لقاء إيلاف

خليل: الحرية المطلقة شرط الابداع

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حوار مع المخرج المسرحي العراقي إسماعيل خليل

حاوره صالح حسن فارس: كانت (جنة الأطفال) خطوته الأولى على طريق طويل وعذابات أطول تلك الجنة التي زيّنت حرية طفولته بمنصة وستارة. وحفـّزته في عام 1967 للعمل ضمن فرقة مسرح الصداقة التابعة للمركز الثقافي السوفيتي، حيث أخرج أول مسرحية لجوزيف جيست بعنوان (الأثول)، وقد دفعته هذه البداية لأن يقوم بالخطوة الجادة الأولى وهي اخراج مسرحية (الرهان) لتشيخوف، بعد التحاقه بعام واحد للدراسة العلمية في اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد. ثم ممثلاً في مسرحية (النخلة والجيران)، حيث هجر النخلة بعد أن أخذ ظلها معه وترك الجيران جالسين على خشبة المسرح ينتظرون عودته، لكنه غادر الى عدن، لم تكن عدن عدناً هذه المرة فمسرحها الخاوي من كل شئ الا- من ذكريات تلوح على غير هدى هنا وهناك، تجول في فضائه الرحب انه اللامسرح أو مسرح اللاشئ كما يسميه هو. كان توقه إلى الحرية يدفعه ليعلن أنه طائر من سرب الطيور المهاجرة.
كانت سحنته تدل على عمق نظرته ووعيه وهمه المسرحي، هذا الرجل السبعيني الملامح يتراى لك "بزلفين طويلين كثين" وجسم ضئيل.. يتصاعد من سيجارته دخان كثيف يوحي بأحتراقات لأحلام مؤجلة أوانهدام لقنطرات ماعادت توصل لمحطات النشوة والتأمل، كانت مهمتي صعبة حين طلبتُ منه ان يُساعدني في البحث عن اسماعيل خليل ذلك الضائع بين أكوام من ورق، مجلات، صحف، كتب، تلال من الذكريات، مشاهد وأسماء. أنفاسه متقطعة وصوته لاهث متعب، تتأرجح نفسه مابين البوح وعدمه، حركته بطيئة كما الاطفال، انه الفنان اسماعيل خليل الذي يصارع المرض منذ سنوات طويلة. في برلين زارت إيلاف المخرج العراقي "أسماعيل خليل" في بيته وكان هذا الحوار:

* البدايات؟
- البدايات كانت ممتعة حين أشتركتُ في برنامج اذاعي- تلفزيوني بعنوان(جنة الأطفال) للفنان عمّو زكي عام 1960 وكان عمري 12 عاما وهذه المشاركة أذكت الشرارة في داخلي، وفي عام 1967 مثلتُ على خشبة المسرح وكنتُ عضواً في فرقة مسرح الصداقة، أول مسرحية قمتُ بأخراجها للمسرح هي (الاثول) لجوزيف جيست، أما الخطوة الاكثر جدية فهي اخراجي مسرحية)الرهان(تأليف تشيخوف وترجمة سامي عبد الحميد عام 1969، وفي عام 1968 دخلتُ اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد،- بعدها أنتميت إلى فرقة مسرح الفنّ الحديث عام 1969 وأشتركتُ في مسرحية (النخلة والجيران) ثم)تموز يقرع الناقوس(،)في أنتظار غودو(من أخراج سامي عبد الحميد. وقمتُ باخراج مسرحية)الرجل الرابع(وفي عام 1972 قدمتُ مسرحية)مكبث(كأطروحة تخرج، وفي عام 1973 أنتميت إلى الفرقة القومية للتمثيل التابعة للمؤسسة العامة للسينما والمسرح، وأخرجتُ مسرحيت) بيت الدمية(لأبسن عام 1976 كما اعددتُ واخرجتُ مسرحية(العاصفة) لفرقة مسرح الشباب، والقنطرة عام1977 وكانت من اعداد الفنان طه سالم.

* ماهي قصة منع مسرحية مكبث؟
- ان (مكبث) كانت اطروحة التخرج، وكانت رؤيتي للعمل تكمن في تجربة جديدة وفيها خروج عن المألوف وحاولت حينها أن اختصر النص المسرحي الى سبع صفحات، وعلى أثر ذلك مُنعت المسرحية من العرض للجمهور وشكلت لجنة تحقيقية مكونة من الاستاذ سامي عبد الحميد والاستاذ كاظم حيدر، وحين علم الاستاذ الفنان الراحل كاظم حيدر بتفاصيل القضية رفض بشّدة الدخول في هذا الصراع " صراع الاجيال" وبقي العمل معلّقاً، وعلى اثرها تركتُ الدراسة لمدة أسبوع حتى تدخل الفنان الراحل " جعفر علي" والراحل جعفر السعدي لأقناع الفنان الراحل ابراهيم جلال بأن يعرض العمل حتى أحصل على درجة التخرج، وتمت بالفعل الموافقة على أن يعرض العمل فقط للاساتذة ومن دون أي جمهور، بعدها تم منحي أعلى درجة بالاخراج المسرحي لذلك العام وبدرجة 94 بفضل الاستاذين الجليلين جعفر السعدي واسعد عبد الرزاق، وهذا الحدث لم يكن فقط على مستوى اكاديمية الفنون الجميلة بل كانت اشارة واضحة من خلال ردود الفعل في الساحة الثقافية أنذاك حتى ان الصحافة تناولت حادثة منع عمل مسرحي كما كتب "حسين الحسيني" في جريدة التاخي عن ذلك الموضوع حينها.

* محطات مهمة اخرى في مشوارك الفني؟
- في اواخر الستينات وبداية السبعينات شكل المجددون في المسرح العراقي وهم من جيل الشباب انذاك- وكنت واحدا منهم- تياراً وحركة جديدين على المسرح العراقي على كل عناصر المسرح، التأليف، الأخراج، التمثيل. بفعل التأثيرات الادبية الحداثوية على الجيل أنذاك، ولكوني لازمت الحداثة والتجديد منذ بداياتي وحتى الان، اذ كنتُ ملتصقاً ومتواصلاً بهذا النهج حتى في الغربة والمنفى ذلك النهج التجديدي الحداثوي ذو الرؤية البعيدة عن المعالجة التقليدية للنص والأعتماد على رؤية خاصة في الاخراج. ومن أبرز أبناء هذا الجيل أذكر الفنانين :صلاح القصب، حميد الجمالي، فاضل خليل، عوني كرومي، حميد حساني، كاظم الخالدي، عبد المطلب السنيد، علي ماجد، غانم بابان، عقيل مهدي، هاني هاني، فاضل السوداني، هادي الخزاعي، وجواد الاسدي.

* كيف كانت تجربتك في اليمن؟
- الهجرة إلى اليمن والرحيل إلى حيث اللامسرح أو مسرح اللاشئ، حيث كانت تجربة تكوين مسرح حقيقي وعلى أسس علمية وأكاديمية وعلى مستوى معاصر وكانت هذه التجربة بالنسبة لي قد بدأت بأخراج مسرحية (الملك هو الملك) لسعد الله ونوس وأعتبر هذا العمل في وقته انطلاقة جديدة للمسرح اليمني الجنوبي إذ كان كل شئ جديداً بالنسبة للمسرح اليمني بدءً من كل شئ.. الحركة، الميزانسين، التشكيل، الاضاءة، اللون، وطريقة التمثيل.. حتّى أن أحد النقاد كتب حينها مامعناه" ان هولاء الممثلين الذين شاهدناهم على المسرح نعرفهم سابقاً لكننا الان نراهم بشكل جديد أخر" نعم انها تجربة مهمة وصعبة لأن البداية كانت في الحقيقة قد بدأت من الصفر تماماً لكنها كانت جميلة جداً حيث ان دور المخرج كدور النحات يشكل الممثلين الهواة كيفما يريد وكما يفعل النحات،أما الهواة من الممثلين فيكتشفون عالماً جديداً ورائعاً من المتعة والحب، كانت هذه هي التجربة الأولى .

* هل كانت هناك تجارب اخرى؟
- التجربة الثانية هي مسرحية "عبيدو والصراط" لوليد اخلاصي، أعداداً وأخراجاً ولنفس الكادر" فرقة اكتوبر" وكانت تجربة رائعة ومكملة للأولى ولكن بأضافات جديدة وكلا العملين عرضا لمرات عديدة كسهرة تلفزيونية في تلفزيون عدن. وبعدها قُدمتُ أعمال اخرى منها : مسرحية (الشهداء السبعة) وهي حكاية يمانية قديمة كتبها للمسرح الفنان المسرحي العراقي هادي الخزاعي عام 1981، و(حصار بيروت) لشاكر لعيبي حول أحداث عام 1982 وخروج المقاومة من لبنان. ومسرحية (العودة المفاجئة) عام 1982 تاليف مارتن اوسلو وترجمة سعدي يوسف، .ولقد كان تأثير الفنانين العراقيين كبيراً على الساحة الثقافية والفنية في اليمن، صحافة، مسرح، الخ....

* وماذا حصل بعد هذه التجارب؟
- تثميناً للجهود والتجارب المسرحية الناجحة في عدن بادرت وزارة الثقافة والسياحة اليمنية بأرسالي إلى دورة تدريبية في بلغاريا عام 1987 وهي دورة تخصص في الاخراج المسرحي حيث قمتُ هناك باخراج مسرحية (عرس الدم) للشاعر الاسباني لوركا، وقُدم هذا العمل في معهد الفيتس وكان اطروحة للتخرج، وبعد عودتي لليمن أخرجتُ مسرحية (الفيل ياملك الزمان) لسعد الله ونوس عام 1991 وشارك هذا العمل في مهرجان قرطاج المسرحي، وفي عام 1995 قدمتُ عملاً مسرحياً بعنوان (أبو حيان التوحيدي) أعداد قاسم محمد وهشام علي وأسماعيل خليل، هنا يسحب نفساً من سيجارته ويرمي به نحو الفضاء مختصراً بذلك عدداً من السنين مصحوباً بحسرة كبيرة ويقول: تصور أن كلا العملين "الفيل ياملك الزمان" "وأبو حيان التوحيدي"، عرضا خارج اليمن في بعض المهرجانات وبأسماء اخرى، أي أن الأعمال قد نُسبت إلى غير مخرجها الذي هو أسماعيل خليل بعدما غادرتُ إلى المانيا.في عام 1996 سافرتُ إلى المانيا وبالتحديد في مدينة برلين، قمتُ وبمشاركة لطيف الحبيب بتأليف كتاب بعنوان (المسرح المغيب شاهد على العصر) عن كاظم الخالدي . وفي عام 2001 شاركتُ مع صالح كاظم وبكر رشيد بتأسيس مهرجان المسرح العراقي في المنفى على مسارح der Kulturen Werkstatt وهو أول مهرجان مسرحي عراقي في المنفى الالماني تحديداً، من أجل أن نثبت لأنفسنا اننا فاعلون هنا ونوصل صوتنا إلى الوطن الأم ونتواصل مع بغداد وفنانينها.
التواصل مع بغداد وثقافة الداخل كان شبه معدم ولكنّي أستطيع أن أسمي نقل التجربة العراقية والمسرحية أو نقل حداثة المسرح العراقي إلى اليمن الجنوبي وبكل طرقه مع وجود حرية أكثر في التعبير هو التواصل الحقيقي والامتداد الطبيعي لما بدأناه في بغداد.. ومع ذلك كانت هناك أتصالات غير مباشرة مع بعض الفنانين وذلك عن طريق بعض طلاب المسرح اليمنيين في الكويت الذين كانو يلتقون هناك بفنانين عراقين وأخص بالذكر منهم الفنان الراحل عوني كرومي اثناء أقامته بالكويت لأنجاز مسلسل "أفتح ياسمسم"

* كيف وجدت المنفى؟
- إن الوعي لما هو مألوف وغير مألوف والمستند على نشأة معينة يساعد كثيراً على التكيف والعمل بحرية في المنفى على اعتبار ان اسس الحضارة واحدة وقاسمها المشترك هو الوعي، والوعي لايحتاج إلى لغة فأحياناً تكون اللغة غير مهمه وتسقط وتصبح الحركة هي الدلالة والمعنى، ومثل ذلك مسرحية" ابو حيان التوحيدي" التي قدمتها في اليمن.
الحقيقة أنا شهدتُ أو خضتُ صراعاً ذا أتجاهين، الاول يكمن في الصراع مع السلطة في العراق حول الديمقراطية وحرية التعبير، والثاني يكمن في الصراع مع الانتماء السياسي
لذلك أقول كفنان يجب ايجاد الحرية وبشكل مطلق ويجب على المبدع أن يناضل من أجلها..

* كيف يمكن النهوض بالمسرح العراقي؟
- من أجل خلق آفاق بكر للمسرح العراقي لابد من وجود فكر تنويري علماني و ان تكون هناك حرية بلاحدود للمبدع حرية بلا ضفاف، لابد ان يضطلع الفنان بدور تنويري وهي مهمة عسيرة وصعبه حتى بعد ان تخلصنا من الديكتاتورية والحكم الأحادي، لاكثر من 3 عقود .ولابد ان يكون المسرح بعيدا عن الولاءات الحزبية ونحو الحرية المطلقة، ان الخراب الذي أصاب المسرح سببه الاحزاب التي تحاول ان تفرض رؤيتها واجندتها على كل شئ، بمعنى ما ان الصراع الحالي هو الان بين الديمقراطية وديكتاتورية الاحزاب، واذا حسم الصراع لصالح الديمقراطية فمن المؤكد اننا سنشهد نهوضا كبيرا للمسرح وللابداع في كل مجالاته.
أذكر أننا في عقدي الستينات والسبعينات خضنا تجربة مهمة في الوفاء التام للابداع ورفض الوصاية الحزبية ولكن منذ الجبهة الوطنية حاولت الاحزاب الهيمنة على حركة المسرحيين المجددة، وهذا مما ادى الى صراع شديد بين الانتماء الحزبي وحرية التعبير، وتم اجهاض أغلب التجارب المسرحية الجادة لانها كانت ذات طابع ليبرالي وهذا ما سبب معاداة الاحزاب لها، والاحزاب تريد في حقيقة الأمر داعية اعلامي للفكر الحزبي، حاولوا اجهاض التجربة ايام ما يسمى بالجبهة الوطنية وكانت فترة عصيبة لنا، وكانوا يفرضون ان لانخرج عن اطر الجبهة .

*هل واكب النقد الحركة المسرحية في العراق؟
- لم يكن النقد المسرحي يوما ما بمستوى العروض، ولم يواكب النقد مستوى التجارب المسرحية، ثمة ضعف في مستوى النقد، والبعد المعرفي، وكان الناقد ينظر الى الجوانب الفكرية فان لم تساير اديولوجيته رفضها.وأذكر حينها ناقدا جيدا اسمه شاكر عبد الرزاق "شاكر سلامة " وكان مشروع ناقد جيد، كان يكتب في طريق الشعب وكان الرقيب الحزبي يقص ويحذف من كتاباته التي لاتنسجم مع الفكر الحزبي.

*وأخيرا ؟
- أتمنى الديمقراطية للعراق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف