هجمة إسرائيلية وقائية ضد الدبلوماسية الفرنسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اندريه مهاوج من باريس: لم يدم شهر العسل السياسي بين فرنسا واسرائيل طويلا . فبعد اقل من سنتين على عودة التناغم الدبلوماسي بدأت الغيوم تتلبد من جديد في سماء العلاقات بين باريس وتل ابيب. بداية الفتور تعود الى الصيف الماضي حين قامت فرنسا بنشاط دبلوماسي بارز من اجل وقف الحرب بين حزب الله واسرائيل وتوجت بالقرار 1701 الذي اعدت نصه باريس ولعبت دورا كبيرا في تبنيه.
ولم تنظر اسرائيل برض الى الزيارات التضامنية مع الحكومة اللبنانية التي قام بها الى بيروت عدد من المسؤولين الفرنسيين من رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان الى وزير الخارجية فيليب دوستي ـ بلازي الى وزيرة الدفاع ميشال اليوت ماري. وترجم هذا التشنج الدبلوماسي ميدانيا من خلال الطلعات الجوية الاسرائلية "الاستفزازية " فوق القطع البحرية ومواقع الوحدة الفرنسية المشاركة في قوات اليونيفيل المعززة في جنوب لبنان مما كاد يتسبب بمواجهة عسكرية وفقا لتصريحات مسؤولين فرنسيين ترافقت مع ادانات رسمية لخرق الطيران الاسرائيلي الاجواء اللبنانية ووصلت الى حد استدعاء السفير الاسرائيلي مرتين الى وزارة الخارجية .
ووصل هذا التشنج الى ذروته مع تصريحات السفير الاسرائيلي في الامم المتحدة دان غيلرمان الذي اتهم فرنسا "بالقاء الورود " على من وصفهم بالارهابيين تعليقا على تبني مجلس الامن قرارا غير ملزم يدين العمليات العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة وقصف المدنيين ويطالب بالتحقيق في مقتل 19 فلسطينيا في بيت حانون كما يدين القرار في الوقت نفسه اطلاق الصواريخ الفلسطينية على اسرائيل. والعتب الاسرائيلي الكبير على فرنسا في هذا المجال ناجم عما تصفه اسرائيل بالدور العدائي الفاعل الذي قام به السفير الفرنسي في الامم المتحدة من اجل تعديل نص القرار بشكل يجعله مقبولا من كافة اعضاء الهيئة الدولية اضافة الى المساع الحثيثة التي قام بها السفير جان مارك دولا سابليار لدى نظرائه الالماني والبريطاني والبولوني من اجل اقناعهم بتاييد القرار مما يفسر التصويت عليه بغالبية ساحقة .
واذا كانت اسرائيل تعتبر ان القرار لم يكن متوازنا فانها تاخذ على فرنسا بشكل خاص عدم مطالبتها بتشكيل لجنة تحقيق في الصواريخ الفلسطينية التي تستهدف مدنيين اسرائيليين على غرار لجنة التحقيق التي نص القرار على تشكيلها للتحقيق بمجزرة بيت حانون. وبذلك تكون حرب الصيف الماضي في لبنان والعملية الاسرائيلية في غزة وتعثر عملية انهت مرحلة اعادة الحرارة الى العلاقات الفرنسية الاسرائيلية التي اطلقها جاك شيراك وارييل شارون في بداية العام الماضي . حينها اشاد رئيس الحكومة الاسرائيلية الغارق حاليا في غيبوبة ، بالجهد الخاص الذي قامت به السلطات الفرنسية في مجال محاربة العداء للسامية متخليا بذلك عن دعوته يهود فرنسا الى الهجرة الى اسرائيل من جراء الاضطهاد وتنامي العنصرية ضدهم . وكل ما تم بناؤه منذ ذلك الوقت من اجل اعادة ترميم العلاقات بدا ينهار منذ كشفت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال اليوت ماري في الثامن من الشهر الحالي امام المجلس النيابي الفرنسي ان قواتها كانت على قاب قوسين من اطلاق صورايخ ارض جو على طائرات حربية اسرائيلية حلقت فوقها بشكل عدائي في جنوب لبنان ثم تكررت الادانات الرسمية الفرنسية للانتهاكات الاسرائيلية للاجواء اللبنانية والخرق الواضح الذي تمثله هذه الخروقات للقرار 1701 مما اتار حفيظة اسرائيل التي اعتبرت ان المخاوف الفرنسية مبالغ فيها وان تحمليها اسرائيل المسؤولية عن خرق القرار 1701 وعض النظر عن المعلومات المتكررة حول استمرار وصول شحنات اسلحة لحزب الله يسهم بطريقة غير مباشرة في تهديد امن اسرائيل وهو خط احمر لا تساوم عليه تل ابيب .
ولكن الهجمة الدبلوماسية الاسرائيلية على باريس تخف ايضا اهدافا بعيدة المدى وهي اجهاض أي محاولة لطرح الية تسوية سلمية في الشرق الاوسط خارج الثوابت الاسرائيلية . فالدعوة الثلاثية التي صدرت الاسبوع الماضي عن الرئيس الفرنسي ورئيسي حكومتي ايطاليا واسبانيا لعقد مؤتمر دولي لحل مشكلة الشرق الاوسط والحديث المتصاعد عن ربط ازمات المنطقة وصعود الحركات الاصولية بالصراع العربي الاسرائيلي اثار حفيظة اسرائيل وجعلها تقوم بهجوم دبلوماسي وقائي ضد باريس التي يصفها البعض في اسرائيل بانها سفيرة العرب في العالم . فتل ابيب التي قد تفقد تدريجيا الغطاء الاميركي المطلق من جراء الشلل الذي سيصيب ربما ادارة جورج بوش بعد خسارة الجمهوريين انتخابات نصف الولاية قلقة من محاولات اوروبا الدخول بشكل فاعل الى منطقة الشرق الاوسط لتمسك بزمام المبادرات ضمن اطر لا تثق بها اسرائيل مثل تفعيل عمل اللجنة الرباعية او عقد مؤتمر دولي . وما يفسر الهجوم الاسرائيلي على الدبلوماسية الفرنسية هو الدور الناشط الذي يمكن لباريس ان تقوم به داخل الاتحاد الاوروبي من اجل دعم المبادرات الانفة الذكر خصوصا ان عواصم اوروبية عدة منها لندن تحديدا بدات تدعو الى اعتماد مقاربة جديدة للتعاطي مع ملف الشرق الاوسط من منطلق ضرورة تفكيك بؤر التوتر اضافة الى القلق الذي تثيره في تل ابيب الدعوات الى اعادة فتح حوار مع سوريا وايران سيؤدي وفقا لتل ابيب الى رفع الضغوط الراهنة والحصار عن حزب الله وحركة حماس العدويين اللدودين لاسرائيل التي لا يتورع البعض فيها عن القول ان فرنسا اصبحت سفيرة العرب في العالم وهذا ما يبرر لدى البعض الهحمة الدبلوماسية الوقائية ضد باريس