أخبار

شارون ... موجز حياة سياسي إسرائيلي نموذجي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أسامة العيسة من القدس : في مذكراته، التي صدرت قبل عدة سنوات، يقر ارئيل شارون، الذي بنى لنفسه صورة مخيفة في الوجدان العربي، انه في طفولته كان يخشى، (أبو جلدة) وهو قائد مجموعة من الثائرين الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني. واكتسب (أبو جلدة) ورفاقه من ناشطي الثورة الفلسطينية عام 1936، وأبرزهم رفيقه المسمى (العرميط) صورة قطاع الطرق المخيفين، بسبب الدعاية البريطانية، وعندما أصيب شارون بمرض في العينين كان يستلزم نقله إلى مدينة القدس، رفض الذهاب خشية من أبي جلدة، ومن يومها حمل معه كرها كبيرا لكل ما هو عربي وفلسطيني، وتحكمت به ما يسمى عقدة أبو جلدة واستمرت معه حتى نهاية حياته المنتظرة بين وقت وآخر.

ولد شارون في عام 1928 في مستوطنة ملل، وسط البلاد، ونشأ كمزارع، قبل أن ينضم إلى العصابات الصهيونية التي كانت تنشط ضد الفلسطينيين، والانتداب البريطاني، ومبكرا أعجب شارون، بدافيد بن غوريون قائد التيار الرئيسي في الحركة الصهيونية، وأول رئيس وزراء لدولة إسرائيل فيما بعد، ولكنه فتن أكثر بأفكار جابوتنسكي، قائد ما عرف باسم التيار الإصلاحي في الحركة الصهيونية، والذي يعني على ارض الواقع التيار الأكثر تطرفا وشراسة، وسيكون لتأثره بأفكار جاوبوتنسكي تأثيرا طاغيا على حياته السياسية فيما بعد. وفي عام 1948، عندما دخلت الجيوش العربية لإنقاذ فلسطين، كان شارون قائدا لسرية في الجانب الأخر، ورشحه نجاحه العسكري في تلك الحرب، التي أسفرت عن احتلال ثلثي فلسطين الانتدابية، وتشريد الشعب الفلسطيني، وإقامة دولة إسرائيل، لمناصب هامة في الجيش الإسرائيلي الذي ضم أفراد العصابات الصهيونية التي نشطت قبل قيام إسرائيل.

وأصبح شارون في الجيش الجديد قائدا لوحدة الاستطلاع في لواء الجولاني، الذي يعتبر احد أهم أقسام الجيش الإسرائيلي، ويضم الوحدات الخاصة والمختارة في هذا الجيش. ولكن طموح شارون، الذي تميز بالاندفاع والفردية، لم يقف عند هذا الحد، فشغل منصب ضابط استخبارات في المنطقتين المركزية والشمالية في البلاد، ومهد له ذلك لتأسيس الوحدة (101)، لتنفيذ عمليات خلف "خطوط العدو". ولم يكن العدو حينها، سوى الفلسطينيين الذين بقوا يعيشون فيما عرف باسم الضفة الغربية التي أصبحت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، أو قطاع غزة الذي خضع للإدارة العسكرية المصرية. وتحت ذريعة توجيه ضربات تأديبية، قاد شارون وحدته متسللا إلى القرى الحدودية منفذا مجازرا فيها، وابرز تلك المجازر التي نفذتها الوحدة 101، وارتبطت باسم شارون مجزرة قبية التي وقعت بتاريخ 14ـ15 /10/1953م.

وقبية اسم قرية فلسطينية، تتبع قضاء رام الله، وتبعد نحو 11كلم عن مدينة اللد، التي أصبحت جزءا من إسرائيل بعد عام 1948. في يوم 14 تشرين الأول (أكتوبر) 1953، وتحديدا في الساعة السابعة والنصف مساءا، دخل شارون ووحدته القرية وطوقوها وعزلوها عن محيطها، بتطويق القرى المجاورة وزرع الألغام في الطرقات لمنع النجدات، ثم بدا بقصفها بقذائف الهاون، واستمر ذلك حتى فجر اليوم التالي، حين اقتحم شارون وقواته القرية ونسفوا 56 منزلا على رؤوس سكانها، الذي قتل منهم 67 من بينهم أطفالا ونساء، وأبيدت عائلات بأكملها في المجزرة مثل أسرة أبو زيد، وأسرة محمود المسلول، وأسرة حسين عبد الهادي وغيرهم. وبعد تنفيذ المجزرة انسحب شارون و600 من أفراد وحدته، انتظارا لتنفيذ المجزرة التالية، وكان الهدف هذا المرة قرية نحالين غرب بيت لحم، حيث قتلت وحدة شارون يوم 28 آذار (مارس) 1954م، تسعة من السكان وجرح عشرين، وقاد شارون تنفيذ المجزرة بنفسه. وارتبط اسم شارون ووحدته بمجازر أخرى مثل مجزرة عرب العزازمة، في آذار (مارس) 1955م، ومجزرة السموع بتاريخ 13/11/1966م. وشغل شارون مناصب أخرى كثيرة في الجيش الإسرائيلي منها: قائد كتيبة ولواء من المظليين، وقائد لواء مشاة، وقائد مدرسة مشاة، وقائد لواء مدرعات، وقائد ركن في المنطقة الشمالية، ورئيس قسم الإرشاد في الأركان العامة، وقائد فرقة عسكرية.

وفي عام 1967، أصبح شارون احد اشهر الجنرالات المؤثرين، في الجيش الإسرائيلي، وامتد تأثيره إلى خارج الجيش، ويعتقد أن لديه دورا في حرب حزيران (يونيو) 1967 لم تكشف طبيعته حتى الان، ولكن المؤكد أن شارون المندفع، هدد بالقيام بانقلاب عسكري عشية تلك الحرب على رئيس الوزراء الضعيف ليفي اشكول، ان لم يعلن هذا الحرب على مصر والأردن، وكان هدف شارون، هو احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، لتصحيح ما اعتبره خطا في عام 1948، عندما، وحسب رأيه، أوقف بن غوريون، تلك الحرب.

وتكشف الوثائق التي نشرت مؤخرا من محاضر مجلس الوزراء الإسرائيلي، مدى الخطر الذي شكله شارون آنذاك على شرعية الدولة المدنية في إسرائيل، وفي النهاية كان له ما أراد، وفرض مع رفاقه الجنرالات، موسى ديان وزيرا للدفاع في تلك الحرب التي ما زال تأثيرها طاغيا حتى الان. وتولى شارون في تلك الحرب قيادة المنطقة الجنوبية، وخاض حربا شرسة ضد العمل الفدائي الذي استمر بعد الاحتلال في قطاع غزة. وشرع شارون، بفتح شوارع وسط مخيمات غزة، وهدم مئات المنازل فيها، ونقل سكان منها إلى مشاريع إسكانية في مدينة غزة، والى الضفة الغربية، محاولا توطينهم. وخلال مسيرته العسكرية، حصل شارون، على شهادة البكالوريوس في الحقوق من الجامعة العبرية بالقدس، ودوره في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، يكاد يكون معروفا، خصوصا عندما قاد كتيبته لإحداث ثغرة في الجيش المصري المتقدم والمنتصر حينها، والتي عرفت باسم ثغرة الدفرسوار. وإذا كان بعض العسكريين المصريين، أمثال سعد الدين الشاذلي، يقللون من أهمية تلك الثغرة العسكرية، فإنها عنت الكثير بالنسبة للقيادة السياسية آنذاك التي باشرت في مفاوضات فك الاشتباك التي عرفت باسم الكيلو 101.

ويحسب لشارون، انه استغل تلك الثغرة إعلاميا ونفسيا إلى حد كبير، وكان دوره في تلك الحرب، مقدمة مناسبة لتأسيس حزب الليكود، الذي قدر له أن يقود إسرائيل بعد ذلك بأربعة أعوام. وتكرر نجاح الليكود، وتولى شارون مناصب وزارية عديدة منها وزير الدفاع، وفي ظل توليه هذا المنصب، شنت إسرائيل حربها في حزيران (يونيو) 1982 على لبنان، وكان الهدف المعلن هو التوغل إلى 40 كلم لطرد قوات منظمة التحرير الفلسطينية وإبعادهم من الجنوب اللبناني، ولكن شارون المندفع وصل إلى العاصمة بيروت، وحاصر قوات المنظمة لمدة 80 يوما، حتى خرجوا بقيادة عرفات إلى تونس. وبعد خروجهم، ارتكبت مجزرة مروعة في مخيمي صبرا وشاتيلا، على أيدي ميلشيات لبنانية، وبإشراف من شارون، الذي أدانته لجنة تحقيق إسرائيلية بعدم منع ارتكاب المجزرة، ورفض شارون التهم التي وجهت له حول المجزرة وظل يردد "عرب قتلوا عربا". وأدت إدانته بالمجزرة إلى تجريده من مناصبه الوزارية، ولكنه بعد سنوات قليلة، أعاد نشاطه السياسي، وشغل عدة مناصب وزارية في حكومات الليكود، أو حكومات الوحدة الوطنية، ليس بينها أي منصب امني أو وزارة سيادية.
وبعد فشل زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو في الانتخابات التي جرت في إسرائيل عام 1999، أمام أيهود باراك زعيم حزب العمل آنذاك، أصبح شارون زعيما لليكود وللمعارضة الإسرائيلية، واقتحم في 28 أيلول (سبتمبر) 2000، المسجد الأقصى المبارك، وسط 3 الاف شرطي إسرائيلي، ليكون ذلك الشرارة الذي أشعل ما عرف باسم انتفاضة الأقصى.

وأدت الانتفاضة إلى استقالة باراك من رئاسة الحكومة الإسرائيلية، مفسحا المجال لفوز شارون برئاسة الوزراء عام 2001. واستخدم شارون، آليات أكثر بطشا في قمع الانتفاضة، وصعد من عمليات الاغتيال، وتدمير ما اعتبر رموزا للسلطة مثل مطار غزة، وحاصر رئيسها ياسر عرفات، ونفذ سلسلة اجتياحات للمدن الفلسطينية اشهرها كان في شهر نيسان (ابريل) 2002، والتي عرفت بحملة السور الواقي، وفيها ارتكب شارون مجازر في جنين، وبيت لحم، ورام الله، ونابلس. وأقدم شارون في شهر أيلول (سبتمبر) 2005، على الانسحاب من المستوطنات في قطاع غزة، من جانب واحد، مما أحدث شرخا في حزب الليكود الحاكم. وأدت الخلافات داخل هذا الحزب، إلى خروج شارون منه وتأسيس حزب كاديما، الذي اظهر انه سيكون أقوى من الحزبين المنافسين العمل والليكود. وأدى تدهور صحة شارون المفاجئة ليلة أمس، إلى خلط جميع الأوراق على الساحة السياسية الإسرائيلية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف