المنظر الشرعي لزعيم «القاعدة» يتذكر: بن لادن ليس فقيهاً واستسلامه سابع المستحيلات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
موسى القرني: حرّضتُ "الأفغان العرب"... وبن لادن شارك في محاكمة مسعود وفشل في إدانته!
كثيرون يظنون أن "التجربة الأفغانية ومجاهديها" ولّت ولم تُلق بظلالها على شيء في ساعتنا الراهنة، لكن الأكاديمي السعودي الدكتور موسى القرني، الذي قاد لواء التحريض على الجهاد سعودياً، وذهب إلى أفغانستان في أيام "الجهاد" الأولى ضد الروس يرى عكس ذلك.
والقرني ليس مثيراً فقط في الأحداث التي يرويها ولها صلة بقادة "الجهاد" الأحياء منهم والأموات، وفي شهاداته عن "مجاهدي" أمس و"إرهابيي" اليوم، لكنه أيضاً مثير في شخصيته الهادئة التي مكنته من أن يعيش مراحل متناقضة في آن، وينسلخ من كل تجربة بذكاء نادر.
كان صديقاً للفرقاء، وداعية بين التكفيريين إلى احترام الحكومات الإسلامية، وذائداً عن "المرتدين" في نظر المجاهدين مثل أحمد شاه مسعود، بل ومعارضاً لدولة "طالبان"، وصديقاً شخصيا لابن لادن. شخصية خرافية انسجمت مع إثارة "الجهاد" وركود "التدريس".
"الحياة" التقت القرني وفي ما يأتي نص الحوار معه:
gt; كيف ذهبت إلى باكستان ثم أفغانستان وعملت إلى جانب المجاهدين في فترة الثمانينات؟- كانت إحدى الدورات تعقد في باكستان في بيشاور، فطلبت من رئيس الجامعة، وكنت حينها محاضراً، ان أذهب مع الدورة التي تذهب الى بيشاور، في الوقت نفسه، قلت له انني اذا ذهبت مع الدورة اريد ان اتعرف على أحوال المجاهدين. فكنت امزج بين العمل في الدورة والدخول الى الجبهات لأتعرف على احوال المجاهدين. تعرفت على الشيخ عبدالله عزام وعلى الشيخ عبدالرسول سياف، وكان عند الشيخ سياف في ذلك الحين جامعة تسمى جامعة الدعوة والجهاد في منطقة قريبة من بيشاور تسمى قرية الهجرة. هذه القرية أُسست للمهاجرين الأفغان، لكن اكثر العرب الذين جاؤوا بأسرهم يقطنونها، وكان الشيخ سياف في ذلك الحين انتخب رئيساً لما يسمى بالاتحاد الاسلامي بين المجاهدين، لأن المجاهدين عندما بدأوا الجهاد اصبحوا فصائل عدة، ثم حصلت هناك مساع من علماء المسلمين ومن دعاتهم ان يتوحدوا في كيان واحد، فتأسس ما يسمى بالاتحاد الاسلامي، وانتخبوا سياف رئيساً له. لكون سياف درس في الأزهر ويعرف اللغة العربية جيداً، فلهذا اصبح هناك إقبال من العرب الذين يذهبون الى هناك، كان اتجاههم طبعاً سياف، فهو أولاً كان رئيس الاتحاد الإسلامي، وهذا كان بالنسبة لهم يمثل شرعية المجاهدين، ثم ايضاً إتقانه للغة العربية، لهذا كان عنده ضيافة في القرية نفسها، وأنا حللت في هذه الضيافة لفترة طويلة، هذه كانت البداية. بعد ذلك رغبت في ان ابقى مع المجاهدين، حصلت مشاورات كيف استطيع ان اقضي وقتاً طويلاً مع المجاهدين. فالشيخ سياف عنده جامعة للدعوة والجهاد، وقال لي: انا اطلبك لكي تأتي مدرساً في الجامعة. فتقدم بطلب للدولة هناك يطلب دعم الجامعة بمدرسين، أحيل الطلب الى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فأوفدت خمسة مدرسين للتدريس في جامعة الدعوة والجهاد وكنت انا واحداً من هؤلاء، وكان هذا لمدة سنتين متواصلتين، لكن الحقيقة أن الدور الذي كنت اقوم به، غير الدور الذي يقوم به الاخوة الآخرون الذين ذهبوا معي، كان دورهم يقتصر على التدريس في الجامعة فقط.
gt; من هم زملاؤك في جامعة الدعوة والجهاد؟- الدكتور حمدان راجح الشريف، وهو استاذ متقاعد الآن، الدكتور ابراهيم المرشد، هو الآن مدرس في القصيم، والشيخ راشد الرحيلي، وهو استاذ متقاعد من الجامعة الإسلامية، وعمره الآن تجاوز الثمانين تقريباً، وأستاذ آخر اسمه الأستاذ دخيل الله الرحيلي وهو لا يزال محاضراً في الجامعة الاسلامية، وأنا الخامس. هؤلاء كما ذكرت، كان دورهم مقتصراً على التدريس في الجامعة فقط، اما انا فكان دوري بحكم معرفتي بالشيخ سياف والمجاهدين، يجمع بين التدريس في الجامعة والدخول الى الجبهات للدعوة وتقديم الدروس الشرعية والدينية للشبان المجاهدين، وللمشاركة ايضاً في بعض العمليات.
gt; كيف كان شكل الدعوة آنذاك؟- كثير من الشبان العرب الذين كانوا يأتون الى الجهاد لم يكونوا مثقفين ثقافة اسلامية، بل ان هناك نسبة كبيرة منهم كانوا عاشوا حياة الانحراف، وبعضهم لم تحصل له الاستقامة الا وهو ذاهب الى الجهاد، استقام وقرر الذهاب فوراً الى الجهاد. أنا أعرف شباناً ممن ذهبوا الى الجهاد، وممن قتلوا، ونسأل الله ان يكونوا من الشهداء، قبل ان يذهب الى الجهاد كانت حياته كلها بعيدة عن الاستقامة تماماً، بل ان بعضهم ربما كان في أقصى درجات الانحراف، ولهذا فالجهاد كان جاذباً لبعض هؤلاء المنحرفين، وهذا في الحقيقة أفادني ايضاً في المسار الدعوي، لأنني أدركت أن كثيراً من هؤلاء الشبان المنحرفين فيهم خير لكنه لم يجد البيئة التي تستطيع ان توجهه وترعاه، فسار في مساوئ الحياة. هؤلاء كانوا حينما يأتون، بعضهم كان لا يعرف حتى فقه الصلاة ولا فقه الوضوء، جاء فقط للجهاد. لهذا ظروفي انا شخصياً كانت متعلقة بالجوانب الشرعية، ما يتعلق بأحكام الطهارة وأحكام الصلاة، ثم كذلك احكام الجهاد وأحكام الغزو وأحكام الغنائم والقتال، ومتى يقاتل ومتى لا يقاتل، كانت هذه الدورات تعقد للشبان طبعاً، وكانت هناك دورات عسكرية من متخصصين عسكريين.
gt; هل حضرت انت الدورات العسكرية، وعلام كانت ترتكز؟- نعم، كانت ترتكز اولاً على قوة التحمل، بمعنى، انت تعرف ان أفغانستان منطقة جبلية ليس فيها طرق مسفلتة ولا سيارات، يعني ان تصبح قادراً على تحمل المشاق، كيف تستطيع صعود الجبال وكيف تستطيع المشي لمدة 10 الى 12 ساعة، وانت تحمل على ظهرك زادك وسلاحك وملابسك، هذا جانب مهم، هذا الجانب هو قوة التحمل. الجانب الثاني هو التدريب على استعمال السلاح الشخصي، انت في معركة، لا بد من ان تحمل معك سلاحاً (كلاشنيكوف)، أيضاً لا بد من ان تتقن استعمال السلاح الشخصي، بدءاً من المسدس، طبعاً هناك اختلاف بين الاشخاص بحسب الرغبة والأدوار، هناك اشخاص مثلاً يقتصرون على تعلم كيفية استعمال الكلاشنيكوف، حسب الأدوار وبحسب الرغبة، هناك شخص مثلاً يأتي يريد فقط ان يقاتل بشخصه، وهناك شخص ايضاً يريد ان يتعلم على المدافع المضادة للطائرات، وهناك اشخاص يتعلمون على المدافع المضادة للــدبابات، وأشخــــاص يتعلمون على الألغام وكيفية صنعها وفكها وما الى ذلك، الدورات تختلف باخـــتلاف الاشخـــاص، انمــا اكــثر الاشخاص وعــامتهم، كانوا يتدربون على السلاح الشخصي، الذي هو المسدسات والكلاشنيكوف.
gt; هل كان هناك تدريب على العمليات الانتحارية؟- لا. لم تكن هناك عمليات انتحارية في تلك الفترة. الشبان كانوا يهاجمون الدبابات والطائرات بأنفسهم، مجال المعركة كان مفتوحاً، أمامك القواعد الروسية بما فيها من دبابات وطائرات، وأنت معك سلاحك وجهاً لوجه.
gt; الجامعة التي عملت فيها وكان معك اربعة من زملائك، هل تحولت فعلاً الى مكان لتمرير الأعمال الاستخباراتية؟ بمعنى آخر، هل كانت قرية الهجرة بالذات ممراً استخباراتياً؟- لا بد من ان توجد الاستخبارات، وهذا امر طبيعي، في هذا الجو ايضاً المشارك في الجهاد في أفغانستان ولا يكون له جهات استخبارات، غير ممكن، أي بلد، سواء أكان اميركا او باكستان، بل حتى الأعداء انفسهم، الروس كانت لهم مخابرات احياناً داخل المجاهدين من الأفغان، هذا امر طبيعي. لكن نحن حقيقة لم نكن نرى، المخابرات لم تكن لها علاقة بالمجاهدين، كانت علاقتها بالساسة مباشرة.
gt; المجاهدون قتلوا مجموعة من الناس الذين كانوا يعملون معهم، او نفذوا فيهم حكم القتل، بحكم انهم اكتشفوا انهم كانوا يسربون معلومات الى جهات أخرى؟- هذا في المراحل المتأخرة، لأنه في المراحل الأولى حينما كان الجهاد مكشوفاً أساساً، العمل المكشوف لا يعطي الفرصة للتخفي. لهذا انا اعطيك مثالاً، احياناً كانت بعض الدول ترسل مخابرات، ربما حتى بعض الدول التي كانت متعاطفة مع الشيوعيين، ونحن نعلم ان هناك دولاً عربية كانت متعاطفة مع روسيا، هؤلاء كانوا يرسلون المخابرات، ماذا يفعل، أولاً يُستقبل، بعد ذلك يقولون له تفضل الى العمليات، لهذا ليس امامه الا ان يدخل مقاتلاً، وإلا، اذا كان مخابرات في النهاية يكتفي بأن يبقى في الصفوف الخلفية بين المهاجرين والمدنيين، اما أن يتقدم الى داخل الصفوف فلا يستطيع، إما ينكشف أو يموت، وهو ليس عنده استعداد ان يموت، انت الآن في مواجهة مع العدو، يعني انت تسير نحو الموت.
gt; كم مرحلة كانت للجهاد في أفغانستان في الثمانينات؟- أنا أحدّد المرحلة الأولى من بداية الجهاد الى سقوط النظام الشيوعي في كابول ودخول المجاهدين اليها، هذه المرحلة الأولى. بعد ذلك جاءت المرحلة الثانية التي هي مرحلة الفتنة الداخلية بين المجاهدين، الاقتتال الداخلي في ما بينهم، هذه المرحلة انعزلنا فيها تماماً، انا شخصياً بعد ان دخل المجاهدون الى كابول وبدأت الفتنة في ما بينهم، عدت الى البلد هنا، ورفضت بعد ذلك ان أشارك.
gt; متى عدت تقريباً؟- المشكلة أنني لا احفظ التواريخ.
gt; مطلع التسعينات؟- تقريباً في هذه الحدود.
gt; قبل فترة طالبان؟- نعم قبل طالبان، عندما دخل احمد شاه مسعود الى كابول وسقط نظام نجيب الله، هذه الفترة أعتقد كانت في التسعينات. في تلك الفترة انا وكثير من الإخوة الذين ذهبوا الى الجهاد عدنا الى البلد.
- اسامة بن لادن عاد الى البلد، لكنه رجع بعد ذلك.
gt; هل تذكر التاريخ؟- انا صراحة لا احفظ التواريخ مطلقاً.
gt; سمعت أن المجاهدين كانوا يرفضون حفظ التواريخ الميلادية.- لا، انا لست من هذا النوع، أولاً، معظم الذين ذهبوا الى الجهاد لا يُعرفون بأسمائهم وإنما بفلان وأبو فلان، انا كنت أتحرك باسمي في جميع مناطق باكستان.
gt; ابن لادن كانت كنيته هي نفسها الى الآن "أبو عبدالله"؟- نعم، ابن لادن كانت كنيته ابو عبدالله منذ وصل وحتى الآن، وهو معروف، ويعرفه الناس جميعاً.
gt; سليمان أبو غيث كان أيضاً معكم في تلك الأيام. هل تعرفه؟- لا اعرفه.
gt; أبو سليمان المكي خالد الحربي؟- نعم، المكي عرفناه في تلك الفترة، كان من أوائل المجاهدين، ثم بعد ذلك ذهب الى الشيشان.
gt; نعود إلى بقائك هناك؟- بقيت السنتين الأوليين، ثم بعد ذلك عندما انتهت سنتا الإعارة، كنت استحق سنة تفرغ علمي. اخذتها لأنني اردت تجديد الإعارة، الجامعة وقتها اكتفت بالإعارة لمدة سنتين ثم بعد ذلك اوقفتها. كنت استحق سنة تسمى سنة تفرغ علمي، وهي معروفة، فوراً عندما انتهت سنتا الإعارة طلبت سنة تفرغ علمي، كذلك قضيتها هناك، أي قضيت ثلاث سنوات. ثم عدت إلى أفغانستان لسنتين أخريين، أي أمضيت حوالى خمس سنوات.
gt; ومن كان يهتم بعائلتك ويشرف عليها خلال تلك السنوات؟- كان عندي راتبي من الجامعة، وأسرة عائلتي، إخوانها كانوا موجودين، وكنت كل ستة اشهر تقريباً آتي وأبقى معهم اسبوعين، هذا اثناء العام الدراسي. اما في الاجازات الصيفية فكنت آتي وآخذهم معي هناك، كان عندي منزل في قرية الهجرة، بنيت بيتاً هناك. هذه السنوات الثلاث كانت متواصلة، ثم بعد ذلك بقيت اتردد عليهم اثناء الاجازات الصيفية.
gt; هل هذه الجامعة ما زالت موجودة؟- لا، أغلقت الآن.
gt; هل هي فعلاً حرّضت على التشدد؟- في ذلك الحين لم يكن يسمى تشدداً، كان قتال الشيوعيين هو الفكر السائد في ذلك الحين، الآن اصبح يسمى تشدداً، أما في ذلك الحين فكان يسمى جهاداً، وكان مهندس سعودي هو من أسس كلية الهندسة في الجامعة، وهو من الإخوة المعروفين الذين كان لهم دعم واضح للجهاد، وكان استاذاً في جامعة الملك سعود، وعنده مكتب هندسي في المدينة، اسمه الدكتور احمد فريد مصطفى.
gt; وكيف كانت تعمل الجامعة؟- جامعة الدعوة والجهاد كان من ضمن برامجها تدريس وتدريب الطلاب على الجهاد (...). يدخلون الى داخل افغانستان، لأن المسافة بين قرية الهجرة وبين الحدود الافغانية في حدود ساعتين من جهة جلال أباد. في إجازة الخميس والجمعة كانت هناك مجموعات من طلبة الجامعة يدخلون الى داخل الجبهة ويشاركون المجاهدين.
gt; من كان يدربهم، رجال المخابرات؟- لا هناك مدربون، بالنسبة لمعسكرات العرب هناك مدربون من العرب، وبعضهم كانوا عسكريين متقاعدين، وعلى مستوى عال في التدريب. وبالنسبة للأفغان طبعاً كان عندهم مدربون تابعون لهم. وكانت هناك ايضاً استعانة بالجيش الباكستاني في الدعمين المادي والمعنوي.
gt; ابن لادن في تلك المرحلة انضوى تحت مظلة عبدالله عزام؟- نعم.
gt; وكان له رأي؟- ما من شك انه كان له رأي مقدّر، لكن لم يكن له الانفراد بالرأي، كان هناك مجلس تقريباً، هو الذي يناقش أحوال الجاهدين.
gt; كيف كانت العلاقة بين أحمد شاه مسعود وعبدالله عزام وابن لادن؟- الشيخ عبدالله عزام ما كان يرى مجاهداً في حجم مسعود وفي مكانته، وكان يسميه بطل الشمال. وأذكر انني سألته مرة، لأن أحمد شاه مسعود (وهذا مما ينبغي ان يُعرف)، لم يكن العرب يحبونه، كانوا يبغضونه لأسباب عدة، أولاً ان معظم العرب كانوا متأثرين بحكمتيار، وفي ضيافته وفي معسكراته، ومعروف طوال أيام الجهاد حتى قُتل مسعود، ان العدو اللدود لمسعود هو حكمتيار، ولهذا كل العرب كانوا متأثرين بعداوة حكمتيار لمسعود، فكانوا معادين لمسعود لعداوة حكمتيار له، بل وصل الأمر ببعضهم ان صارت عداوته لمسعود أكثر من عداوة حكمتيار له.
gt; يعني حكمتيار كان يستضيف العرب ويحرضهم؟- نعم، هذه نقطة ينبغي ان تُعرف. مسعود كان يعيش في شمال افغانستان وليس قريباً من باكستان. اذا أراد احد ان يصل الى مسعود يحتاج الى مدة لا تقل عن عشرين يوماً، من حدود باكستان الى ان يصل الى الشمال عند مسعود، لأن مناطق مسعود متاخمة لروسيا، ولهذا مسعود لم يكن له مكتب في بيشاور ولم يكن له مكتب اعلامي، هو في الشمال تماماً على خط المواجهة مع الروس. أما حكمتيار وسياف، فهؤلاء كانت معسكراتهم وجبهاتهم قريبة جداً من باكستان، وهي مناطق البشتون. لهذا معظم العرب الذين كانوا يأتون كانوا معهم، يعني يمكنك القول ان اكثر من 95 في المئة من العرب الذين يأتون للجهاد كانوا يتوزعون بين حكمتيار وسياف، ونسبة قليلة كانت تذهب عند الشيخ يونس خالص وعند جلال الدين حقاني. أما مسعود فلم يكن يذهب اليه من العرب الا قلة، افراد معدودون، نعرفهم واحداً واحداً الذين كانوا يذهبون اليه، هذا العامل الأول، عداء حكمتيار له. العامل الثاني، طبيعة مسعود رحمة الله عليه في التفكير والتخطيط الاستراتيجي والقتال طبيعة منظمة، وليست طبيعة فوضوية. العرب، كثير منهم بل الغالبية منهم، الذين يأتون الى الجهاد، لا يحبون السلك العسكري والانضباط، فوضويون، بل كان بعضهم يأتي لمدة اسبوع، يدخل العملية ويطلق الرصاص ويقاتل ويقتحم ثم يعود، وبعضهم يأتي لمدة شهر او شهرين، وهكذا. ولهذا الجبهات التي عند سياف وحكمتيار كانت مثل الأماكن المفتوحة.
gt; يعني مضافات حكمتيار وسياف أشبه بالمقاهي المفتوحة؟- بمعنى انها لا تفرض على اصحابها نظاماً أو مدة معينة لا بد من البقاء فيها، هذا ما اقصده. بعكس مسعود، مسعود لا يقبل ان يأتي عنده الا من قرر ان يقيم عنده للجهاد ويبقى عنده ويدخل تحت ادارته، ولا يستطيع ان يقوم بأية عملية الا بأمره هو. أما بالنسبة للعرب في جبهات حكمتيار وفي جبهات الشيخ سياف فكانوا مستقلين، ويستطيعون القيام بعمليات مستقلة، ويفعلون ما يشاؤون من دون ان يكون عليهم أي رقيب او حسيب. ولهذا كانت مجموعة من العرب ذهبت الى مسعود في بدايات الجهاد. ذهبوا بالفكر نفسه الذي كانوا يتعاملون به عند سياف وعند حكمتيار، وعندما وصلوا الى مسعود رتبوا عملية بأنفسهم، من دون ان يعرف، وهجموا على قوافل لأناس مسلمين وليسوا من الروس. عندما علم مسعود بهذا ادخلهم السجن، ولم يخرجوا الا بعد شفاعات ووساطات. فهؤلاء الذين سجنهم مسعود لما رجعوا الى بيشاور الى حكمتيار، كانوا وصلوا في العداء لمسعود الى درجة لا يصدقها أحد، بسبب سجنه لهم وعدم رضاه على تصرفاتهم. الشيخ عبدالله عزام زار مسعوداً، لأن الكلام في بيشاور كثر عليه، وأكثره من جانب سلبي، كان هناك من يتهم مسعود بأنه كان عميلاً للغرب، ويرجعون هذا إلى ان والده كان جنرالاً في الجيش، وكان ابناء الجنرالات يدخلون المدارس الغربية، فهو درس في هذه المدارس فاتهموه بأنه عميل للغرب، هذا جانب. هناك ايضاً حصلت تهم حتى في الجانب الاخلاقي، هناك من اتهمه في الجانب الاخلاقي، لهذا حصل تشويش كبير في بيشاور حول مسعود من العرب أنفسهم، حتى وصل الأمر الى مناقشة هل يجوز ان يدعم مسعود بالمال ام لا يجوز ان يُدعم.
gt; قيل عن مسعود إنه شيعي؟- لا، مسعود سني وليس شيعياً. أنا اذكر انه عندما كثر الكلام في بيشاور عقدت جلسة لمحاكمة مسعود غيابياً، كان هناك شخصان يدافعان عن مسعود، و21 شخصاً ضد مسعود. الشخصان المدافعان عن مسعود أحدهما الأخ عبدالله أنس، وهو الآن مقيم في بريطانيا، وهو زوج بنت الشيخ عبدالله عزام، والثاني أخ جزائري، اسمه قاري عبدالرحيم، وهما جزائريان، هؤلاء عاشوا مع مسعود وعرفوه عن قرب، وأصبحوا مقدمين عنده، وكانوا يعرفون من هو مسعود ويعرفون حقيقته. 21 شخصاً بينهم جزائريون ومصريون ويمنيون، وفي ذلك الحين لم يكن بينهم سعوديون، هؤلاء كانوا يرون أن مسعوداً يصل الى درجة الكفر. عقدت جلسة محاكمة، كان من أعضاء جلسة المحاكمة عبدالله عزام والشيخ عبدالمجيد الزنداني وأسامة بن لادن.
gt; كم استمرت المحكمة؟- استمرت المحكمة اسبوعاً كاملاً. انا طبعاً طلبوني فرفضت ان أدخل في هذه المحكمة، لكنني كنت اتابع ما يحدث، فعلمت من الشيخ عبدالله عزام ومن الشيخ عبدالمجيد ومن أسامة ومن عبدالله أنس ومن قاري عبدالرحيم، ولهذا من الطرائف ان أخاً آخر لقاري عبدالرحيم اسمه قاري سعيد، كان من اشد الاعداء لمسعود، وقاري سعيد نسأل الله ان يغفر له ويرحمه، بعد ان عاد من أفغانستان انضم الى الجماعات المسلحة وقتل في الجزائر. فكانت النتيجة ان الـ21 لم يستطيعوا ان يثبتوا تهمة واحدة من التهم التي أثاروها عن مسعود. فلما أرادت اللجنة ان تقرر رأيها، كان الاتجاه، بعدما سمعوا، اتجهوا الى انهم لا يتكلمون في مسعود لا مدحاً ولا ذماً.
gt; وكيف ترى هذه النتيجة؟- هذه النتيجة انا أعتبرها غير عادلة، إما ان تثبت التهمة او تنفيها، لكن بحكم ان اسامة بن لادن والشيخ عبدالمجيد الزنداني، أقرب ميلاً الى حكمتيار منهما الى مسعود. وفي الوقت نفسه لم يشاؤوا ان يصادروا اتجاه العرب الموجودين في بيشاور، ان كل العرب ضد مسعود فكيف نحن نقوم بمدحه، الا الشيخ عبدالله عزام رحمة الله عليه، فقال أما أنا فسأمدح مسعوداً حتى ألقى الله عزّ وجلّ. فلهذا خرج من ذلك الاجتماع وبدأت خططه في مدح مسعود، وكتب عنه كتاباً اسمه "عمالقة الشمال"، لم يستطع الشيخ عبدالله عزام ان يطبعه لأن أرض بيشاور كلها كانت تقريباً شبه مملوكة لحكمتيار وسياف، وليس فيها وجود لمسعود، فلم يستطع ان يطبع هذا الكتاب. لكن أنا سألت الشيخ عبدالله عزام رحمة الله عليه مرة، قلت له: يا شيخ عبدالله، هل ما زلت تعتقد ان مسعوداً بطل أفغانستان؟ قال لي: بل هو بطل الإسلام. لهذا انا قلت لا بد من ان ازور مسعوداً، ولا بد من ان اعرفه عن قرب، وكان الأخ عبدالله أنس يحدثني عن مسعود (...)، لأنني كنت أرى في جهاد مسعود جهاداً مختلفاً، يعني المجاهدون الذين كانوا في جنوب أفغانستان، كان قتالهم عبارة عن حرب عصابات، يعني لا تستطيع ان تقـضي على عـدوك ولا تستطيع انت ان تنتهي، كر وفرّ، وليست فيها استراتيجية واضحة، لهذا لم يستطيعوا، لا الشيخ سياف ولا حكمتيار ولا حقاني ولا يونس خالص، ولا احد من الفصائل الموجودة في بيشاور، لم يستطيعوا ان يسقـطوا مديـنـة واحـدة من المدن الكبرى، كانوا فقط يعيشون في الجبال والأودية والقرى الصغيرة، وكانت الحرب كراً وفرّاً، يهجمون ويأخذون غنائم ثم يأتي الشيوعيون فيهجمون عليهم ويطردونهم، وهكذا. إلا مسعوداً فهو كانت عنده حرب نظامية وكان عنده جيش نظامي واستراتيجية واضحة.
سيرة ذاتية- د. موسى بن محمد بن يحيى القرني
- مواليد 1954 (1374هـ) في منطقة جازان - مدينة بيش.
- متزوج وله ستة أبناء وست بنات.
- حائز على دكتوراه في الفقه وأصوله من جامعة أم القرى في مكة.
- أستاذ مشارك في أصول الفقه في الجامعة الإسلامية سابقاً.
- عميد شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية سابقاً.
- رئيس قسم أصول الفقه في الجامعة الإسلامية سابقاً.
- عضو اللجنة العلمية في الجامعة الإسلامية سابقاً.
- مدير الجامعة الإسلامية في بيشاور سابقاً.
- عضو جمعية المؤسسين في هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
- عضو مجلس إدارة هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية سابقاً.
- عضو جمعية المؤسسين في الهيئة الإسلامية العالمية للتعليم.
- يعمل حالياً في مجال المحاماة والاستشارات الشرعية بعد إحالته على التقاعد.
* غداً حلقة ثانية من الحوار.