الحمادي: ليست هناك حرية صحافة في الإمارات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع الإعلامي محمد الحمادي (1/2)
حاورته أميرة القحطاني:محمد الحمادي كاتب وصحفي في جريدة الاتحاد الإماراتية... وصاحب قلم واضح الرأي ومختلف. يرفض إجراء اللقاءات الصحفية ولكنه وكما قال لي حرفيا (من اجل عين إيلاف تكرم ألف عين) وكان هذا اللقاء الذي قال فيه الحمادي ما لم يقله من قبل ولا لأقرب المقربين منه.. أسرار باح بها لي ولكم. إنها دعوة مفتوحة لمن يرغب في إعادة اكتشاف هذا الكاتب الرائع ولكن وقبل الدخول في غمرة هذا اللقاء لابد من ذكر بعض الأمور التي اعتقد بأنها مهمة لمن لا يعرفه: محمد الحمادي خريج جامعة الإمارات كلية الآداب قسم الإعلام - 1994. وهوعضو مؤسس في جمعية الصحفيين بالإمارات وعضو اتحاد الصحفيين العرب كما انه مقرر لجنة الحريات في جمعية الصحفيين في الإمارات وهو عضو ومؤسس في منظمة القيادات العربية الشابة وعضو مؤسس في جمعية الإمارات لحقوق الإنسان في الإمارات... حاصل على جائزة الصحفي المتميز من نادي دبي للصحافة عام 2001 وجائزة تريم عمران الصحفية لفئة أفضل مقال صحفي للعام 2003 وجائزة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم للتفوق العلمي عام 1995.
* بدايةً هل واجه محمد الحمادي صعوبات في عملية النشر؟ أم أن الجوائز وشهادات الشكر أوصلته بسرعة وبدون عوائق؟
- كانت لدي قناعة قوية بأهمية أن ابدأ حياتي الصحفية من الصفر فبدأت مندوبا لأخبار الجامعة عندما كنت طالبا في جامعة الإمارات وتدرجت في وظائفي إلى أن وصلت إلى المنصب الذي أنا فيه -مدير تنفيذي للأعمال- أما الجوائز الصحفية فقد حصلت عليها بعد سنوات من العمل الجاد في الصحافة.
الجوائز بالنسبة إلي ليست مهمة في حد ذاتها ولكنها مؤشرات لأشياء مهمة.... فهي تذكرني بأصحاب الفضل علي فحصولي على أية جائزة هي بفضل وقوف شخص أو مجموعة أشخاص إلى جانبي فانتقاد قارئ لمقالتي أو مدح آخر لرأي أو ابتسامة زميل لي كل ذلك كان يشجعني على الكتابة ومواصلة السير في هذا الطريق.... ووراء كل جائزة هناك شخص يستحقها يجب أن اهديها له... فوراء فوزي الأخير بجائزة أفضل مقالة صحفية في جائزة تريم عمران هو الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية هذا الرجل الرائع في عطائه لهذا الوطن والذي شجعني على الكتابة السياسية وكان يؤمن بقلمي وكان يتابع بشكل دائم ما اكتبه ويعبر عن رأيه بكل صراحة وموضوعية... وبفضله ما زلت اكتب تلك المقالات في صفحات "وجهات نظر" المتميزة في جريدة الاتحاد الإماراتية.
*متى بدأ فيض الحروف لدى الحمادي ومتى التحق بصحيفة الاتحاد الإماراتية؟
- بدأت مع الكتابة منذ العام 1991 عندما نشر أول خبر لي في جريدة الاتحاد حينها كنت في السنة الأولى بجامعة الإمارات ومن ثم بدأت أمارس فنون الصحافة المختلفة فبعد الخبر بدأت بكتابة التحقيق الصحفي ثم الحوارات ثم صرت اكتب المقالات الاجتماعية ثم حصلت على عمود يومي في جريدة الاتحاد اكتب فيه رأيي بكل صراحة ووضوح.. وبعد سنوات تم إيقافي عن كتابته...
أما البداية الأولى لحب الصحافة فيعود الفضل فيها إلى الكاميرا الفوتوغرافية التي كانت وسيلة ممارسة هوايتي المفضلة منذ الطفولة ونمت هذه الهواية وتطورت إلى جعلتني اختار دراسة الإعلام في الجامعة وبعد أن صقلت هواية التصوير اكتشفت موهبة الكتابة لدي فأمسكت بالقلم منذ ذلك اليوم ولم اتركه حتى هذه اللحظة وعاهدت نفسي بأن لا استخدم هذا القلم إلا لكل ما فيه مصلحة وطني وأمتي وقناعتي الخاصة ومبادئ التي لن أتخلى عنها في يوم من الأيام.
*وهل واجهت صعوبات في بداية عملك في مهنة المتاعب؟
- كأغلب العاملين في بلاط صاحبة الجلالة مررت بكثير من الصعوبات في هذه المهنة على مدى الخمس عشرة سنة الماضية ابتداء بالتشكيك في قدراتي كصحفي إماراتي وبتمزيق مقالاتي -عندما بدأت الكتابة- وإلقائها في سلة المهملات بدلا من نشرها في الصحيفة وانتهاء بتحويلي بدون أية مقدمات من رئيس لوحدة الأخبار المحلية والاقتصادية في جريدة الاتحاد إلى موظف إداري في الشؤون الإدارية - كل عملي هو إدخال البيانات في الكمبيوتر وإخراجها!-.
لقد كانت تجربتي الأخيرة قاسية في بدايتها لكنني خرجت منها بأشياء مفيدة كثيرة أولها أنني صرت ملما بكثير من الأمور الإدارية التي كنت اجهلها.. كما أنني عرفت قيمة الإدارة في العمل وأيقنت انه إذا كانت الإدارة سليمة فان أي عمل سيسير بشكل سليم وسينجح ولو في بقالة صغيرة وعندما تكون الإدارة سيئة وجاهلة فان أضخم المؤسسات تغرق في شبر ماء.. ونظرا لان وقت عمل الإدارة محدد -وليس كوقت العمل في الصحافة- فقد قمت باستغلال وقتي في قراءة كتب الإدارة والتخطيط فصرت ملما بالإدارة وفنونها بالإضافة إلى بعض النظريات الإدارية الحديثة واكتشفت أن الإدارة عالم كبير.. ولكنني تمنيت لو أنني لم اقرأ تلك الكتب لأنني بعد مقارنتي لتلك النظريات الإدارية وما رايته على ارض الواقع أصبت بخيبة أمل كبيرة!!
والحقيقة التي يجب أن اذكرها هي أن قرار نقلي إلى الإدارة كان كفيلا بتركي العمل في الصحافة نهائيا واتجاهي للعمل في مجالات أخرى وخصوصا انني تلقيت عروضا عديدة للعمل في مؤسسات مختلفة كما أنني تلقيت نصائح مجانية من بعض الأصدقاء بترك المكان.. إلا إنني اخترت البقاء وتحدي الواقع الجديد والأخذ برأي أصدقاء آخرين ومسئولين كانت تربطني بهم علاقة خاصة وكان رأبهم هو أن أبقى... ومنذ اليوم الأول لي في الإدارة كنت واثقا من أن هذه محطة لن تدوم وكان هذا القرار خيارا صعبا جدا لكنني اخترته.. واليوم عرفت تماما أن قراري كان سليما وان التحدي كان لا مفر منه للبقاء بقوة اكبر في مهنة المتاعب.... ورغم كل ما حدث ما زلت موجودا في بلاط صاحبة الجلالة التي عشقتها وبادلتني ذلك العشق الأبدي وان كانت في بعض الأيام قاسية... وفي هذه الأزمة كان للكثيرين مواقف مشرفة معي ولكن ابرز الرجال الذين كان لهم موقف حقيقي لن أنساها طوال حياتي هو الدكتور جمال سند السويدي الذي وقف بجانبي بكل صدق وقوة على الرغم من انه لم يكن مضطرا لذلك لكنها معادن الرجال التي تظهر وقت الشدة.
*كيف كان موقف زملاء المهنة من داخل الصحيفة وخارجها تجاه هذا القرار؟
- أرجو أن تعذريني لان إجابتي على هذا السؤال لن تكون كما تريدين ولكنني أستطيع أن أخبرك بحجم الحرب التي أعلنها "البعض" وكيف أنهم استغلوا هذا القرار أسوا استغلال فالبعض اخذ يروج أن نقل محمد الحمادي جاء لأسباب "سياسية".. وآخرون أشاعوا بان السبب هو ارتباطي بجماعة الإخوان المسلمين مستندين في ذلك على علاقتي باتحاد طلبة الإمارات في الجامعة قبل أكثر من عشر سنوات... وآخرون روجوا أن الشيوخ لا يريدونه.. وآخرون قالوا أن هناك أسباب "أمنية" لإبعاده عن الصحيفة.. اتهامات خطيرة كل واحدة منها اخطر من الأخرى و"تودي في داهية" وتجعل الإنسان يهرب ليعيش في كهف بعيد عن كل البشر؟!! ولم يغب عن البعض الآخر أن يشيع أن هناك مؤامرة داخلية حيكت بليل لإبعادي عن الجريدة...
كل ما شعرت به فور استلامي قرار النقل هو أنني "طعنت في الظهر".. وان هناك من "احل دمي" مهنيا فصار كل من يريد قول أو فعل أي شيء في حق محمد الحمادي فهو على حق ومعذور... والى أن تأكدت مع مرور الأيام من أن أي من الأسباب التي روجها "بعض أصدقاء الأمس" لم يكن صحيحا بدأت في تقبل الموضوع ودائما كنت اذكر الكلمة التي ارددها لطلبة الصحافة الذين كنت اشرف على تدريبهم في الجريدة وهي: (أن الصحفي يتعرض لكثير من المصاعب والمتاعب فعليه أن يواجهها لا أم يستسلم لها ويرحل)... فقبلت التحدي وبقيت "موظفا إداريا" في الشؤون الإدارية قرابة العامين أتعلم من زملائي الكثير وأصبحت انظر إلى جريدتي من بعيد أراقبها يوميا انظر ماذا يحدث فيها وكيف تتميز بأخبار في يوم ثم كيف تتراجع وتتخلف عن أخبار في أيام... لم انقطع عن الصحيفة ولا ليوم واحد لأنني كنت أؤمن بأن هناك هو مكاني الذي خلقت لأجله وأنني في يوم من الأيام عائد إلى قلمي وقراطيسي لا اعرف متى ولكنني اعرف أن العلاقة الخاصة التي تربطني بجريدة الاتحاد والتي يعرفها الكثيرين ستجعلني أعود عندما احتاج إليها وتحتاج إلي.
لقد كانت هذه التجربة غنية بكل المقاييس وربما تحتاج إلى كلام كثير ليس مجاله هذا الحوار ولكن من المهم أن يدرك الصحفي عندما يضع قدميه على الدرجة الأولى من سلم بلاط صاحبة الجلالة انه يمشي على الشوك وفي حقل ألغام كبير عليه أن يتوقع أي انفجار في أية لحظة.
* لم تخبرني عن السبب نقلك إلى الإدارة؟!
- نعم قد يكون وقت البوح بأسباب هذا النقل لم يحن بعد ولكن بالتأكيد عندما يأتي ذلك اليوم سيكون لنا حديث.
* إذا ننتقل لسؤال آخر في انتظار ذلك اليوم. اجتازت الإمارات مرحلة كبيرة في موضوع حرية الصحافة.. هناك من يقول بان المواضيع التي تطرح ليست عميقة وحساسة وهناك من يقول أن الصحف تتحدث عن حريات النشر ولكنها تحرص على اختيار مواضيع لا تحرجها أمام الحكومة.. ما رأيك في هذا الكلام وهل واجهتك مشكله من هذا النوع؟
- دعيني أقول لك بكل وضوح.. ليست هناك حرية صحافة في الإمارات.. وعلى الرغم من تطور الإمارات في كثير من جوانب الحياة بل وربما تلمسين تطورا ملفتا في حرية التعبير والحريات الأخرى إلا أن الصحافة ما تزال تعاني من القيود سواء الداخلية منها أو الخارجية.. وصحافتنا ما تزال "تمشي جنب الحيط" وهناك أسباب كثيرة لذلك لا يتحملها الصحفيون وحدهم بل السلطة والمجتمع... وربما لم تنجح بعد -على الرغم من المحاولات الكثيرة لبعض الصحفيين- أن تكون السلطة الرابعة في البلد.
وعندما نتكلم عن الصحافة الإماراتية لا يمكن إلا أن نذكر سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الحالي والذي كان منذ أيام قليلة وزيرا للإعلام فقد عمل سموه منذ اليوم الأول لتوليه مسؤوليات الإعلام في الدولة على رفع سقف العمل الإعلامي وتوسعة هامش الحرية الصحفية والجميع لاحظ القفزة المهمة التي شهدها الإعلام الإماراتي المقروء منه والمرئي خلال السنوات الماضية.. كان واضحا أن بعض الصحفيين -وأنا احدهم- استغل هذا الهامش لفترات متقطعة... وأتمنى أن لا تأخذ وزارة الخارجية سموه كثيرا عن الإعلام.. لان الإعلام بحاجة إلى شخصية مثل سموه تتميز بالانفتاح والمرونة والإبداع والإيمان بهذا المجال المهم.
كما أن الإمارات في عهد الشيخ عبد الله استطاعت أن تستقطب نخبة من الإعلاميين العرب الذين يعتبرون الأفضل على المستوى العربي وربما العالمي وكانت هناك تجارب ناجحة ولكنها لم تكتمل لأسباب عديدة... وقد يكون العمل الجاري حاليا على تعديل قانون المطبوعات -الذي يعتبر احد الأسباب الرئيسية المقيدة للحرية الصحفية- عاملا مساعدا على قفزة جديدة للإعلام الإماراتي ترضي الصحفيين والقراء على حد سواء.
(يتبع)