الأزمة اللبنانية : ما بعد الأعياد ..تهديدات وتهديدات مضادة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت : هدنة الأعياد لا تشمل التصعيد في المواقف، الأزمة بات يعرفها الشعب اللبناني جيدا، فإن كان تجميد اي خطوات تصعيدية للمعارضة او خطوات مضادة للموالاة لفترة ما بعد الاعياد فان المواقف لم تتجمد هي الاخرى . على العكس فإن تداعيات خطاب النائب وليد جنبلاط ما زالت تتوالى خصوصا وان خطابه صنففي خانة التحريض على قتل رئيس دولة عربية وهو بشار الاسد ، قد ترك أثرا سلبيا، ليس على الصعيد المحلي، بل العربي، خاصة وانه "يشكل سابقة سياسية، في التعامل بين الدول العربية، ولا يخدم لا منطق الاخوة ولا التعامل السياسي والاستقرار على الصعيدين اللبناني والعربي" على حد تعبير مصادر دبلوماسية عربية في بيروت.
وكان جنبلاط قد هدد بشكل غير مباشر الرئيس السوري خلال تشييع مسؤول جهاز أمنه الخاص سليمان سيور في راشيا الوادي أول من أمس، عندما أشار الى أن نواف سيخرج يوماً، موجة من الاستنكار. والمقصود بنواف هو نواف غزالي وهو قاتل الرئيس أديب الشيشكلي في 27 أيلول 1964، انتقاماً من ممارساته العسكرية ضد الدروز في منطقة جبل العرب بعدما تسلم الحكم عن طريق انقلاب عسكري أطاح سامي الحناوي.
وفي هذه الاثناء ينقسم لبنان بين اكثرية تتمسك بمواقفها رافضة التنازل عمّا يمكن أن يفقدها السلطة أو يجعل الآخرين شركاء لها فيها وهي تفكر في عقد جلسة للحكومة تقر فيها تعيينات وشؤوناً مالية وغيرها الأسبوع المقبل. والمعارضة تتمسك بمطلب حكومة الوحدة الوطنية أو الذهاب إلى انتخابات نيابية فرئاسية مبكرة، وهي تستعد لتنفيذ خطة تحرك جديدة مضافة إلى اعتصامها المفتوح في وسط بيروت.
ونقلت صحيفة الاخبار عن مصدر قيادي في المعارضة انها ستعمل بعد عطلة الاعياد على "الدوز السياسي" لتحركها بما يُحكم الخناق على الفريق الحاكم "الذي بدأ يتصرف بتوتر وكيدية مما يؤكد أن الاعتصام قد فعل فعله". وأضاف ان "توتر رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط وتهديده الرئيس السوري بشار الأسد بالقتل ناشئ من رؤيته الأميركيين الجمهوريين والديمقراطيين يفتحون أبواب دمشق، ومن نجاح زيارة الأسد الأخيرة لموسكو وارتياحه الى الموقف الروسي، وكذلك من اقتناعه بأن البحث الجدي في إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لن يبدأ قبل آذار المقبل".
وتابع المصدر للصحيفة نفسها "ان الفريق الاكثري قد بدأ اللهاث في منتصف الطلعة، وليس معلوماً لديه ما تخبئه له المعارضة من مفاجآت". وقال: "لا أهمية عند المعارضة لأي جلسة تعقدها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي باتت حكومة غير دستورية وكل ما يصدر عنها غير دستوري".
وفي اعتقاد المصدر أن ليس لدى الرئيس بري مبادرة معينة وأنه بقوله إن هناك "مبادرة جديدة" إنما أراد أن يؤكد استمرار سلمية التحرك، وأن الرهان ما يزال على حل سياسي للأزمة لا على أي شيء آخر.لكن مصادر الرئيس بري قالت إن المبادرة التي تحدث عنها موجودة لديه قبل المبادرة العربية لكنه أحجم عن طرحها ليفسح في المجال أمام الاخيرة لعلها تبصر النور، ولكن بعد فشلها رأى أنه لا بد من التحرك لأنه لا يجوز ترك البلاد نهباً لحال الانقسام وفي مهب تصعيد سياسي ودستوري من فريقي السلطة والمعارضة.
في هذه الاثناء، ظلّ عمرو موسى، على تواصل شبه يومي مع كل من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة، وقال الرئيس بري لـصحيفة السفير ان المسألة ليست من يلوي ذراع الآخر، بل صون البلد وحمايته، وبالتالي لن يكون مقبولا تشريع اي واقع غير دستوري، ونحن قلنا ونكرر ان الحكومة غير دستورية بالمعنى الميثاقي وما اتخذ من قرارات حتى الآن مخالف للدستور... والمعاهدة الدولية يجب ان يوقعها رئيس الجمهورية، ولذلك تمسكنا بمبدأ رد مرسوم المحكمة الى رئيس الجمهورية من اجل توقيعه وطرحنا ان يرسل اليه في الوقت نفسه مرسوم تعديل الحكومة، على ان يكون فريق العمل قد انجز ملاحظاته على مشروع المحكمة الدولية ومن ثم يبادر رئيس الجمهورية الى توقيع مرسوم التعديل الوزاري واحالة المحكمة إلى مجلس النواب لاقرارها بالاجماع لكن هذه الصيغة رفضت وهم اشترطوا فتح الدورة الاستثنائية اولا.
وردا على سؤال حول فتاوى دستورية تجيز للاكثرية اعتبار المرسوم ساري المفعول بمجرد إقراره ونشره في الجريدة الرسمية، بعد ان كان قد رده رئيس الجمهورية، اجاب بري "هذه هرطقة دستورية ومادة للابتزاز السياسي".
وشدد بري على ان المعارضة تطرح الموضوع الحكومي من زاوية الحرص على المشاركة والمحكمة حرصا على الاجماع الوطني عليها، لكن يبدو ان البعض يصر على الاستثمار السياسي والمذهبي وهذا ليس في مصلحة لبنان واللبنانيين.
من جهته، قال رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ان يده ممدودة للجميع وانه منفتح على ايجاد اي حلول وصيغ ومخارج للتسوية على قاعدة التوازن والتوازي بين موضوعي الحكومة والمحكمة، متسائلا "أليس غريبا ان يقولوا بان عندهم ملاحظات على المحكمة الدولية ولا نتسلم منهم ملاحظة واحدة حتى الآن"؟ وحذّر من ان ما تقترحه قوى المعارضة هو قفزة في المعلوم وليس المجهول، ونحن لن نتراجع عن موقفنا، معتبرا ان الاكثرية ما زالت تمثل الاكثرية الشعبية الفعلية بالارقام وهذا امر محسوم، وقال "هم يريدون ان ينتزعوا من الاكثرية قدرتها على الحكم وهذا ما لن نقبل به".
وجدد رئيس الحكومة دعوته الى الجلوس مجددا حول طاولة الحوار والخروج من الشارع لان ما يجري يترك اثرا سلبيا على الوضع العام وليس على فئة دون الاخرى. واكد في حوار مع عدد من الصحافيين في السرايا الكبير، امس، لمناسبة الاعياد، انه قرع مرارا باب الرئيس بري للاجتماع به، وجاءه الجواب سلبيا، وهم طرحوا على عمرو موسى ان تحصل لقاءات بين الدول، بمعنى آخر يقولون بوجوب ان يحصل لقاء بين القيادتين السعودية والسورية ولكن هناك شيئا يجب ان تبادر اليه دمشق اولا. ونفى ان يكون هناك اي التزام مع موسى بالرد عليه حول نقاط محددة او ضمن مهلة زمنية معينة.
ونصح السنيورة الجميع بالتروي وعدم التصعيد، منتقدا الدعوات الى قطع الطرق، وقال ان هناك من يتصرف في لبنان كأنه جالية فيه، وسأل ماذا اذا اقدم البعض على قطع طريق الناعمة اذا اقدموا هم على قطع طريق المطار؟ وهل تعتقدون ان الجيش سيفتح طريق الناعمة ويترك طريق المطار مقفلا؟ مشيرا الى ان استقالة النواب غير مجدية واذا حصلت سندعو الى انتخابات فرعية.
واكد ان المحكمة الدولية امر مفروغ منه وصارت وراءنا، ولم يستبعد درس بعض الخيارات للتسريع بإقرارها اذا لم تفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، مشيرا الى ان احدها هو تعديل بعض موادها في مجلس الوزراء.
صفير: إذا تعذر الانتخاب الرئاسي.. فحكومة جديدة
من جهته، رأى البطريرك الماروني نصرالله صفير ان المخرج من الوضع الراهن يكون بتأليف سلطة جديدة، وقال ، مساء امس، بوجوب ان يكون هناك رئيس جمهورية جديد وان يكمل الرئيس الحالي ولايته وان تكون هناك حكومة وفاق وطني او حكومة انتقالية من مستقلين تضع قانونا جديدا للانتخابات ننصح بان يكون على اساس الدائرة الفردية (لبنان 128 دائرة) واجراء انتخابات نيابية مبكرة، وقال انه اذا تعذر انتخاب رئيس جديد ربما كان الانسب تشكيل حكومة جديدة لتحريك الوضع.
وحذر صفير من التصعيد لانه سيؤدي الى شل البلد اكثر مما هو مشلول، كما حذر من ان افشال المحكمة الدولية سيعود بالوبال على لبنان، وقال انه من دون المحكمة لن تتوقف الاغتيالات، وانتقد من يقولون في العلن انهم مع المحكمة ولكن بينما هم في الواقع والخفاء يعملون لافشالها.
واكد صفير انه صارح رئيس الجمهورية اميل لحود بأمر الاستقالة وان يحكم ضميره، نافيا وجود اي توتر في العلاقة بينهما، وانتقد تعامل بعض الدول مثل ايران وسوريا مع فئات ضمن الدولة في لبنان وليس مع الدولة، وقال ان التعاطي إذا أتى من الولايات المتحدة واوروبا يكون مع الدولة والمسؤولين عن البلد وهذا هو الاصح. واكد انه كلف لجنة كنسية تضم ثلاثة مطارنة بالتحضير لعقد اجتماع مسيحي في بكركي، وقال انه ما يزال ينتظر ردود المعنيين على الدعوة.
مبادرة الحص
وفي ما يتعلق بمبادرة الرئيس سليم الحص الذي التقى امس كلا من بري والسنيورة لتوضيح مبادرته ، فان اللقاء مع السنيورة لم يكن بالهدوء الذي اتسم به لقاؤه مع بري، إذ قالت وسائل الاعلام إن الحص دخل في نقاش وجدل دستوريين مع السنيورة في مدى دستورية وشرعية حكومته ليطاول أداء الأكثرية الحاكمة واستئثارها بالسلطة.
وقالت مصادر اطلعت على أجواء اللقاء إن السنيورة كان متشدداً في مواقفه ، وأصر على اعتبار حكومته دستورية وشرعية، مؤكداً أنه غير مستعد لاتخاذ أي خطوات أو للتعامل مع أي مبادرات لا تستند إلى الإقرار بشرعية حكومته ودستوريتها.
وإذ أوضح الحص بعد اللقاء أنه قال في مبادرته "إن رئيس الجمهورية يجب أن يعلن بالطريقة التي يراها ملائمة، بعد استشارة المحامين أو القضاة لديه، أن هذه الحكومة أصبحت في حكم المستقيلة"، رد المكتب الإعلامي للسنيورة عليه معتبراً أن "ما تقدم به من تسوية مقترحة ليس في الواقع حلاً بل إيغال في تعميق المشكل". واستغرب دعوته "الى مخالفة أحكام الدستور والدفع في اتجاه أعراف وبدع جديدة تضاف الى البدع التي ترتكب هنا وهناك إلا إذا كان الهدف إعطاء المبرر لرئيس الجمهورية للإقدام على مخالفة دستورية جديدة".
وكان السنيورة قد التقى مساء امس جنبلاط الذي واصل حملته على المعارضة وعلى النظام السوري ووصف المرحلة الراهنة بأنها "صعبة" موضحاً أنه تشاور مع السنيورة في "مواجهة الانقلاب السياسي والاقتصادي والثقافي الذي أعلنه النظام السوري على لبنان من خلال أدواته. وعلينا ألا نتناسى أيضاً الانقلاب الأمني، لأن النظام السوري لم يرحم ولن يرحم"، وأضاف: "لدينا خطوات عديدة، وكل شيء سيكون في وقته وسنرى من سينتصر، قوى الشر والظلام أم قوى الخير والمحبة".
استنكار لكلام جنبلاط
رأى رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير السابق طلال ارسلان أن "ليس وليد جنبلاط كسلطان باشا الأطرش، ولا الرئيس بشار الاسد كالرئيس السوري الأسبق أديب الشيشكلي. وقال ان التحريض على قتل الرئيس الأسد غريب عن العادات والقيم والأخلاق التي تتمتع بها طائفة الموحدين الدروز التي تنبذ ثقافة الجريمة والقتل التي يدعو اليها وليد جنبلاط. وهذه الطائفة لا يمكن أن تتنكر للمواقف الأخوية المشهودة التي وقفها المغفور له الرئيس حافظ الاسد ومن بعده الرئيس بشار الاسد الى جانبها اثناء المؤامرة التي تعرضت لها من اسرائيل وعملائها".
وقال ان التحريض على قتل الرئيس الاسد يعبّر عن حال من الافلاس السياسي والانحلال القيَمي والحقد الأعمى الذي يقود البلاد والعباد الى مزيد من الشرور التي يخطط لها هذا الفريق المستأثر بالسلطة . وتساءل إرسلان:أين تكمن مصلحة لبنان وشعبه عندما يطالب احدهم بقتل الرئيس الاسد؟ وأين تكمن المصلحة الوطنية في تأجيج العداء بين لبنان وسوريا؟ اين الحرية والديمقراطية والعقلانية التي يتغنون بها، وفي الوقت نفسه يحرّضون على الجريمة والقتل والفتنة ويتدخلون بشكل سافر وغير مسبوق في شؤون دولة شقيقة عندما يحرضون على قتل رئيسها".
وعلق رئيس تيار التوحيد اللبناني الوزير السابق وئام وهاب على كلام جنبلاط بالقول: "كلي ثقة بأن سوريا لم تضمر في يوم من الايام الشر لجنبلاط ولن تضمره في المستقبل، لكنني اصبحت خائفاً عليه، لأن كثيرين وبعضهم، حلفاء جنبلاط، قد يستفيدون مما يقوله ويستغلون المناسبة لأن الأنظار ستوجه الى سوريا بعد كلامه الاخير". وقال انه يقدر "حالة الهلع التي يعانيها جنبلاط بعد تداعي مشروعه للتحكم بلبنان، وأفهم دوافع قلقه من تحرك المعارضة ومن تجاوز سوريا للقطوع الذي مرت به خلال السنتين الماضيتين نتيجة الاستهداف الاميركي والاسرائيلي لها"، معتبراً "ان استمرار قيادة جنبلاط لطائفة العقال بامتياز اصبح يمثّل خطراً على الطائفة لا على غيرها، فهذه الطائفة يمثّل العقل والتعقل ميزتها وميزة شيوخها الافاضل، وهي لن تكون قادرة على السير في المغامرة المجنونة التي ينفذها وليد جنبلاط وبعض اعوانه.
وتساءل النائب قاسم هاشم قائلاً "عندما يصل الخطاب السياسي عند البعض الى مستوى الهذيان لإشباع غريزة الحقد تحريضاً على القتل واستحضار المحطات القاتمة لأهداف سياسية فئوية، فأي مستقبل ينتظره الوطن في ظل هذه العقلية التي لا تعرف الا التفرد والتسلط؟". ورأى ان "هذا الخطاب الذي تجاوز حد الإسفاف يهدد الوطن ويضعه على حافة الهاوية".
واعتبر النائب السابق ناصر قنديل أن ما أعلنه جنبلاط هو "رأس جبل الجليد من التمهيد الإعلامي لعمليات القتل ضد رموز المعارضة اللبنانية وعمليات التخريب المدبرة في سوريا عبر لبنان"، مشيراً الى أن رموز المعارضة جزء من خطط الموت المدبرة".