باريس محرجة بين بيروت وواشنطن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
اندريه مهاوج من باريس: يهدد تفاقم الوضع الامني وانسداد أي أفق سياسي لحل جذري للوضع السائد في الاراضي الفلسطينية وبين لبنان واسرائيل، بنشوء معطيات جديدة في منطقة الشرق الأوسط قد تغير المعادلة القائمة منذ سنوات وتفتح آفاقا خطيرة على الاقل لم تكن متوقعة.
وقد أفرزت التطورات العسكرية الاخيرة في لبنان واقعا يصعب على أركان المجتمع الدولي التعامل معه وفقا للقواعد التي كانت سائدة قبل انفجار الوضع. ووضعت هذه التطورات الادارة الفرنسية خصوصاً في موقف دقيق للغاية، إذ يصعب عليها التوفيق بين المبادئ التي تقوم عليها سياستها في لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومجاراة حلفائها الدوليين في هذا الملف . فباريس التي وضعت في أولوياتها دعم حكومة الرئيس فؤاد االسنيورة تخطت اول امتحان لعلاقتها مع واشنطن حليفتها في القرارات الدولية المتخذة بشأن لبنان وتحديدا القرار 1559 .
وإذا كانت باريس تمكنت حتى الآن من تجنب تصدع "التحالف" مع واشنطن بسبب الملف اللبناني فإن استحقاقات الأيام المقبلة قد تترك آثارها على هذا التحالف . ففرنسا لم تخف تأييدها التام لدعوة الحكومة اللبنانية الى اجتماع لمجلس الامن، وتحدث وزير خارجيتها عن "عمل حربي " تقوم به إسرائيل في لبنان، في حين رأت واشنطن في العمل العسكري الإسرائيلي دفاعا عن النفس وأيدت بشدة "حق اسرائيل" في الدفاع عن نفسها. واستطاع مندوب فرنسا في الأمم المتحدة الذي يرأس الدورة الحالية تجنب طرح أي مشروع قرار للتصويت من أجل تفادي المواجهة مع واشنطن التي هددت بالفيتو، في حين بدا الرئيس الفرنسي جاك شيراك في حديثه المعتاد لمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني كأنه يفتش عن قاعدة توافق جديد مع شركائه الدوليين بالنسبة الى لبنان من خلال قوله ان الجميع مسؤول وهناك معتد ومعتدى عليه، ولكن كل شيء يرتبط بالمعنى وبالتفسير الذي نعطيه لهذه التعابير.
وفي حين يواجه الاتحاد الاوروبي صعوبات في إسماع صوته واتخاذ موقف جامع بين كل اعضائه، بات مجلس الأمن عاجزا عن حسم الوضع بسبب موقف اميركا المهدد بالفيتو والغطاء الذي قدمه جورج بوش لإسرائيل .
انطلاقا من ذلك تتجه منطقة الشرق الاوسط نحو حرب قد تكون تداعياتها مغايرة تماما للحروب السابقة . فالحرب الراهنة ليست بين دولتين او بين جيشي دولتين بل بين دولة اسرائيل وما تقول انهما منظمتان ارهابيتان اي حزب الله وحماس . واسرائيل التي تبحث عن سلطة شرعية تتفاوض معها ترى في الحالتين اللبنانية والفلسطينية استحالة الجلوس الى طاولة مفاوضات مع سلطة قوية قادرة على السيطرة على الوضع .
فمحمود عباس غير قادر على الامساك بالقرار الفلسطيني في ظل حكومة "حماس" وفؤاد السنيورة غير قادر على إلزام وزراء "حزب الله" وحركة "امل" قرارات حكومية لا تتناسب مع حسابات واهداف الحركتين الحزبيتين المذكورتين.
اضف الى ذلك ان اسرائيل لا تريد تسوية الوضع الفلسطيني مع شريك تعتبره عاجزا وتبحث عن منافذ لتطبيق خططها الأحادية ولا تريد كذلك استجابة المطالب بالانسحاب من مزارع شبعا اللبناية والافراج عن الأسرى مما يعني انهاء حال الحرب مع لبنان . وبكلمة اسرائيل تتحفظ عن سلطتين تعتبر انهما تتساهلان مع "الإرهاب" وتعتبر في المقابل ان تنفيذ القرار 1559 هو أحد أهداف حربها في لبنان في حين ترفض تنفيذ القرارات الدولية الصادرة في حقها . وفي الحالتين اللبنانية والفسلطينية تكمل حكومة إيهود أولمرت تنفيذ سياسة ارييل شارون القائمة على مبدأ العقاب الجماعي في حق اللبنانيين والفلسطينيين، وهي سياسة لم تعط ثمارها لا بل ساهمت في دعم مواقف المتطرفين من كل الاتجاهات .
وسط كل هذا الاحراج تتطلب الأزمة الراهنة تدخلا دوليا قويا وفاعلا وحلولا تخرج عن المعالجات التقليدية وتتناسب مع المعادلة الجديدة في المنطقة، وربما يكون اقتراح الرئيس شيراك باقامة منطقة عازلة على الحدود وتكليف قوة أمنية دولية مسؤولية الاشراف عليها من الاقتراحات التي تراعي الواقع الجديد