إيران وأميركا الحاضر الغائب في القمة الفرنسية الروسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الصديق ساركو في موسكو... والرفيق بوتين في طهران
إيران وأميركا الحاضر الغائب في القمة الفرنسية الروسية
موسكو-لندن -وكالات: يقوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة موسكو في التاسع والعاشر منتشرين الأول/أكتوبر لإجراء مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين للمرة الثانية منذ استلامه السلطة. فقد إلتقيا لأول مرة في حزيران/يونيو في قمة الدول الثماني الكبرى في هايليغيندام. وأفلح الرئيسان وقتئذ في تضمين المباحثات الرسمية المملة عادة قسطا من المفاجآت مرغمين الصحافيين المعتمدين في القمة على التفكير مليًا لإيجاد تفسير لها. وقال ساركوزي في رده على سؤال للصحفايين الفرنسيين: "إن الرئيس الروسي شخص ذكي للغاية وهادئ ومن الممكن التحدث معه". وبهذا أدهش الرئيس الفرنسي المحللين الذين تكهنوا بأن موسكو وباريس تكادان تعودان إلى عصر "الحرب الباردة" بعد استلام ساركوزي السلطة.
وفي الحقيقة، لم يتعاطف ساركوزي مع روسيا في الحملة الانتخابية عندما كان مرشحًا لمنصب الرئيس، مبتعدًا بكافة الوسائل عن سياسة جاك شيراك الذي كان على مدى سنين يقوم بدور المدافع الرئيس عن موسكو في أوروبا. وطالب ساركوزي بوتين "بتوضيح موقف روسيا من مسألة الشيشان وموقفيها تجاه جورجيا وأوكرانيا". وقال: "إنه لا يتفق على الإطلاق مع تصريح الرئيس الروسي الذي أشار فيه إلى أن انهيار الاتحاد السوفياتي يعتبر من أكبر مآسي القرن العشرين". وأضاف أن "انهيار الدكتاتورية، والاتحاد السوفياتي نظام دكتاتوري، يعني خبرًا جيدًا دائمًا". ورد على سؤال حول حلفائه بقوله: "إذا سألتموني إلى من أنا قريب ـ إلى الولايات المتحدة أو روسيا التي تسلك السلوك الذي نراه في الشيشان، فأنا قريب إلى الولايات المتحدة".
وقد استعرض نيقولا ساركوزي "قربه للولايات المتحدة"، وليس على المستوى السياسي فقط، بتوجهه إلى هذا البلد بأول إجازة رئاسية له. وقرر عدم الاقتصار على صيد الأسماك وحده إذ التقى بوش في ضيعة عائلة الأخير في كينيبانكبورت جامعًا بين الاستمتاع والنفع. وتجدر الإشارة إلى أن بوتين أيضًا زار ضيعة بوش في كينيبانكبورت.
وتشير وسائل الإعلام الغربية في الآونة الأخيرة إلى تأثير "نزعة ساركوزي الأطلسية" على البيت الأبيض حيث تعتزم إدارة الرئيس الأميركي تغيير حليفها الرئيس في أوروبا في خطوة تأتي عقابًا لرئيس الوزراء البريطاني غوردون براون على قراره المتعلق بالبدء بسحب القوات البريطانية من العراق. وسيمنح دور المدافع الرئيس الجديد عن المصالح الأميركية في الاتحاد الأوروبي الآن لساركوزي الذي "أفلح في إثبات أنه صديق حميم للولايات المتحدة" ولا يقل في قربه منها عن توني بلير في وقته.
وفي الحقيقة أن التعريف بأنه "أفضل صديق لواشنطن" لن يزيد من شعبية ساركوزي في فرنسا نفسها، ولذلك يختار الرئيس الفرنسي لدى تعليقه على الخطط السياسية الخارجية الكلمات بحذر. ولا يغير ذلك من جوهر القضية لأن ساركوزي يؤيد الأميركيين بصراحة في قضيتين أساسيتين في السياسة الدولية ـ إيران وكوسوفو: ضرورة فرض عقوبات جديدة ضد إيران، وحصول إقليم كوسوفو على الاستقلال. ومن البديهي بهذه الصورة أن يوضع موقف فرنسا هذا كثقل موازن للموقف الروسي.
ويعارض ساركوزي، إضافة إلى ذلك بصراحة سياسة الطاقة التي ينتهجها الكرملين: "روسيا تشق طريقها إلى الساحة الدولية بقسوة وفظاظة معينة مستغلة مزاياها في ميدان النفط والغاز".
ويوجد في العلاقات الفرنسية الروسية عامل آخر يزعج موسكو. لقد ذكّر نيكولا ساركوزي وكذلك وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير الذي زار العاصمة الروسية مؤخرًا المسؤولين الروس بحقوق الإنسان والوضع في القوقاز. ويبدو للوهلة الأولى أنه كلما واصل ساركوزي تواجده في السلطة تقل لدى روسيا وفرنسا نقاط الالتقاء بشأن القضايا المبدئية. ولكن الأمر ليس هكذا على الإطلاق، ففرنسا في نهاية المطاف لا تود الحرب مع إيران ولا تنوي التدخل في النزاع العراقي ومن المستحيل أن تستعيد عضويتها الكاملة في الناتو وبوسعها تماما مراعاة مصالح روسيا في المفاوضات حول انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف.
وفي الحقيقة تعين نسيان محور "موسكو ـ باريس ـ برلين" بغياب غيرهارد شرودر في البداية ومن ثم جاك شيراك. ومع ذلك تسنى لبوتين إيجاد لغة مشتركة مع انجيلا ميركيل على الرغم من أن الجميع تنبئوا بتوتر العلاقات الروسية الألمانية بعد مغادرة شرودر. ويواجه السياسيون الروس الآن نفس المهمة تماما فيما يتعلق بفرنسا إذ تتعين عليهم محاولة بنائها بالمرتبة الأولى انطلاقًا من الاعتبارات البراغماتية. وحتى من دون استخدام مصطلح "الصديق" الذي كان من أحب المصطلحات لدى يلتسين.
بوتين ونجاد.
تشهد طهران في منتصف الشهر الجاري، زيارة تاريخيّة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في قمّة الدول المطلّة على بحر قزوين، إلى جانب نظرائه من كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان وإيران. ويبدو أنّ المحادثات، على هامشها، ستتمحور حول "مقايضات" تتعلّق بمحطّة بوشهر النوويّة المثيرة للجدل، وبثروات قزوين، التي لن يمرّ تقاسمها من دون مراقبة حسّاسة من الولايات المتّحدة.
على الرغم من سعي مصادر الكرملين إلى التخفيف من وقعها وتأكيد روتينيّتها وحصرها بأمور بحر قزوين، في وقت تشتد الضغوط الفرنسية والأميركية على إيران، فإنّ الزيارة التاريخية لفلاديمير بوتين إلى طهران في 16 من الشهر الجاري، تعدّ نصرًا للدبلوماسية الإيرانية، وسيتوقف على نتائجها رسم معالم العلاقات الدولية المقبلة. وتشير مصادر دبلوماسية إيرانية في موسكو إلى أنّ زيارة بوتين ستتعدّى إطار بروتوكولات حضور القمّة والتقاط الصور التذكارية، إلى اجتماعات سريّة ومطوّلة مع القادة الإيرانيين، والتحدّث بصراحة مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، سواء بالنسبة إلى المحطة الكهروذرية، التي يجري بناؤها في بوشهر، أم في شأن الوضع القانوني لبحر قزوين.
وفقًا للرئيس الإيراني، وباعتبار أنّ موضوع بحر قزوين سيكون الموضوع الرئيس، فستجري مناقشة "التقاسم العادل" لثرواته خاصة. غير أنّ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، واثق من أنّ النقطة الرئيسيّة ستكون قضية بوشهر.
ويبدو أن موسكو لا تريد في لعبتها مع واشنطن، التخلّي عن الورقة الإيرانية، وأهمّ ما فيها الوقود النووي، الذي تفيد مصادر مطّلعة ومستقلّة بأنّه جاهز منذ أشهر، ويرقد في محطة "نوفوسيبيرسك" للمركزات الكيميائية في سيبيريا، وينتظر نقله إلى بوشهر القرار السياسي من موسكو وحسب.