك لأنهم يهتمون أكثر بالتاريخ . لكن في حالة الأندلس فقد اجتمعت جهود الإثنين: جهود الذين يدرسون التاريخ بجهود أولئك الذين يدرسون الثقافة العربية. و كلا المجهودين قد خلفا رؤية متكاملة عن تلك الحقبة. في إسبانيا النقاشات عادة ما تكون حامية على الرغم من وجود خلاف بسيط، لذلك يقال إنه هنا يوجد فسفور كثير لأننا نأكل الأسماك كثيرا.
وعموما السجالات الإسبانية منذ نهاية العصر الوسيط، قد توزعت بين قطب متعاطف مع الأخر وقطب به خوف من هذا الآخر. ومع مرور الوقت آل الأمر بهذين القطبين إلى الإلتقاء داخل ما يسمى "الأسبانيتين"، أرداتا أن تجمدا قلب هذا الإسباني الصغير "ماشادو"( ماشادو هو الشاعر الإسباني الذي تحدث عن إسبانيتين). لاحقبة الأندلس يمكن أن تكون واحة سعيدة خيالية ، ولا كانت كذلك حقبة حديدية أوحقبة عنف ولا تسامح . فلا بد، كما هو بدهي، أن يكون بين هذا الحد وذاك درجات مختلفة في لحظات متباينة. لكن أعتقد أنه بالإمكان القول إجمالا ومن المنظور الذي ترسب مع مرور الوقت أن حقبة الأندلس شكلت حقبة إنجازات حضارية كبرى . ومن المنظور الداخلي لإسبانيا، فإنه يبدو واضحا أنه منذ العصر الوسيط إلى اليوم تجربة التسامح والتعايش بين الديانات الثلاث تحت ثقافة واحدة بعينها لم تتكرر بعد.
ولعل ما يسمى "بتصادم الحضارات" التي يثيرها البعض كشعار ومبرر لحروبهم الخاصة، هي فكرة محبوبة لدى الفاشيات المتخلفة، لكنها هي في الحقيقة قبل ذلك مغالطة فاحشة لا تقوم لها قائمة . لا توجد حضارات متصادمة، لا توجد حضارة غربية، ولا حضارة إسلامية ولا هندية. بل توجد حضارة واحدة مشتركة ذات مظاهر وألوان متعددة ومركبة كذلك، حضارة ننتسب إليها جميعا نحن معشر بني الإنسان، حضريون أو بدويون، متحدثون بهذه اللغة أو بتلك، مؤمنون أو غير مؤمنين .... إلخ . كلنا نشارك في منجزات بعضنا البعض، ونجهد جميعا من أجل أن يتقدم العالم. الحضارة هي حضارة هؤلاء وأولئك . إنها كونية وللجميع . والذين يعيشون في تصادم هم فقط أولئك الذين يتخلون عن الحضارة ويشاركون في الهمجية، وفي كل تصادم لا يوجد إلا المعنفون والمعنف عليهم. فلنترك إذن استعمال الحضارة كمبرر.
*باعتبارك مستعربا إسبانيا، كيف تقوم جهود حركة الاستعراب بإسبانيا ودورها في تقوية الاتصال الثقافي والسياسي والاجتماعي بالعالم العربي؟
- يبدو لي أن جهود المستعربين الإسبان هي جهود طامحة بشكل قوي، لكنها لاتحضى بدعم مؤسساتي كبير. وفي بعض المناسبات تراني أرصد سوء فهم اجتماعي، وخاصة حينما تتضاعف حملات مقصودة لإخفاء المعلومات الحقيقية عن الرأي العام. ومن جهة أخرى أعتقد أن الاستعراب الإسباني يحضى بتقدير أكبر في العالم العربي أكثر منه في إسبانيا نفسها. ومع ذلك يوجد في إسبانيا تيار شعبي قوي متعاطف مع جهود المستعربين في الاتصال بالعالم العربي ثقافيا بين قطاعات واسعة بشكل مدهش سواء في شمال إسبانيا كما في جنوبها.
* كيف يفهم العالم العربي في إسبانيا، وكيف ينظر إلى الثقافة العربية في المجتمع الإسباني؟
- إن الثقافة العربية، على الرغم مما يمكن أن يبدو، هي ثقافة غير معروفة بشكل كبير في إسبانيا. فمنذ القديم كانت هناك جهود، تستحق كل تقدير، تعمل على نشر الثقافة العربية وكشف قيمتها. لكن الأغلبية هنا بشكل أساس، مرجعيتهم الثقافية كانت دائما هي أوروبا. العيون منتصبة باتجاه الشمال والظهر يستدبر العالم العربي. ومع ذلك، وبما أننا بلد فيه العديد من التناقضات، فإن الاجتذاب الذي يمارسه العالم العربي على المجتمع الإسباني، هو شيئ لم يتوقف حتى في أكبر اللحظات التي هيمنت فيها رغبة النزوع نحو أوروبا. والنتيجة في تقديري إنما هي درجة من من درجات التكاملية التي لا تخلو من خلل. فمثلا الكثير من الآداب العربية يصل إلى إسبانيا عبر ترجمات من الدرجة الثانية، بمعنى ترجمات لتلك الآداب ليس من لغتها الأصلية ولكن من لغة أخرى وسيطة هي الفرنسية أو الإنجليزية. وهناك كذلك ظاهرة آخرى من الظواهر التي تساهم في توسيع المعرفة بالعالم العربي، وفي ظهور ثقافته في إسبانيا، وهي ظاهرة تكاثر عدد السكان الإسبان من أصل عربي، التي تساهم في فتح مجتمع معروف تقليديا بانغلاقه. كما أن عامل السياحة العمومية يجعل مدنا مثل مراكش والقيروان والقاهرة غير مجهولة لدى فئة من الإسبانيين ذوي ثقافة متوسطة.
* هناك العديد من المهتمين من ينتقدون صورة الثقافة العربية التي يجري التسويق لها في وسائل الإعلام الإسبانية، بحيث يتم اختزال هذه الثقافة إلى مظاهرها السياحية، فالثقافة العربية لاتعني في المعجم الإعلامي الإسباني غير الكسكس، والرقص الشرقي والشوارما وغيرها، وإن كان لهذه الأشياء قيمتها الثقافية، إلا أن اختزال الثقافة العربية في هذه الحدود لا يقود إلى فهم عميق وحقيقي بهذه الثقافة. فهل تعتقد أنتم معشر المستعربين والمسؤولين عن شعب الدراسات العربية في الجامعات الإسبانية ، لكم دور كبير في تحرير الثقافة العربية من هذه الصور النمطية والسطحية؟
- بلا شك. لكن في حدود إمكاناتنا. ففي الحقيقة المجتمع الإسباني هو المكلف بإدخال الثقافة العربية إلى داخل دائرة اهتمامه. هناك كذلك طلب متنامي بشكل متدرج على دراسة اللغة العربية، وإن كان بدرجة أقل مما يتمناه بعضنا، ولكن أكثر مما يتوقعه بعض المتشائمين كذلك. هناك أيضا عدد من الإسبانيين من يقتربون من الثقافة العربية من خلال الدين الإسلامي، وآخرون يقومون بالعكس يتعرفون على الإسلام عن طريق الثقافة العربية. وهناك من يكتفي بالحصول على معلومات عن هذه أو تلك. وفي المحصلة نعتبر كل ذلك أمرا إيجابيا .
صحيح أن صورة الثقافة العربية في بعض وسائل الإعلام ليس جيدة، لكن يمكن اعتبارها مع ذلك في مجموعها أفضل مما تقدمه وسائل إعلام دول أورويبة أخرى عن هذه الثقافة، حيث الصحافة الصفرا ء رسمت بشكل مقصود صورة غير نبيلة عن الإسلام. لايمكن تفادي أن يظل بعض الناس في مساحة بعض الأفكار الجاهزة السياحية عن تلك الثقافة، ولكن مع ذلك، حتى هذا المستوى أعتبره إيجابيا. فتلك قد تكون البداية نحو معرفة أفضل. ونحن كذلك في إسبانيا، هناك من يجهلنا ويختزلنا فقط في مجال مصارعة الثيران، أو "الباهية" PAELLA (وجبة إسبانية شهيرة ). ولكن عادة ما يحصل أن أولئك الذين يرون ثقافتنا عبر تلك الأفكار والصور النمطية الجاهزة ، يأتي يوم وتتغير رؤيتهم. دائما من الأفضل الشروع في الاتصال بثقافة الآخر، وإن كانت المعرفة المتوفرة لدينا عنها سطحية، أفضل من أن نتصل بها ونحن جاهلون بها أو نحمل عنها أحكاما جاهزة لايتم مراجعتها.
* هل تعتقد بأن المجتمع الإسباني مهتم بمعرفة العالم العربي وثقافته؟
- نعم، ومن دون شك. فنحن جيران ولدينا ذاكرة مشتركة.
* هل الدول العربية تدعم جهودكم وبعض مشاريعكم المتعلقة بالتعدد الثقافي والانفتاح على الثقافة العربية؟
ج- دائما كانوا يفعلون ذلك، سواء بشكل موسع أو محدود، وتبعا لإمكاناتهم . هناك نماذج من أنشطة مهمة كما هو الشأن بالنسبة إلى المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد، الذي، منذ عهد جمال عبد الناصر، جسد الجهد الذي يبدل في الدفع بالدراسات المصرية العربية للثقافة الإسبانية، وبالدراسات الإسبانية للثقافة العربية. وفي السنوات الأخيرة تضاعفت عدد اتفاقيات "التعاون بيجامعات" بين المغرب وإسبانيا، وخيرعينة من ذلك ما هو متحقق وقائم بين جامعة قاديس وجامعة عبد الملك السعدي في طنجة وتطوان شمال المغرب على سبيل المثال لا الحصر.
*في ظل هذه المعطيات كيف تنظر إذن إلى مستقبل الثقافة العربية في إسبانيا؟
- سيكون مستقبلا واعدا. فقط يمكنها هذه الثقافة أن تنمو وتنتشر. وكل مرة يتم الكشف عن الحاجة إلى معرفة الثقافة العربية وإدماجها في مجال التفكير المشترك. إن هناك توجها نحو وضع جديد من التعددية الثقافية، الذي وإن كان يبدو شبيها بذلك الوضع متعدد الثقافات الذي جرى الاستمتاع به في العصر الوسيط، قبل أن يتم ذلك الهجوم في كاستيا من طرف الأسرة الحاكمة التي تنتسب إليها الملكة التي طردت اليهود وغزت غرناطة وانتهت بتدمير الأندلس، فإن لديها ميزة عن تلك الحقبة، تتمثل في أن الزمن لم يمر مجانا، وأنه الآن ينظر إلى اللاتسامح كعيب من العيوب المنبوذة، والمجتمع ينبذ التشدد وعمليات التطهير العرقي التي جرت في ذلك الوقت.
*أي دور يجب أن ينهض به المثقفون والمعنيون العرب لتحسين القيمة الرمزية للثقافة العربية في مجتمعكم الإسباني؟
- يدبو هذا السؤال صعبا علي الإجابة عنه. لا أحب عادة أن أقول ما يجب أن يفعله ا لأخرون. ومبدئيا كل ما من شأنه أن يحسن من وضع الثقافة أتصور أنه أمر جيد. لكن أكثر من أن يتم دعم الثقافة كشيئ مجرد أعتقد أنه يتعين دعم الأشخاص الذين يهاجرون، أي أولئك الذين يقيمون هنا في إسبانيا، الذين عادة ما يكونون هدفا للا ستغلال في كثير من الحالات. الثقافة مرتبطة بالأشخاص، وتحسين شروط حياتهم هو رهين بتحسين الثقافة التي يمثلونها وثقافة المجتمع في كليته الذي يعيشون فيه. وبالإظافة إلى ذلك، يتعين تحسين النشاط الثقافي للقنصليات الموجودة في هذا المجتمع ، حيث يعد ذلك نقطة انطلاق مهمة، إذ يفترض أن يتم البدأ في نشر الكتب بالعربية، وعرض أفلام سينمائية عربية، ومساعدة المجموعات العربية والمسلمة من دون تمييز بين المسلمين الآخرين والمسلمين الإسبان.. افترض إذن أن الأمر يمر عبر هذه التوصيفة.
*هناك تفاوت في الآراء لدى أبناء المجتمع الإسباني بين من يرى في قرب إسبانيا جغرافيا من العالم العربي مزية ومصدرا للاغتناء الثقافي والحضاري ، وهناك من يرى في ذلك القرب تهديدا لمجتمعه ، كيف ترون أنتم هذه المعادلة؟
- قبل أن أكون مستعربا، أود أن أقول ككائن إنساني، إنه لا يستطيع أن يخطر ببالي أن الجوار مع أي كان يمكن أن يكون تهديدا. يجب أن نكون مهووسين حتى نقول ذلك. والذين يرون أن مجاورة إسبانيا للعالم العربي هو تهديد لها، فإنما هم في الواقع من يشكلون تهديدا حقيقيا ليس للعالم العربي بل لإسبانيا نفسها . إن القرب والجوار يجمع بين الإرادات ويفضي إلى منفعة مشتركة. كان هناك ملك مغربي قد أشار إلى أن إسبانيا والمغرب باعتباره أقرب نقطة جغرافية عربية من إسبانيا محكوم عليهما بالتفاهم. وهذا التأكيد يمكنه أن يتسع لينطبق على أوروبا والعالم العربي. إنه محكوم عليهما فعلا بالتفاهم لأن كلاهما يحتاج إلى الآخر. ومن لم يفهم هذا الأمر فإنه يبدو أنه لا يرى شيئا أبعد عن أنفه.
*هل تستفيد إسبانيا من قربها ثقافيا وجغرافيا من العالم العربي؟
- نعم إنها تنتفع اليوم كما انتفعت من قبل في الماضي، وستظل تنتفع كذلك في المستقبل. ولذلك فالسياسات التي تعتبر إسبانيا جسرا بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب، هي تلك السياسات المدعوة اليوم لتحسين حياة أهلها وحياة غيرها. إننا بالخبرة ندرك أن إسبانيا دائما قد انغلقت على نفسها، وعندما فتحت أبوابها وأشرعت نوافذها أزهرت الرفاهية والرخاء.بها. وأوروبا حدث لها الشيئ نفسه: إذا افتتنت بذاتها وعشقتها، فسوف تطفو على خدها أعراض فاشية ستقودها من جديد إلى الدمار. ولعل تفادي ذالك، كان كذلك واحدا من الدواعي من وراء اقتراحنا إحياء ذكرى وصول الإسلام إلى سواحل قاديس منذ 13 قرن من الآن.