أخبار

درساته و أساتذته

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من الرياض: يقول أحد المؤرخين السعوديين(عبدالرحمن بن سليمان الرويشد) أنه "عندما بلغ لملكالفتى السادسة من عمره ألحقه والده بمدرسة القصر، وهي عبارة عن غرفة واسعة الأرجاء يدعم سقفها ثلاثة أعمدة وتقع غرف منافعها خارجها، وكانت في الطابق العلوي إلى جوار مكاتب الملك عبدالعزيز، وهي غير المدرسة القديمة التي أسست في نهاية قصر الديرة من الغرب بجوار مخازن القصر، وتقع في الدور الأرضي من القصر، والتي أنشئت حين أنشىء قصر الديرة عام 1910م ، وقد درس بها الجيل الأول من أبناء الملك عبدالعزيز، الأمير محمد والملك خالد والأمير سعد والأمير ناصر والأمير عبدالله ، وعدد من الأمراء من الأسرة المالكة وبعض الأتباع.

لازم الفتى الملك الدراسة في هذه المدرسة ومعه بعض إخوته ممن يكبره سناً، وبعضهم أصغر منه، ومنهم الأمير ناصر بن عبدالعزيز والأمير منصور بن عبدالعزيز، والأمير سعد بن عبدالعزيز، والأمير عبدالله بن عبدالعزيز، والأمير بندر بن عبدالعزيز، والأمير مساعد بن عبدالعزيز، والأمير مشعل بن عبدالعزيز، والأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز، والأمير سلطان بن عبدالعزيز، والأمير فيصل بن تركي، وبعض أبناء أصدقاء الملك عبدالعزيز والملتحقين بالقصر أمثال الشيخ عبدالله بن نافع بن فضلية، والشيخ محمد بن فضلية، والعم راشد بن رويشد، والشيخ عبدالعزيز بن شلهوب، والشيخ سليمان بن حمد السليمان.

وكان يقوم بتدريس المواد الرياضية والخط وبعض الفنون الأخرى الأستاذ المغفور له إن شاء الله الشيخ محمد بن عبدالله العماني الملقب بـ«السناري» وهو أستاذ كبير في شؤون التربية والتعليم، ويتقن العديد من الفنون المعرفية استمر هذا الأستاذ يعطي الدروس في المدرسة فترة طويلة، وكان الفتى الملك من بعض تلامذته، ورغم شدته وقسوته فإن خادم الحرمين الشريفين عندما يتذكره يثني عليه ويعترف بفضله الكبير عليه لاتقانه بعض العلوم.
وكان الشيخ السناري أول من أدخل في تلك المدرسة طريقة تعليم الكسور في الرياضيات على الطريقة التجارية، وهي طريقة تختلف عن الطرق الحديثة في الكسور الاعتيادية والعشرية، حيث كانت تلك الطريقة تضع مصطلحاً خاصاً لأرقام النصف والربع والثلث والعشر..الخ وذلك قبل تطور علم الرياضيات في بلادنا، وكانت الطريقة شائعة في الحجاز وفي بلدان الخليج بعامة، وقد هجرت تلك الطرقة في عهدنا الحاضر.

وكان موقع المدرسة الجديد في الدور الثاني من قصر الديرة قريباً من الشعبة السياسية فهي عبارة عن عدد من الغرف ومنافعها. والفتى الملك الطالب هو الابن التاسع للملك عبدالعزيز من بين أبنائه الذكور البالغ عددهم ستة وثلاثين ذكراً. وكان الملك عبدالعزيز يزور أبناءه في تلك المدرسة، وقد لاحظ تقدم هذا الشاب في دراسته، وأعجب بذكائه وإدراكه ورغبته في الحصول على المزيد من العلم والمعرفة. وفي إحدى المرات لزيارات جلالته لتلك المدرسة ألقى على جلالته الفتى الملك ارتجالاً مجموعة من الأمثال والحكم والمقطوعات الأدبية شعراً ونثراً فسأله الوالد من أين أخذت هذه المختارات التي ألقيتها حفظاً؟ فأجابه الفتى بصدق: أخذتها من كتابي«دروس التهذيب» وهي مادة كانت تدرس في المدارس الابتدائية آنذاك قبل أن يستغنى عنها بمادة المطالعة، فسر الملك عبدالعزيز لجوابه، وشكر مدرسيه على عنايتهم.

بعد ذلك انتقل الفتى الملك إلى المعهد السعودي العلمي وهو معهد أنشأه الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة 1925م على إثر ضم الملك عبدالعزيز الحجاز إلى بقية أجزاء المملكة، وكان الغرض من إنشاءه سد احتياج المدارس الابتدائية من المعلمين والمؤهلين، فهو أول مؤسسة تعليمية سعودية خرجت عدداً من الأفراد الذين لعبوا دوراً جيداً في تطور التعليم في المملكة فيما بعد، وقد أعلن عن افتتاح هذا المعهد في الجريدة الرسمية عام 1345هـ الموافق 1926م وكان هذا المعهد يشتمل على أقسام ليلية للموظفين الذين لا تسمح ظروف عملهم بمواصلة دروسهم نهاراً، وكان منهج هذا المعهد يشتمل على دراسة القرآن الكريم والتجويد ودروس العقيدة والإملاء والحساب والقراءة والمحادثة والإنشاء وقواعد اللغة العربية والخطابة ومسك الدفاتر والجغرافيا والاخلاق، وسنن الكائنات«أي العلوم» وغير ذلك.

فكان من الطبيعي أن يضم عبدالعزيز أبناءه إلى مجلسه الخاص في مثل تلك المناسبة ، وهناك حاول الشاب إرواء نهمه إلى المعرفة حيث كان مجلس والده يضم نخبة من رجال العلم من فقهاء وعلماء وأدباء من مواطنين وغيرهم. فكان مهمة الفتى الملك في تلك الجلسات هي الإصغاء بعناية إلى ما يتحدث عنه جلالة والده العظيم، وكان ذلك الفتى الملك دوماً في مستوى المهمات والأحداث، وقد التحق بذلك المعهد السعودي العلمي في مكة، وأعجب والده بخطواته الأولى التي قطعها كما سر من ثناء أساتذته وإشادتهم بذكائه وشغفه الشديد بالعلم، وحب الاستطلاع، واستيعاب التعليم الديني، واهتمامه بدروسه مما كان له الأثر العظيم في مستقبل إيامه.

وكان الشاب الملك ملازماً لمجالس والده حريصاً على أن يطلع مباشرة على طرق والده في إدارة الحكم وتناول شؤون الناس والأساليب الحكيمة التي يتبعها ذلك القائد في تسوية الخلافات ومعالجة مشكلات مواطنيه، مما أكسبه خبرة عظيمة فيما بعد في معالجة شؤون الحياة. وقد انعكست هذه التربية العلمية على حياة الفتى الملك حيث كان يتعامل مع أبناءه وهم الأمير المرحوم فيصل وبه يكنى، ومحمد، وسعود، وسلطان، وخالد، وعبدالعزيز بعطف وود وإخلاص، كما كان حفظه الله محباً لعائلته الكبرى التي تشمل مواطنيه فهو الأخ لكبيرهم والأب لصغيرهم فالجميع يتطلع إليه كقائد وأب عطوف، ومصدر خير وراع للمحبة والإخلاص والإلفة. كان من أثر دورسه العلمية التي تلقاها عن والده إغداقه على أبنائه حبه العميق وتعاطفه المليء بالحكمة، ومثالية السلوك، وكان يذكر أبناءه دائماً بأنهم لم يعانوا الظروف التي عاشها، وأن عليهم أن يكونوا مستعدين لمواجهة مصاعب الحياة وأن يتعودوا ولا يستسلموا.

كان يقول لهم بصريح العبارة: أنتم أحرار في تحديد مستقبلكم، لكني أذكركم بأن الصلحاء والأقوياء من الناس هم الذين يعرفون كيف يخططون لمستقبلهم، وليكن لديكم معلوم أنها لا تتحقق الأهداف مالم تدعموها بالعلم والمعرفة والخبرة والخلق القويم، وفوق كل هذا بالإيمان بالله وكتبه ورسله.
وقد عزز الفتى الملك تعليمه وثقافته بمختلف العلوم وبالرحلات العديدة إلى الخارج وحبه لعلم التاريخ، وعلم تاريخ العرب وتقاليد أسرته، وقبل ذلك تفهمه لتعاليم الدين الحنيف وفضائله، وبدأ ذلك واضحاً كما يقول من عرفه في استفساراته المستمرة من والده ومن كبار معاوني والده، فكان الفتى النابغة يحضر مجلس والده ويتعلم خفايا الحياة.

كان ذلك الشاب محباً للقراءة والمعرفة وملماً منذ طفولته بدقائق الحياة السياسية ليس في المملكة فقط بل في العالم العربي والإسلامي والدولي، وذلك من خلال حضوره لقاءات والده مع ضيوفه العرب والمسلمين والأجانب، وقد تميز بين أقرانه برغبة شديد في خوض تجارب الحياة العلمية في سن مبكرة.
شب الفتى الملك هادئاً رصين التفكير، لطيف المعشر، سريع البديهة، وعرف منذ ذلك الحين وهو في سن الصبا بالتعلق بوالده الملك عبدالعزيز، فكانت تميزه خصلتان كريمتان عرفهما كل من عرفه فيما بعد صبياً وشاباً وكهلاً، تلك الخصلتان هما: الحزم في غير شطط أو عنف واللين دون تراخٍ أو تسيب. وقد أبدى ذلك الفتى منذ طفولته الأولى شغفاً كبيراً بالحفاظ على التقاليد المرعية للأسرة السعودية الكبيرة، فكان شغوفاً إلى حد كبير بحب الخيل والتعلق بها، وإعداد مرابط للأصائل منها إلى درجة أنه لا يذكر له فرس أصيل إلا حاول أن يشتريه وأن يغري مالكه بالتخلي عنه بأي ثمن، وكان وهو في سن مبكرة يمتطي الخيل، ويشارك إخوته وأعمامه في السباق الذي يقام بين فترة وأخرى بين يدي والده في مضمار الخيل القديم والذي يقع خلف بوابات الرياض الشرقية مباشرة، وكان مضمار السباق يومذاك يمتد ما بين مدخل بناء بستان الشمسية شمال الرياض الواقع في قلب أسواق الشمسية اليوم، إلى أن ينتهي بنهاية أسوار بساتين البطيحاء جنوب الرياض القديمة، و«البطيحاء» بستان نخيل واسع يمتلكه أبناء المرحوم سعد بن عبدالرحمن أخو جلالة الملك عبدالعزيز، ويقع نهاية المضمار اليوم بالقرب من كلية البنات جنوبي البطيحاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف