ميليشيا دينية تثير الخوف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تزايد السخط الشعبي تجاه هيئة الأمر بالمعروف:
"ميليشيا" دينية تثير الخوف في أنحاء السعودية
سلطان القحطاني من لندن: اتخذت الحكومة السعودية مؤخراً عدة إجراءات متتالية تستهدف الحد من سلطات الشرطة الدينية التي تقوم بفرض تطبيق
الشريعة الإسلامية في البلاد وتسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو جهاز رسمي يتمتع بسلطة واسعة في البلاد، ويمكن لموظفيه التدخل لدى الأفراد وهيئات المجتمع لمنع استخدام المخدرات والكحول، ومنع الرجال والنساء غير الأقارب من الاختلاط في الأماكن العامة. وقالت وزارة الداخلية السعودية في بيان سابق لها أن الادعاء العام سيقوم في المستقبل بتولي النظر في قضايا الأشخاص المعتقلين لأسباب تتعلق بالاعتداءات الأخلاقية، ويعني هذا وضع نهاية لسلطات الشرطة الدينية لاعتقال المشبوهين وإجراء تحقيقات، في الوقت الذي يتهمها فيه مواطنون سعوديون بأنها تتدخل في حياتهم الخاصة، إضافة إلى انتشار العديد من مقاطع الفيديو عبر تقنية البلوتوث توضح العديد من انتهاكات أفراد الهيئة لحقوق الإنسان.
وفي الأسابيع الماضية أسقط مجلس الشورى، وهو برلمان استشاري تنمو صلاحياته باطراد، بأغلبية ساحقة توصية داعمة لهيئة الأمر بالمعروف تقضي بزيادة مخصصاتها المالية، وكذلك زيادة مراكزها في البلاد. وفي التاسعة والنصف من مساء كل يوم خميس تكمن سيارة من نوع جي.ام.سي ذات لون أزرق قاتم في زاوية معتمة لأحد الشوارع الخلفية التي تجاور شارع التحلية في العاصمة الرياض، والذي يكون عادة مكتظاً بالشباب من الجنسين خلال هذا اليوم الذي يوافق إجازة نهاية الأسبوع في المملكة العربية السعودية.
وتحظرُ السلطات الدينية والأمنية في المملكة السعودية المحافظة انفراد ذكر بأنثى في أي مكان دون وجود رباط شرعي يتمثل في الزواج أو صلة القرابة، الأمر الذي يثير استياء العشاق والعاشقات السعوديات اللواتي يردن التمرد على هذه التقاليد الراسخة في المجتمع الذي يميل سواده الأعظم إلى الاتجاه المحافظ.
وتتعزز سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل الأوساط السعودية من خلال التئام المحافظين دينياً واجتماعيا في جبهة واحدة لحشد هذا المجتمع السعودي في صفها، على الرغم مما تواجهه من خسائر متواترة في نصيبها من الكعكة الشعبية في البلاد التي تقوم بعدة خطوات منفتحة.
ويرى سعوديون كُثر في أن وجود الهيئة التي تشابه في سلطاتها إلى حد كبير الشرطة الدينية أكبر الأدوار فعالية في ضمان ضبط المسطرة الأخلاقية للمجتمع الذي يواجه عدة خطوات انفتاح تجتاح دول الخليج المجاورة وتلقى بظلالها على الرقعة الكبيرة في دول الخليج العربي التي تحوي أكبر كم من الاحتياطي النفطي في العالم، خصوصاً في ظل إشارة إحصاءات ديموغرافية متفرقة إلى أن معظم المعدلات السنيّة في السعودية تتجه إلى التأكيد على أن النسبة الكبرى من المجتمع السعودي مجتمع شاب.
لكن مثقفين سعوديين آخرين يرون أن الهيئة تحيد في غالب أحيان عملها الميداني عن دورها الحيادي كأحد أجهزة الدولة وتصبح طرفاً في نزاعات فكرية بين قوى الانفتاح الليبرالي والكتل الإسلامية الأخرى على الساحة السعودية، كأن تقوم بالتدخل في ندوات ثقافية أو اجتياح بعض الفعاليات الفكرية في السعودية كذلك الاجتياح الذي تحدث عنه رئيس تحرير صحيفة الرياض السعودية تركي السديري في تعليق له على تعرضه رفقة مثقفين آخرين إلى هجوم من قبل رجال دين داخل أحد الندوات التي أقيمت خلال معرض الرياض الدولي للكتاب قبل أسابيع.
وقال السديري في عموده اليومي المنشور في صحيفة الرياض السعودية في وقت سابق من العام الحالي:" هل هذه أول مرة تتضح فيها هذه الصورة المخيفة؟.لا..عندما أقيم ملتقى المثقفين السعوديين في مركز الملك فهد الثقافي حدثني مسؤول سابق في وزارة الإعلام (أحتفظ باسمه) أنه أثناء الحوارات لاحظ وجود أشخاص منشغلين باتصالات عبر الجوال وأنهم يقومون بالإعداد تنظيماً لأمر ما فكان أن ذهب إلى البوابة وطلب عدم دخول أي شخص إلا بدعوة أو بترك بطاقته الشخصية حتى انتهاء الحوار.. الذي حدث أن سيارة تابعة لهيئة الأمر بالمعروف حضرت وأرادت الدخول بحشد من الملتحين داخلها ولأنهم ليس لديهم دعوات فقد رفضوا تسليم بطاقاتهم وهربوا وكانوا يأملون أن تكون سيارة الهيئة وحدها وسيلة الدخول.".
ويذهب الأمر ليصل إلى شريحة كبرى من المجتمع السعودي الذين يواجهون "قمعا" على حد رأيهم لواجبات مشروعة لصالحهم من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاُ في ظل تلك الحالات التي تحدث فيها السعوديون عن مضايقة أفراد الهيئة لأزواج يمضون وقتهم مع بعضهم البعض منفردين ويتم الاشتباه في كونهم أصدقاء لذلك تلجأ الهيئة للقبض عليهم بطريقة "وحشية" على حد وصفهم وإثارة حرجهم أمام المتجمهرين إلى أن يتم بعد ذلك التأكد من أنهم يمضون وقتهم بطريقة مشروعة.
إلا أن مقربين من رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية الشيخ إبراهيم الغيث يقولون خلال حديثهم مع "إيلاف" بأنه لا يقرّ مثل هذه الأعمال المنافية للأخلاق الإسلامية في طريقة التعامل مع المقبوض عليهم على يد أفراد الهيئة، ويُرجع أسباب تلك الأفعال التي تضرّ بالسمعة الشعبية للهيئة داخل المجتمع السعودي إلى قلة من الأفراد الذين يتميزون "بالحماس الزائد" أثناء تأديتهم مهامهم الأمر الذي يكون له مردود سلبي على الهيئة ومنسوبيها.
وحسب المصدر ذاته فإن الهيئة تتخذ إجراءات تأديبية بحق أفرادها الذين لا يلتزمون بالنظام خلال تأديتهم العمل الميداني خصوصاً في العاصمة الرياض ذات النهج المحافظ بشكل كبير قياساً بمدن المملكة العربية السعودية الأخرى، معدداً عدة حالات تم فيها نقل أشخاص إلى خارج مدنهم بشكل تأديبي نتيجة للشكاوى التي تُرفع بحقهم ويتم التحقيق فيها بشكل جدي ودقيق من قبل الجهات العليا في الهيئة.
وحاولت "إيلاف" على مر أسابيع متواصلة التحادث مع مسؤولين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون أن يتسنى لها ذلك.
أمير سعودي ينتقد الهيئة
وفي مقال نشرته إحدى الصحف السعودية قبل عدة أشهر بعنوان"عمل الحسبة.. والخروج عن الغايات والأهداف" الذي كتبه الأمير تركي بن بندر رئيس مجلس إدارة مجموعة حفيد الجدين يشير إلى ضرورة معاقبة الأفراد المخطئين من هيئة الأمر بالمعروف الذين يسيئون إلى الدين.
ويقول عن أخطاء الهيئة:"موقفنا كأفراد أو المجتمع بكامله بمعاقبة ومحاسبة المهمل أو المقصر أو المخطأ أو المتجاوز من قبل الدولة مهما كان نبل وسمو هدفه، ودرجة حماسه،وحيث أن (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) هيئة رسميه حكومية العاملين بها موظفين مثلهم مثل باقي موظفين الدولة لهم مناصبهم ومراتبهم ومسمياتهم الوظيفية، وترقياتهم،ويستلم كل فرد منهم راتب آخر كل شهر من الدولة،ويعملون على سيارات حكومية تصرف لهم نفقة محروقاتها، كما أننا نعتقد أن تعيينهم في الهيئة جاء بناءا على التراضي بين الطرفين،كما جاء بناءا على شروط ومواصفات مسبقة وضعت كشرط للتوظيف كالمؤهلات العلمية وشهادات حسن السيرة والسلوك وغير ذلك من الشروط، وان هذا الموظف يفترض به كباقي موظفين الدولة ان يكون ملتزم بأداء عمله حسب الضوابط التي تخدم المصلحة العامة، كما أن الموظف حريص على تحقيق أهداف الهيئة مثله مثل باقي موظفين الدولة في باقي قطاعاتها، كما أن عليه قبول أن يطبق عليه النظام مثله مثل باقي موظفي الدولة إذا هو أهمل أو تجاوز أو قصر أو أخطأ أن يحاسب ويعاقب حتى ولو كانت نيته أيضا نبيلة وساميه؟ إلا لماذا نطالب ان تعاقب الدولة الطبيب والجراح الذي أخطأ وهو من جاءه المريض إلى عيادته ولا نطالب الدولة أن تعاقب وتحاسب أحدا من منسوبي الهيئة إذا هو تجاوز أو أخطأ أيضا؟!
لا بل إن خطأ أو إهمال أو تقصير أو تجاوزات موظفي (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أعظم بالنسبة لي من خطأ الطبيب أو الجراح لأن خطأهم أو تقصيرهم كما سبق وأن ذكرت في الحلقة السابقة يمس صورة الأمة الإسلامية بكاملها وليس فرد واحدا،كما يمس صورة دين قويم، وان في هذه الأخطاء هدية ثمينة وفرصة للمتربصين بهذا الدين،وأعداءه، وجائزة لأولئك المغرضين والحاقدين حتى على الدولة، ان أخطاء الدعاة أيا كانوا تختلف عن باقي الأخطاء لأنها بحق ديننا الذي هو عماد حياتنا وأساس وجودنا وسبب بقاءنا على هذه الدنيا،وليس خطأ في سفلتة شارع أو تأخر في رصفه أو إنارته من قبل بلدية".
ويضيف قائلاً:"من هنا أستغرب محاولة الالتفاف، وخلق نوع من الازدواجية في الدولة وقوانينها فالحملات التكفيرية الشرسة، والهجوم والويل والثبور لمن يقف ويصرخ حرصا وخوفا وإخلاصا وغيرة على دينه كما هو دين أولئك الآمرين بالمعروف حين يقال لهم : لماذا الخطأ؟ ولماذا التكرار في حدوث نفس حالات التجاوز أو التقصير التي أساءت لديننا؟ من المسئول عن تلك الأخطاء وتحمل تكرارها؟ ولماذا لا تشكل لجنة مختصة يحاكم ويحاسب ويعاقب إذا ثبت خطأ أو تقصير أو إهمال منسوبي الهيئة كما ان هذا الشيء مطبق على بقية المسلمين من أبناء الدولة وموظفيها الآخرين ؟ لماذا موظفي الهيئة يرفضون المحاسبة والعقاب ويربطون بين من يطالب بتطبيق ذلك عليهم بالتعدي على الدين، وعلى الله، والرسول صلى الله عليه وسلم، ويكيلون له شتى أنواع التهم ؟ أين أصحاب الرأي، والحكمة،والعقل الراجح من كبار علماءنا للتدخل والتصحيح لإيقاف أفعال تشويهية لصورة الإسلام؟
كما أنني اتفق من حيث المبدأ أن القائمين على أداء رسالة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) معرضون كغيرهم إلى الوقوع في الأخطاء لان الخطأ هو ليس مقتصرا على أهل الدعوة فقط وإنما على جميع الناس وكافة العاملين في جميع القطاعات ،وأصعدة المسئوليات وهذا ليس دفاعا عنهم إنما هي طبيعة البشر وسنة كونية ،ولكن مالا أفهمه وأدركه أن تتكرر نفس الأخطاء وذات الأخطاء إلى درجة كبيرة دون رادع؟".
وزاد في قوله:"من هنا أجد أنه من الطبيعي أن تصبح الهيئة وأخطاء منسوبيها على لسان كل الناس، وان هذا الأمر يتطلب الوقوف والتنبه له من قبل الدولة ، لقد أوردت إحدى الصحف المحلية مؤخرا، تعرض مواطن وزوجته لاعتداء من رجلين في (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و معهم وللأسف رجل امن، وقاموا بضربه وزوجته بدعوى الاشتباه بهما بينما كانا أمام شقتهما في حي (النزهة) شمال الرياض. فمثل هذه الحادثة وغيرها من الحوادث المماثلة الكثيرة للأسف ،والتجاوزات العديدة لا تصب في مصلحة الدولة ومؤسساتها ، مما يستدعي الوقوف عندها بكل جدية وحزم لتدارك الموقف حتى لا تتكرر مثل هذه الأعمال التي تسيء إليها،فالهيئة في نهاية المطاف إدارة حكومية مسئوله عنها الدولة ،كما ان الدين الإسلامي بريء من تصرفات هؤلاء وسلوكياتهم فقد دعا إلى الرفق، والرحمة، وحسن الخلق في التعامل، فكيف بنا إذا قام الذين مناط بهم نصرة هذا الدين وتوجيه الناس إلى الرشد بارتكاب مثل هذه الأخطاء الفادحة دون محاسبة ومعاقبه؟".
ويقول الأمير السعودي كذلك في سياق مقاله:"ما أن هدأت هذه القصة حتى فاجأتنا جريدة (الرياض) في عددها رقم (13698) وتاريخ(23/11/1426هـ) بأغرب منطق سمعته أو قرأته في حياتي احتقاري واستخفافي بالآخرين ،والمقصود بالآخرين هنا هم "سعوديين مسلمين"، يقول: المواطن (ع.ن.ع) بينما كنت أسير لوحدي في شارع (صفوان التميمي) بحي "منفوحة" الساعة التاسعة والنصف مساء،وإذا بثلاث رجال يهجمون علي من الخلف حيث قاموا بضربي ضربا مبرحا ومزقوا ملابسي واقتادوني إلى سيارة مدنية واركبوني بالقوة ،وأنا في حالة ضعف وهوان من شدة ما تعرضت له من ضرب أمام أعين الناس. وبعد أن أبرز بطاقة الأحوال (هويته) وأثناء معاينتها من قبلهم قالوا بكل أسف لم تكن أنت الرجل المطلوب لدينا ونحن نعتذر منك ونرجو أن تقبل اعتذارنا عن هذا الخطأ".
ويضيف:"والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هل وصلت العبثية، والفوضى، والتعدي على الآخرين بالاعتداء عليهم حتى وإن كانوا متلبسين وبالجرم المشهود إلى هذا الحد؟ أليس المتهم والمدان لهم حقوق لدى أقسام الشرطة سعت وزارة الداخلية لسنها وتثبيتها لدى كافة الجهات المعنية؟ أليس في هذا التصرف ضرب الحائط بكافة أعراف وقوانين الدولة لا بل حتى قوانين الله وتعاليم دينه وما أنزل في سنة نبيه التي أساؤوا لها بهذا التصرف المشين ؟ أليس المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
فما بالنا إذا كان شخص يسير في أمان الله ولوحده في الشارع؟ أليس في ذلك إرهاب المواطنين الآمنين وإرعابهم وتخويفهم وهم بذلك لا يختلفون عن إرهاب أصحاب القنابل وإطلاق الرصاص على الآخرين لأن لهم رصاص من نوع آخر أكثر فتكا من الرصاص التقليدي؟ هل يعتقد من قام بهذا الهجوم والضرب المبرح وسحب الآخرين على وجوههم في الشارع على مرأى وأمام أعين الناس أنهم ليسوا بشر،وأنه لا كرامة لهم، ولا قيمه ؟ وأي اعتذار يتحدثون عنه ؟ لماذا لا يقدم من قام بهذا العمل المشين إلى القضاء لتتم محاكمته بصورة نظاميه؟ ولكن هل سيتعاطف القضاة معهم أم مع الضحية ؟ ولماذا لم نسمع من المسئولين والقياديين في جهاز الهيئة إدانة واستنكار لهذا الفعل من قبل منسوبيهم؟ لماذا لم نسمع منهم التزام بفتح تحقيق عاجل ومعاقبة من يثبت خطأه وتقصيره؟ أليس المنطق يقول بتحمل المسئولين في الهيئة جزء من هذا الذي يحدث على يد موظفيهم ؟ ثم كيف يطالبون الضحية قبول اعتذارهم ونسيان الخطأ معتبرين حسب ما ورد في خطاب اعتذارهم ان الخطأ من طبائع البشر،ومنطقهم العملي يقول عكس ذلك؟ هل هم بالفعل مؤمنين بأن تقصير الآخرين وأخطاءهم طبيعة بشريه ؟ أليس في أسلوبهم هذا تعبير صارخ بأن الأصل لديهم هو أن الناس كافة الناس على خطأ وضلاله يجب معاقبتهم ومراقبتهم دون رحمة أو هوادة؟ وأخير هل بالفعل لا ينقصهم سوى الدورات والتأهيل أم أن المسألة تدخل في منطق أكبر بكثير من الدورات ".
أفراد الهيئة يواجهون القضاء
وفي ثنايا المقال يعلق الأمير تركي على ما أوردته جريدة الحياة في عددها الصادر رقم(15610) وتاريخ (27/11/1426هـ) وهو في نفس الأسبوع من خبر جريدة (الرياض) حول التعدي على زوج وزوجته الذي يقول عنه الأمير أنه "يؤكد وجود منهجية معتمدة وقائمة لدى من ينتسب للهيئة بالاستخفاف بالأنظمة والقوانين القائمة في البلاد وتعمد الالتفاف عليها،والملفت للانتباه أن هذا الاتهام لمن يكن من ليبرالي فاسق إنما جاء من أحد كبار "المشايخ" و"القضاة" في مدينة (الباحة)".
ويقول خبر جريدة "الحياة" الصادرة وقت ذاك(الباحة: قاضي الجزائية يقاضي رجال "هيئة الأمر بالمعروف" تشهد منطقة الباحة حاليا قضية تعد الأولى من نوعها في السعودية من حيث أطراف "الخصومة" قاضي المحكمة الجزائية الدكتور محمد الظافري ورئيس فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخمسة من الأعضاء الذين يمثلون رؤساء مراكز في محافظات المنطقة. وآخر تطورات فصول القضية هو طلب القاضي الدكتور محمد الظافري من إمارة المنطقة التدخل لإلزام رجال الهيئة حضورهم إلى هيئة الادعاء والتحقيق ، لتحقيق معهم في تثبيت صحة شكوى تقدموا بها ضد القاضي المذكور إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى وثبت أنها غير صحيحة. وكان رئيس فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة الباحة وخمسة من الأعضاء العاملين كرؤساء مراكز في المحافظات تقدموا بشكوى إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان، يتظلمون فيها مما يتعرضون له من قاضي المحكمة الجزائية الدكتور محمد الظافري، من تجاوزات كلامية بتهميش لشهادتهم على مرتكبي الموبقات، ما دفع مجلس القضاء إلى إرسال مفتش قضائي للتحقيق مع الظافري، الذي أذعن للمفتش وأطلعه على عدم صحة دعوى المدعين.
لكن القاضي الظافري تألم من هذه الدعوة التي وصفها بأنها (كيدية) وخاطب أمير المنطقة الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز طالبا منه إحالة المدعين عليه لهيئة التحقيق والادعاء العام لتتولى التثبت من شكواهم ومدى صحتها من بطلانها .
وصدر التوجيه من أمارة الباحة إلى رئيس هيئة التحقيق والادعاء باستدعاء هيئة أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحقيق معهم إلى أنهم لم يتجاوبوا مع طلبة الهيئة، ما دفع رئيسها إلى مخاطبة مقام الأمارة مرة أخرى للتدخل في إلزامهم بالحضور بموجب الأنظمة وما نصت عليه الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات وسألت الحياة القاضي الظافري حول معرفته بالأعضاء المدعين عليه وخلفية الدعوى، فقال: لا أعرفهم لكونهم يعملون في محافظات لا تتبع في إجراءاتها المحكمة الجزائية في الباحة وأكد القاضي الظافري انه لن يرضى بالصلح أو التنازل حتى يثبت بطلان الدعوى التي تقدموا بها لرئيس مجلس القضاء الأعلى مشددا على القول أن رجال الحسبة تجاوزوا أمير المنطقة منذ البداية وتوجهوا بشكواهم إلى مجلس القضاء على رغم أن مرجعية المؤسسات الحكومية تؤول للحاكم الإداري في المنطقة.
وتعليقا على كلام القاضي الظافري قال رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة الباحة الشيخ حسن سعيد الربيعي للحياة أن بداية القضية كانت عبارة عن اختلاف في وجهات النظر ، ولم نتقدم بشكوى مباشرة ضد الشيخ القاضي الظافري لرئيس مجلس القضاء الأعلى وإنما كانت محاولة لإحالة القضايا المختصة إلى قاضي آخر. وأضاف إلى أن الشيخ الظافري فهم من خطابنا أننا نشكوه إلى رئيسه علما بأننا لا نتهمه في دينه وأمانته لكنه" جعل من الحبة قبة" على حد تعبيره.
ونثر الأمير تركي في مقاله عدة أسئلة:" لماذا تقدم رئيس هيئة الأمر بالمعروف والخمسة الآخرين من أعضاء الهيئة في محافظات أخرى إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى لإحالة القضايا لقاضي آخر مع أن رئيس هيئة الأمر بالمعروف حسين سعيد الربيعي لا يتهم القاضي الدكتور الظافري في دينه وأمانته؟ بما أن المسألة لدى رئيس هيئة الأمر بالمعروف مجرد اختلاف في وجهات النظر فلماذا البحث عن قاضي آخر فهل الأحكام القضائية الشرعية تخضع لوجهات نظر متفاوتة ومتباعدة إلى هذا الحد لتقديم خطاب شكوى وطلب تغيير القاضي؟
3- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ادرؤوا الحدود بالشبهات ولو رجعنا إلى النظام القضائي في الإسلام لوجدنا أن الكثير من القضايا ردت بسبب الشبهات ولنرجع إلى قصة الزانية التي ردها الرسول صلى عليه وسلم أكثر من مرة فهل تريد الهيئة من القضاة أن يصدروا أحكامهم بناءا على التقارير التي تقدمها الهيئة بلا أي اجتهادات من القضاة ؟
4- باعتراف رئيس هيئة الأمر بالمعروف حسين الربيعي بتقديم خطاب الشكوى ضد القاضي الظافري إلى رئيس القضاء الأعلى اللحيدان هو اعتراف مباشر بتجاوز أعضاء هيئة الأمر بالمعروف للحاكم الإداري أمير المنطقة، وتأكيد على عدم التقيد بالأنظمة والقوانين المتبعة في البلد كمنهج متبع لديهم!
5- إن أكبر استخفاف بنزاهة، وكرامة الآخرين، وحق رد الاعتبار لأنفسهم قول رئيس هيئة الأمر بالمعروف حسين الربيعي أن القاضي الظافري "صنع من الحبة قبة" والقاضي الظافري الذي اتهم في صحة أحكامه القضائية الشرعية، والذي أثبت كيدية الشكوى من الخمسة أعضاء في هيئات الأمر بالمعروف لمحافظات أخرى لا يعرفهم ولا يعرفونه،والذي يطالبون بإحالة قضاياهم لقاضي غيره و يتظلمون مما يتعرضون له من تجاوزات كلامية بتهميش لشهادتهم على مرتكبي الموبقات.
6- ماذا يعني للقارئ ما ذكره القاضي الظافري أن هناك طلب من هيئة الادعاء والتحقيق للخمسة أعضاء هيئة الأمر بالمعروف ولكنهم لا يستجيبون لطلب المثول أمام هيئة الادعاء والتحقيق ؟
7- أما القصة الأهم من ذلك ما حدث لأحد المسئولين من أبناء كبار الأسر وأعرقها في المملكة وهو رجل أعمال له سمعته ومكانته ولديه من الأشغال والهموم والقضايا ما يئن منها جبل (أحد) إلا أن هذا الرجل ودون أية مقدمات فوجئ بطلب استدعاء ه من أمارة منطقته ليبلغ ان هناك اتهام موجه ضده من رئيس هيئة الأمر بالمعروف في المدينة التي يسكن فيها بخطاب شكوى تقدم به إلى الإمارة يقول:"فيها بأن صاحبنا ذو سوابق إجرامية ومطلوب امنيا وانه كان يقف بسيارته أمام المسجد وقت الصلاة ومعه امرأة في حالة خلوه شرعية" دون الاستناد على أي دليل يذكر أو واقعة أو حتى شهود فالرجل المتهم يعرف نفسه جيدا ،وعندما طالب الإمارة التي تعرفه بنسخة من خطاب رئيس هيئة الأمر بالمعروف ليعرف التهم الموجهة إليه كحق قضائي وشرعي رفضوا إعطاءه نسخه من الخطاب، وأبلغوه بعد ستة أشهر من الشد والجذب مع الإمارة أنهم أحالوا الشكوى إلى هيئة الادعاء والتحقيق ،وعندما ذهب من يمثله وينوب عنه إلى هيئة الادعاء والتحقيق قيل له لابد أن يأتي المتهم بنفسه وإلا جئنا به مكبلاً ومخفوراً ؟!
والسؤال الذي يفرض نفسه في حالة صاحبنا يقول : كل القوانين والأعراف السماوية والدنيوية لا تأخذ أية شكوى دون الشهود والأدلة المادية والمعنوية وإلا أصبحت البلاد في فوضى عارمة فكل شخص يغضب من آخر ويريد أن يشغله بنفسه ويصرفه عن رزقه يكتب به شكوى ليتم إشغاله بالتحقيقات من دائرة رسمية لأخرى،وان في ذلك تطبيقا للقاعدة الفقهية تقول ان البينة على من ادعى) فهل يسعى رجال الهيئة إلى الإصلاح والدعوة بالتي هي أحسن والمعروف أم لأهم لهم سوى رمي التهم يمنة ويسرة ويشغلوا المسلمين في أنفسهم".
ويضيف قائلاً:"كما أنني أتساءل أين أمارات المناطق من هذه المسألة ان أي خطاب شكوى ان لم يكن مرفق معه أدلة ووقائع يجب ان يرفض ولا تتعامل الأمارة معه بجدية،ولا يحق لها استدعاء الآخرين وتعطيل أعمالهم ومصالحهم بموجبه بل لابد ان يحاسب من يقدم خطاب الشكوى إن لم يثبت للأمارة أولا أن لدية الأدلة الكافية والشهود لإدانة من يشتكيه ويريد الاقتصاص منه؟! ثم إنني لا أدري كيف ترفض الأمارة عندما طالبها صاحبنا نسخة من خطاب الشكوى المقدم من رئيس الهيئة ليعرف الاتهامات الموجهة إلية ،وأي منطق عقلاني وشرعي يقف وراء الرفض ، ففي القضاء للمدعى علية الحق المطلق في معرفة أدق تفاصيل حيثيات الشكوى والأدلة المستندة عليها الشكوى ليدافع عن نفسه؟ ان الإمارة بهذا التصرف وضعت نفسها في دائرة الاتهام والتواطؤ مع الهيئة بعدم إعطاء المدعى عليه أبسط حقوقه وهو نسخة من خطاب الشكوى المقدم من رئيس هيئة الأمر بالمعروف ؟ ثم كيف تكون لغة هيئة الادعاء والتحقيق بهذا الشكل على المدعى عليه أن يحضر وإلا جئنا به مكبلا ومخفورا؟!
والسؤال الأهم إذا كان صاحبنا مجرم وذو سوابق ومطلوب للقضاء كيف تتركه الأمارة يغادر بمجرد تبليغه بالشكوى ؟ وإذا كان ذو سوابق لابد إن الجهات المعنية كوزارة الداخلية لديها علم بذلك وهي أولى من هيئة الأمر بالمعروف بشكواه ورفع قضية عليه ولكن وزارة الداخلية تقول ليس لدينا أي شيء على المدعى عليه ؟ أما التهمه الأخرى فتناقض نفسها بنفسها فإذا لم يتم إلقاء القبض عليه كيف عرف رئيس هيئة المنطقة ان المرأة التي معه بالسيارة لا تحل له هذا إذا كان بالفعل هناك سيارة وامرأة ؟! ثم هل يعقل أن يكون هناك شخص يخرج مع امرأة في خلوة غير شرعية يوقف سيارته أمام مسجد وقت صلاة العصر على مرأى المصلين ".
وفي ختام مقاله يقول:"أنني أعتقد انه يجب على رجال الهيئة الذين يعملون على (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) إلا يكون الأصل في عملهم والهدف منه عقاب الناس، وفضحهم، وتناول أعراضهم، وتحطيمهم نفسيا وخاصة النساء، وكأن رجال الهيئة حاقدين على المجتمع ليس لهم أي عمل سوى تتبع النساء اللائي يتطلب التعامل معهن تغليب جانب الحكمة والستر وفق الضوابط الشرعية. وحتى لا تفقد (الهيئة) الهدف من إنشاءها ووجودها، وتحارب من قبل المجتمع لابد من محاسبة ومعاقبة منسوبيها الذين يتجاوزون الحدود بالاعتداء والتعرض ،والتشهير دون دليل أو أدنى وجه حق ،كما لابد من وضع حد لبعض المنتفعين ،وأصحاب النفوس المريضة، والنظرة الضيقة الذين ولجوا إلى (الهيئة) وكأن هدفهم الانتقام من هذا المجتمع ،وبالتالي إحراج الحكومة التي تحرص على استقرار وسلامة المجتمع".
وتلك هي المرة الأولى التي يقوم فيها أحد أفراد الأسرة السعودية المالكة في الحديث بشكل صريح حول تجاوزات أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،خصوصاً وأن الكاتب ينتمي إلى ضلعين مهمين من الأسرة السعودية الحاكمة من جهة والده ووالدته، ما يجعل لسلسلة مقالاته حول التي تتحدث حول هذا الشأن أذناً صاغية داخل شريحة واسعة من أفراد المجتمع السعودي.
وفي طيفه الأغلب يمتاز المقال السالف بأنه ذو بعد نقدي صرف مبني على حقائق مثبتة أوردها الكاتب في السلسلة ذات الخمس حلقات، وكلها تدخل في نطاق تزايد السخط الشعبي داخل الأوساط الشعبية من تجاوزات أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،التي وصفه الأغبون بأنها "هيئة النهي عن المنكر" فقط، معللين ذلك بإغفالها دور التوعية الكبير لكافة مناشط الحياة السعودية باستثناء المحاضرات الدينية التي لا يحضرها سوى الشبان المتدينون بشكل كامل.
المبدأ والمؤسسة
وحول ذلك يقول الكاتب السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي في مقال نشرته صحيفة الإتحاد الأماراتية: ''هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر'' في المملكة العربية السعودية مؤسسة حكومية -كغيرها من المؤسسات المشابهة- تقوم بمهمة خاصة في ضبط نوع خاص من التعديات الاجتماعية أو الإخلال بالنظام العام والقيم الأساسية للمجتمع وتحديدا في الجانب الأخلاقي. في الدين الإسلامي يعتبر مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ إسلاميا كبيرا وحيويا، كان ولازال وسيظل من مميزات هذه الأمة ومن شعائرها التعبدية الموصلة للرقي الحضاري والمحافظة على توازن المجتمع في شتى المناحي، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصيغتها السعودية هي مؤسسة مدنية بشرية تحاول تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع السعودي باجتهاد خاص، مع التنبيه إلى أن هذا المبدأ الكبير قد خضع لاختطاف من قبل جماعات الإسلام السياسي وتلك قصة أخرى".
ويضيف:"أحسب أن التفريق بين الأمرين ''المبدأ والمؤسسة'' ضروري وملح، فإنكار الأول إنكار لجزء من الشرع جاءت به النصوص الشرعية بوضوح، وإنكار الثاني أو انتقاده ليس كذلك بحال فهو انتقاد لجهد واجتهاد بشري على مستوى الفكر المنظم للتطبيق والبناء الهرمي الإداري والتخصصات المنوطة بهذه المؤسسة المدنية وآلياتها في التطبيق والحركة. بالإضافة إلى هذا فإن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اسم مؤسسة مدنية يحمل مبدأً دينيا وقد كان للتسمية دور في التأثير على صورة المبدأ من نواح متعددة منها أن المبدأ كان عاما في الاحتساب على كل خلل في المجتمع من الدولة ومؤسساتها إلى التجار في أسواقهم والصناع في مصانعهم والنظر في المظالم ونحو ذلك كثير، بمعنى أنه يدخل فيه بالصيغ المعاصرة شؤون البلديات والرقابة على المال العام ونحو ذلك من المؤسسات الرقابية، والمؤسسات الأمنية وغير هذا من المؤسسات ذات العلاقة".
ويمضي قائلاً:"الهيئة تعاني كثيرا من أخطاء أفرادها، وأخطاء الأفراد لها صور وأسباب ونتائج، لن نسردها لكن يكفي أن نعرف أنهم بشر يخطئون في أداء واجبهم كما يخطئ غيرهم في الأمن والشرطة والمباحث وغيرها ولذلك يجب أن يحمل خطأ الفرد الشخصي عليه، لكن في أحيان كثيرة يكون الفرد لا ذنب له إلا أنه ترسٌ في مكينة، لا يملك إلا أن يكون هكذا، مع حرصه وإخلاصه وصدقه فالخلل ليس فيه بل في نظام المؤسسة كله وهنا يجب أن تتحمل المؤسسة أخطاءها.
إن ما نقرؤه هذه الأيام رغم ما فيه من تجاوزات أحيانا على الهيئة ودورها يمثل جزءا من نقد المؤسسات المدنية علنا وبكل شفافية وعلى صفحات الجرائد الحكومية وهو ما لم يكن ممكنا قبل سنوات معدودة وكذلك نقد المسؤولين عن تلك المؤسسات وإن كانوا بمرتبة وزير، وهي خطوة بالاتجاه الصحيح نحو محاسبة كل مسؤول على أخطائه بحسب صلاحياته وإمكانياته ومسؤولياته وهو فعل حضاري نرجو تطويره ورعايته حتى يشمل الجميع. وتخطئ الهيئة أو القائمون عليها حين يحسبون أنهم الجهاز الوحيد في العالم الذي يعتني بمثل هذا الاهتمام والتخصص، فالتجارب العالمية في هذا المجال متطورة ومتقدمة ومنظّمة، ويمكن بشيء من الاطلاع عليها وعلى قوانينها وآلياتها أن نكتسب خبرة كبيرة في هذا المجال وأن نطوي المراحل في اتجاه تصحيح الخطأ وترشيد العمل".
وعن وسائل إصلاح الهيئة يقول العتيبي:" من وسائل إصلاح الخلل في هذه المؤسسة إصدار نظام معلن لهذه المؤسسة يوضح تخصصها وواجباتها ومسؤولياتها وإعلان هذا النظام للكافة. ومن وسائل الإصلاح كذلك أن تكون ثمة شروط علمية لمن يريد الانضمام لهذه المؤسسة المدنية بحيث يكون مستواه العلمي مناسبا لمهمته الحساسة، كما أن من وسائل الإصلاح أن يخضع أفراد الهيئة لدورات علمية وتدريبية حول طريقة التعامل مع الأخطاء والمخالفات التي تقع ضمن تخصص الهيئة. الدورات العلمية لتعليم الأفكار الأساسية التي تسعى لها الهيئة من نشر العدل والستر والتعامل بالرفق واللين والأدب، والدورات التدريبية لإكساب أفراد الهيئة مهارات التعامل مع الأفراد والوقائع الواقعة ضمن تخصصهم. ومن وسائل الإصلاح كذلك أن يتمّ وضع زيّ خاص برجال الهيئة، وأن يوضع اسم كل فرد في بطاقة صغيرة على الزي -كما في لباس رجال الشرطة-، وذلك لأن الزي يحدّ من انتحال الأفراد العاديين لدور رجال الهيئة، والاسم يجعل أفراد الهيئة أمام مسؤولية أخلاقية ونظامية أكبر".
الهيئة ومثقفو السعودية وجهاً لوجه
ولأشهر خلت كان الحديث عن تجاوزات الهيئة في أوجه داخل تجمعات المثقفين السعوديين حتى وصلت المعركة إلى صفحات الجرائد بين الهيئة والكتاب السعوديين الذين تحدثوا عن تجاوزات الهيئة بالاعتداء المباشر على الأشخاص المقبوض عليهم دون التثبت من جرمهم عبر الطرق القانونية المتبعة في المملكة العربية السعودية، وخصوصاً ذلك الجدل الهادئ الذي دار بين الهيئة والكاتب السعودي رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية سابقاً قينان الغامدي حول قضية الاعتداء على شخص برفقة زوجته من قبل أفراد الهيئة.
وكانت صحيفتا الوطن وعكاظ السعوديتان في مرمى النيران الأصولية التي أيدت الهيئة في معركتها ضدهما على خلفية نشر أخبار صحافية عن تجاوزات أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقامت الهيئة في الرد عليها واعتبارها أخباراً غير صحيحة.
كما أن المفارقة هنا أن كاتباً سعودياً آخر لم ينجُ من هجمة الهيئة ومناصريها رغم أنه ينتمي إلى السلالة الوهابية للشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي يفاخر أغلب أفرد الهيئة في الالتزام برؤيته الدينية للإسلام، ألا وهو الكاتب السعودي محمد آل الشيخ الذي كتب غير مرة منتقداً الممارسات السلبية التي يقوم بها أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحق أفراد المجتمع السعودي.
وكتب آل الشيخ في ركنه النحيل داخل صحيفة الجزيرة السعودية:"
في العمل المؤسساتي، يجب أن تطالَ المسؤولية والمحاسبة كل المستويات الإدارية، خصوصاً وأن ظاهرة (تعديات) أفراد الهيئة على المواطنين أصبحت على كل لسان، يتحدث عنها ويتذمرُ منها الجميع، ولولا أن أولئك الذين يتربّصون بالناس، ويراقبونهم، ويتصيّدون زلاتهم، ويتلذذون بكشف (عوراتهم)، مدعومون من كبار مسؤوليهم المباشرين لما وصلَ الأمر اليوم إلى ما وصل إليه. أما إذا كان مسؤولو الهيئة آخر من يعلم عن مثل هذه التجاوزات، وقد بلغت هذا الحد الذي يندى له الجبين، فهذه بحدِّ ذاتها (مصيبة) تدينهم قبلَ أن تبرئهم!
والشأن الأهم من كل هذا الذي ربما أنه يخفى على البعض، أن مثل هذه التصرفات (البوليسية) و(التنفيرية) التي أصبح يُمارسها بعض أعضاء الهيئة لا تمت (لولاية الحسبة) في الإسلام بصلة. بل هي (إساءة) لهذا الشأن العظيم في الدين، بكل ما تعنيه كلمة (إساءة) من معنى.فالأصل في الدعوة، كما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (الترغيب) وليس (التنفير)، و(التستر) على المسلمين، وإشاعة الفضيلة، وليس إرهاب الناس وترويعهم وتخويفهم وتتبع عوراتهم والتشهير بهم، بذريعة البحث عن المخالفات الشرعية.
ولولاية الحسبة في الإسلام ضوابط وأخلاقيات، ولم تترك لمزاج هذا أو ذاك، أو للتشفي من خصومهم، ولو طبق أعضاء الهيئة ومسؤولوها بأمانة مثل هذه الضوابط والأخلاقيات، لما وصل الأمر إلى هذا المستوى المخجل، ولما انقلب هذا الشأن العظيم في الإسلام إلى هذه الدرجة المشوهة من الممارسات والتعدّيات التي لم تعرف بهذا المستوى من (التشويه) في تاريخ الإسلام".
وكذلك يقول الكاتب السعودي عبدالله بن بخيت في مقال آخر نشرتها الصحيفة ذاتها:" لا يوجد هذه الأيام سوى موضوعين يتحدث عنهما المواطن السعودي. موضوع الأسهم وتقلباتها وموضوع رهاب هيئة الأمر بالمعروف. ما أن ينتهي أو يفتر موضوع الأسهم حتى يبدأ الناس بسرد قصص رجال الهيئة التي لاتنتهي.قرأ الناس قبل عدة أيام القضية التي انفجرت على صفحات الجرائد والمنتديات والمجالس الخاصة والعامة التي راح ضحيتها مواطن آمن وزوجته المصونة بهجوم وحشي من رجال الهيئة والمتعاونين معها. كم كنت أتمنى لو أن الصحف السعودية تتوقف عن نشر أخبار مثل تلك الحادثة أو الحوادث الأخرى التي تتعلق بتصرفات رجال الهيئة.
فمثل هذه الحوادث هي التي تنتظرها الصحف الأجنبية التي تتربص ببلادنا لتؤكد بها مواقفها المسبقة من أننا في هذا البلد شعب لا نقيم وزناً للإنسان وكرامته وحقوقه فضلاً عن حقوق المرأة وكرامتها. أن يهجم رجل (أياً كانت وظيفة هذا الرجل) على امرأة ويحاول قمعها ثم سحبها من أمام باب بيتها حتى حز رقبتها بعباءتها وكاد يقتلها وهي تستنجد تبحث عن رجل شهم يخلصها بينما زوجها في الجهة الأخرى مغمى عليه بعد أن تلقى ضرباً لا يعرف إلا الله آلامه. هذه القضية لا تعد تعدياً على حقوق الإنسان".
وبالرغم من تزايد السخط الشعبي تجاه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الحكومة السعودية ليست في محل التفكير في إلغاء هذا الجهاز الديني الفاعل نتيجة الخشية من تفسير ذلك على أنه تغيير للصبغة الدينية التي تلون وجه المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها متوائمة مع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وفق آراء مراقبين مطلعين على الشؤون السعودية، وهو الأمر الذي أكده وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز في تصريح صحفي له قال فيه أن الهيئة باقية ما بقيت الدولة.
وبعد أيام من أول حادث إرهابي طال السعودية في الثاني عشر من أيار مايو 2003 عبر استهداف مجمعات سكنية يقطنها غربيون، لوحظ تراجع لدور الهيئة في سائر المدن السعودية وأصبح من النادر مشاهدة سيارات الهيئة، المألوفة لدى أعين الشباب السعوديين في شوارعهم كما كان معتاداً، وهي أشهر ما لبثت بعدها وأن عادت سيارات الهيئة تجوب الشوارع لممارسة مهامها المعتادة في التربص بالمداخل الخلفية الخاصة بالعوائل لمحال بيع القهوة الأميركية ومشتقاتها في مساءات أيام الخميس.