أخبار خاصة

عمق مآسي النزوح اللبناني

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

نسرين: هربنا مع أولاد لا يدركون لعبة الكبار
قصص من عمق مآسي النزوح اللبناني(1)

ريما زهار من بيروت: تلتفت نسرين (احدى النازحات من منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية) إلي وتطلب مني الجلوس على شبه كرسي مخلوع في المدرسة التي نزحت اليها مع عائلتها في المتن الشمالي. هي هنا منذ اسبوع. هربت تحت القذائف لتحتمي من نير الغضب الاسرائيلي الذي لم يوفر مكانًا الا وقصفه. نسرين لا تخاف الموت وتأبى الانكسار، والرابط الذي يشدها الى بيتها لم ينقطع فهي تحاول دومًا زيارة المنزل الذي تربت فيه في الضاحية الجنوبية لكن الوصول الى هناك شبه ممنوع، إذ يلف الدمار المنطقة، مناظر الاندثار هناك تعكس وحشية ما يحدث. "نعيش من قلة الموت" الاغاثات لا تصل الينا من البلدية، لا صلة وصل مع الخارج ان كان من خلال جهاز التلفزيون او الراديو او اي وسيلة تشعرها بالرابط بينها وبين ساحة المعركة التي امتدت على كل ارجاء الوطن.

نسرين بعمر الورود البرية التي تفتحت على مآسي لبنان، عايشت القهر والانكسار والصمود والتصدي، في كل بلدان العالم قد تكون نسرين الآن تحتفل بعقد قرانها او ربما باول طفل يولد لها، لكن نسرين لبنان في مدرسة لا توجد فيها اي وسيلة تراعي الحقوق الإنسانية.

الحارة اصبحت فارغة، هم في المدرسة 7 عائلات من الضاحية. تجربتها مع الحياة القاسية للحرب علمتها امورًا كثيرة، اخذتها عبرًا في حياتها التي بدأت منذ فترة تتفتح على معالم الظلم في الحياة.

اليوم نسرين تعرف جيدًا كيف تصبر، وتتحمل وتساعد الآخرين المحتاجين متى استطاعت ذلك، لكنها تؤكد ان الآخرين لا يمدون يد المساعدة ابدًا. لا تنسى نسرين ان تشكر المؤسسات التي فتحت لهم ابواب المدرسة وبعض التيارات التي دفعت من اموالها الخاصة لنجدتهم، لكن الاغاثة لم تصل حتى الآن.

وتعود نسرين بالذاكرة الى يوم لجأت الى المدرسة،"هربنا تحت القذائف مع الاولاد طبعًا الذين لم يدركوا ان لعبة الكبار اصعب بكثير من لعبهم المتواضعة.

في البدء حاولوا الصمود في جو من القصف المستمر، افترشوا زوايا البيت كي يخبئوا اجسادًا متهالكة من صوت الموت الذي يحوم حولهم بانتظار الفرائس البريئة، لا ملجأ ولا سواتر تحميهم في المبنى الذي يقطنون، الى ان اتخذوا القرار باللجوء الى مكان اكثر امنًا.

لنسرين اقارب في المتن الشمالي، طلبوا منها ترك حارة حريك واللجوء الى اي مكان آمن في المنطقة، لجؤوا اليهم لكن المكان لم يعد يستوعب اكثر من ذلك.

مدرسة في المتن الشمالي تستقبل نازحين في قرارة نفس نسرين دعاء وحيد: "أن تهدأ الأوضاع كي نعود الى بيوتنا، ونتمنى ذلك اليوم قبل غد، لا مياه لا مأكل لا شيىء يصل الينا، نرى المساعدات من خلال جهاز التلفزيون لكن لا أثر لها في هذه المنطقة، نحن هنا من بداية الحرب، ولم تصل الاعانات الا مرتين، حتى البطانيات والفرش غير موجودة".

تنام نسرين كل يوم على بطانية من الشوك، فلا يكفي الآلام النفسية بفقدان البيت وربما الحي والدفء المعنوي، ليضاف إلى ذلك الألم الجسدي بسبب افتراش بطانيات تؤرق بدل ان تدخل النائمين عليها في سبات عميق.

هربت نسرين مع عائلتها من دون ان تتمكن من اخذ اي شيء معها ... "لا مال ولا ملابس ولا شيء"، فقط هذا الجسد الصغير الذي يتحمل اكثر من طاقته في بلد كُتب عليه المواجهة حتى النهاية.

"احلم بوطن آخر، في مكان آخر، لكنني لن اهجر لبنان ولن أتركه حتى يستفيد منه غيرنا، سنبقى فيه، نحن اهله، نعرفه بقدر ما يعرفنا، نحبه بقدر ما يحبنا".

نسرين تعمل في بيع الملابس، مهنتها التي تحبها والتي اعطتها الكثير، تنظر الى ثيابها التي لم تبدلها من يومين وتقول: "نسينا انفسنا ولم نعد نهتم بالمظهر". تضيف "المهم اليوم ان نعود الى منازلنا وكل شيء يمكن تحسينه، نحن اللبناينون نملك ارادة الحياة التي تقوى على كل شيء".

في هذه اللحظة تدوي القذائف في الضاحية الجنوبية، نسمعها هنا وكأنها تقع علينا، تسألني نسرين هل استهدفوا الضاحية، ربما الآن يقصفون منزلنا، لن يهدأوا الا على خراب كل لبنان...
ترى بماذا تحلم نسرين اذا ما تسنى لها ان تنام؟ بالطبع ليس بفارس الاحلام على الحصان الابيض، لان حتى الاحلام اغتيلت في بلد الاحلام...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف