جريدة الجرائد

أمير طاهري: انتخابات إيران.. بعيون قادم من المريخ..!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تخيل وصول مخلوق من سكان المريخ الى طهران هذه الايام لمراقبة انتخابات الرئاسة. الشيء الاول الذي سيلفت انتباهه هو محدودية الحملة الانتخابية. فمع بقاء اسبوع واحد على يوم الانتخابات، يوجد احساس محدود بالحماس الانتخابي الذي يصحب عادة مثل هذه الحملات. فلم يعقد أي من المرشحين اجتماعات جماهيرية، بحجة اسباب امنية، ولم يهتم الا القليل من المرشحين بزيارة الاقاليم، فيما تبدو العملية وكأنها مسابقة ملكة جمال، يهتم المتسابقون فيها بلفت انتباه الشخص الوحيد المهم: «المرشد الاعلى» آية الله علي خامنئي.

وربما يلاحظ هذا المخلوق القادم من المريخ بعض الحقائق الاخرى.

تضم القائمة التي اقرها «المرشد الاعلى» ثمانية مرشحين. وقيل لأكثر من الف شخص آخر تقدموا للترشيح، من بينهم العديد من شخصيات النظام، بأنهم غير مؤهلين. والمرشحون كلهم من الرجال، بالرغم من ان النساء يمثلن 52.1 من مجموع السكان طبقا لآخر الاحصائيات. ومتوسط عمر المرشحين 62 سنة، بينما ثلثي عدد الذين يحق لهم الاقتراع، وهم 45 مليون نسمة، اقل من 30 سنة. والمرشحون من موظفي الدولة سواء في الحكومة او القوات المسلحة. اثنان من الملالي دخلا عالم السياسة. وثلاثة من المرشحين من ابناء رجال الدين، بالرغم من ان رجال الدين الشيعة لا يزيد عددهم عن 300 الف نسمة من بين عدد السكان البالغ 70 مليونا. وخمسة من بين المرشحين لديهم خلفية عسكرية كأعضاء ناشطين او سابقين في الحرس الثوري الاسلامي، وهو جيش مواز اسسه آية الله الخميني.

وربما يتصور هذا المخلوق القادم من المريخ ان المرشحين الثمانية اخوة.

ففيما عدا اثنين من الملالي، واحد منهم لا يمكنه اطلاق لحيته لأسباب خلقية بينما يلتحي الباقي بلحية خفيفة، ويرتدون نفس الملابس التي يطلق عليها اسم «خاكساري» وهي عبارة عن سترات من اقمشة غالية، الا انها تبدو «مبهدلة!».

كما يستخدم المرشحون مجموعة من الكلمات والعبارات تتراوح بين 80 الى 100 كلمة وعبارة تبدو وكأنها لغة مشفرة خاصة اكثر من كونها عبارات ذات سياسية كما ان مضمون ما يذكرونه متشابه، فهم يكررون ان النظام الذي اسسه الخميني هو افضل ما يمكن ان يتخيله الانسان.

ويقول مهدي خروبي، وهو واحد من بين اثنين من الملالي المرشحين في انتخابات الرئاسة: «نظامنا مثار حسد الشعوب في جميع انحاء العالم»، فيما يقول علي اكبر هاشمي رافسنجاني، رجل الدين الاخر، المرشح لمنصب الرئاسة «جمهوريتنا الاسلامية هي نموذج للاسلام بل للانسانية». ويعبر باقي المرشحين عن مشاعر متشابهة. وبالرغم من ذلك، فإنهم يقولون ان البلاد وصلت الى «طريق مسدود!» وان النظام يتجه الى «ازمة منتظمة»، فيما قال رافسنجاني: «يجب وضع الثورة خلفنا»، ليذكر مصطفى معين وهو وزير سابق للتعليم، ومرشح بقايا التحالف الذي دعم محمد خاتمي قبل 8 سنوات: «لا يمكننا بناء المستقبل على اسس قديمة». ويثني المرشحون على الخميني الذي يصفونه بأنه «الرجل الذي بعث الاسلام»، او «الزعيم الذي انقذ الانسانية من الظلمات»، داعين الناخبين كي يذهبوا إلى صناديق الاقتراع لمنح «البهجة» لروح الخميني، لا لدعم برنامج سياسي محدد.

ولكن ذلك لا يثير الاستغراب إذا عرفنا أن المرشحين الثمانية قدموا نفس البرامج السياسية، وهي عبارة عن وعود مبهمة لمحاربة الفساد، ولخلق فرص عمل لأعداد الشباب الواسعة والعاطلة عن العمل، ولتوفير مساكن لمن هم بلا سكن وضبط تصاعد التضخم. ويمكن القول إنه ليست برامج المرشحين فقط هي التي تظل غامضة، لأنه وبالرغم من أن المعلقين يبحثون عن «معتدلين» و«متشددين»، كانت التصريحات الصادرة عن الثمانية مرشحين خالية كلها من أي رؤية تتعلق بالسياسة الخارجية التي يحتاج البلد إلى اتباعها.

وهذا ليس غريبا لو أخذنا بنظر الاعتبار فقط حقيقة أن الرئيس لا يمتلك سلطة حقيقية كي يضع الأجندة، لأنها تعود لـ«المرشد الأعلى» الذي له الكلمة الأخيرة في كل القضايا، مع دور صغير ممنوح للمجلس التشريعي الإسلامي ولمجلس أمناء الدستور.

وطالما أنه ليست هناك أي قضية يمكن مناقشتها بشكل علني، ضمن نظام لا يتسامح مع أي نقاش جاد، فإن المرشحين مجبرون على التحدث بشكل عمومي، مرددين تلميحات من هنا وهناك، ومعتمدين على حضورهم الشخصي أكثر من خطاباتهم لكسب الدعم من الجمهور. يقول مثل فارسي: اهتم بما قيل ولا تهتم بمن قاله! وفي هذه الحملة فإن النصيحة هي: اهتم بمن يقول لا بما يقال.

وعلى أساس هذه القاعدة فمن الممكن تقسيم المرشحين إلى ثلاث مجموعات.

في المجموعة الأولى هناك علي لاريجاني رئيس راديو وتلفزيون الدولة السابق، ومحمود أحمدي نزهاد رئيس بلدية طهران الحالي، وكلاهما يؤمن أن مصدر المشاكل يعود إلى ضعف «الروح الثورية». ويأملان أن يبنيا جدرانا حول إيران لإنقاذها من «الغزو والاستيلاء النهائي» من قبل الثقافة العالمية، التي يريان فيها تدبيرا من «الشيطان الأكبر» الأميركي.

أما في المجموعة الثانية، فنجد محمود باقر قليباف رئيس الشرطة السابق ومحسن رضائي، المسؤول السابق للحرس الثوري، ومحسن مهرالي زاده، أحد أعضاء الحرس الثوري السابقين، ورافسنجاني. وهؤلاء سياسيون طموحون يمتلكون مصالح تجارية ويأملون أن يكونوا أيضا تحت الأضواء. ومن هنا، وإذا كان مواطننا القادم من المريخ طيبا، فإنه سيعتبرهم براغماتيين أكثر من كونهم انتهازيين. وللعلم، أرجو أن لا يفاجأ أحد إذا انسحب أحدهم مثل رضائي من حلبة المنافسة لصالح واحد من الاثنين الآخرين.

أما المجموعة الثالثة فتضم كروبي ومعين. وقد يطلق مواطننا المريخي عليهما اسم «الأرواح الضائعة»، وهما من الخمينيين السابقين الذين شعروا بخيبة أمل منه، لكنهما لم يمتلكا شجاعة الاعتراف بأنهما كانا على خطأ في تقديسهما له ولتطرفه. ولذلك فهما يحلمان بخمينية، بدون وجود عنصريها الأساسيين المتمثلين في الاستبداد والفظاعة. وهو شيء قريب من طبق دجاج بالكاري بدون دجاج وكاري. وهما يعرفان أن ذلك النظام لا يمكن إصلاحه لكنهما يأملان بإصلاحه بدون تقويض أسسه.

وقد يسأل مواطننا المريخي: إذن من هو أفضل خيار؟ والجواب هو أنه من حيث مصالح إيران على الأمد الطويل، فإن أفضل خيار غير موجود على قائمة أسماء المرشحين. وما تبقى هو الخيار البراغماتي.

لن يفوز كروبي ومعين لأنهما يمثلان نسخا شاحبة عن خاتمي، الذي أصبح فشله معترفا به حتى من قبل أخيه الأصغر محمد رضا، فيما قد يستطيع رافسنجاني أو قليباب مساعدة النظام في تجاوز أزمته الحالية، إذ بإمكان رافسنجاني أن يطمئن الأوساط التجارية ويحشِّد البيروقراطية لكي تقوم بإصلاحات ذات طابع تجميلي، وتجنب تصعيد التوتر في مجال العلاقات الخارجية الخاصة بإيران.

يبلغ قليباب سن الرابعة والأربعين، وقد يكون قادرا على بعث الحيوية في الثلاثة ملايين والنصف الذين خدموا حتى الآن في الحرس الثوري، والتحدث إلى الأجيال الشابة التي تشعر بأنها منبوذة. ومن هنا فسيكون انتخاب قليباب أو لاريجاني مؤشرا على أن خامنئي قرر فرض سيطرته بشكل مباشر. فمع المجلس والكيانات الأخرى الخاصة بالنظام، والتي تقع تحت قبضة خامنئي، يمكن الاستيلاء على الرئاسة من قبل جناحه، إنهاء النزاعات الداخلية الموجودة داخل المؤسسة الحاكمة، فيما ستبعث برسالة إلى الشعب الإيراني والعالم الخارجي، مفادها أنهما يتعاملان مع نظام متطرف يسعى إلى تحقيق أحلامه التبشيرية.

ومن المفارقة أن يكون هذا الخيار هو الأفضل بين الخيارين الآخرين، انطلاقا من ان الأفضل التعامل مع نظام صادق مع نفسه من التعامل مع آخر يستخدم أسلوب التقية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف