لقاء إيلاف

سميرة المانع: المقموع هو أيضا قامع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: تتميز نصوص الكاتبة العراقية "سميرة المانع" بتعبيراتها، فهناك جمل لا تنسى مثلما هناك "كتب أو مشاهد لا تنسى" جمل بسيطة مؤثرة تنطبع بذاكرتك وترافقك الى نهاية نصوصها، إضافة الى ذلك قدرتها على أن تٌشعر القارئ بألمها وغربتها وهمها الشخصي الممزوج بالهم العام وهو هم وطنها العراق الحبيب، وكيف لا وهناك وطن جريح، ما زال ينزف، تراقبه وتتابعه من بعيد من لندن التي تعيش فيها منذ عام 1965، فالسمة العامة لنصوصها أنها تتعب القلب لانها تتناول قضايا واقعية جداً، وإذا كان الادب الحقيقي يبدأ من الذات فتجد جزءاً من ذاتها في رواياتها، فنجدها تحاول الاختفاء وراء شخصياتها ولكن ليس تماماً، فهي تروي وتحلل ولكنها حاضرة غائبة من خلال التعليق، وتتعمد أن تلقي على كاهل قارئها الكثير ليشاركها أفكارها في تناول قضايا تهمنا جميعاً، لذلك هناك ثلاث سمات يمكن أن تٌميز نصوص سميرة المانع وهي بساطة الاسلوب، كثافة الافكار، والانتماء.

القامعون:
ففي رواية القامعون استخدمت تعبيرات بسيطة جداً ولكنها مؤثرة ومعبرة عن واقع أليم، عبرت عن القمع المستفحل في العراق قديماً وحديثاً، تقول "كل شئ ثابت وعلى وضعه، تتبدل الوجوه والاسماء فقط"، وتدمج بين القمع الشخصي لابطال الرواية بالقمع العام للمجتمع بتحولاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فبعد سقوط العهد الملكي عام 58 بدء النظام باصدار أحكامه العشوائية وتوجيه السباب والشتائم، فالوطني أصبح خائناً، والخائن وطنياً، ويمارس بكل الاساليب الممكنة كل انواع الذل والوحشية والعقاب، فأفرز شخصيات مقهورة مسلوبة الحقوق- أبسط حقوق الانسان-... "مفهوم العدالة شئ غامض عنده"، تناولت شخصية المقموع بتفاصيل دقيقة مكثفة، ووضحت كيف يلجأ الى القمع الجسدي والنفسي وهو الاشد إيلاماً وتأثيراً حين يحصل على السلطة، فهو "عاش عمره من الطفولة الى الشباب دون رحمة تذكر"، فهناك جاسم الحارس الذي انخرط في الحزب ليصبح جاسوساً، وسلمان المكوي الذي أصبح مسؤولاً عن الدائرة الحزبية بالمحلة للحزب الحاكم بعد الحرب على ايران عام 80، ولم يكن القمع مقصوراً على أحد فنالت المرأة منه جانباً كبيراً، وهو ما ركزت عليه المانع في روايتها فهناك سعدية "عاملة النظافة" في القسم الداخلي لطلبة كلية الاداب التي تجاوزت الخامسة والثلاثين، مقهورة ومقموعة تحت خيمة العادات والتقاليد، بين المسموح والممنوع، لم تستطع الزواج لممانعة اخيها عبود "لمن يتقدم لها من الرجال لانهم أقل منه مقاماً وطبقة، واقع القمع الذي عبرت عنه المانع قد يكون من الصعب تغييره بعد ما آل اليه، فبعد انتهاء الحرب على الكويت عام 90 سٌحقت البقية الباقية من كرامة السكان، إضافة الى الحصار الذي فرض على العراق عام 1991، ولا تزال الناس تعيش تحت وطأة القمع مما يدعوك الى طرح تساؤلات عديدة منها هل أخذ القمع شكلاً آخراً بعد سقوط صدام حسين ونظامه؟ وهل ما يجري في العراق الان أحد نتائج القمع لسنوات طويلة؟ وما هو مصير الجيل القادم من أطفال العراق في ظل أنواع جديدة من القمع؟ ألم اقل أن سميرة المانع تثقل كاهل قارئها وهي المهمومة والمثقلة بمحنة وطنها.

الثنائية اللندنية:
أما في رواية الثنائية اللندنية تناولت سميرة المانع مشكلات وقضايا تهم الانسان العربي ولكن بطريقة مختلفة، فلم تركز في بناء الرواية على قضية محددة لنتابع تسلسل أحداثها ومواقف شخصياتها، لذلك تبتعد عن كونها رواية أدبية وتقترب أكثر من كونها عمل تاريخي، سياسي، أو اجتماعي ملئ بالمعلومات القيمة باسلوب بسيط، وبتفاصيل للامكنة والشخصيات والمشاعر، مزجت بين القضايا السياسية والاجتماعية التي تناولتها من خلال أحاديث ورسائل بين أبطال الرواية، بالاضافة الى مقالات وأخبار من الصحف، هذه القضايا تقع تحت إزدواجية الفكر الشرقي والفكر الغربي، ورؤية كل منها للآخر، ومحور روايتها المرأة سواء العربية "منى" التي سافرت من العراق وحيدة الى أوروبا، أو الغربية "بولين"، فتناولت تعليم المرأة ومكانتها في المجتمع، ومفهوم التحرر، الحجاب، العلاقات والصداقات، وبالتوازي تناولت قضايا أخرى مثل موقف الغرب من الصراع العربي الاسرائيلي، والقضية الفلسطينية، وإزدواجية الغرب فلندن تضم صحفاً تتناول فضائح ومشاكل العرب يومياً على صفحاتها بينما تجد صحفاً تتناول قضايا العرب بمناقشات سياسية جادة، وهناك من يهتم بالسياسة الداخلية والخارجية لبلده ويتعاطف مع العرب وقضاياهم، بينما هناك من لا يبالي ويترك الامر للنائب الذي ينتخبه كل أربع سنوات، وأجمل ما عبرت عنه وتناولته هو الغربة ومشاعر المغترب في مدينة لندن، "ما أهمية أن تخرج من أعظم المسرحيات فلا تخاطب الا نفسك، واذا ما خالفت نظام التهذيب الانجليزي وحاورت جارك في المقعد فما اسرع أن توصم بالجنون أو الخفة"، لا تمل سميرة المانع من طرح كثير من الافكار والاراء لتصل بقارئها الى أن التطور باعد بين الناس، اختفت لغة الحوار، فظهر الجشع والقسوة والظلم ليصبح الصراع أشمل فهو صراع بين القيم والمادة سواء في الشرق أو في الغرب. وكان لنا حوار مع الكاتبة سميرة المانع حول الروايتين....

* هل تجدين اختلافا عند قراءة رواية "القامعون" في سنة نشرها أو كتابتها عام 1968 وعند قراءتها الآن وبعد سقوط نظام صدام حسين؟
- طبعا هناك إختلاف، ما الغرابة في ذلك؟ هل الروايات العالمية من "دون كيخوته"، إلى "الحرب والسلام" إلى "عودة الروح" لتوفيق الحكيم وغيرها، مطابقة لما يجري في المجتمعات التي كتبت عنها حاليا، ظاهرياً، طبعا هناك اختلاف، مع ذلك ستكون في المستقبل، دليلنا الموثق كي نعرف ونفهم تلك المجتمعات التي عالجتها، نعرف حوارات ابنائها، تفكيرهم، غضبهم، كيف انتصروا ولماذا فشلوا وخذلوا، فرحهم ، همومهم ، أمزجتهم وحتى أطعمتهم، استطيع الآن أن أتحيز لفن الرواية، عموماً، أو ما يسمى ب- ،أدبي كنوع genre فاقول بامكانها أن تعبّر عن اشياء كثيرة في فترة تأريخية معيّنة - إذا وُفّق الكاتب وأحسن تقنيتها - أفضل بكثير من بعض الكتب التأريخية المتخصصة، يضع الروائي، في حالة نجاحه، الاصبع على التوترات والانفعالات، على التيارات ومراكز الضعف والقوة في عالم الناس العاديين وليس التطرق للقادة والشخصيات الكبيرة في التأريخ البشري فقط، لابد من فحص ما يمر عليه بدقة فنية، كما يفحص طبيب خبير مريضه عن طريق اشعة أكس في عيادته الخاصة، باحثاً عن أمراضه الداخلية ولا يكتفي بالمظهر والسرد الانشائي الخارجي، يسجل ما تعرض له من امراض، ولوكانت مؤلمة، يفتح سجلاّ جديداً له في دفتر العيادة، لتشخيص المرض الذي يشكو منه حاليا بشكل دقيق شفاف.
ما حاولته في رواية "القامعون" المتواضعة الحجم المختصرة، هو التقاط ما خفّ وغلا كي لا أثقل على القاريء المشغول في هذا الزمن المكتظ بالفعاليات والنشاطات المنوعة، حاولت فحص ما كان جرى أمامي ولا زال يجري بالعراق من أفراح وكوارث، اعتداءات وحماسات وانفعالات، وصولا للدين الذي نسمع لجوء البعض اليه عن طريق أحد أبطال الرواية "عبود" حينما ارتكب جريمة كبرى بقتل اخته البريئة بإحراقها بالنفط الموجود في البرميل بالمطبخ،
"انتبهي، رجاءً، للنفط هنا" بحجة الغسل للعار، صار عبود بعد أن تصور أنها ماتت "بدلا من أن يخاف ويُرضي الله في سلوكه، مهتما بارضاء الناس فقط... يتظاهر أمامهم بأنه صائم ومصلّ وذاهب للحج وقد أدى الطقوس بحذافيرها.... وبدلا من أن يرعوي ويطيع الله في عباده فيكف وينهي عن القتل، الكذب، القسوة، الرياء، الغدر، الطمع، البهتان، النميمة، السرقة، النفاق، كما أوصى بذلك الدين الحنيف، أهمل "عبود" هذه الوصايا كلها، همّه الاول والأخير ارضاء الناس... صار الناس، في تصرفات عبود، الهاً".

* اسألك، هل تغير شيء بالنسبة لهذا الموضوع فيما نراه ونسمع عنه عندنا؟!
- كتبتُ الرواية سنة 1968، أي بعد خروجي من العراق بثلاث سنوات، كانت أول رواية أخاطر بالابتداء بها، لكنْ، بعد الانتهاء منها أهملتها في الدرج، لشعوري أن ما يجري بالعراق في تلك الايام من كوارث وحروب ودكتاتورية يكفي، لا يتحمل الوضع مزيداً من الجروح للعراقيين كي أبرزالشقوق والندب، في سنة 1997 اكتشفتها، صدفة، بين أوراقي، فتصفحتها، عابرة، ولشد استغرابي وجدت أنّ ما فيها من مواضيع لايزال قائما، بل أن وقائعها وما مرَ على صفحاتها من قمع القوي للضعيف، غروروتبجح البعض، الفروق الطبقية بالمدن الكبيرة، الانانية، إذلال وإهمال ونسيان الريف والفلاح، كل هذه العوامل، بيئة تفرّخ الطغاة والقساة، خصوصا أنهم، هؤلاء الظالمين، هم أنفسهم، كانوا مضطهدين في سنوات عمرهم الأولى، لم يعرفوا رحمة ولا عطفا، بل ذلاً ومعاناة، هكذا تعاونت، بشكل أو بآخر، هذه العوامل كلها في تكوين شخصية وسايكولوجية الفرد العراقي فيها، في تلك الاثناء عثرت على عدد خاص صادر من صحيفة نيويورك تايمس، جمعتْ الصحيفة ما كتب فيها من استعراضات للكتب التي صدرت منذ مائة عام، ومن ضمن هذه الكتب كان كتاب "كفاحي" لهتلر الصادر سنة 1933، وجدت شرحا وتشابها غريبا لظروف العراق والمانيا في الماضي، من حيث نظام الإقطاع القديم، حرب الثلاثين سنة، وكيف ظلت مناصب الجيش والحكومة للاستقراطية، وكيف جاء اذلال الحرب العالمية الاولى لشعب الالمان بعد سكرة نجاح أولي عسكري وتجاري، اخيرا كيف يحب شعب الالمان بالماضي وقع أقدام المسيرات الجماهيرية، المارشات العسكرية، رفرفة الاعلام واغاني النصر، اي كل مواكب خيلاء الحرب، يقول الناقد في استعراضه للكتاب "قدم هتلر كل هذه المشاعر لهم"، معللا لغز ظهور الهتلرية في المانيا، حين أعيدت لهم تصرفات القرون الوسطى، أحسستُ بعد الانتهاء من القراءة وكأنه يتحدث عن اسباب ظهور صدام بالعراق الآن، المشاكل نفسها من إقطاع، سيطرة طبقة واحدة غنية، حرمان ابناء الشعب من خيرات البلاد، ولا ننسَ نحن حبنا للشعارات والمسيرات حتى الآن (نعم، ياه!) أيضا المسيرات، تعرض الشعبان في ماضيهما لنفس العلل والمسببات التي تبرز وتحفز وتشجع على ظهور دكتاتورية فريدة من نوعها كما شهدنا.

*تركزين على المرأة في كتاباتك بالرغم من أن جميع فئات الشعب تعرضت للقمع. لماذا المرأة بالذات؟
- (الاقربون أولى بالمعروف)! المجتمع الذي تنقصه العدالة الكل مضطهَد ومضطِهد، الرجل المقموع يقمع شخصا آخر ويذله، خصوصا من كان تحت رحمته، تصبح امرأته أو أخته على رأس القائمة في حملة القمع والإذلال، يقال في المثل الشعبي العراقي "ابوي لا يكدر (يقدر) إلاّ على امّي"، أؤيدهم. ما أفصح البسطاء!

*هناك بعض التحفظ في كتاباتك عن القتل والقمع، أي لا يوجد سرد وتفصيل مطول، لماذا؟ هل هو خوف في ذلك الوقت؟ باعتبار عند نشر الرواية كان صدام ونظامه في الحكم؟
- لو كان ما ذكرته صحيحا، لمَ مُنعت كتبي هذه (الخائفة)؟! أليس الأجدر بها أن تظل في رأس القائمة للكتب الصادرة، تُستعرض، بعد أن تمول طباعتها للتشجيع، بالصدارة في مجال المدح والثناء للروايات في الصحف الرسمية، كما فعلوا بداية عنها، ثم تترجم حفاوةً بها، لولا أنهم تنبهوا لتطرقي للمحظورات والمحرمات عندهم، أي بعد صدور "الثنائية اللندنية"، على الرغم من ابتعادها عن التفاصيل الكثيرة، كما تفضلت، مكتفية بالاشارات، ليبعثوا لي كتاباً رسمياً من وزارة الاعلام، بمنع بيعها وتوزيعها بالعراق، لقد تبين لهم بوضوح على ما يبدو، أن سيري مختلف، خرجت عن الخطوط الحمراء لتصبح كتاباتي بعدها مهملة، لا أهمية لها "يعوزها الصدق الفني" من أجل التشويه وخلط الاوراق للتشويش، للأسف.

* عند قراءة رواية "القامعون" شعرت وكأني أقرأ كتابا تأريخيا أكثر منها رواية ادبية، ألا تخافين أن يؤثر ذلك على رسالتك أو هدفك من الرواية؟
- أؤكد لك أن حزني من أن تعتبر روايتي تأريخية لا يهم كثيرا ما دامت تُقرأ، وعندي شعور أن رسالتي ستصل ولسان حالي يقول ما قاله بيكاسو "مع الفارق لا شك" عندما انتقدوا اعماله التجريدية كونها لا تخدم الأفكار التقدمية، ردّ عليهم "في اليوم الذي لا تعبر فيه احدى لوحاتي حتى أكثرها إغراقا في التجريد، عن أمنية كبيرة تخدم حياتنا الانسانية، فسأكون أول من يمزقها بيدي".

* لو طلبت منك نهاية مختلفة لرواية "القامعون" أي بعد سقوط صدام وبحال العراق الحبيب الآن هل كانت ستختلف كثيرا؟ هل أخذ القمع شكلاً آخراً؟
- لم أسمع عن روايات تتغير حسب الطلب، لماذا لا أفكر في كتابة رواية جديدة حول الظروف الحالية، ألا يكون الأمر أوفق وأسلم؟ باختصار شديد أجيبك لقد جعل صدام العراق في حالة غزو دائم، أترك الخيال لك لمعرفة شكل القمع بعد ذلك، أما ما يجري الآن أو في المستقبل فأنا شبه متأكدة من أنّ الأدباء الواعدين الواعين، سيعالجون ذلك الوضع كما نفعل نحن الآن.

* ماذا يعني المكان لسميرة المانع؟ تركزين في وصف الامكنة كما جاء في رواية الثنائية اللندنية.
- المكان يعني المسرح الذي تتفاعل فيه المشاعر والتطورات، كما حصل مع أبطال الأدب الاغترابي وهو من باب تحصيل الحاصل بسبب الحنين والمقارنة، الرواية لا بدّ لها من مكان معين يكون بمثابة مختبر لكي يطلّع القاريء على التفاعلات والاستحالات أمامه، لا انتمي لروايات تهوّم في الفراغ، ولإعطاء فكرة عما أريد إيصاله افتحي المحطات التلفزيونية العربية كي تلاحظي كم نحن مهتمون بالمسلسلات التأريخية وما أقلّ اهتمامنا بالجغرافية، بعكس الدول المتطورة، الجغرافية عنصر مهم في مكونات شخصية الإنسان واهتماماته فيها، للأسف لم نكتشف جغرافيتنا إلا بعد أن تحدث عنها الاجانب، لننظر مثلا لمنطقة الاهوار بالعراق، كم عراقي زارها لاكتشاف غناها، وبالتأكيد هناك مناطق باليمن وبمصر وغيرها لم نكن ندري بوجودها أساساً.

* هل رواية "الثنائية اللندنية" شكل لحوار حضاري أو ثقافي بين الغرب والشرق؟
- لا أدري، للقارئ أن يفسرها كما يرغب، وجدها بعض النقاد تعالج موضوع المثاقفة كما ذكرت.

* هل تؤمنين بالفعل بوجود حوار ثقافي في ظل ما نعيشه الآن من صراعات؟
- لم لا؟ كلنا مسؤولون عن هذه المسألة.

* ذكرت في الرواية ان الرجل العربي بحاجة للمرأة المتعلمة، هل هذا صحيح؟
- أتصور ذلك، الرجل العربي لا يختلف عن غيره من الرجال، سمع بعضنا الممثل انطوني كوين في فيلم "زوربا اليوناني" عندما سؤل هل أنت متزوج؟ ردّ بالايجاب، مضيفاً بسخرية "ألست رجلا"، نعم الرجال سواء، كلهم يندفعون تجاه المراة الجذابة الحسناء ولكن بعد الزواج والمعاشرة يبدأ الملل والضجر بالتسلل، ولسذاجة الرجل يبدأ بالتفتيش عن امرأة أخرى ، بنفس المواصفات أيضا، القلائل من ينتبه للعلة، الجمال وحده غير كاف في المدى البعيد، لن يكوّن صداقة وارتباطاً رغم ورقة الزواج المعروفة، الذكاء والتعليم، امتلاك الدهشة الدائمة بالوجود، يجعل المرأة والرجل دائما في حالة شباب متجدد، رفقة فيها صحبة.
* شعرت من كتابتك أن وضع المرأة العربية شبيه بوضع المرأة الغربية في فترة من الفترات، حين ضربت مثالا على الكاتبة الغربية الي تكتب باسم مستعار، هل قصدت ذلك؟
- نعم ، لا زلنا نعيش في القرن الثامن عشر من ناحية معاملة المرأة.

* تحدثت عن التحرر، المرأة، العمل، العلاقات العربية، القضية الفلسطينية، اسرائيل، ما علاقة كل ذلك بعنوان الرواية "الثنائية اللندنية"؟
- لم تتكشف هذه الامور والمواضيع بالصيغة والمعاني التي ذكرتها لولا عزلتي ووجودي بلندن، المدينة طبعت الرواية ببصماتها، خصوصا عندما يترك المرء وشأنه، أو بالاحرى يهمل وينسى، وهذا ما يريده الروائي، حتما، ليعيش مع ابطاله ومشاكلهم في هذه الحياة، وجودي هنا خلق ابطالي في الرواية، بالمناسبة، صدفة، أنا من جيل عشت نصف عمري بالعراق والنصف الثاني ببريطانيا، كل ما مرّ ذكره من مواضيع في الرواية هو من تجارب حياتية مرت بي أو بالآخرين من جيلي في كلا البلدين، ما العمل، ألم يكن غيري بنفس الظروف تقريبا، واستعملوا أسماء مدن مضيفين لها "رباعية" أو "ثلاثية" في كتبهم، ما الضير في ذلك؟

* لم تنهي رواية "الثنائية اللندنية" النهاية المعتادة للروايات، تركت الرواية مفتوحة، لماذا؟
- يا صاحبتي، ماذا لو قلتُ لكِ إن الحياة نفسها مفتوحة، لا قفل فيها ولا خاتمة، لماذا أخلق وهماً، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، الرواية مقطع من الحياة مسكوبة بالحبرعلى الورق، هل استطيع أن أجد نتائج ختامية للحياة التي نحياها؟ قطعا لا، إنها حيرة في حيرة إلى النهاية، أضيف أن هذه الرواية كانت متممة لرواية سبقتها عنوانها "السابقون واللاحقون" صادرة عن دار العودة ببيروت سنة 1972 وقد نفذت طبعتها، المهم جاءت رواية الثنائية لتعالج مسائل معلقة فيها كمسألة الحب والزواج، العلاقات البشرية، مشاكل على الكرة الارضية، ولتوضح بعض المعاني بصورة أوسع نسبياً، الكتابان يقرآن منفصلان، كلا على حده، أو معاً لكنهما لا يعاملان على الظاهر كقصة عاطفية بين رجل وامرأة فقط، هناك السياسة، الغربة، القضية النسوية التي كانت متفجرة في تلك الاثناء باوربا واميركا، الحرية بانواعها، المقارنة بين بعض البلدان والاقوام، بمعنى بين الشرق والغرب، انتهيت بخلاصة هي أن الانسان شبه أعمى، يرى، معظم الوقت، نصف الحقيقة ، أثناء الحكم على بعض القضايا، وما العجوز ذات العيون الزرق الجميلة إلا رمز للامبراطورية البريطانية المندثرة، ألا يكفي هذا للقارئ أم احتاج لنهاية سعيدة، كالزواج مثلاُ!
salwalubani@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف