أخبار

فشل إنزال بعلبك ينبه إسرائيل لطبيعة العدو الجديد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أسامة العيسة من القدس: اصبح من المؤكد إسرائيليا، أن عملية الإنزال التي نفذتها وحدة كوماندوز إسرائيلية، في مدينة بعلبك اللبنانية، جاءت بنتائج عكسية، وليس كما خطط لها، وإذا كان العسكريون الإسرائيليون، حسب المراقبين، سيحتاجون فترة أطول للاعتراف بفشلهم، فان الأمر بالنسبة إلى الصحافة الإسرائيلية اصبح محسوما، ولم تستطع هذه الصحافة القوية، أن تقتنع بان اختطاف 5 لبنانيين مدنيين، وغنم 5 رشاشات كلاشنكوف، تحتاج إلى عملية إنزال كالتي نفذتها دورية هيئة الأركان الشهيرة المتخصصة بالعمل خلف خطوط العدو.

الطائرة الإسرائيلية التي حملت الجنود الى العنتيبي

وحسب بعض التقديرات، فإن من أسباب عملية الإنزال، التي أبانت عن فشل استخباراتي يوصف إسرائيليا بأنه فاضح، رفع معنويات المجتمع الإسرائيلي، وإعادة الاعتبار لجيشه من خلال عمليات تذكر الرأي العام الإسرائيلي بعمليات أخرى خلف خطوط العدو، كان لها صدى كبير مثل العملية التي نفذتها دورية هيئة الأركان بقيادة ايهود باراك في شهر نيسان (أبريل) 1973 في شارع فردان في مدينة بيروت، وأسفرت عن اغتيال ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية.

وقبل إعلان الحرب على لبنان وبعد تمكن فصائل فلسطينية، اسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط، طرحت في إسرائيل إمكانية تنفيذ عملية في قطاع غزة، لإنقاذ شليط، وصادف ذلك إحياء الدولة العبرية لذكرى إحدى أهم العمليات التي يفخر بها الجيش الإسرائيلي، المعروفة باسم عملية عنتيبي، والتي نفذت بعد خطف مجموعة تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يقودها وديع حداد، يوم 27 حزيران (يونيو) 1976، لطائرة فرنسية على متنها 98 راكبا إسرائيليا، كانت متوجهة من أثينا إلى تل أبيب، فاجبرها الخاطفون على تغيير مسارها إلى مطار عنتيبي في أوغندا، وكان الهدف من عملية الخطف إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من بينهم مطران القدس كبوتشي، وأسرى آخرون مناصرين للقضية الفلسطينية مثل الياباني كوزو أوكوموتو.

رابين في استقبال المخطوفين وتحركت دورية هيئة الأركان، ونفذت عملية إنزال في مطار عنتيبي، أسفرت عن إطلاق سراح المخطوفين، ومقتل أحد ابرز أفراد دورية هيئة الأركان وهو يوني نتنياهو، شقيق بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود الإسرائيلي اليميني.

ونظم في الكنيست حفل تكريم بمناسبة مرور ثلاثين عاما على تلك العملية، التي كان لها صدى كبير لدى تنفيذها، والقى نتنياهو كلمة في احتفال الكنيست، قال فيها إن مقتل شقيقه غير مسار حياته.

وخلال الاحتفال خيمت عملية اسر شليط على الكنيست، وقالت داليا اتسك رئيسة الكنيست "اليوم، ونحن نصلي من اجل أن يعود جلعاد سالما إلى أهله، نتذكر أن العدو، ما زال يريد منا أن نرحل، ومثلما عاد إخواننا في عنتيبي سالمين إلى ديارهم، نصلي ليعود جلعاد شليط سالما إلى أهله".

ولم تكن اتسك تعلم، بان حزب الله سينفذ عملية أخرى بعد نحو أسبوعين، ويأسر فيها جنديين آخرين، ويتأزم الوضع اكثر. وذكرت اتسك، بما وصفته بالقرار الصعب الذي اتخذه اسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، الذي رفض كما رأت الخضوع لابتزاز الخاطفين، وأمر بتنفيذ عملية عنتيبي.

ولتقدير مدى الحرج الذي سببته عملية الإنزال الفاشلة في بعلبك، يجب معرفة مقدار الصخب الذي رافق إحياء الذكرى الثلاثين لعملية عنتيبي، حيث تم تكريم من بقي على قيد الحياة من المشاركين فيها من أطباء وعسكريين وغيرهم، وأجريت لقاءات معهم، وكأن الحدث وقع أمس، وتمت استعادة التفاصيل الصغيرة، واعادة رواية القصة من جديد، وفي كل ذلك كانت القضية الأساسية التركيز على أن إسرائيل انذاك "رفضت الخضوع لابتزاز الإرهابيين".

سيارة مرسيدس استخدمت في عملية انقاذ المخطوفين وأجرت بعض الصحف تحقيقا في الظروف التي قتل فيها يوني نتنياهو، وهل كان ذلك نتيجة خطأ منه، أم لأسباب أخرى، وتطرقت الى الخلافات التي ما زالت قائمة بين أسرة نتنياهو وبعض الذين نفذوا العملية، حول كيفية مقتل يوني.

واستخلص الإسرائيليون، العبر، بعد ثلاثين عاما من عملية عنتيبي التي يصفونها بالأسطورية، حين تمكنت وحدة من جيشهم متخفية بلباس الجيش الأوغندي من قتل وإصابة الخاطفين الفلسطينيين، والعودة بمخطوفيهم، وعدم إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين طالب بإطلاق سراحهم الخاطفون. ونشرت صحيفة معاريف في عددها الصادر يوم 7 تموز (يوليو) 2006، ما قالت انه كشف عن بعض أسرار عملية عنتيبي.

وكتب الصحافي بن كسبيت وثيق الصلة بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحقيقا بعنوان (وثيقة-سري للغاية)، كشف فيه عن وثائق ملف سري يروي تفاصيل المتابعة الرسمية الإسرائيلية لعملية عنتيبي، بقي بحوزة شيمون شيبس المدير السابق لمكتب اسحق رابين، بطلب من رابين نفسه الذي قال له "احتفظ بالملف، إلى يوم تكون فيه إسرائيل بأمس الحاجة لرواية الحقيقة".

ويتضح مما نشره بن كسبيت أن نقاشا عنيفا دار بين القادة الإسرائيليين، وعلى جميع المستويات التشريعية والتنفيذية والأمنية، حول الرضوخ لمطالب "المخربين الفلسطينيين". وتم الكشف بان رابين هدد في حالة قتل أحد المخطوفين بأنه سيبعد 300 -400 فلسطيني إلى لبنان، ولن يهمه موقف العالم.

ولم تخف الصحيفة الإسرائيلية أن توقيت النشر حول عملية عنتيبي، جاء تزامنا مع خطف الجندي جلعاد شليط، وذلك محاولة من وسائل الإعلام المساهمة في النقاش حول التصرف الأمثل في مثل هذه الحالات.

وفتح النقاش حول عملية العنتيبي التي توصف إسرائيليا بالأسطورية، وبأنها تمجد أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وجهاز الموساد.

ولكن ما الذي تغير بعد ثلاثين عاما من العملية، أحد المشاركين فيها قال "ثلاثون عاما مرت. الإرهاب اصبح اكثر ثأريا، واتخذ الشكل الديني، وبذلك اصبح ذات طبيعة شيطانية، وكراهية إسرائيل هي ركيزة أساسية في النظريات العالمية للجهاد، ونحتاج الان إلى المهارة العسكرية والإبداع والتفكير والاهم من ذلك الثقة في أنفسنا والثقة بأننا قادرون على وضع الخطط في أي شيء وتنفيذها في أي مكان، حتى بعيدا في الأفق". وقال افي ايتام الذي شارك أيضا في العملية "المهم أن تأخذ معك روح عنتيبي، في مواجهة مشكلات اليوم، وهذه الروح ستوفر لنا ملجأ آمنا".

ويبدو أن ايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير دفاعه عمير بيرتس، أرادا تقمص روح عنتيبي، ونفذا عملية الإنزال في بعلبك، ولكنهما لم يأخذافي الاعتبار، الأعوام الثلاثين التي تفصل بين العمليتين، ومن المؤكد انهما لن يحتاجا إلى ثلاثين عاما، لاستخلاص العبر ومعرفة، طبيعة العدو الجديد الذي يقاتلهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف