العراق يدشن حوارا أميركيا إيرانيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحكيم دعا وطهران استجابت وواشنطن وافقت
العراق يدشن حوارا أميركيا إيرانيا
أسامة مهدي من لندن: تطورت بشكل دراماتيكي سريع دعوة من بغداد لفتح حوار أميركي ايراني حول الاوضاع العراقية والاتهامات الاميركية لايران بالتدخل في شؤونه. فبعد ساعات من دعوة الزعيم الشيعي العراقي رئيس كتلة الائتلاف اكبر القوى السياسية في مجلس النواب العراقي السيد عبد العزيز الحكيم لطهران بفتح حوار مع واشنطن حول الشأن العراقي الذي يشكل ثاني سبب خلاف بين البلدين بعد الملف النووي رحب علي لاريجاني الامين العام لمجلس الامن القومي الايراني بهذا الحوار فرد البيت الابيض سريعا بالموافقة مخولا السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد للقيام بهذه المهمة بعد 27 عاما من القطيعة . ففي خطاب له في مدينة الصدر الشيعية في بغداد دعا الحكيم ايران امس الى فتح حوار مع الولايات لبحث نقاط الخلاف بينهما في ما يخص العراق وقال "نحن لا نقبل ان يتحول العراق الى قاعدة للتآمر أو للعدوان على الدول الاخرى.. ونريد أن يتخلص العراق من المجموعات الارهابية التي لها اهداف في الدول الاخرى." وأضاف "وفي هذا المجال نطالب القيادة الحكيمة للجمهورية الاسلامية الايرانية بأن تفتح حوارا واضحا مع اميركا في ما يخص العراق.. حوار لمصلحة الشعب العراقي."واوضح قائلا "نحن نتوقع من ايران التي وقفت دائما الى جانب الشعب العراقي أن تتفاهم حول القضايا المختلفة مع اميركا تجاه العراق."
واليوم اكد لاريجاني ان طهران مستعدة "للموافقة على التفاوض مع الاميركيين" لتسوية المشاكل في العراق وقال للصحافيين بعد كلمة في مجلس الشورى "نوافق على التفاوض مع الاميركيين". واوضح ان ايران "تقبل طلب اخينا الحكيم لتسوية المشاكل والقضايا العراقية بهدف اقامة حكومة مستقلة". وأشار إلى أن الأميركيين طرحوا مثل هذا الطلب منذ فترة وقد أعلن السفير الأميركي في العراق ذلك مضيفاً أنه عندما يعجز الأميركيون عن حل مشاكل العراق يكونون في حاجة للحوار مع إيران وقال "ولكننا لا نثق بتصريحاتهم لأنهم يطلقونها عندما يكونون في حاجة إلى إيران ويقولون غيرها بعد حل مشكلتهم." وأضاف "لقد دعمنا الدستور وقرارات آية الله السيستاني في الاستفتاء على الدستور كما دعمناهم في تشكيل البرلمان وكذلك في مسيرة تحقيق استقلال العراق وإرساء الديمقراطية فيه ولقد أكدنا دوما أن 'المحتلين معيقون لإيجاد حكومة مستقرة في العراق '" وهي تصريحات تؤكد عمق الشكوك بين البلدين .
مصادر عراقية تحدثت معها "إيلاف" اشارت الى ان الحكيم اجتمع مع خليل زاد خلال الايام القليلة الماضية لعدة مرات وكان موضوع هذا الحوار محور مباحثاتهما وقالت ان الحكيم قام بايصال رسالة الى القادة الايرانيين عن رغبة اميركية لاجراء اتصالات بين البلدين بعد ان سمع ترحيبا بذلك من خليل زاد الذي كان اعلن قبل خمسة ايام استعداده للبحث مع ايران في الخلافات بينهما حول العراق في مقابلة مع قناة "العراقية" الرسمية . وقال خليل زاد "ابلغت الايرانيين بأننا على استعداد لنبحث معهم خلافاتنا حول العراق. هذا البلد يؤكد اننا نريد اقامة قواعد عسكرية دائمة لنستغل العراق ضد ايران. لقد سبق وقلت لكم اننا لا نسعى الى اقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق".
واضاف خليل زاد ان "ايران تقول ان الولايات المتحدة تريد فرض الطائفية في العراق واقول لكم اننا لا نريد شيئا سوى الوحدة. اما الطائفية فإن اعداء العراق يسعون الى ترويجها وتشجيعها". وأكد ان واشنطن "لا تحاول تصدير خلافاتها مع ايران الى العراق" وعبر عن الامل في قيام علاقات جيدة بين ايران والعراق فهما جاران "وليس بوسعنا تغيير الجغرافيا الا اننا نرفض تدخل ايران في الشؤون الداخلية العراقية".وقال "كما اننا نرفض قيام إيران بتصدير خلافاتها معنا الى العراق مثل الملف النووي او اي مسائل اخرى واذا حصل ذلك فإننا نرد بشكل سلبي على هذا الامر" في اشارة الى ما تقوم به ايران في تشجيع العمليات المسلحة ضد قوات التحالف وخاصة البريطانية في مناطق الجنوب العراقي الشيعي .
واشارت المصادر الى ان موافقة إيران على دعوة الحكيم بهذه السرعة تؤكد وجود تنسيق مسبق بين الطرفين حول الموضوع .. خاصة وان قادة عراقيين رسميين كانوا اكدوا في اكثر من مناسبة انهم يبذلون جهودا من اجل منع جعل بلدهم ساحة لصراع ايراني اميركي . فبعد ساعتين من اعلان طهران موافقتها على هذا الحوار مع واشنطن اعلن البيت الابيض ان الولايات المتحدة مستعدة لاجراء محادثات مع ايران حول العراق لكن هذه المحادثات ستكون على نطاق ضيق ولن تشمل التطرق الى البرنامج النووي الايراني. وقال سكوت مكليلان المتحدث باسم البيت الابيض إن السفير الاميركي في العراق خليل زاد مخول لاجراء مثل هذه المحادثات مع الجانب الايراني وهو ما يؤكد وجود تنسيق مسبق بين الاطراف العراقية والايرانية والاميركية حول الموضوع.
ولاحظت المصادر في موافقة ايران السريعة على الحوار تغيرا واضحا في موقفها من هذا الموضوع حيث كان المسؤولون الايرانيون يصرون في الماضي على رفض التحدث الى الولايات المتحدة ما لم تقم بسحب قواتها من العراق. كما انها تاتي في وقت يتهم فيه مسؤولون أميركيون بارزون على راسهم الرئيس جورج بوش نفسه ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد طهران بالتدخل في شؤون العراق الداخلية.
وفي المقابل كان الدبلوماسيون الأميركيون في العراق يصرون على أن أي اتصالات مع ايران ينبغي أن تأتي من واشنطن مباشرة على الرغم من أن السفارة الايرانية في بغداد تقع على بعد مسافة قليلة من السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء. وكانت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وايران قد قطعت عام 1979 بعيد انتصار الثورة الاسلامية وفي حالة اجراء مباحثات هذه الاتصالات فانها ستكون أول محادثات مباشرة بين الطرفين منذ قطع العلاقات.
وآخر مرة التقى فيها مسؤولون ايرانيون وأميركيون في عام 2001 ولكن ليس على انفراد حيث كانوا مع ممثلي سبع دول أخرى من بينها روسيا لمناقشة الوضع في أفغانستان.
وقد فشلت الى الآن أي جهود تبذل في محاولة للتقريب بين ايران والولايات المتحدة خاصة تلك التي جرت في عهد الرئيس الايراني الاصلاحي محمد خاتمي .. بل ان العلاقات بين الدولتين شهدت تدهورا أكبر في عام 2002 عندما سمى الرئيس بوش ايران كطرف في محور الشر الى جانب نظام صدام وكوريا الشمالية .. فيما زادت تصريحات الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا من اتساع الهوة بين ايران والغرب.
وتتهم الولايات المتحدة إيران بأنها ترسل مقاتلين إلى العراق وتزودهم بالقنابل والمواد المتفجرة وهو ما تنفيه طهران. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قد وصفت إيران مؤخراً بأنها "التحدي الأكبر من أي دولة أخرى" للولايات المتحدة الأميركية. وفي حديثها مع "إيلاف" اشارت المصادر العراقية الى ان ايران كانت تبحث منذ مدة عن أي سبب يضع حدا للقطيعة مع الولايات المتحدة ويخفف من حدة التوتر بينهما ولذلك فهي قد استبقت التطورات وبدأت توسيع هذا الصراع الى الجنوب العراقي لخلق مخاوف لدى الاميركيين تجعلهميطلبون مساعدة الايرانيين وهو ما يبدو اصبح امرا واقعا خلال الساعات الاخيرة .
فعلى الاراضي العراقية وخاصة الجنوبية منها التي تسكنها غالبية شيعة ساحقة هناك حوالي 20 الف عسكري من جنسيات مختلفة بينهم 8500 عسكري للبريطانيين الحلفاء الرئيسين للولايات المتحدة في مواجهتها لايران حول تصنيعها النووي والتي تنشط اجهزة وعناصر استخباراتها هناك تحت غطاء سياسي وطائفي مشترك وصل الى حد تداول العملة الايرانية "التومان" في عدد من مدن جنوب العراقي .. وحيث الصدام ما زال محصورا لحد الان في عمليات ازعاج هذا الطرف لذاك من خلال قيام مسلحين شيعة من انصار ايران وقد يكونون من المرتبطين بعناصر استخباراتها بزرع عبوات ناسفة ضد دوريات الجيش البريطاني في البصرة على الخصوص اودت بحياة عدد من جنوده .
ان الاميركيين خصوصا يدركون جدية حصول هذه التطورات على الارض ولذلك بقيت الأزمة النووية الإيرانية معلقة حوالى الثلاثة أشهر لعدة أسباب تأتي في طليعتها الحالة المتردية التي وصلت إليها الأوضاع في العراق والارتباك الشديد الذي أصاب القوات الأميركية هناك ودفع الإدارة الأميركية إلى الشروع فعلياً في الخروج التدريجي من هناك.
ومن الواضح ان النفوذ الإيراني المتزايد في العراق دفع واشنطن إلى الاحجام عن الدخول في أزمة جديدة مع إيران بسبب الملف النووي حيث تدرك الولايات المتحدة أن باستطاعة طهران التسبب في مزيد من المشكلات لها في العراق وتعقيد الموقف أكثر مما هو معقد بالفعل لكن في الآونة الأخيرة اجتمعت عدة عوامل وأدت إلى تصعيد الموقف وفتح الملف النووي الإيراني على مصراعيه أمام كافة الاحتمالات حيث تم تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن وهذا خلاف ما قد تبادر إليه واشنطن من توجيه ضربة عسكرية إجهاضية إلى منشآت نووية إيرانية.
وكما يستعد الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص لهذه المواجهة فإن الايرانيين الذين اكتسبوا خبرات واسعة في كيفية ادارة الصراع مع الغرب خلال ربع القرن الماضي فانهم يعرفون مناطق الضعف في الجانب الاخر ويسعون إلى استغلالها ولعل الاقرب لهذه المناورة هو الجار العراقي طبعا .. ومن هنا انطلق خوف الاطراف جميعا من تطور الاحداث الى ما يزعج الجميع ويسبب لهم متاعب في غنى عنها فلجأوا الى هذا الحوار الذي ستستفيد منه الاحزاب الشيعية الحاكمة في العراق التي يقلقها صراع الطرفين اللذين تحتفظ هذه الاحزاب بعلاقات استراتيجية معها ومن مصلحتها عدم الانحشار وسط حجم وخطورة بين القطبين المتحفز احدهما للاخر .. ولن تجني منه هذه الاحزاب غير الضرر الذي يؤثر على قوتها السياسية ورغبتها الجامحة في الهيمنة على الاوضاع السياسية في العراق من خلال ابعاده عن هذا الصراع .. وهو الهدف الاول لدعوة الزعيم الشيعي الحكيم من الحوار المرتقب بين العدوين اللدودين .