أخبار

فلنجزئ العراق ولنخرج الآن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من الرياض: "لم يعد يجدر بنا أن نذهب إلى العراق, لأن الذهاب يعني المكوث هناك والمكوث هناك يعني الرحيل, والرحيل الذي بدأ الآن سيكون ملطخاً بالدم, وكل ما عدا ذلك فهو وهم!".

بهذه الكلمات افتتح الكاتب سيمون جينكنز مقاله في صحيفة صنداي تايمز من يوم الأحد الحادي والعشرين من مايو الجاري؛ المقال الذي يقول فيه: " في نهاية الأسبوع الحالي دخلت الحكومة العراقية الجديدة - الثالثة في ثلاث سنوات - مكتبها تحت حماية الأسلحة الأميركية في منطقة حي الخضراء في بغداد. وقد فتح إبراهيم الجعفري الطريق أمام نوري المالكي على الرغم من أن مناصب الدفاع والأمن الداخلي لم يشغلها أحد بعد, وهي التي ينبغي الاهتمام لأمرها إضافةً إلى ارتباطها غير الرسمي بالشرطة والمليشيات وفرق الموت في بغداد، والسبب في أن هذه المناصب لم تُشغل بعد، هو أن العراق ما بعد الانسحاب، يسير على ما يرام, فالسلطة تتسرب من بين يدي التحالف الذي يصبح ألعوبة للوزراء, وتنتقل إلى شوارع بغداد والبصرة, وإلى أماكن الجثث الملقاة.

يمكن لأي أحدٍ أن يقرأ علامات ذلك؛ فالبريطانيون عائدون بدباباتهم في الجنوب, والأميركيون عائدون لقصف القرى في الغرب, والتحالف أضاع كل إمكانية لتوفير الأمن للشعب العراقي الذي عليه أن ينظر نحو مكانٍ آخر للعيش. ربما يكون التفاؤل في العراق مزية حسنة ولكنه يتحول ليصبح وهماً".

ويذهب جينكنز أعمق من ذلك ليمسح بحصافة وخبرة، مشهد التفلت الأمني في العراق، إذ يقول: " لقد ضُيعت البلاد؛ فليس فيها حكم للقانون, ولا يُعاقب القتلة, ولا يجرؤ أحد الأجانب أن يتنقل سوى بالطائرات, ويخاطر كل عراقي بحياته إذا عمل بعيداً عن منزله. المترجمون يرتدون الخوذات العسكرية, والعمليات الانتقامية ليست يومية بل كل ساعة وتقاس بأعداد الجثث المترامية, ويرحل أصحاب المهن إلى الأردن بأعدادٍ ضخمة, حتى منذ أيام حكم صدام. كما أن إمدادات الطاقة والماء في حالةٍ سيئة".

ويلقي جينكنز باللائمة على بلير وبوش بكل ما حصل في العراق وكأنه يشمت منهما بقوله: "في نهاية الشهر الحالي يسافر توني بلير إلى واشنطن ليبحث مع جورج بوش وسيلة للتهرب. إذ تحوّل ما كان يُعتقد أنه طريق نحو الاستقرار الديمقراطي إلى بوابة جحيمٍ أمام الفوضى والاضطراب. لم تعد العراق مجرد خطأ, بل نتيجة كارثة أخلاقية ثقافية سيلزم التصور الغربي للديمقراطية جيلاً كاملاً لكي يتعافى منها.

لا يمكن حماية بلير وبوش من استطلاعات الرأي, فالحرب فقدت شعبيتها على جانبي الأطلسي. ولأن كليهما يستعدان للتنحي عن منصبيهما, فهما يبحثان في كافة الوسائل لإزاحة هذا الكابوس عن عاتقيهما.

سوء توقيت الرحيل

يعد صاحب المقال أن القوات لم تستغل سانحة سنحت له بالرحيل مما جعل الأمر يتداعى. يقول جينكنز: "كانت اللحظة المناسبة للانسحاب في يونيو 2003 عندما قصد البنتاغون أن يترك أحمد شلبي يحسم أمره بالخلاف مع الشيعة بعد سقوط صدام. لكن مسألة "إعادة بناء العراق" حصلت على موافقة كلٍ من بلير وبوش. فرصة أخرى أتيحت في ديسمبر 2003, ثم في يونيو 2004, ثم في ديسمبر 2005. والآن تُتاح الفرصة مرة أخرى مع استقرار الحكومة العراقية الجديدة.

الوهم الكبير الذي تعايشه السياسة الأميركية والبريطانية هو أن الاحتلال يحافظ بطريقةٍ ما على أمن الدولة وحكومتها, والحقيقة ليست كذلك, بل إن الاحتلال يقوض كلاهما".

وينظر صاحب المقال بعدما وطأ لنفسه أسباباً ونتائجاً ماسوف يلي البقاء يقوله: "يترتب على كل رفضٍ بالرحيل نتيجتين: الأولى أن الجنود أصبحوا هدفاً ممتازاً للمتمردين والمقاتلين المعادين للغرب من كل أنحاء البلاد. وهذا بدوره رفع دور المليشيات كمجموعاتٍ بديلة وشجع السياسيين على دعمها بدلاً من دعم الجيش. والثانية هي أن كل تأخير بالانسحاب يُضعف الاستقلال والاعتماد الذاتي للحاكم الحالي للعراق. لم يكن الفشل الأميركي في تحكيم إياد علاوي على بغداد السنة الماضية وتركه يقاوم وحده ديمقراطية, ولكن غباء. أما منصب المالكي فيعتمد حتى بين الغالبية الشيعية على استرضاء جماعات جيش المهدي وألوية بدر التي تحظى بدعمٍ من إيران والمرتبطة بآية الله السيستاني. الأمر الأكيد هو أن وجود السلطة الأميركية لمساعدته لن يقوي بل سيضعف من هيبته كزعيمٍ وطني.

يبدو أن كلاً من واشنطن ولندن لم تسمع الرسالة الموجهة إليها, وهي أن الاحتلال مُعارَض من قبل العراقيين, وبخاصة أولئك الذين تعتمد حياتهم بشكلٍ كبير عليه. ويصبح الانسحاب أكثر صعوبة مع كل تأجيلٍ له. وأولئك الذين لديهم مصلحة في الاحتلال هم الذين يتخذون موقفاً دفاعياً أكثر من غيرهم, إذ نرى أن القواعد تكبر والعقود تزداد والفساد ينتشر. وفي العام الماضي تشبثت السياسة الأميركية والبريطانية بفكرة "الانتقال المنظم" للجيش العراقي الجديد, النسخة الأخيرة من الفيتنامية. وخلال الفترة من 2005 - 2006 كان المفترض أن يُستبدل الجنود الأميركيون والبريطانيون بوحدات الشرطة والجيش الجديدة. وفي أكتوبر الماضي حُدِّد موعد حصول ذلك في مايو 2006. تبدو هذه التواريخ بلا معنى إذا اكتسب المحتل المبادرة للفوضى.

دور الجيش والشرطة العراقي

يشرح جينكنز ما آل إليه حال الأمن العراقي في مقالته معتبراً أنه : "ربما تكون استراتيجية "الجيش العراقي الجديد" مقبولة بأن يتم إصلاح الجيش القديم وإنشاء رابطة جديدة من السلطة والولاء في بغداد. وعلى الرغم من الأعداد الضخمة من المعدات والتدريبات المكثفة إلا أنه من التفاؤل الأعمى اعتقاد أن الجيش العراقي يمكنه الانتشار في مختلف أنحاء البلاد. (حتى إن مسؤوليه لا يجرؤون على أن يعودوا إلى منازلهم بلباسهم الرسمي). كما أن الجنود المحليين ليسوا جديرين بالثقة خارج مناطقهم التي يعملون بها, وذلك ببساطة لأنهم لن يقوموا أبداً بهزيمة المليشيات.
وتُعتبر الشرطة أكثر أهمية من الجنود في الأمن المحلي وهم يبتعدون بأنفسهم عن كل أماكن الاحتلال. ويكمن السلام في العراق فقط حيث تتحد الشرطة المحلية مع أي مجموعة من مجموعات السلطة المسيطرة محلياً, ويمكن حل المعارك بين جماعات جيش المهدي وألوية بدر وفروعهما في الجنوب فقط حينما تتولى واحدة منهما السيطرة, إذ لم تستطع قوى التحالف أن تفرض نفوذها على كل هؤلاء.

معظم مدن العراق تشير إلى نزاعٍ مرتقب بين السنة والشيعة. ولجميع من يعرف هؤلاء, فإن هذا يمثل تراجيديا جلبها وجود التحالف المستمر وفشله في تطبيق النظام. وترى التجربة الحديثة لمثل هذه النزاعات في فلسطين أو السودان أو يوغسلافيا أنه يأخذ منحىً باتجاه حركة شعبية وتطهير عرقي, وهذا ما يجري في بغداد وحولها. وهذا ما يهيء للعديد من مدن الأشباح ومخيمات اللاجئين والهجمات الانتقامية.

التقسيم هوالأمثل

يستشهد صاحب المقال بتجارب أمريكية بريطانية سابقة (يوغوسلافيا) تمارس في العراق اليوم، فيخاطب الإدارةبقوله: "في يوغسلافيا كان الحل الذي دعمه التدخل الغربي هو التقسيم. وفي العراق بدأت أميركا بالعملية نفسها بتأمين الحكم الذاتي الفعلي لكردستان. وطالما كان التقسيم هو النتيجة المفضلة, وتلقى هذه الفكرة تأييداً واسعاً في واشنطن, ويدافع عنها السيناتور جو بايدن رئيس العلاقات الأجنبية في مجلس الشيوخ.

تم التفاوض بخصوص هذا الأمر مع زلماي خليل زاد سفير واشنطن في بغداد وصُدّق عليه من قبل الناخبين. ويُسمح فيه لمقاطعات العراق الـ 18 أن تتشكل إلى مناطق, يوزع لكلٍ منها نصيب من عائدات النفط ونصيب من الاستفتاء بخصوص المسؤوليات التشريعية "وتنظيم قوى داخلية ... من الأمن والشرطة والحماية الإقليمية."
لا يمكن أن يكون ذلك أكثر تحديداً, فحكام المقاطعات السنية والشيعية سيصوتون لأنفسهم, سواء كانوا منفردين أو في مجموعات, ضمن حكم ذاتي يشابه الذي يتمتع به الأكراد. وبالتأكيد سيشمل هذا الوحدات الرسمية وغير الرسمية من الجيش والشرطة. وفي الوقت نفسه ستبقى المشاكل الكبرى ماثلة للعيان ومن ضمنها حكم بغداد والمناطق المختلفة التي تحيط بكردستان. لكن هناك إطار دستوري على الأقل للامركزية كمسؤولية العسكرية التي من الممكن تسليمها لحكام إقليميين جدد. ويمكن أن يبدأ هذا حالاً إذا استطاعت قوى التحالف أن تتنازل عن مواقعها, أما البديل فهو بقاء هذا الوضع على حاله.

سلّم البريطانيون ثلاثة من المقاطعات في جنوب العراق للقوى المحلية, بينما ما يفعله الأميركيون في وسط العراق تابع لقرارهم الخاص, فالجنود الأميركيين مستميتون للرحيل عن العراق.

بمثابة نصيحة

يختتم جينكنز المقال بخطاب مفتوح لبريطانيا قائلاً: "هذه الحرب ..تكاد تكون بريطانية وعلى بريطانيا أن تنهيها. إذ لم تعد العراق بلداً يحتاج إلى البناء أو نشر الديمقراطية أو تحسين سمعتها, فهي على وشك أن تظهر في أحسن حُلة ممكنة. والطريق إلى ذلك موجود في دستور خليل زاد. إن المرحلة النهائية لأي تدخلٍ غربي هي التقسيم , وكلما كان هذا أقرب كان أفضل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف