أي جزءٍ من الحرب هو الذي لا نفهمه؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة سامية المصري: إن الحقائق الجديدة التي حدثت على الأرض توجّه النقاشات السياسية إلى الأمام. في هذه اللحظات, من السهل كثيراً أن يقتنع الناس بالحقيقة، لأن الحقيقة مرتبطة بالوقائع التي يشاهدونها في العالم الخارجي.
ومبادرة حزب الله للحرب مع إسرائيل هي إحدى هذه اللحظات. هذا ما كتبه روبرت تريسنسكي في موقع ريل كلير بوليتيكس.
وأضاف كان القليل منا يقول منذ سنوات أن الحرب على الإرهاب ليست في إسرائيل وحدها أو في العراق وحده, وإنما "حرب إقليمية" كما وصفها مايكل ليدين, تُهاجَم فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها من قبل "محور إسلامي" يضم إيران إلى شبكته من خلال وكلائه الإرهابيين في الشرق الأوسط.
ويُعتبر هذا الآن هو العنوان الرئيسي لدى الجميع؛ ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال ذكرت أحد العناوين الرئيسية في نيو يورك تايمز بأن "الأزمة إقليمية وليست بين إسرائيل والفلسطينيين وحدهم." وفي هذا الأسبوع جعلت نيوزويك صفحة غلافها للدور الإيراني المحرض الذي "يغذي النار" في الصراع بين حزب الله وإسرائيل.
كوندليزا رايس لخّصت ما توصلت إليه, من أن الإرهابيين "أظهروا أيديهم, وأظهروا أن كفلاءهم هم في دمشق وطهران. لقد توضحت الأمور الآن." والأخبار الحقيقية حول ميكروفون الرئيس بوش المفتوح في قمة مجموعة الثماني هي ليست استعماله ألفاظاً سوقية, بل الحديث بين بوش وتوني بلير فيما يخص الدكتاتور السوري بشار الأسد.
بلير: ما الذي يفكر فيه؟ إنه يفكر فيما إذا استرد لبنان عافيته, وإذا وجدتَ حلاً لإسرائيل وفلسطين, وإذا انتهت حرب العراق كما يُراد لها...
بوش: نعم, إنه مشرف على غايته.
بلير: لقد وصل إليها. إن هذا هو كل ما يهمه. وينطبق الأمر نفسه على إيران.
دار الكثير من الحديث حول براعة الإيرانيين ومدى مهارتهم في لعب الشطرنج ليهزموا إدارة بوش, لكن استراتيجيتهم أصبحت شفافة للغاية.
وبالتالي, لماذا لم يستعدّ أحد لفعل شيء لإيقاف ما يجري؟
أتبع بوش حديثه مع توني بلير بإضافة: "شعرت وكأني أخبر كوفي عنان أن يتصل بالأسد ليفعل شيئاً ما." وكما نعلم جميعاً, فإن الرد الأكثر إخافةً على القيام بحربٍ ما هو اتصال من بيروقراطي الأمم المتحدة.
تسبب عجزٌ مشابه لذلك في تراجع أكثر المعلقين دعوة إلى الحرب. فقد وصفت صحيفة وول ستريت جورنال تحريض حزب الله بأنه "الضربة الإيرانية الأولى" للولايات المتحدة, ثم نصحت بأننا يجب أن نترك إسرائيل تخوض الحرب عنا, بينما نبحث في فرض عقوبات على إيران من قبل مجلس الأمن. وعلى نحوٍ مشابه, دعا مايكل أورين إلى هجوم إسرائيلي على العسكرية السورية لإجبار النظام السوري على عقد صفقة بأن يحتفظ لنفسه بالسلطة على أن يسحب الدعم الذي يقدمه لحزب الله.
أي من هذه التصرفات لا تناسب أن تكون حلاً للمشكلة. إذا كانت المشكلة تكمن في أن النظامين السوري والإيراني يحاولان حماية نفسيهما ويمدان تأثيرهما بدعم الإرهابيين في الشرق الأوسط, فإن الحل يكون بإنهاء هذين النظامين, وعلينا أن ندبر رداً عسكرياً موجهاً إلى هذا الهدف.
لا يمكن الضغط على سوريا وإيران ولا ردعهما ولا احتواؤهما لأن دعم الإرهابيين هو وسيلتهما للبقاء. كانت هذه هي الاستراتيجية الإيرانية والسورية منذ 2003: دعم التمرد في العراق, ودعم حزب الله, ودعم حماس في الأراضي الفلسطينية, ووضع كل شيء في وضعٍ مضطرب يجعل أميركا تخشى من اتخاذ أي رد فعل آخر خوفاً من أن تنقلب الأمور إلى حالٍ أسوأ. لكن التصرف العسكري الأخير أدى إلى فوضى, فقط لأننا تركنا دائماً النظامين الراعيين للإرهاب في سوريا وإيران دون رادع.
فلتنظروا إلى الدوافع التي خلقناها لدى كلٍ من هذين النظامين: مع كثرة المشاكل التي سببوها لنا فإنهم لا يجدون لدينا الرغبة في مهاجمتهم, وبقدر ما يهاجموننا بقدر ما هم آمنون من انتقامنا. وهذا يتناقض مع الاستراتيجية العقلانية.
ما جعل هذا ممكناً هو تأثير خطأين أساسيين في تفكيرنا: التفكير العملي قصير النظر, وعدم الثقة بالذات.
التفكير العملي لا يعني فقط أن نكون عمليين, إنها فلسفة تدعو إلى الاعتقاد بأنه لم تعد هناك أي أفكار أو مبادئ منحنية أكثر من اللازم يمكنها أن تقود أفعالنا. أفضل تعبير قرأته عن أسلوب التفكير المنكسر في فلسفة التفكير العملي كان في موضوع غلاف نيوزويك الحالي. فقد حذرنا المؤلفون, بعد توضيح أن إيران هي القوة التي تقف وراء كل صراع محوري في الشرق الأوسط بالقول: "إن التحدي الإيراني ليس عقدة مستعصية يمكنها أن تُقطع من خلال ضربة واحدة جريئة. إنه يمثل حقيبة ملأى بالعُقد, كل واحدة منها يجب أن تُفك, وإذا كان ممكناً أن تفك بعيدة عن البقية."
وجزء من السبب الذي يجعل أميركا تتردد هو أجيال من أصحاب التفكير العملي حاولوا أن يلفتوا انتباهنا إلى حقائب ملأى بالعُقد, ما جعل من الصعب علينا أن نرى الصورة الكبرى والضربات الجريئة التي كانت ضرورة فعلياً لهزيمة أعدائنا.
وهذه تماثل قوة منطق "أخلاقية التفجير الانتحاري" التي تعبر عن الإيثار وتعرف التضحية بالذات على أنها جوهر الفضيلة. في أي نزاع, يُتوقع أن يثبت الرجال الصالحون أنهم صالحون بالتراجع والتضحية بمصالحهم, بينما لا يُتوقع أي شيء من الرجال الأشرار فقط لأنهم أشرار. ولذلك طالبت افتتاحية لوس أنجلس تايمز بأن "تكون إسرائيل الفئة الأكثر مسؤولية" بالإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار. لماذا على إسرائيل أن تكون الأولى في التراجع عن القتال؟ أجاب الكاتب: "ماذا يمكن أن يُتوقع بعد كل هذا من حماس وحزب الله؟"
لاحظوا السيكولوجية المشوهة التي تتبنى هذا: تُلقى المسؤولية دائماً على عاتق الصالحين ليديروا الخد الآخر ويتنازلوا للأشرار. إن هذه وجهة نظر تُقوّي الأشرار لأنهم أشرار, وتحد من قدرة الصالحين لأنهم صالحون. هل علينا أن نُفاجأ إذن إذا رأينا الشر وقد تشجّع لمزيدٍ من الدمار؟
لم يعد هناك أدنى شك فيما يدير الصراع في الشرق الأوسط: إنها الاستراتيجية السورية الإيرانية التي تستعمل نوابها لضرب الولايات المتحدة, وتنشر التأثير الإيراني المتعصّب في المنطقة. السؤال الوحيد هو ما إذا كنا سنتوقف عن ربط أدمغتنا بالعُقد, وما إذا كنا سنتوقف عن إدارة الخد الآخر لكي نرد الضربة ونطيح بهذين النظامين.
ترجمة: سامية المصري
الرياض
19 يوليو 2006