أخبار خاصة

لبنان طوائف تحتقن ولا حلول في الأفق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حملات إعلامية متبادلة ... وخامنئي على الخط
لبنان طوائف تحتقن ولا حلول في الأفق

إيلي الحاج من بيروت : يذكّر مناخ الإحتقان السائد في لبنان بمناخ مماثل ساد عقد الثمانينات أيام حكم رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل وانتهى الى تفجر "انتفاضة ٦ شباط ( فبراير)"، مع فارق طبعا في الظروف بين اليوم والأمس. فالمواجهة اليوم مع رئيس الحكومة السني فؤاد السنيورة ومن يدعمونه وليست مع رئيس الجمهورية وأطراف في طائفته المارونية فحسب، كما أن دور الشيعة وقوتهم في لبنان اختلفا في شكل جذري. ويجب أن يكون المرء أعمى كي لا يرى ويلمس احتقاناً وتشنجاً بين الشيعة والسنة يتنامى في السياسة وفي الشارع أيضا باعتراف قيادات الطرفين. وهذا العامل يشكل مصدر قلق جديد ويعد تطورا سلبيا في موازاة انقسام لبناني متزايد، ايجابيته الوحيدة ربما تكمن في انه انقسام سياسي لا طائفي. فلبنان اليوم موزع بين فريقي الحكومة والمعارضة، وفي كل فريق قوى من كل الطوائف والمناطق.

والثابت أن لبنان يعود ساحة للصراعات الإقليمية والدولية التي انتصرت على رغبة أبنائه في إعادة بنائه وطناً كامل السيادة والإستقلال كبقية الأوطان إثر انسحاب الجيش السوري منه العام الماضي. ولعلّ أكثر ما يعزز هذا الإنطباع قول مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي لرئيس مجلس النواب نبيه بري أمس إن "لبنان سيكون بمثابة مكان لهزيمة أميركا والكيان الصهيوني"، مشدداً على ان التطورات السياسية في المنطقة والعالم "تؤكد بداية مرحلة جديدة". توقع يجيء في ظل هذا الوضع المخيف أساساً، يطلق "حزب الله" حملة مركزة على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ما يشير الى ان هدف الحزب يتطور من المطالبة بتوازن سياسي جديد داخل الحكومة يتمثل بالثلث المعطل فيها الى المطالبة بتغيير رئيس الحكومة، ومن الدعوة الى تغيير حكومي الى التحرك لإسقاط الحكومة برمتها.

في المقابل تخلى الرئيس السنيورة عن أسلوبه المتحفظ في مخاطبة "حزب الله" وعن مراعاة وضعه وخصوصيته، وشرع في "دفاع هجومي" عن نفسه في مواجهة ما يلقاه من حملات تخوين وتحريض ضده. ويلفت نجاح الحملة الإعلامية المركزة في بث حالة من الاحتقان في أوساط واسعة من الطائفة الشيعية. حملة ركزت على نقطة حساسة هي إشعار الشيعة بأنهم مهمشون وأن "الآخرين" يتجاوزون موقعهم ولا يصغون إلى مطالبهم والأمور تسير بهم او من دونهم. وفي حين يعتبر فريق الأكثرية ان استقالة الوزراء الشيعة كانت خطوة خاطئة في التوقيت وأظهرتهم كأنهم ضد المحكمة الدولية، يعتبر الشيعة ان انعقاد مجلس الوزراء من دونهم كان خطأ ووجه اليهم إهانة وأظهر الحكومة كأنها ضد قواعد التوازن والوفاق والعيش المشترك. ووصلت حملة التذكير بأجواء الثمانينات إلى حد تصريح وزير العمل المستقيل طراد حمادة التابع لـ"حزب الله" لصحيفة "النيويورك تايمز" بانه "اذا كانوا يريدون ان يحكموا من دون الوزراء الشيعة، فعندئذ لا شيء يمنع الشيعة من السعي الى رئاسة الجمهورية في المستقبل" ، ما يعني الخروج على اتفاق الطائف الذي أنهى حرب لبنان مطلع التسعينات.
في هذا الوقت لم يسجل أي تطور يفيد باحتمال حدوث أي اختراق سياسي يبعد أجواء التصعيد في لبنان، فكل ما يحصل في هذه البلاد حتى اليوم يصب في خانة المواجهة ويزيد في تعقيد الوضع .

ولوحظ أن رئيس مجلس النواب نبيه بري عاد محور الاهتمام وجميع الأفرقاء ينتظرون عودته من طهران. المعارضة تنتظره للتشاور معه في خطة التحرك والخطوات المقبلة، والمتوقع ان يكون أول لقاء لبري بعد عودته مع الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله . فيما فريق "14 آذار/ مارس" ينتظر عودته للبحث في إعادة إحياء جلسات التشاور من النقطة التي كانت توقفت عندها، أي البحث في حكومة الوحدة الوطنية، ولكن مع اضافة بند حل الأزمة الرئاسية، وترميم العلاقة مع بري بعد الضرر الكبير الذي لحق بها.

إلا أن الرئيس بري الذي سيلتقي رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط يعتبر ان الكرة باتت في ملعب الأكثرية وان عليها ان تقرر وتبادر وليس لديه ما يقوله ويقدمه. ولا تبرز في الفترة الفاصلة بين التصعيد السياسي والنزول الى الشارع أفكار ومبادرات جديدة، وبموازاة توقف مسعى المملكة العربية السعودية في ظل مناخ داخلي سلبي وعدم تحكمها وحدها بأوراق التسوية، يكبر الفارق في المواقف وتتسع الهوة . والملاحظ ان طرفي النزاع أخذا في تجاوز نقطة الثلث المعطل ولكن كل طرف يذهب في اتجاه: الأكثرية في اتجاه إعادة فتح ملف رئاسة الجمهورية، والمعارضة في اتجاه محاولة فرض الانتخابات النيابية المبكرة.

أوروبا على قلق

ويتابع الأوروبيون بقلق تطور الوضع الداخلي للبنان الذي بات يعني القارة القديمة أكثر من أي وقت مضى منذ ان وطئت أقدامهم الأرض اللبنانية في اطار "اليونيفيل المعززة." ويبرز هذا القلق خصوصاً لدى الفرنسيين الذين يشددون على ثلاث نقاط: أولاً تحصين المحكمة الدولية، ثانياً تطبيق القرار 1701، وإنجاح مؤتمر باريس -3 لدعم لبنان اقتصادياً. وقد نقل وزير النقل محمد الصفدي عن كبار المسؤولين الفرنسيين وبينهم وزير الخارجية فيليب دوست بلازي، أنهم يترقبون انعكاسات سلبية على هذه المسائل الثلاث من جراء التوترات والأزمات الداخلية. ويؤكدون في الوقت نفسه دعما فرنسيا وأوروبياً قويا للحكومة وللرئيس السنيورة الذي ينال ثقتهم وتقديرهم، ولكن الوزير اللبناني لمس أيضا قلقا فرنسيا من تطور الأوضاع في لبنان ومن إمكانية إثارة أعمال شغب وفوضى تكون من نتائجها دفع حكومة السنيورة الى الاستقالة وتأخير أو تعطيل إنشاء المحكمة الدولية وتأجيل او إلغاء مؤتمر باريس الإقتصادي.
في مجال آخر، يقول محللون سياسيون ان تعقيدات سياسية تنتظر المحكمة الدولية غير التأخير المرتقب الذي سيمارسه الرئيس إميل لحود . فالمفترض بعد عودة مشروع قانون إنشاء هذه المحكمة أن يدعو الرئيس بري مجلس النواب إلى الانعقاد لإبرامه. وكان ثمة رهان على ان الرئيس بري لن يقبل ان يستقيل وزراؤه لأنه بخلاف حزب الله مع المحكمة الدولية علنا، لكنهم استقالوا تحت ضغوط شديدة من طهران ودمشق في ما يبدو. ولذلك ليس من المنتظر ان يدعو بري مجلس النواب إلى الانعقاد بسرعة عندما يصل مشروع المحكمة المقر من الحكومة اليه، وهذا يعني المزيد من التوتر في البلاد لأنه يعني تعطيلاً للسلطة التشريعية التي تملك "قوى ١٤ آذار/ مارس" الأكثرية فيها ، مما سيزيد إحساس السنّة والجميع بأن هناك محاولة لتضييع دم الرئيس رفيق الحريري، رمزهم الكبير وزعيمهم خلال العشرين سنة الماضية، كما سيعمق شعور كل "قوى 14 آذار/ مارس" بأنها أمام انقلاب جدي تديره دمشق انتقاماً لإخراجها عسكرها من لبنان.
ويتحدث في هذا السياق تقرير صحافي مستند الى مصادر اوروبية عن احتمالات انهيار السلطة في لبنان "نتيجة لتفاقم الوضع الداخلي او لحدوث فراغ في الحكم من جراء اغتيالات"، ويقترح سيناريو من نقاط عديدة للتعامل مع الوضع. على سبيل المثال، في حال سيطر "حزب الله "على مطار بيروت الدولي، يقول التقرير إنه "سيكون عندها من السهل جدا منع الملاحة فيه كليا او مراقبتها عبر إجبار جميع الطائرات على الهبوط أولا في مطار عمان".
ويستبعد التقرير ان يقرر" حزب الله "السيطرة على مراكز السلطة في بيروت "لأن ذلك سيجعله هدفا واضحا ويهدد أمن المسؤولين فيه" .
ويشدد التقرير على ضرورة "تزويد الجيش اللبناني المرابط في الجنوب بأحدث المعدات وأن تحتضنه القوات الدولية"، وينوه بامكان "ان تتحوّل الحدود اللبنانية - السورية اذا ما انهارت الحكومة اللبنانية الى مصدر للأسلحة، لا بل ان تعود القوات السورية الى لبنان عبر هذه الحدود، أقله الى البقاع" . ويقترح في هذه الحالة ان تعمل القوات الدولية على "سيناريو عسكري قد تضطر الى تنفيذه استنادا الى القرارت الدولية المتعلقة بخروج القوات السورية من لبنان" .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف