رحيل زاهي البستاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلي الحاج من بيروت: توفى اليوم المدير العام السابق للأمن العام اللبناني زاهي البستاني، وهو في مقتبل الستينيات إثر صراع مع مرض عضال.وكان طلب قبل 10 أيام نقله من باريس حيث كان يقيم ويتعالج إلى بيروت حيث فارق الحياة في مستشفى "أوتيل ديو" الفرنسي.
ويعتبر البستاني أحد أربعة مسؤولين في الدولة اللبنانية ساهموا بقوة في إيصال مؤسس "القوات اللبنانية" بشير الجميّل إلى رئاسة الجمهورية عام 1982 ، الآخرون هم رئيس الجمهورية الراحل الياس سركيس، ومدير مديرية المخابرات في الجيش آنذاك العقيد جوني عبده الذي أصبح سفيراً لاحقاً فمستشاراً لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، والثالث هو العقيد آنذاك ميشال عون الذي وضع مع مستشار بشير أنطوان نجم خطة وصول قائد "القوات" آنذاك إلى رأس السلطة، والذي أصبح قائداً للجيش لاحقاً فرئيساً لحكومة العسكريين، فأحد أركان السياسة في لبنان هذه الأيام .
إلا أن زاهي البستاني كان الأقرب إلى بشير، إلى درجة أنه فيما كان يتابع عبر شاشة التلفزيون عملية عدّ أصوات النواب الذين انتخبوه رئيساً كتب على صورة له عبارة وحيدة بالفرنسية: "شكراً زاهي ..." .
شهادة صداقة وعرفان جميل سيعتز بها الرجل الذي تولى المديرية العامة للأمن العام مطلع عهد شقيق بشير وخلفه الرئيس أمين الجميّل، لكنه ترك منصبه بعد نحو سنتين لاختلافات في وجهات النظر مع رئيس الجمهورية، متفرغاً لعائلته وأشغاله الخاصة، ومتحاشياً أي منصب رسمي أو سياسي، وحتى أي ظهور إعلامي. وهي ظاهرة نادرة بين متعاطي الشأن العام في لبنان، خصوصاً أنه ظل متابعاً لأدق تفاصيل الحياة السياسية في بلاده ، سواء أكان مقيماً في منزله المطل على خليج جونية الجميل أو في منزله في العاصمة الفرنسية. ولو شاء لكانت مداخل الحياة السياسية مفتوحة أمامه على مصراعيها، خصوصاً أنه كان صديقاً الرئيس الحريري الذي فاقمت خسارته اغتيالاً أحزانه . وفي آخر انتخابات نيابية انصبت عليه مطالبات من رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط وقادة آخرين في "قوى 14 آذار/مارس" للترشح في الشوف، وهو ابن دير القمر، لكن زاهي رفض منصباً مضموناً سبق أن ترشح له شقيقه المحامي نبيل مراراً وأخفق . واقترح بدلاً منه نائب جعجع، جورج عدوان ، فأصبح نائباً.
وظل زاهي البستاني صديقاً ومرجعاً لجميع رفاق صديقه بشير الجميّل وخلفائه، وعندما توفت ابنته ذات ال14 عاماً بانهيار جدار مدرستها، الليسيه الفرنسية" عليها في حادث كان شديد الأثر فيه، أرسل إليه سمير جعجع من سجنه كتاباً بالإنكليزية عنوانه "لماذا تحصل الأمور السيئة للناس الطيبين؟". والأرجح أنهما التقيا في باريس التي توجه إليها رئيس حزب القوات فور خروجه من سجنه.
وكان كنز معلومات لا تنضب عن كل ما حصل في لبنان وحوله من حوادث وتطورات وسير أشخاص من سبعينات القرن الماضي، حريصاً على ألا يكتب شيئاً عنها، وإذا ما أعطى صحافياً قريباً منه أو إعلامياً صديقاً معلومة، أو وجهة نظر كان يحرص على ألا تُنشر. وطوال ابتعاده عن الأمن العام وعالم المعلومات، وحتى في ظل رئاسة خلفه اللواء السجين حالياً جميل السيّد ظل مطلعاً على ما يحصل . وكان يقول إن المرء تكفيه المعلومات التي تنشرها الصحف ، ليطلع على ثمانين في المئة من الحقائق إذا أحسن الربط بينها وتحليلها.
زاهي البستاني بين بشير والدولة
لم يكتب شيئاً ولم يسمح بنشر شيء نقلاً عنه ، لذا تتوجب العودة إلى ما كتب عنه استناداً إلى عارفيه من دون أن يبدي تصويباً أو توضيحاً واعتباره صحيحاً. في كتابه "المكتب الثاني، حاكم في الظل" (دار "مختارات") يروي الزميل نقولا ناصيف عن الحقبة التي التقى فيها بشير الجميّل وزاهي البستاني الآتي:
"من مكتبه في وزارة الدفاع، في آذار (مارس) 1979، اتصل (رئيس الإستخبارات العسكرية اللبنانية العقيد) جوني عبده هاتفياً ببشير الجميّل قائلاً: "سأرسل إليك رسالة، هناك عريف في الجيش موقوف لديك، وأريدك أن تطلقه". ردّ وقد فأجاته مكالمة مدير الاستخبارات: "طيّب". كانت رؤية رئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك أنّ استمرار الاقتتال بينهما يقود المناطق المسيحية إلى هلاك يستنزف قوّة الشرعية التي يمثلها سركيس والجيش، وقوّة المقاومة التي يجسّدها بشير، وانهيارهما معاً تالياً في معركة خاسرة تكسبها سورية والمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية بلا قتال، وتهاوي مشروع إعادة بناء الجيش. فاستنتج الحاجة إلى استيعاب هذه الأخطار بدءًا من وقف الصدام الدموي بين الطرفين وحؤولاً دون إلغاء أحدهما للآخر.
ذهب رسول من عبده إلى بشير حاملاً رسالة خطية يطلب منه مؤازرته لوقف حربهما قائلاً: "لا يمكن الاستمرار على نحو كهذا في مواجهة تدفع ثمنها الدولة والقوّات معًا لأنّ ثمّة مَن يحرّض في اتجاه المواجهة بيننا". واقترح عليه تسمية مفاوض يثق به لمباشرة اجتماعات تنسيق مشتركة تحلّ مشكلاتهما، مع الأخذ في الاعتبار أنّ مدير الاستخبارات سيحاور باسم الرئيس والجيش.
بعد نصف ساعة تلقى عبده مكالمة من بشير قائلاً له: "سأطلق العريف، وسيكون عندك خلال وقت قصير"، فيما عاد الرسول نفسه بجواب خطي من بشير سمّى زاهي البستاني، المفوّض العام الممتاز في الأمن العام وأقرب المستشارين الموثوق بهم إلى قائد "القوّات"، محاورًا له مع عبده.
الشاهد
عام 1974 تعرّف بشير الجميّل، المحامي المتدرج في مكتب ألبير لحّام، إلى زاهي البستاني الذي كان يشغل منصب رئيس شعبة في دائرة الاستقصاءات في الأمن العام أثناء مراجعته في مشكلة كانت تخص مكتب المحاماة. ومع انهيار الجيش اثر انقلاب العميد أول عزيز الأحدب في 11 آذار (مارس) 1976، توجّه رئيس الجمهورية سليمان فرنجية إلى الكفور وأقام فيها، فقرّر المدير العام للأمن العام العقيد أنطوان الدحداح ملازمته وعَهَدَ إلى البستاني إدارة المديرية، وكان الأخير أصبح رئيساً لدائرة الاستقصاءات. في 17 آذار شنّت المنظمات الفلسطينية وأحزاب "الحركة الوطنية" هجوماً على المتن الأعلى في محاولة لاقتحام المناطق المسيحية في المتن وكسروان ومن الوسط التجاري في بيروت. يومذاك، تحت وطأة ميزان قوى عسكري غير متكافئ هدّد الجبهات المسيحية بسقوط جدّي، استقبل البستاني صديقين كتائبيين هما جورج كرم وإيلي البستاني نقلا رغبة بشير في الاجتماع به في مكتبه في مقرّ حزب الكتائب في الأشرفية، والتقيا في الثانية بعد منتصف ليل اليوم نفسه. كان فحوى الحوار بينهما: ماذا يمكن أن يفعلا لمنع انهيار المناطق المسيحية؟ إذذاك قرّرا التعاون: بشير يملك السلاح والرجال، والبستاني المعلومات والخبرة. ووجد كلّ منهما في الآخر ما كان ينقصه في خوض "حرب السنتين".
وجد البستاني في بشير شريكًا فاعلاً على الأرض، في وقت بات الأمن العام من دون نفوذ على الأرض. بدا الرجلان قادرين على تعاون تتقاطع عنده مصلحتاهما وهدفهما المشترك: الدفاع عن المناطق المسيحية بوسيلة جديدة للمواجهة. في الشهور التالية اجتمعا مراراً وتبادلا الأفكار موطدين صداقة عميقة وحميمة وطويلة قادت البستاني إلى أن يصير المستشار الأول والأقرب لقائد "القوّات"، والعارف وحده من دون سائر فريق العمل بأسراره كلّها. آتيًا من خارج حزب الكتائب وبعيدًا من أيّ انتماء حزبي أو عقائدي، حمل اسماً مستعاراً في فريق العمل هو "أنور". وخلافًا لجوزف أبو خليل وأنطوان نجم وجان ناضر الذين شدّهم ولاء غير منازع إلى بيار الجميّل أو الحزب، ولكريم بقرادوني الموزع الولاء بين بيار الجميّل والياس سركيس، سلّم البستاني بولاء مطلق لبشير، فأضحيا لا يفترقان.
تدريجًا أخذ البستاني، منذ صيف 1976، يطلع بشير الجميّل على ما لديه من معلومات وتحليلات استقاها من جهازه، ويطلع منه على أحوال الجبهات والاتصالات التي كان يجريها مع كميل شمعون وبيار الجميّل. وبناء على رغبته طلب منه إبقاء معلوماته سرًّا. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، مع انتهاء "حرب السنتين"، عُيّن البستاني في منصب مستحدث في الأمن العام هو رئاسة الغرفة الخاصة التي كانت بمثابة مكتب أركان للمدير العام بصلاحيات متشعبة.
وبعد تعيين فاروق أبي اللمع مديراً عاماً للأمن العام في 11 نيسان (ابريل) 1977 خلفًا لأنطوان الدحداح، أبقى البستاني في رئاسة الغرفة الخاصة. وفي غضون ذلك تطوّرت علاقة البستاني ببشير بعيدًا من الأضواء، وكانا يلتقيان سرًّا في مرحلة شهدت نفورًا بين السلطة اللبنانية وقائد "القوّات". في آب (أغسطس) 1977 اكتشف عبده العلاقة الوطيدة بين الرجلين، ولكن بلا تفاصيل دقيقة. في أيلول (سبتمبر) 1977، حصل على معلومات إضافية فأعلم رئيس الجمهورية، واتصل بأبي اللمع وطلب منه ملاقاته في قصر بعبدا للاجتماع بالرئيس. قبيل دخولهما إلى مكتب سركيس طلب عبده من أبي اللمع إبعاد البستاني عن الأمن العام وإرساله في دورة تدريبية أمنية إلى الخارج لسنة. تحفّظ أبي اللمع، فعقّب عبده: "حسنًا سيطلب منك الرئيس ذلك الآن".
فاتح رئيس الجمهورية أبي اللمع في الموضوع نفسه بعدما تحدّث عن تعاون ضابط كبير في الأمن العام سرًّا مع قائد ميليشيا مناوئة للسلطة الشرعية، وطلب منه إبعاده عن لبنان بعض الوقت. اقترح أبي اللمع إصدار تشكيلات تنتدب البستاني في دورة أمنية إلى بريطانيا لسنة على نفقة الأمن العام، على أنّ اقتراحه لم يقترن بالتنفيذ.
في 22 تشرين الثاني(نوفمبر) 1977 التقط عبده عبر تنصّت أجرته مديرية الاستخبارات على هاتف منزل البستاني في الأشرفية مكالمات بينه وبين بشير الذي كان يزور واشنطن آنذاك. في إحدى المكالمات حض البستاني قائد "القوّات" على تعزيز اتصالاته بمسؤولين أميركيين وشخصيات نافذة لدى الإدارة الأميركية وتأكيد عدم ثقته بالسلطة اللبنانية وبمقدرتها على إعادة بناء الدولة وطلب دعم للجبهة اللبنانية. بعد ساعات نقل عبده تسجيل المكالمة الهاتفية إلى أبي اللمع الذي استعجل عندئذ سفر البستاني إلى بريطانيا. لم تكن ثمّة دورة أمنية في لندن بل إبعاد له إلى باريس بموافقة المدير العام، مع أنّه كان قد تقدّم إليه باستقالة من الأمن العام جمّدها أبي اللمع.
بعد 14 شهرًا فاجــأ عبــده أبي اللمع بالطلب إليـــه إنهاء إبــعاد البستاني واستــدعاءه إلى بيروت على عجل. ثمّ سمع الطلب نفسه من سركيس في قـصر بعبدا. ولمّا سألهما عن السبــب أجــابه عبــده: "ظروف شخصية... تغيّـرت الأيـام". لم يستفسر أبي اللمع أكثر، لكنّه استعـاد عبـارة قـالها له البستاني قبيل مغادرته إلى باريس: "السبب الذي دفــــعهم إلى مطالبتك بإبعادي سيجعلهم يطالبونك بعودتي".
في هذه الأثناء كانت الحرب الأمنية والسياسية بين عبده وبشير في ذروتها، وأضحت المناطق الشرقية مسرحاً لأعمال عنف وخطف واعتداء وتبادل جثث بين فرقة "المكافحة" بأوامر من عبده وميليشيا "القوّات اللبنانية". عندما عاد البستاني الى بيروت في شباط (فبراير) 1979 كان تعديل طرأ على توازن القوى بين السلطة اللبنانية وبشير الجميّل الصاعد بزعامته. عيّن أبي اللمع البستاني مستشاراً له في مكتب مجاور لمكتبه في إشارة ذات دلالة إلى الموقف المستجد للسلطة حيال إمكان الانفتاح على بشير، وقد صارت أقرب إلى الاعتراف بزعامته تلك وحاجتها إلى محاورته.
في شباط 1979، تلقّى البستاني مكالمة هاتفية من بشير لملاقاته في مكتبه في مقرّ "القوّات" في الكرنتينا. في لقائهما أخبره برسالة عبده إليه ورغبته في فتح حوار معه عبر شخصية موثوق بها، وطلب منه الاضطلاع بالمهمّة. وفي الساعات التالية التقى عبده والبستاني في وزارة الدفاع في اليرزة.
وفي لقائهما الأول الذي خلا من جدول أعمال تبادلا المفاجأة: عرف البستاني من رئيس الاستخبارات العسكرية أنّه كان ينوي اغتياله، فيما وجد الأخير نفسه أمام ضابط كبير في الأمن العام يفاوض عن ميليشيا هي خصم للسلطة ومتمرّدة عليها (...) ومنذ الاجتماع الأول تصرّف أحدهما حيال الآخر بود متجاوزاً مشاعر الريبة والحذر، فأتى التفاهم تكريساً لجلسات عمل تمهيدية حدّدت اتجاهات التدرّج نحو الثقة".
زاهي البستاني وميشال عون في فريق واحد
عند انتخاب بشير الجميل رئيساً، علّق كريم بقرادوني على الحدث بقوله: هذا اطول انقلاب في تاريخ لبنان! لعل القسم الاكثر اثارة في كتاب الصحافي الفرنسي آلان مينارغ "أسرار حرب لبنان" هو روايته القصة التفصيلية لذلك الانقلاب معززة بالوقائع والوثائق والمحاضر والمذكرات والمقابلات. يقول مينارغ من كتابه : "بدأ بشير الجميل العمل للوصول إلى السلطة في لبنان بمساعدة مجموعة تحوط به من القادة والمستشارين، كانت تجتمع سرا وبأسماء مستعارة في دير سيدة البير الواقع على مرتفعات بلدة الزوق، وكان يقود هذا المجلس شارل مالك أستاذ الفلسفة ووزير الخارجية اللبناني السابق وأحد المشاركين في صياغة ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وكان يشكل مرجعية الجميّل في الشؤون الدولية، وزاهي البستاني المفوض العام في الأمن اللبناني، الذي أشرف على بناء الجهاز الاستخباري لميليشيات الكتائب، وسليم الجاهل، رئيس محكمة التمييز في بيروت، وأنطوان نجم، منظر أيديولوجي، وجوزيف أبو خليل، وجان ناضر، وجورج فريحة الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، ومجموعة من القادة العسكريين مثل ميشال عون( كان اسمه الحركي "غبرييل")، وسمير جعجع، وإيلي حبيقة، وفادي أفرام، وفؤاد أبو ناضر، وبطرس خوند. وكان بعض أعضاء اللجنة يمضون أسابيع متواصلة يقيمون في عزلة تامة في الدير يعدون الدراسات والتقارير والأفكار، ثم عقدت اللجنة اجتماعها الرئيس في 27 أيلول(سبتمبر) 1980 لمناقشة التقارير والدراسات المعدة بخط اليد وبنسخة واحدة تلافيا للتسريب".
أضاف في مكان آخر: "من جهة اخرى وضع ميشال عون وانطوان نجم اول مشروع للانقلاب العسكري بتكليف من بشير (27 ايلول 1980 الملحق الرقم 1، ص501-505). تُعيّن الخطة ساعة الصفر على انها زمن حصول فراغ في الرئاسة الاولى بسبب انتهاء العهد او الاستقالة او الوفاة او اي سبب مفاجئ آخر. ويتصوّر واضعا الخطة احتمالات عدة لتسلّم السلطة. الشرعي منها يقوم به الجيش قبل حصول فراغ في السلطة فيتولى شلّ كافة مراكز القرار السياسية والعسكرية ما يجعلها غير قادرة على العمل ضد القوات اللبنانية . وفي حال تعذّر ذلك، يعمل الطرفان على ايصال سياسي صديق الى الرئاسة الاولى يتعهد خطياً تنفيذ مشيئة ذلك الفريق من الجيش و القوات اللبنانية".
علّق الباحث والكاتب الصحافي اليساري فواز طرابلسي ملاحظاً أنه "واضح من الكتاب ان ميشال عون كان اقرب العسكريين اللبنانيين الى بشير الجميل. فهو واضع أول مشروع انقلاب عسكري وهو الذي يرد اسمه عند البحث في من يستطيع اقتحام بيروت الغربية، وهو الذي تولى على رأس قواته الإشراف على ترحيل المقاتلين الفلسطينيين. والغريب في الامر ان عون، يعلن، في حلقة "بالعربي" مع جيزيل خوري، ان مشروع وصول بشير الى السلطة نوقش معه لكنه لم يكن يعرف بخطة لتنفيذ ذلك، مع انه هو واضع اول خطة عسكرية- قواتية لهذا الغرض").
زاهي البستاني بين بشير ووليد جنبلاط
وعن دور زاهي البستاني أورد مينارغ، في كتابه ( ص 83/88) : "اعطى بشير الجميّل الضوء الأخضر لاتصال مباشر ، فكان ان زار زاهي البستاني وليد جنبلاط وتناول الغداء إلى مائدته في المختارة . دار النقاش بين البستاني وجنبلاط طيلة اربع ساعات حول موضوع المحور المسيحي- الدرزي ، بدا في هذا اللقاء ان الزعيم الدرزي كان متقبلاً لهذه الفكرة. وتوافقا على ضرورة إحاطة هذه المفاوضات بسرية قصوى. "علينا ان نعد وثيقة تحضيرية للمحادثات بين بشير ووليد جنبلاط ... وليد يعترض على كل امكانية لمشاركة ( رئيس حزب الكتائب حالياً) كريم بقرادوني فيها، كما يجب ايضاً عدم اعلامه بحصول مثل هذه النقاشات". ورغم كل الاحتياطات علم السوريون بحصولها، وفور عودة جنبلاط استدعاه الرئيس حافظ الأسد الى دمشق، وبعدما انتظر ساعات دخل قاعة الاستقبال الكبرى . بعد هذا وببعض التعابير الناشفة رفض حافظ الأسد كل فكرة تقارب مسيحي- درزي بين جنبلاط و"القوات اللبنانية" . ونظر الى وليد جنبلاط متأملاً وقائلاً له : "يا للعجب كم انت تشبه والدك، اراه جالساً مثلك وفي المقعد الذي تشغله، كان هذا قبل اربعة ايام قبل وفاته ، لماذا لم يصغ الى نصائحي ، يا لشؤم ما حصل! " .
ومنذ ذلك الحين لم يعد وليد جنبلاط يريد ان يسمع أي كلام على تحالف مع المسيحيين".
لكن هذا كله القليل القليل مما كان يحفظه وما عايشه زاهي البستاني الذي يمكن تسميته بحق "خزانة أسرار للبنان" مضت اليوم إلى العالم الآخر، بعيداً عن الأنظار وقريباً ممن عرفوه فأحبوه.