قصة شهادة أبوجبل أمام المحكمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حقيقة دور الضابط الغامض في اغتيال السادات" (3 من 4)
قصة شهادة أبوجبل أمام المحكمة العسكرية
نبيل شرف الدين: عندما انتهى المقدم ممدوح أبو جبل من الإدلاء بشهادته أدى التحية العسكرية إلى اللواء سمير فاضل رئيس المحكمة، ثم أدار ظهره إلى هيئة المحكمة، ومضى يجلس في القاعة، ولدى مروره أمام أقفاص المتهمين لم يجرؤ على رفع بصره حتى تلتقي عيناه بعيون المحتشدين داخل تلك الأقفاص، وقد بدوا مصدومين ومتوثبين لقتله لو كانت طالته أيديهم لحظتها، غير أن عبد السلام فرج وبلهجة آمرة حاسمة طلب من الجميع ألا يتحرشوا به، بل ولا يتحدثوا إليه، قائلاً لهم : "لعله خيراً لنا وله أن ننساه"، على حد ما نقل عنه حرفياً، كما أخبرنا بذلك محامون كبار مثل عبد الحليم مندور ونبيل الهلالي ومنتصر الزيات، فضلاً عن تأييدها من قبل المتهم في القضية الذي أشرنا إليه، ما يشير إلى أن فرج لم يكن على ثقة تامة في شخص أبو جبل، ومع أنه استعان به في الحصول على التجهيزات والذخيرة، إلا أن ذلك لم يضطر إليه فرج إلا حين ضاقت أمامه السبل، ولم يكن أمامه مزيد من الوقت للبحث عن تلك المعدات والعبوات التي لولا توافرها لما استطاع الاسلامبولي ورفاقه تنفيذ خطة اغتيال السادات وربما اكتشاف أمرهم.
أثناء محاكمته في اغتيال السادات
وهذا المشهد الذي رواه لنا محامون ومتهمون عديدون يأخذنا بالضرورة إلى دائرة العلاقة بين ممدوح أبو جبل وعبد السلام فرج، وفي مذكرة الإحالة للمحاكمة تسرد جانباً لعله الأبرز في هذه العلاقة التي جمعت الضابط الغامض بأخطر شخص ـ بتقديرنا ـ في تنظيم "الجهاد"، وهو المهندس محمد عبد السلام فرج ذلك لأنه لم يكن منظر التنظيم وصاحب أهم كتبه المرجعية وهو "الفريضة الغائبة" فحسب، بل لعب أيضاً دوراً حركياً وقدم دعما لوجستياً بالغ الخطورة، بحيث بدا معه كل القتلة مجرد أدوات شأنهم في ذلك شأن من استعان بهم في مهام محددة، كما هو الحال مع ممدوح أبو جبل، وإن كانت هذه الترتيبات في مجملها، تعني أن السيناريو والتصور الكامل لخطة الاغتيال كان حبيس رأس عبد السلام فرج وحده .
استقر الرأي على أن يتوجه فرج إلى ضاحية الزيتون، ليقيم بعيادة طبيب الأسنان صفوت إبراهيم حامد الأشوح، وهي التي تنازلت له عنها زوجة شقيقه الذي يعمل بالخارج، وظل فرج مقيماً بها كملاذ آمن لاجتماعاته مع قادة التنظيم ومنفذي عملية الاغتيال منذ الثاني حتى الرابع من أكتوبر سنة 1981 حقق فرج للاسلامبولي مأربه، بأن زوده بالذخيرة والقنابل اليدوية التي اعتمد عليها في تنفيذ خطته، فأوفد له عبد الناصر يوم الثالث من أكتوبر 1981 ومعه 19 طلقة ذخيرة 9مم كان عبد الله سالم قد أحضرها له من عبود الزمر، كما أنه في مساء الثالث من أكتوبر 1981 طلب عبد السلام فرج من طارق إبراهيم محمد، الذي كان قد عرفه به عبد الحميد عبد السلام قبيل الاغتيال بأيام معدودات أن يسعى لإحضار القنابل اللازمة، ولم يتوان طارق لحظة في تنفيذ ما طلب منه واصطحب صلاح السيد بيومي علي في سيارة ميكروباص، انطلقت بهما يقودها محمد طارق اسماعيل المصري صوب بلدة "الاخصاص" بالخطاطبة، وهي محل إقامة أسامة السيد محمد قاسم، الذي كان على صله بهما، وهناك باتوا ليلتهم، وصبيحة اليوم التالي الأحد الموافق الرابع من أكتوبر، توجهوا جميعاً ومعهم أسامة قاسم، الذي أحضر قنبلتين يدويتين ورشاشا ومسدساً، وكمية من الطلقات عيار مم، وضعها في حقيبة بالسيارة الميكروباص وتوجهوا من بلدة "الاخصاص" إلى بلدة "الحاجر"، وأحضروا قنبلتين يدويتين اخريين، ثم عادوا بالقنابل الأربع إلى القاهرة فأخذ طارق القنابل وأعطاها لمحمد عبد السلام فرج، الذي سلمها بدوره في اليوم ذاته إلى قائد مجموعة تنفيذ عملية الاغتيال، الملازم خالد الاسلامبولي .
وبمجرد أن حصل خالد على إبر ضرب النار وخزن البنادق الآلية وخزنة الرشاش والقنابل وضعها في حقيبته سمسونايت كانت معه، ثم غادر هو وعبد الحميد عيادة صفوت واتفقا في ما بينهما على اللقاء أمام بوابة حديقة "مريلاند" في الساعة العاشرة من مساء نفس اليوم وافترقا على هذا الأساس، وفي الموعد المحدد ذهب خالد الاسلامبولي إلى المكان المتفق عليه ومعه حقيبته السمسونايت وبها الذخيرة والقنابل اليدوية وإبر ضرب النار وخزن البنادق الآلية وخزنة الرشاش، فوجد عبد الحميد في انتظاره داخل سيارته الفيات مرتديا زي الجنود فقاد خالد السيارة وعرجا في طريقهما إلى أرض العرض العسكري على مقهى بميدان الإسماعيلية في ضاحية مصر الجديدة، حيث اصطحبا عطا طايل، وحسين عباس وكانا يرتديان زي الجنود أيضا وتوجهوا جميعا إلى أرض العرض وعلى مقربة من تجمع آليات وأفراد وحدة خالد نزل عبد الحميد وعطا وحسين ومعهم خطاب مزور مفاده أنهم ملحقون من اللواء 188 مدفعية، وكان الاتفاق أن يدخل هؤلاء الثلاثة ويسألون عن خالد كما أن خالد ترك خبرا مسبقا في وحدته بأن ثلاثة من الجنود الملحقين سيصلون في تلك الليلة وعقب دخل الثلاثة بربع ساعة تقرينا لحق بهم الاسلامبولي فوجدهم في انتظاره يقفون بجوار خيمته، فطلب منهم مخالطة جنود الوحدة بعد أن مزق الخطاب المزور الذي كان معه، ومن ثم نفذوا عملية الاغتيال على النحو الذي شاهده العالم كله .