أخبار خاصة

فرنسا تنفي وساطة ليبية للخروج من مأزق المعتقلين في تشاد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سفينة زوي أثارت الطوفان
فرنسا تنفي وساطة ليبية للخروج من مأزق المعتقلين في تشاد

الامم المتحدة: غالبية الاطفال في قضية تشاد ليسوا أيتاما

ديبي يأمل الإفراج عن الصحافيين بقضية نقل الأطفال

وكالة كابا تعتبر تصريح ديبي انفراجا كبيرا

ساركوزي اجرى محادثات ايجابية مع ديبي

لا إستباق تشادي حول مكان المحاكمة في قضية الأطفال

ساركوزي يطلب الافراج عن الصحافيين في تشاد

تشاد: اتهام 16 اوروبيا رسميا بخطف قاصرين

قصي صالح الدرويش من باريس: "سفينة زوي" تقارب لفظي مع "سفينة نوح" حيث أن اسم نوح يلفظ "نوي" بالفرنسية. التقارب يقف عند اللفظ فقط، فالجمعية الفرنسية التي حملت هذه التسمية تحت شعار الإنسانية لم تكن شفافة ولا واضحة في نشاطها الهادف من حيث المبدأ إلى إنقاذ أطفال دارفور من طوفان التشرد والمرض والجوع، هذا على الأقل ما تشير إليه المعطيات الأولية، حتى تلك الصادرة عن الجهات الرسمية الفرنسية. فهذه الجمعية وضعت الدبلوماسية الفرنسية في مأزق حرج ولطخت صورة العمل الإنساني في القارة السمراء.

وقضية "سفينة زوي" تخص 103 أطفال كانت الجمعية تعتزم نقلهم من تشاد إلى فرنسا بذريعة أنهم أيتام من دارفور، قبل أن تعتقل السلطات التشادية كافة المشاركين في العملية ليتضح بأن غالبية الأطفال تشاديين وأن 90 منهم ليسوا أيتاما وأن الوثائق التي قدمتها الجمعية تشير إلى عملها لفترة عامين في تشاد بهدف توفير مأوى على الأرض التشادية للأطفال الأيتام وذوي الحالات الصحية الحرجة، دون أي إشارة إلى احتمال نقلهم إلى خارج البلاد. ومما زاد الوضع حرجا أن الجمعية استعانت بالقوات الفرنسية المتواجدة على الأراضي التشادية في بعض عمليات النقل. ومن ضمن المعتقلين 16 أوروبي، تسعة فرنسيين بينهم ثلاثة صحافيين وسبع مضيفات طيران إسبانيات وطيار بلجيكي، جرى نقلهم مساء أمس إلى العاصمة نجامينا ليمثلوا أمام المدعي العام وقاضي التحقيق المكلف بالقضية، وهم يواجهون احتمال السجن مع الأشغال الشاقة لمدد تتراوح من خمس إلى عشرين عاما.

السلطات التشادية اتهمت الجمعية المذكورة بالعمل في تجارة جنس الأطفال وبيع الأعضاء، فيما أدانت مختلف الجهات الفرنسية عمل الجمعية الذي وصفته بأنه غير شرعي. وطبقا لسكرتيرة الدولة الفرنسية المكلفة بحقوق الإنسان راما ياد، فإن السلطات الفرنسية كانت تشتبه بنشاطات الجمعية، التي غيرت اسمها في تشاد إلى "تشيلدرن ريسكيو" أي إنقاذ الأطفال، وحذرت السلطات التشادية منذ نهاية يوليو الماضي، ليس بشأن عملية نقل الأطفال التي لا تعرف باريس عنها شيئا ولكن بشأن نشاطات "السفينة" بوجه عام. راما ياد استقبلت أمس أهالي المعتقلين وحاولت طمأنتهم وطالبت السلطات التشادية بحسن معاملتهم.

باريس التي ساهمت فور افتضاح أمر الجمعية في كيل الاتهامات لها، طالبت في وقت لاحق بحسن معاملة رعاياها مذكرة بحق المتهم في البراءة حتى ثبوت إدانته.

وربما يعود هذا التحول في الموقف الرسمي الفرنسي إلى حرج الوضع والطابع السياسي الذي اكتسته هذه القضية، فعلى المستوى الداخلي تحركت المعارضة لتدين ضبابية وفقدان تنسيق في هذه القضية التي أبهتت صورة فرنسا وأضعفت دبلوماسيتها في هذه المنطقة إضافة إلى تعقيد العمليات الإنسانية في إقليم دارفور، وطالبت باستقدام المعتقلين إلى فرنسا كأولوية رئيسية. وعلى المستوى الخارجي تعددت التصريحات النارية للمسؤولين التشاديين الذين أشعلوا بتصريحاتهم ذكريات الاستعمار والعبودية مؤكدين أن السلطات التشادية أعطت موافقتها على عمل الجمعية الذي كان يبدو نبيلا على الورق لكنها خدعت. إدريس ديبي الرئيس التشادي وإبان زيارة لمعسكر الأطفال قال "تلك هي أوروبا المنقذة، تلك هي أوروبا التي تلقن بلدنا الدروس.. إنهم يعاملوننا كحيوانات"، مضيفا أن السلطات الفرنسية ارتكبت بعض الهفوات وأن الجيش الفرنسي نقل ثلاث مرات أعضاء من الجمعية في طائراته.

بعض الأوساط تشير إلى مناطق ظل عديدة في هذه القضية، خاصة أوساط المعارضة التشادية التي تتساءل كيف استطاعت الجمعية المذكورة جمع هذا القدر من الأطفال بدون عوائق ونقلهم من غرب البلاد إلى شرقها في منطقة تسودها حالة طوارئ. وهل تقدم أهالي الأطفال بشكاوى تخص غياب أطفالهم أم أن الأمر كان بالاتفاق معهم. جهات أخرى تتساءل عما إذا كان المتطوعون في "سفينة زوي" على علم بخفايا المهمة التي كانوا يقومون بها أم غرر بهم. حسن نية أم نوايا خفية، نحو عشرين فرنسي شارك في العملية وبعض الذين عادوا إلى فرنسا قبل الاعتقال اعترفوا بأن أخطاء قد تكون وقعت لكنهم أصروا على حسن النية.

عبر نزع المصداقية عن العمل الإنساني الخاص بقضية دارفور، فإن التبعات تطال في المقام الأول الاتحاد الأوروبي الساعي إلى نشر 3000 جندي حول الإقليم قبل نهاية هذا الخريف بهدف تأمين ممر إنساني، قوة شاءت "الصدف" أن يتكون قوامها الرئيسي من جنود فرنسيين وإسبان وهما الجنسيتان المعنيتان بالقضية. وبالتالي لن يكون من السهل إقناع الخرطوم بنشر القوات التي يعاني الأوروبيون سلفا من صعوبة في توفير عناصرها. الرئيس التشادي ورغم ما عرف عنه من عدم ترحيب بهذه القوة أكد أن القضية لن تؤثر على هذا المستوى، لكن دبلوماسيين أوروبيين يتخوفون من تبعات تورط فرنسيين وإسبان بالنسبة لمصير قوة قد تصبح ورقة مقايضة بالمعتقلين الأوروبيين. يشار إلى أن الابن البكر للرئيس التشادي اغتيل صيف العام الماضي في إحدى ضواحي باريس فيما يشبه قضية مخدرات وأن الرئيس ديبي يطالب فرنسا بالتعجيل في التحقيق بمقتل ابنه، وقد تسهم هذه القضية بشكل ما في تحديد مصير المعتقلين الأوروبيين.

أما على المستوى الإنساني، فقد سارعت كافة الجمعيات الدولية العاملة في هذا الميدان إلى إدانة سلوك الجمعية الفرنسية وعملها بهدف استعادة ثقة السكان، خاصة بعد تعليق عدد من المنظمات عملياتها من باب الاحتياط، تعليق يهدد نحو 400 ألف مشرد من دارفور وتشاد.

معضلة الدبلوماسية الفرنسية في ظل هذه المعطيات تتمثل في الحد من التداعيات السياسية للقضية وعدم إراقة ماء الوجه وحماية الرعايا الفرنسيين وفي نفس الوقت احترام السيادة التشادية. معضلة يبدو أنها تسير باتجاه التهدئة بعد تعدد الاتصالات الهاتفية بين رئيسي فرنسا وتشاد اللذين تحادثا بشكل "مباشر وفي جو جد إيجابي " وفقا لتعبير متحدث باسم قصر الإيليزيه. وأسفرت الاتصالات عن إعلان الرئيس التشادي عن رغبته في تحرير الصحافيين والمضيفات مما أنعش الآمال الفرنسية.

الوساطة الليبية

وهناك من يعزو ليونة موقف الرئيس التشادي إلى وساطة ليبية قام بها العقيد معمر القذافي وفقا لمصادر إعلامية ليبية، وساطة نفتها باريس مؤكدة أنها تستطيع التحاور مباشرة مع نجامينا وليست بحاجة لها في الوقت الراهن، لكن المتحدث باسم القصر الرئاسي الفرنسي أضاف قوله "استقبلنا برضى هذا العرض من قبل السيد القذافي، وفي كل الحالات هو دليل على أن العلاقة بين البلدين حسنة". علاقة حسنة بدليل الحديث الهاتفي بين الرئيس ساركوزي والعقيد القذافي الذي وجه خلاله الرئيس الفرنسي لنظيره الليبي دعوة رسمية لزيارة فرنسا، علما بأن القذافي كان قد تحادث هاتفيا قبل ذلك مع نظيره التشادي الذي أطلعه على آخر التطورات الخاصة بقضية "سفينة زوي". ولا يجد العديد من المراقبين دخول العقيد الليبي على الخط غريبا كونه يتدخل عادة في الصراعات الأفريقية، خاصة عندما تكون تشاد طرفا فيه. فهناك سابقة وساطة ليبية لإطلاق رهينة فرنسي عام 1977 بعد احتجازه 33 شهرا من قبل حسين حبري الذي كان متمردا حينها، حيث توجه رئيس الوزراء الفرنسي حينها جاك شيراك إلى طرابلس طلبا للوساطة. ولا يتردد معارض تشادي في القول بأن العقيد القذافي يعتبر تشاد حديقة خلفية لليبيا، مذكرا بأن الرئيس ديبي انطلق من دارفور بدعم ليبي سوداني فرنسي لقلب نظام الرئيس حسين حبري.

قضيتا تشاد ودارفور ستكونان على بساط البحث إذا خلال زيارة القذافي التي لم يحدد موعدها رسميا لكن يتوقع أن تسبق أو تلي قمة أفريقيا والاتحاد الأوروبي التي ستنعقد يومي 8 و9 ديسمبر المقبل في لشبونة. زيارة طبيعية تأتي ردا على زيارة ساركوزي طبقا للإيليزيه، لكنها ومثل كافة زيارات زعماء العالم الثالث تجد من يعارضها، إذ أعلن نائب اشتراكي أن القذافي شخصية ذات ماضي عكر وأن فرنسا شديدة التسامح مع ماضيه.

وقد يكون رد الزيارة عاديا بين بلدين تجمعهما مصالح مشتركة وعلاقات منتظمة لكن ليس هذا حال فرنسا وليبيا اللتين تجمعهما علاقة خارجة عن المألوف. فساركوزي ذهب إلى ليبيا في زيارة وصفت حينها بأنها ثمن لتحرير الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني. وفي هذا السياق أعربت اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق لكشف الغموض الذي واكب عملية تحريرهم عن رغبتها الاستماع إلى القذافي أثناء زيارته لفرنسا، رئيس هذه اللجنة بيير موسكوفيسي رأى أن قضية الممرضات على ما حملته من اعتبارات إنسانية، إلا أنها انطوت أيضا على حسابات سياسية ودبلوماسية وعسكرية وصناعية، علما بأن اللجنة لا يحق لها استدعاء أية شخصية أجنبية.

أيا تكن المواقف من الزيارة يبدو أن العلاقة الفرنسية الليبية في عهد ساركوزي تشهد بداية جديدة كسرت جليدها زيارة شيراك لطرابلس عام 2004 بعد رفع الحظر عن ليبيا، قبل أن تزداد حرارة بفضل قضية الممرضات البلغاريات، وينتظر أن تتحول إلى شهر عسل مع زيارة القذافي وما قد تسفر عنه من صفقات تجارية وعسكرية هامة بالنسبة لباريس.

مد وجزر شهدته علاقة البلدين على امتداد ثلاثين عاما كانت تشاد نقطة محورية فيه، السلاح كان لغة الحوار بين الدولتين عام 1986 عندما قصفت الطائرات الفرنسية مدرج وادي الدوم في الأراضي الليبية لإفشال انشقاق في تشاد، لكن يبدو أن الصفحة طويت. فرنسا تأخذ في اعتبارها النفوذ الليبي في أفريقيا، كبداية لتقارب فريد من نوعه تقارب كرسته زيارة ساركوزي قبل شهرين ومفاوضات حصول ليبيا على التقنية الذرية الفرنسية وتوقيع اتفاق عسكري تشير أوساط صحافية إلى أنه يشمل تدريب القوات الخاصة الليبية وتبادل الآراء والمعلومات والزيارات، إضافة إلى تزويد طرابلس بمختلف المعدات والأجهزة الدفاعية وأيضا الحماية وتشجيع الاستثمارات المشتركة في مجال الدفاع، لكن الشق العسكري الأهم قد يكون إقناع العقيد القذافي بشراء طائرات رافال المقاتلة التي أعرض عنها المغرب. اتفاق قد تكون خلفيته مخاوف فرنسية من مشروع أميركي يحمل تسمية "أفريكوم" ويرمي إلى تأسيس قيادة عسكرية أميركية لأفريقيا.

على المستوى السياسي، يشير المراقبون إلى أن حلم ساركوزي بالاتحاد المتوسطي الذي يبدو واهي الأسس قد يجد صدى لدى الرئيس الليبي المولع بالاتحادات. من الطبيعي أن ترحب الشركات الفرنسية بهذه الزيارة وأن يسمح لها بعقد صفقات اقتصادية مهمة، فزيارة العقيد القذافي المقبلة ستكون مختلفة كليا عن زيارته السابقة في بداية السبعينات، حيث كانت المنظمات اليسارية المتطرفة تؤيده آنذاك وهو أمر لم يعد قائما اليوم. أي أن الرباط بين قذافي السبعينات وقذافي 2007 مختلف بل متناقض كليا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف