أخبار

إختبار الدبلوماسية النووي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف: قال هنري كسنجر المحلل في صحيفة واشنطن بوست "إن الرسالة التي وجهها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الرئيس بوش ينبغي أن يُعاد اعتبارها على عدة مستويات. إذ يمكن اعتبارها كذريعة لعرقلة مشاورات مجلس الأمن بخصوص تجاهل إيران لالتزاماتها بمعاهدة عدم الانتشار, وبهذا الاعتبار وبنبرتها الغوغائية استحقت هذه الرسالة الرفض من قبل وزيرة الخارجية كوندليزا رايس. وقد يخفي الاتصال المباشر الأول من نوعه بين رئيس إيراني ورئيسٍ للولايات المتحدة منذ أكثر من 25 عاماً نوايا تكتيكية ودعائية, وقد تكون غوغائيتها أسلوباً للوصول إلى الإيرانيين الراديكاليين الذين اعتادوا الحوار مع الولايات المتحدة. والتحدي الذي يجابه أميركا اليوم هو التعريف باستراتيجيتها وأهدافها باعتبار القضية الأكثر حساسية التي نواجهها".

وفي مقاله الذي نشرته الصحيفة أمس قال كسنجر أن العالم يواجه أمراً متوقعاً مخيفاً, ذلك أن الأسلحة النووية ستصبح جزءاً مهماً من التسلح الوطني وسيكون في متناول أيدٍ إرهابية. والفشل في الدبلوماسية سيتركنا بين خيار استعمال القوة أو أن نصبح في عالمٍ تضعف فيه القيود بسبب عجز أو عزوف الدول التي ستخسر الكثير لإلزام المتعصبين.

ما يبدو هو أن المفاوضات بشأن كوريا التي اجتمعت فيها ست دول هي اليابان وكوريا الجنوبية والصين والولايات المتحدة وروسيا وكوريا الشمالية أكثر تقدماً من المفاوضات بشأن إيران التي قادتها أربع دول هي فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيران. ففي سبتمبر الماضي تم التوصل إلى اتفاق يقضي بأن كوريا الشمالية ستتنازل عن برنامجها النووي إذا قدمت الدول الأخرى تطميناتٍ كافية في مجال الأمن والمساعدة الاقتصادية وتعويضاً عن توليد الطاقة التي ستخسرها جراء تخليها عن برنامجها النووي. لكن كل جانبٍ طالب الجانب الآخر أن يكون الأول في تأدية ما عليه من التزامات, ما شكّل جهداً في بحث جدول اللقاء الذي منعه تكتيك كوريا الشمالية من تمديد الفترة بين كل جلسة وأخرى, ربما لتكسب الوقت في تعزيز ترسانتها النووية.

فيما يتعلق بإيران, لا يوجد حتى الآن اتفاق رسمي يوضح بالضبط ما هو الهدف. إذ رفضت إيران الموافقة على التحكم الدولي ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم, في غيابٍ للتحكم الفعال في برامج التسلح.

ويركز الرأي العام على ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للمحادثات الثنائية مع إيران أو كوريا. فيما يختص بكوريا فهذه مسألة ثانوية, فقد قدمت محادثات القوى الست فرصة كافية لتبادل الآراء الثنائية. وما تحاول بيونغيانغ تحقيقه - وما أصرت إداة بوش عليه - هو مفاوضاتٍ لا تشترك فيها واشنطن, مما سيمنع الدول الأخرى من تقويض المسؤوليات المشتركة. وإذا حلت المحادثات الثنائية محل منتدى القوى الست فيُحتمل أن يختار شركاء أميركا الحاليين أن يضعوا المسؤولية على واشنطن. ولهذا كان إقصاء الولايات المتحدة.

والاعتبار نفسه ينطبق على المحادثات الثنائية مع إيران في هذه المرحلة. إذ تَحول أزمة العداء من إجراء المفاوضات الثنائية حتى الآن, وذلك بسبب دعم إيران للجماعات الإرهابية والخطاب العدائي من قبل الرئيس الإيراني, الذي لم تنسيه رسالته التي بعث بها. وعلى الرغم من ذلك, ولارتباطاتٍ أمنية, على الولايات المتحدة ألا تجعل تفاوضاتها عن طريق وكلاء بل عن طريق حلفاء مقربين. فإذا كانت أميركا مستعدة للتفاوض مع كوريا الشمالية حول الانتشار في منتدى القوى الست ومع إيران حول الأمن في العراق, فإنها قادرة على تدبير مكانٍ لإجراء المحادثات النووية مع طهران يسمح للولايات المتحدة أن تشارك فيها.

وسيكون الاستمرار غير المحدد للمأزق معادلاً لرضوخ المجتمع الدولي لإشراك أعضاء جدد في النادي الدولي. ففي آسيا, توشك كوريا الجنوبية واليابان على الالتحاق به, وفي الشرق الأوسط يمكن لبعض الدول مثل مصر وتركيا وحتى السعودية أن تلتحق بهذا المجال. وفي عالمٍ كهذا, تعتبر الدول الصناعية الكبرى أن الأسلحة النووية رمزاً للمكانة العالية لا يمكن الاستغناء عنه. وستكتسب العناصر الراديكالية في العالم الإسلامي وفي كل مكان القوة من مواجهتها الناجحة للقوى النووية العظمى.

إن إدارة عالم مسلح بالقوة النووية سيكون أكثر تعقيداً من الإبقاء على التوازن الرادع للقوى العظمى أثناء الحرب الباردة. ولن يكون على الدول النووية العديدة أن تبقي على التوازن الرادع أمام خصومها, وهي عملية لا تتبع بالضرورة المبادئ والممارسات التي تطورت منذ عقود في البلدان النووية الحالية, بل ستكون لديهم القدرة والدوافع للإعلان عن أنفسهم كأطرافٍ ذات أهمية في المواجهات العامة. وخاصة إيران, والدول التي تسير على خطاها, فإنها ستصبح قادرة على استعمال ترسانتها النووية لحماية نشاطاتها الثورية حول العالم.

تحتاج الدبلوماسية إلى دعمٍ جديد, وكخطوةٍ أولى فإن على الولايات المتحدة وشركائها في التفاوض أن يتفقوا على المدة المحددة للتفاوض. ويبدو أن هناك إجماعاً عاماً على أن بيونغيانغ تقدم ما يكفي من البلوتونيوم لمختلف الأسلحة في العام الواحد, ولكن هناك معارضة للتطور في إنتاج الأسلحة العاملة الفعلية في غياب الاختبارات. وتختلف التوقعات عن مدى ما سيلزم إيران لإنتاج سلاحها النووي الأول من سنتين إلى 10 سنوات. وباعتبار المخاطر الناتجة, فإن هذه الفجوة لا بد أن تضيق. وأي اعتبارٍ لسرعة الخطوة الدبلوماسية يجب أن يشمل حقيقة أن الحكومات ستتغير في روسيا والولايات المتحدة في 2008, وهذا ما سيترك فراغاً في الدبلوماسية بينما تنشغل الحكومات في انتقالها وبإعادة التوظيف في الفرع التنفيذي في أميركا.

الخطوة التالية هي ملاحظة الفرق بين المفاوضات متعددة الأطراف واستراتيجية تغيير النظام المفضلة. إذ ليس هناك من حكومات سيكون تغييرها بأنظمة مسؤولة يقدم الكثير للأمن والسلام العالمي سوى تلك التي تحكم بيونغيانغ وطهران, ولكن لا أحد من المشاركين في المنتديات الحالية أو القادمة سيدعم سياسة تتضمن استهداف تغيير النظام. وتعمل مفاوضات نزع السلاح على التعويض بالفوائد الاقتصادية والأمنية بدل التخلي عن الأسلحة النووية, وهذا المعنى لا يتوافق مع تغيير النظام.

ولكن التركيز على تغيير النظام كطريقة لنزع السلاح النووي يربك القضية, فالولايات المتحدة يجب أن تعارض الأسلحة النووية في كوريا الجنوبية وإيران بغض النظر عن الحكومات التي تمتلكها.

ويمكن مقارنة الدبلوماسية المناسبة لنزع السلاح النووي بسياسة الاحتواء التي ساعدت على الانتصار في الحرب الباردة, حيث لم يكن هناك تحدٍ وقائي للأمن الخارجي للخصم, بل مقاومة ثابتة في محاولات إسقاط قوته في الخارج والاعتماد على القوى المحلية التي أحدثت التغيير الداخلي. وكانت بالضبط هذه هي السياسة التي جعلت الرئيس رونالد ريغان يدعو الرئيس السوفييتي ليونيد بريزنيف إلى حوارٍ في غضون أسابيع من وصفه الاتحاد السوفييتي بإمبراطورية الشر.

ويتطلب التطور في كوريا اتفاقاً باعتبار التحول السياسي في شبه الجزيرة الكورية وشمال شرق آسيا. وقد فشلت التوقعات بأن الصين سترفض وجود السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية, ومن ثم في اليابان, وذلك لأن الصين لديها مخاوف عسكرية وأهداف استراتيجية في شبه الجزيرة الكورية. وستحاول أن تتجنب نتيجة تؤدي إلى انهيارٍ مفاجئ لأحد حلفائها, مما سيقدم سيلاً من اللاجئين إلى الصين بالإضافة إلى إشعال الاضطراب على الحدود. ولهذه الأسباب يجب أن يكون الحوار الاستراتيجي مع بيجينغ عنصراً هاماً من استراتيجية التفاوض التي تخاطب رغبة بيونغيانغ في الحفاظ على الأمن.

وعلى الرغم من أن أميركا مُثلت في منتدى القوى الست بالدبلوماسي كريستوفر هِل, فإن الالتزام المؤقت كان مطلوباً لدعم التوجه الضروري لجهوده المبذولة. وينبغي أن يكون الهدف هو التفهم باعتبار التحول السياسي والأمني في شمال شرق آسيا, وهو ما لا يتطلب تغييراً في السيادة كجزءٍ من عملية نزع السلاح النووي, بل باعتبار إمكانية التوحد الكوري من خلال المفاوضات أو التحول الداخلي.

واعتبارات موازية تنطبق على إيران, ولكن منتدى التفاوض الحالي عاطل إلى حدٍ كبير. إذ تعمل ثلاث من الدول الأوروبية بتعاونٍ مع الولايات المتحدة, بينما لا تشارك روسيا والصين في المفاوضات إلا إذا وصلت نتائجها إلى مجلس الأمن, وهو الاجراء الذي يمكّن إيران من تحريض القوى النووية ضد بعضها.

ويمكن لمنتدى التفاوض أن يصبح أكثر منطقية إذا ضم الدول الأوروبية الثلاث مع الولايات المتحدة والصين وروسيا على أساس أنها الدول المعنية وأن تتخذ الموقف الأفضل لتتصرف بالاشتراك مع مجلس الأمن, ويمكن أن يتأسس ذلك بعد صدور قرار مجلس الأمن موضع البحث الآن. وقد يسمح هذا القرار بالإسهاب في الموضوع المأمول به الناشئ عن دبلوماسية إيران, وهو ما قدمته روسيا بأن تنتقل عمليات التخصيب من خارج إيران إلى روسيا, وبذلك تمنع من استخدامه كسلاحٍ سري. ويمكن أن يؤسس المنتدى الجديد الموسع لبرنامج تخصيبٍ عالمي قابل للتطبيق للتقنيات النووية في المستقبل لمنع ظهور شبح الانتشار غير المحقق.

وبوضوح, لا يمكن حظر الانتشار النووي بإقامة منتديات التفاوض متعددة الأطراف, إذ توضح التجربة مع المؤتمرات الحالية القدرة على التأجيل والإرباك, ولكي تكون فاعلة يجب أن تتضمن الدبلوماسية القدرة على فرض عقوبات واضحة لمنع الانتشار.

وبعد أن أنشأنا إطار التفاوض الضروري واكتشفنا جميع أبعاد الدبلوماسية يجب أن نتوجه الآن إلى الاجراءات العسكرية, وينبغي عدم رفض القوة من حيث المبدأ قبل أن نعلم الظروف التي ينبغي اتخاذ هذا القرار تحت وطأتها كملجأ أخير لحل الأزمة.

وهذه القضية مشابهة لما واجهه العالم في 1938 وكما في بداية الحرب الباردة في التغلب على المخاوف والتردد حول اتخاذ الطريق الصعب الذي تتطلبه الضرورة. وكان الفشل في ذلك الاختبار عام 1938قد تسبب في حربٍ فظيعة, بينما أدت القدرة على استيعابه في الحرب العالمية الثانية إلى الانتصار دون القيام بحرب.

النقاشات التي تطال هذه القضايا ستُجرى في السنوات الأخيرة من الإدارة الأميركية الحالية, ويمكن أن يبدو هذا كمن يضمن التحيز إذا أُخِذ بشكلٍ سطحي, ولكن الملاحظين من كلا الحزبين سيعلمون أن نتائج القرار الموجود أمامنا ستتوصل إليها إدارة أخرى. وآمل أن تجمعنا قضية السلاح النووي القادر على تدمير البشرية في النهاية سوية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف