أخبار خاصة

المغرب: إعلام في مواجهة القضاء بقانون يحمي الحكومة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عام حافل بمحاكمة الحريات الصحافية
المغرب: إعلام في مواجهة القضاء بقانون يحمي الحكومة

تابع الحلقة المغربية الأولى وباقي مواضيع ملف الصحافة العربية

إيلاف تفتح ملف الحريات الصحافية العربية

أحمد نجيم من الدار البيضاء: تميز عام 2007 بصراع كبير بين الحكومة المغربية وبين الصحافة المكتوبة اذ حفل بمحاكمات عدة كان ابرزها محاكمة صحافيين من مجلة نيشان الأسبوعية إثر نشر ملف حول النكات، وحكم عليهما بثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، مع منع المجلة عن الصدور لمدة شهرين، ولم تعاود الصدور إلا في 17 مارس 2007.

رأى المغاربة ان هذه القضية قد عولجت سياسيا بسبب التعبئة والتحريض التي قام بها موقع إسلامي ضد المجلة، من جهتها بررت الحكومة بشخص الوزير الأول السابق إدريس جطو ووزير الاتصال في حكومته نبيل بنعبد الله قرارهما منع المجلة من الصدور بعدم السماح للإسلاميين باستغلال هذه القضية.

اضافة الى قضية مجلةنيشان تمت محاكمة صحافيين من أسبوعية الوطن الآن بعد إقدام الأسبوعية على نشر وثيقة وصفت بالسرية، ثم عادت الحكومة من خلال الوزير الأول السابق إدريس جطو ووزير الداخلية بمصادرة العدد الصيفي لـ نيشان وتيل كيل، إثر نشر افتتاحية لمدير تحريرهما، تنتقد خطابا ملكيا.

تزامنت هذه المحاكمات التي انتقدتها الجمعيات الحقوقية وأدانتها منظمات دولية، خصوصا "منظمة مراسلون بلا حدود"، مع إعداد الحكومة السابقة لمشروع قانون جديد ينظم مهنة الصحافة. لكن هذا القانون خلق بلبلة اكثر مما حل المشاكل العالقة بين الصحافة والحكومة ، فما كان من نقابة الصحافيين الا ان انتقدت هذا القانون بشدة معتبرة ان اجزاء منه تحد من حرية التعبير التي تتمتع بها الصحافة حاليا.

الحكومة ردت من خلال الناطق الرسمي ووزير الاتصال محمد نبيل بنعبد الله على الانتقادات بوصفها المشروع بـ"التاريخي" مشددة على أنه تم بتنسيق مع النقابة ومع فيدرالية الناشرين المغاربة، مسؤول حكومي آخر ذهب إلى أن الملك بنفسه يؤيد ويريد هذا القانون الجديد .

لكن الردود اتت سريعا حيث وصفت بالقانون اللاواقعي والكارثي . من جهته زكى مدير نشر مجلة "تيل كيل" أحمد رضى بنشمسى هذا الوصف حين نشر في العدد 280 من المجلة، النصوص المثيرة للجدل والتي لا تهدد فقط حرية التعبير، بل الاستثمار في هذا القطاع الهش والمهدد دائما.

وقال في تلك لافتتاحية إن مشروع قانون الصحافة الجديد لم يلغ عقوبات السجن، إذ ترك أربع حالات يمكنها أن تدخل الصحافي إلى السجن، خاصة المادة التي تتحدث عن "المس بالمقدسات".

ويضرب الصحافي وعضو فيدرالية الناشرين المغاربة أمثلة من خلال عرضه مجموعة من النقاط، ففي المادة 10 يتحدث مشروع القانون الجديد عن ضرورة وضع تصريح لدى الحكومة لكل مساهم بأكثر من 30 %في مقاولة إعلامية، وهو ما دفعه إلى التأكيد أن الهدف من هذه المادة هو الضغط نفسيا على رجال الأعمال الراغبين في المساهمة في رأسمال المقاولات الصحافية.

وحول المادة 13، يقول بنشمسى ،" يفرض على الصحافيين الكشف عن مصادره كلما طلب منه القضاء ذلك"، ويصف هذه المادة بالمتناقضة لأنها تحاول أن تؤثرفي عمل الصحافي وستساهم في التضييق عليه، برفض المصادر تزويده بالأخبار.

أما المثال الثالث الذي يقدمه، فيشمل المادة 59، والتي تقول إن المقاولة الصحافية تصبح أجنبية إذا ما كان أقل من 30 في المئة من رأسمالها أجنبيا، ما يؤثر كما يقول بنشمسى بشكل كبيرفي الاستثمار في قطاع الإعلام في المغرب.

اما المادة 66 فتقول إن كل شخص/صحافي، "مس بالملك أو العائلة الملكية أو مس بالدين الإسلامي والوحدة الترابية" سيعاقب بعقوبة تتراوح ما بين سنة وخمس سنوات وغرامة تتراوح ما بين 100 ألف و500 ألف درهم، كما يمكن للقاضي أن يحكم عليه بإحدى هاتين العقوبتين. هذا النص وفق الافتتاحية فضفاض كونه يتحاشى تحديد مفهوم المس بالمقدس.

هذه النقاط تطرح سؤالا اكبر حول حرية التعبير في المغرب، يرى مستشار تحرير صحيفة "المساء" ومدير نشر أسبوعية "الجريدة الأخرى" سابقا علي أنوزلا في حديث لـ إيلاف ان الحرية في المغرب موجودة "هناك حرية في إبداء الرأي لكنها تراعي خطوطا حمراء غير موجودة، لكن كل صحافي يستحضرها ويمارس رقابة ذاتية"، هذه الخطوط تشمل المؤسسة الملكية والدين وقضية الصحراء أو ما يدخل في إطار الوحدة الترابية.

وينتقل انزولا الى نقطة اكثر حساسية ويقول "يعاني الصحافي المغربي مشكلة أخرى تتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، الصحافيون المغاربة يشتكون من غياب المعلومة "لا توجد حرية في الوصول إلى المعلومة".

لكن هذا الغياب يحاول الصحافيون المغاربة استغلاله ، إذ يعمدون إلى توظيف عبارة "حسب مصادر" أو "قالت مصادر"، علي أنوزلا يذهب إلى أن الصحافيين يتعاملون باستسهال كبير مع هذه الأمور، فغياب المعلومة يجعلهم يعتمدون على مصدر واحد، وهذا ما يؤكده صحافي مغربي يعمل في إحدى اليوميات "أنا صحافي يخلق الخبر، ولا أنتظر الحصول على معلومات لنشرها".

اما في موضوع الملاحقات القضائية الكثيرة التي تعرضت لها صحف مستقلة، يقول أنوزلا، "يجب التمييز بين ثلاثة أنواع من المحاكمات، الأولى تتعلق بنشر وثائق تعتبرها الدولة سرية، كما حدث مع "لوجورنال" و"الصحيفة" اللتين نشرتا وثيقة سرية لليساري الراحل لفقيه البصري، تكشف ضلوع الوزير الأول آنذاك عبد الرحمان اليوسفي في انقلاب 1972 ضد الحسن الأول، وقد منعت المجلتان بقرار من الوزير الأول.

ثم محاكمة "الوطن الآن" بعد نشرها لوثيقة سرية للاستخبارات"، وحكم فيها على مدير النشر أريري عبد الرحيم والصحافي مصطفى حرمة الله بالسجن (الأول مع وقف التنفيذ والثانية مع التنفيذ)، أما المحاكمات الثانية، فتدخل في سعي الدولة إلى الضغط على مجلات وصحف مستقلة كي تدفعها إلى تغيير خطها التحريري، وهذا ما حدث مع قضية "لوجورنال" وكلود موني، البلجيكي صاحب معهد للدراسات، إذ طالب المجلة بمبلغ مالي كبير كاف لإغلاق المؤسسة. وقد ساوم هذا الرجل "لوجورنال" عندما أخبرها أنه مستعد لسحب دعوته إن اعتذر بوبكر الجامعي، مدير نشرها في افتتاحية المجلة، وهذا ما رفضه الجامعي الذي انسحب من إدارة النشر وغادر المغرب في اتجاه أميركا.

أما الحالة الأخرى فكانت في قضية ما يعرف بالشيخة، إذ حكمت المحكمة لنائبة برلمانية وطالبت "تيل كيل" بدفع 100 ألف دولار غرامة، وفي الأخير اعتذرت المجلة، وسحبت النائبة دعوتها، وبعد فترة نشرت جريدة أخرى مقالا أكثر حدة تحدث عن تفاصيل في حياة هذه المرأة، لكنها لم تحرك ساكنا".

أما المحاكمات الثالثة فيدخلها أنوزلا في اطار حرية التعبير والرأي، وهو الاطار الذي يحاكم به حاليا مدير نشر "تيل كيل" أحمد رضى بنشمسي، و قبله مجلة "نيشان" التي يملكها، وقال أنوزلا إن حرية إبداء الرأي في المغرب مازالت غير مسموح بها، وأحيانا تدخل في باب المقدسات، خاصة عندما يتعلق الأمر بخطبات الملك.

حرية من نوع اخر: أسبوعية ساخرة تلاحق الانتهازيين

قضية نيشان غطت على ما عداها يعيش المغرب منذ نهاية التسعينات تحولات كثيرة، هذه التحولات أثرت بشكل كبيرفي كل مجالات الحياة فظهرت طبقات وتكاثرت أخرى، منها طبقة "الانتهازيين". هذه الطبقة كانت السبب الاول لظهور صحافة ساخرة تلاحقها، تحمل اسم "الانتهازي". وتم اطلاق هذه الصحيفة قبل أسابيع بمبادرة الصحافي المغربي عبد الرحيم توراني.

"لقد أصبحت الانتهازية متفشية بشكل واسع في المجتمع المغربي بصفة عامة وفي الطبقة السياسية بصفة خاصة" بهذه الجملة يبرر مصطفى توراني، مدير نشر الأسبوعية إطلاقه هذا المشروع الإعلامي الجديد.

ويشرح توراني ذلك بالقول "الانتهازية هي العملة الرائجة التي تفشت بشكل خطر بين جميع الفئات، داخل الأسرة وبين الأطفال وعند الآباء، وطبعا في الاقتصاد والسياسة والمال والأعمال".
وفي محاولة لفضح هؤلاء الانتهازيين خاصة السياسيين، فعلى حد قوله "هذه الفئة هي أكثر النخب فسادا، وسلوكها يؤثر بشكل كبيرفي المجتمع، باختصار إنها انعكاس للمجتمع "كيفما تكونوا يولى عليكم" ولهذا السبب تطوعنا لإصدار هذا المنبر".

الفكرة ليست بجديدة ،فهي تعود الى انتخابات 2002 لكن النجاح لم يكن حليفها في تلك الفترة ، "في 27 سبتمبر 2007 التقيت صديقا كان قد فشل في الحصول على مقعد في مجلس النواب في البرلمان المغربي، الصديق برر فشله قائلا "الفساد هو المسؤول"، بعد نقاش ساخر معه، عادت فكرة المشروع، التقيت أصدقاء وبعد جلسات سمر أصدرت "الانتهازي". لقد أردت أن تكون هذه الجريدة موجهة إلى النخبة" يوضح الصحافي.

المجلة تتعامل مع ما يحدث بشكل ساخر "اخترت أن تكون الجريدة ساخرة، وحصلت على الترخيص وإن كنت في البداية شاكا في إمكانية منحي الترخيص لأن اسمها صادم" يقول توراني.

تنشر المجلة الأسبوعية حوارات افتراضية لشخصيات سياسية معروفة، ويشرح مدير النشر ذلك :"في الحوارات الافتراضية نقول ما يؤمن به السياسي صراحة، لقد تعبنا من اللغة المتخشبة ، لذا نتخيل تلك الأجوبة بناء على معطيات دقيقة نعرفها عن كل شخصية".

وبما ان الحوار ينطوي على الكثير من السخرية قام توراني بتوظيف اللهجة المغربية "لأنها لغة المغاربة وتستطيع أن تنقل تلك السخرية بطريقة أكثر فنية. اللغة المغربية بدأت في الفترة الأخيرة بالحضور بقوة في وسائل الإعلام، خاصة الصحف المغربية، لذا يوظف الصحافي هذه اللغة".

ورغم التحولات الكبيرة التي شهدها قطاع الإعلام، ودخول المقاولة الصحافية زمن الاحتراف، مازال عدد من الصحف يصدر بمبادرات طوعية فردية، كما هو الحال بالنسبة ل"الانتهازي" يقول توراني "إنه مشروع شخصي، أريد له أن يتطور ، لكننا في الفترة الحالية نتغلب بصعوبة على نفقات الطباعة".

الكاريكاتور حاضر في هذا المشروع الإعلامي، "إنه بورتريه ساخر عن سياسيينا الانتهازيين، يعمل في الأسبوعية حاليا ثلاثة رسامين للكاريكاتور، واحد منهم متطوع ، ويشرف على الأسبوعية صحافيان اثنان كمستشارين، وفي المستقبل أنتظر التحاق ثلاثة او اربعة صحافيين ".

الأسبوعية بدأت في أعدادها الستة الأولى بملاحقة انتهازيي السياسة في المغرب، وقد خصصت غلافها الأول لعباس الفاسي، الوزير الأول المغربي، والخامس للمحجوبي أحرضان، رئيس حزب "الحركة الشعبية". ويأمل مدير النشر انجاز رسوم كاريكاتورية لكل الشخصيات السياسية، الصالح منها والطالح، بما فيها الملك محمد السادس "في العدد الخامس، أظهرنا نصف جسد الملك، بدأنا بهذا الرسم الكاريكاتوري، ويمكن أن نقدم كاريكاتورا عنه في المستقبل القريب" يقول مدير النشر، ثم يضيف "إننا ننتقد الثقافة المخزنية، نخصص لها حيزا كل أسبوع في قسم "مخزن نيوز"، وفي محاولتنا لتجاوز الخطوط الحمراء خصصنا عمودا أسبوعيا يكتبه القراء "كملها من راسك".

الصحيفة وإن توخت الموضوعية، إلا أن صاحبها يؤكد أنه يدافع عن أفكار آمن بها "أنا يساري، لا يمكن أن أنكر ذلك، أعرف أن عناصر انتهازية كثيرة تسربت إلى الحزب، ومتيقن أن اليساريين الحقيقيين بشكل عام لا ينضمون إلى أحزاب سياسية حاليا، طبعا هناك استثناءات".
طموح "الانتهازي" توسيع قاعدة قرائها، تطبع حاليا بضعة آلاف، لكن مديرها عبد الرحيم توراني كبيرا "هدفي أن تصبح "الانتهازي أكثر تأثيرا وتنويعا للرأي العام وأن تسحب 80 ألف أسبوعيا، وأفكر أن يبلغ عدد صفحاتها 40 صفحة" طموح معقول خاصة أن عدد الانتهازيين في تكاثر في المغرب

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف