بغداد : كاميرا لمسلسل رعب متواصل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بغداد : تحول مستشفى اليرموك في العراق إلى "مستشفى ميداني في حرب أهلية" بسبب العنف المذهبي في البلاد، حسبما يقول طبيب يعمل أيضا في انتاج الأفلام الوثائقية. يعتبر التصوير، حتى داخل مستشفى في العراق، أمرا خطيرا، والكثيرون يرفضون أن تظهر وجوههم أمام عدسات الكاميرا، بمن في ذلك الطبيب نفسه الذي لا يكشف هويته في البرنامج. وقد قال لي حين التقيته في لندن الأسبوع الماضي: "أي شخص يعمل لأجانب أو كصحافي هو مستهدف."
لقد تغيرت طبيعة الاصابات التي تعالجها غرفة الطوارئ مع مرور الوقت، من اصابات بشظايا الصواريخ والرصاص أثناء الاجتياح الأميركي إلى عمليات القتل الثأري بعد سقوط صدام، وصولا إلى الجرائم العادية في العاصمة العراقية الفاقدة للاستقرار. وأخيرا أتت التفجيرات الانتحارية والعنف المذهبي الذي ازداد بشكل ملحوظ بعد الهجوم الذي استهدف مزارا شيعيا في أوائل العام الجاري. ويقول الطبيب إن قوات الأمن رمت ما بين الـ20 والـ40 جثة يوميا أمام المستشفى، وذلك لأن مشرحة المدينة امتلأت.
ويضيف أن الجثث "مقيدة اليدين وقد أعدم بعضها رميا بالرصاص على الرأس، والبعض تم قطع رأسه وتعذيبه واستخراج أعضائه الداخلية." وعلى مستوى العنف اليومي، فإن أكبر مشكلة يواجهها الأطباء هي مشكلة الناس العاديين الذين يدخلون المستشفى طالبين عناية فورية لأقربائهم المصابين، حسب قول الطبيب. ويحمل معظم العراقيين اليوم أسلحة للدفاع عن أنفسهم ولا يخافون من التلويح بها لكي يراها الجميع وتترجم بذلك "قوة المسدسات."
وفي هذه البلاد، توجه التهديدات والإهانات يوميا إلى الأطباء، كما يتعرضون للإذلال. وعليهم أن يتحملوا دخول قوات الأمن الداخلي إلى غرفة الطوارئ فجأة لطلب العناية لمصابيهم. وليست قوة المن هي الوحيدة التي تدخل فجأة إلى المستشفى دون إذن من أحد. يتحدث الطبيب عن دخول المسلحين في "مهمات خاصة" لاختطاف مرضى من السنة كرد على هجمات استهدفت الشيعة. وقال: "فرق الموت الشيعية ترد من خلال الخطف والتعذيب وقتل المدنيين السنة."
وقد قتل العديد من الأطباء البارزين، واختطف آخرون كما يهاجر الكثير منهم البلاد. وبسبب ذلك لم يبق في العراق إجمالا سوى الأطباء الجدد الذين تنقصهم الخبرة، ومع أنه يتم تدريب أطباء جدد فيعتقد الطبيب أن الوقت قد يأتي حين ينهار نظام العناية الصحية في البلاد كليا. وقد ساء الوضع قبل أشهر لدرجة أن الأطباء نفذوا اضرابا مطالبين بتحسين الأمن داخل المستشفى وبتحسين ظروف العمل. يظل عدد كبير من الجثث متروكا لأسابيع أو حتى أشهر. وتحاول المستشفيات أن تحافظ على سجل لعدد القتلى والجرحى.
ويقول: "على المستشفى أن تحيل أرقام من دخل غرفة الطوارئ بشكل مستر إلى وزارة الصحة. إجمالا لا أحد يستخدم هذه الأرقام، لكن في كل يوم على الطبيب الذي يحافظ على الأرقام أن يقوم بذلك بانتظام." "لا نعرف عدد الذين يموتون. ثمة مصاعب في التعرف إلى الجثث، وعددها بكل بساطة كبير جدا."
ويرى الطبيب أن التقدير الأخير لعدد القتلى منذ الاجتياح والذي قال إن حوالي 655 الف شخص لقي حتفه، يبدو قريبا من الحقيقة. وفي بعض الأحيان يرحل الأقرباء مع الجثة دون شهادة وفاة. ويذكر الطبيب حادثة شهدها حين أُدخل طفلان إلى المستشفى وتوفيا، وقد أخذ أباهما الجثتين قبل اصدار أي شهادة وفاة.
وعلى الرغم من الرعب اليومي، يؤكد الطبيب أن الحياة في المستشفى ليست أسوأ من الحياة بالنسبة إلى أي شخص آخر في بغداد. ويضيف: "نكتسب مناعة. الجميع مهدد في بغداد." وعلى الرغم من المخاطر، لا ينوي الطبيب أن يرحل عن العراق كما يفعل الكثير من الأطباء. ويقول: "لا يعلم الناس ماذا يحدث في العراق. لا يمكنهم سماع الشعب العراقي يصرخ. العراقيون بحاجة إلى صوت. انتاج الأفلام هو سبيل أفضل لخدمة بلادي، ولمحاولة لفت انتباه الناس."