هيندركس: النخبة السعودية تستمع إلى إذاعتنا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حوار مع المستعرب الهولندي بيرتس هيندركس
علينا أن نعتذر عن ماضينا الاستعماري.
في السعودية كان جمهور النخبة يستمع إلى إذاعتنا.
الاسرائيليون الجيدون كثيرون لكنهم للأسف لم يصبحوا أغلبية.
في هولندا كانوا يسمون جمال عبد الناصر هتلر الثاني.
بعد أوسلو أصبحت فلسطين "كوشر"
من أمستردام صالح حسن فارس: منذ أن أجتاح صدام الكويت أصبح الشرق الأوسط مركز الأحداث العالمية، وهذه فرصة كبيرة بالنسبة للصحافة والصحفيين. هكذا يصف المستعرب والصحافي والباحث الانثربولوجي الهولندي "بيرتس هيندركس" العلاقة بين الصحافة والاحداث الكارثية في العالم. يعتبر "هيندركس" الذي يعمل منذ أعوام طويلة في
في هذا الحوار يكشف لنا "هيندركس" عن تفاصيل وقضايا مهمة ومثيرة في حياته التي أرتبطت منذ أربعين عاماً بهموم وقضايا الشرق الاوسط السياسية. زارته إيلاف في مكتبه بإذاعة هولندا العالمية في مدينة هلفرسوم. لاحظت أنه منهمك بمتابعة أخبار الشرق الاوسط، قال: الصحافة بالنسبة لي اكتشاف متأخر، أنا بالأساس باحث انثروبولوجي، عملتُ في قسم دراسات الشرق الاوسط في جامعة أمستردام، وأجريتُ دراسة مطولة عن التطورات السياسية في مصر و خاصة الحياة الحزبية في فترة السادات، وتحديداً في تاريخ حزب التجمع المصري.
وهنا نص الحوار:
- كيف بدأ اهتمامك بالشرق الأوسط ؟
الصدفة وحدها قادتني إلى الاهتمام بالشرق الأوسط. في عام 1967 كنت رئيس قسم اتحاد الطلبة اثناء الحرب بين اسرائيل والعرب، كانت هولندا تدعم اسرائيل، ليس 100 % بل 200 %. لم أكن أعرف آنذاك الكثير من المعلومات في هذا الامر، ولكني كنتُ أعرف شيئاً من تاريخ الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وقناة السويس، وحرب التحرير الجزائرية، لأني كنتُ عضواً في اتحاد الطلبة وطالباً ناشطاً ضد الامبرالية كأغلب الطلبة ذوي التوجهات الراديكالية وخصوصاً في فترة الحرب في فيتنام. في هولندا كانوا يسمون جمال عبد الناصر هتلر الثاني، ففكرت أنّ علي أن أنظر إلى الأمر برؤية نقدية، واكتشفت حينها أن النظرة الهولندية كانت تبسيطاً للأمور. لم يكن الأمر بهذه البساطة: الإسرائيليون على حق 100% والعرب مخطئون 100%. حينها توصلنا- وأقصد نحن في اتحاد الطلبة - إلى رأى مفاده أن الصراع العربي الفلسطيني هو صراع تراجيدي بين حقين. تعرضتُ بسبب هذا الرأي أنا وأدارة أتحادنا الطلابي لنقد حاد مما دفعني إلى المزيد من القراءة والبحث. صدر انذاك عدد خاص عن الصراع العربي الاسرائيلي من مجلة "الازمنة الحديثة" المشهورة التي كان يصدرها "جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار"، اللذان كانا مؤيدين لحركة التحرير الجزائرية وفي الوقت نفسه متعاطفين جداً مع أسرائيل. كانا يريدان أن يجدا حلاً لصراعهما الداخلي بشأن أسرائيل، وهكذا صدر العدد الضخم، ويتألف من جزء مؤيد للعرب وجزء مؤيد لاسرائيل مع مقدمة من ثمانين صفحة كتبها البرفسور والمستعرب المشهور "مكسيم روناسون"، كان العنوان بالفرنسية " Israel fait colonial?". حين قرأته شعرتُ فعلاً بالغضب، وأكتشفتُ أن الأمر أعقد بكثير مما يُطرح وأن لديّ الكثير لأقوله، فأقترحتُ أن ننظم مؤتمرأ حول هذه المسألة، وهو أمر لم يكن سهلاً في تلك الظروف المتوترة، ولكن بعد ثلاثة أعوام تحقق المؤتمر.
- لكن ماذا عن زياراتك إلى الشرق الاوسط ؟
في عام 1969 قمتُ للمرة الاولى في جولة للشرق الأوسط ضمن وفد طلابي، زرتُ مخيمات اللاجئين والتقيتُ بمثقفين فلسطينين منهم: محمود درويش وسميح القاسم، وحين عدتُ إلى هولندا قررتُ أن أفعل شيئاً فأسسنا "اللجنة الفلسطينية الهولندية" وأصبحتُ رئيسها لفترة عشر سنوات، يمكن أن تسميها "فترة النضال". بعد ذلك ذهبتُ للدراسة في الشرق الأوسط وتخصصتُ في الانثربولوجيا، وبدأ أهتمامي بالعالم العربي وبشكل خاص مصر يأخذ طابعاً أكاديمياً
- لماذا مصر تحديداً ؟
عندي هناك أصدقاء كثيرون، القاهرة مدينة بشعة لكنني أحبها، أعتقد انها مدينة ذات ملامح خاصة، ويعجبني حس الفكاهة لدى المصريين، لو كان العراق هو البلد الاول الذي ازوره لكان نفس الشئ. لكن مع ذلك بقيت القضية الاكبر اي قضية فلسطين محور أهتمامي، ولهذا كنتُ اتردد على لبنان كثيراً. أنتهت بالنسبة لي "الفترة النضالية" وصار أهتمامي الأكاديمي أوسع. وكذلك زرتُ أسرائيل كثيراً وألتقيت بأسرائلين جيدين، وهم كثيرون لكنهم للأسف لم يصبحوا أغلبية حتى الأن.
-الم يكن صعبا بالنسبة لك أن تحافظ على الحيادية في عملك الصحافي في ما يخص القضية الفلسطينية؟ وماهي الصعوبات التي واجهتها؟
كلا لم يكن ذلك صعب أبداً، أولاً أنا كنتُ قريباً جداً من الاحداث بسبب زياراتي الكثيرة للبنان، وعندي معرفة شخصية بكثير من القياديين الفلسطنيين لاسيما حركة فتح، وعندما تكون بهذا القرب تكتشف نقاط الضعف ايضا، لم يصل تأييدي للقضية الفلسطينية أبداً إلى مرحلة الاندماج، ولم أقل أبداً إني أدعم كل مايقوله الفلسطينين، حتى حين كنتُ في اللجنة
- ماذا عن اللغة العربية ؟
اللغة العربية لغة جميلة وغنية وعميقة لكنها صعبة وتكمن صعوبتها في الصراع الدائم بين الفصحى والعامية، لكنها شئ جميل جداً، صار لدي الكثير من الاصدقاء العرب، بالطبع هناك الكثير من العرب الاوغاد، لا يمكن أن أعمم طبعاً. لكن التاريخ العربي والاسلامي مثير للاهتمام لاسيما الفتوحات الأسلامية، والسرعة التي تمت بها، ثم الانهيار. إنها تقاليد ثقافية ثرية، ولذلك أهتممتُ بدراستها علميا.
- كيف تحولت من العمل الاكاديمي إلى الصحافة؟
الاعلام جذبني في ما بعد، لان وسائل الاعلام الهولندية كانت تطلب رأيي دائماً كمختص. سافرتُ أكثر من مرة مع التلفزيون الهولندي، فعلى سبيل المثال فيلم "الأسلام هو الحل" الذي يدور عن الأصولية في مصر، كان من أخراج أحد طلابي السابقين، وكنتُ معه كمستشار، كما قمتُ بأجراء تحقيق تلفزيوني حول الأنتخابات المصرية في 1984، وهكذا أزدادت علاقتي بالصحافة شيئاً فشيئا، ثم عُرضت عليّ وظيفة رئيس قسم العربي في إذاعة هولندا العربية، فقبلتُ بعد تردد لكني الان غير نادم أبداً. أتاح لي هذا العمل أن أسافر أكثر بكثير من قبل إلى العالم العربي، بدأت العمل كرئيس للقسم العربي 1989 وبعدها بعام أجتاح صدام الكويت، وكما ترى منذ ذلك الحين أصبح الشرق الأوسط مركز الأحداث العالمية، وهذه فرصة كبيرة بالنسبة للصحافة.
-لماذ تم ألغاء القسم العربي؟ وماهو دورك الحالي في الاذاعة؟
في عام 1994 أُلغي القسم العربي للاسف، كانت الاذاعة تعاني من مشاكل مالية وكان يجب الغاء بعض الأقسام، كانت الأدارة مخيرة بين الغاء القسم العربي أو القسم الاندونيسي، ووقع الاختيار على الغاء القسم العربي بسبب الروابط التاريخية بين هولندا واندونيسا المستعمرة السابقة، في وقتها أعترضت على هذا القرار ومازلتُ محتفظفاً بنسخة من مذكرة الأعتراض قلتُ لهم حينها العالم العربي مقبل على تغيرات كبيرة، وما تفعلونه يعتبر غباءً، في وقت لاحق جداً أعترفو بخطئهم. بالاضافة إلى كوني رئيساً للقسم العربي انذاك، كنتُ ايضاً محللا متخصصاً بقضايا العالم العربي والاسلامي. لذلك عندما أُلغي القسم العربي، استمريتُ في عملي نفسه.
- هناك الكثير من الاذعات العالمية كالفرنسية، الالمانية، صوت أمريكا، والبي بي سي مالذي يميز إذاعتكم عن بقية تلك الاذاعات؟
نحن كبلد صغير لانستطيع بالطبع منافسة البي بي سي أو صوت أمريكا، لكن لدينا الوهم أولنقل الطموح أن نكون أفضل الباقين. في ما يخص القسم العربي في ذلك الوقت، وكان أسمه هولندا في هلفرسم، فالذي كان يميزه هو أنه الاذاعة الاكثر أستقلالية وحيادية، صحيح أن الدولة تمولنا لكنها لا تشرف على عملنا. ليس هناك وزارة خارجية تختار لنا
كنا نعرف أننا لا نستطيع أن ننافس الاذاعات العالمية الكبرى لذلك كنا نركز على التميز النوعي، أتكلم هنا عن الفترة التي سبقت الغاء الاذاعة، في ذلك الوقت لم تكن هناك قناة الجزيرة. كان لدينا مثلاً برنامج "العمود التاسع" الذي هو بمثابة مساحة خاصة للاصوات العربية المغايرة: الكاتب المغربي "محمد شكري" على سبيل المثال. ولتحقيق التميز النوعي كان لدينا أعلاميون جيدون جداً مازلنا فخورين بهم مثل "حسن رشيدي" الذي يدير حالياً مكتب المغرب العربي في قناة الجزيرة، كان لديه برنامج في إذاعتنا بعنوان "الرأي والرأي الاخر" وهو أحد شعارات قناة الجزيرة حالياً، وكذلك صلاح نجم الذي عمل فيما بعد في قناة الجزيرة ثم ترأس التحرير في قناة العربية.
- لكن إذاعة هولندا العالمية ليست معروفة جيداً في العالم العربي، فمن هو جمهوركم؟
عندما كان لدينا بث إذاعي باللغة العربية كان لدينا جمهور كبير في المغرب العربي خاصة في المغرب والجزائر وبدرجة أقل في مصر، أما في السعودية فكان جمهور النخبة يستمع إلى إذاعتنا. مرة منعني مسؤول أسرائيلي من حضور مؤتمر صحفي أسرائيلي في واشنطن مخصص للاعلاميين العرب، وبعد مشادة كلامية أدخلني بعد أن عرف أني من إذاعة هلفرسوم الهولندية حيث تبين أنه بالاصل يهودي مصري وكان يستمع إلى إذاعتنا حين كان في مصر.
- ماهي خططكم الحالية ؟
لم يعد لدينا بث إذاعي عربي الان، ولكن لدينا موقع على الانترنيت بعنوان هولندا بتتكلم عربي (www.aljesr.nl)، نحاول من خلاله أن نفعل ما كنا نفعله سابقا عبر الاذاعة، بمعنى الأهتمام بالمواضيع التي لا يتم التطرق اليها بشكل واسع في العالم العربي بسبب الضغوط السياسية هناك، دون أن نقع في مطب النظرة الاستعلائية أو التعليمية. مقولة "إن العرب غير جاهزين للديمقراطية" مثلاً أعتبرها مقاربة مهينة وتنطلق من نظرة بطرياركية. هناك دول غربية كثيرة ومن بينها هولندا للاسف تحاول الابقاء على بعض الانظمة المسماة ديمقراطية كما في مصر والاردن خوفاً من الخطر الأصولي. لكنهم بهذه الطريقة يقطعون الطريق على الديمقراطية الحقيقية. لهذا فأن خططنا الحالية تركز على إعطاء مساحة للاصوات المغايرة من خلال الموقع عبر "ويب راديو" الذي نخطط لاطلاقه "ان شاء الله".
- كيف تحاولون أن تقدموا هولندا للجهور العربي؟
هناك صورة كاريكاتيرية متداولة عن هولندا، بأعتبارها بلد الحشيشة، العاهرات، القتل الرحيم، اضافة طبعا إلى رامبرانت وكرة القدم. هولندا بلد صغير لكنها كانت في يوم ما كبيرة بسبب ماضيها الاستعماري الذي مازال علينا أن نعتذر عنه. أعتقد أن في هولندا جوانب اخرى مهمة للعالم العربي، فهولندا بلد منقسم داخلياً بشدة، بين الكاثوليك والبروتستانت، والاشتراكيين والملحدين الخ. الانقسام الذي تراه حالياً بين المسلمين والهولندين الاصليين كان في الماضي بين الهولنديين أنفسهم وبالحدة نفسها. بفضل الديمقراطية والانتخابات التي لا يحصل فيها أي طرف على الأغلبية، أستطاعت هولندا أن تحقق التوازن الداخلي وتضمن حرية العقائد. هذا شئ يمكن أن نفتخر به ويمكن أن يكو ذا أهمية للعالم العربي.
- هذا عن الماضي وماذا عن حاضر هولندا ورسالتها للعالم العربي؟
يبدو أن هولندا نفسها لم تتعلم الكثير من تاريخها، فقد عادت حالة الأنقسام القديم لكن هذه المرة بين المسلمين وغير المسلمين وخاصة بعد مقتل المخرج السينمائي الهولندي "ثيو فان كوخ" والضجة التي أثارتها "ايان هرسي علي" (سياسية هولندية يمينية من أصل صومالي كانت نائبة في البرلمان الهولندي وهاجرت في العام الماضي إلى أمريكا). علينا أن نتعلم من جديد كيف نتعامل مع الأخر المختلف. هذه التجارب هي ايضاً جزء من أهتمام إذاعة هولندا العالمية من خلال التحليلات والمقالات التي نكتبها والتي تبثها الاذاعة أو عبر أختيارنا للمواضيع التي نسلط عليها الأضواء. أتمنى أن تصل هذه التجارب التي عاشها المجتمع الهولندي في الماضي وفي الحاضر إلى الجمهور العربي عبر موقعنا وعبر الإذاعة في المستقبل.
هولندا لديها سمعة رائعة في مجال الحريات الليبرالية وأستقبال اللاجئين وأدماج الوافدين لكن هذه السمعة بدأت تتعرض للشكوك، فقد ظهرت هنا ايضاً أحزاب يمينية متطرفة لم تكن موجودة سابقاً وآمل أن تكون هذه مرحلة مؤقتة. نحاول عبر إذاعتنا أن نؤكد أن التقاليد الهولندية القديمة لم تختف بعد. هناك أحياناً أخبار مبالغ بها تبثها بعض المجموعات الأسلامية الصغيرة توحي وكأن هولندا في حالة حرب لكن الأمر ليس هكذا. أعتقد أن المناخ الهولندي الليبرالي مازال موجوداً لكنه يتعرض لضغوط.