مخاوف من عودة العلاقات الى نقطة الصفر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بغداد مستاءة من حفاوة دمشق بغريمها الضاري
مخاوف من عودة العلاقات الى نقطة الصفر
القاعدة تؤكد اسقاط مروحية أميركية شمال بغداد
تقرير: العنف العراقي العراقي يفوق خطر القاعدة
أبرز نقاط تقرير الاستخبارات الاميركية حول العراق
سياسي عراقي يطرح نفسه بديلا للمالكي
طهران تحمل الولايات المتحدة مسؤولية انعدام الأمن في العراق
أسامة مهدي من لندن : يبدو انه محكوم على العلاقات بين الجارتين العربيتين العراق وسوريا ان تستمر في اجواء من التوتر والشكوك نتيجة تراكمات قديمة وحديثة .. فبعد 70 يوما فقط من اعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما التي ظلت تعاني القطيعة أكثر من ربع قرن ظهرت بوادر بعودة هذه العلاقات الى نقطة الصفر إثر الهجوم الحاد الذي شنته بغداد على دمشق بعد يومين من اجتماع الرئيس السوري بشار الاسد مع العدو الاول للحكومة العراقية وعمليتها السياسية الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين العراقية السنية والمطلوب للتحقيق في بغداد .
فقد ربطت مصادر عراقية سياسية تحدثت معها "إيلاف" اليوم بين الحفاوة التي قوبل بها الضاري في دمشق واستقبال كبار المسؤولين السوريين له وفي مقدمتهم الاسد ونائبه فاروق الشرع اضافة لما هيأته له دمشق من لقاء مع عدد من زعماء العشائر العربية الشيعية في جنوب العراق التي لاترتبط بعلاقات ودية مع الاحزاب السياسية الشيعية الحاكمة في العراق وعلاقاتها مع ايران التي تتهمها بالتدخل بشكل سافر في الشؤون العراقية الداخلية .
واشارت المصادر الى انهعلى الرغم منان الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ الذي شن هجوما عنيفا ضد دمشق الليلة الماضية لم يتطرق بشكل مباشر الى حفاوة دمشق بالضاري بشكل مباشر آخذا على سوريا تضييقها اجراءات الاقامة للعراقيين وفرض شروط صعبة على رحلات طائرات الخطوط الجوية العراقية الى سوريا الا انه اشار الى زيارة الضاري بشكل غير مباشر قائلا " ان القيادات السورية تستقبل شخصيات ترتبط بالإرهاب جهارا نهارا وتدعمها".
ولاحظت المصادر ان الضاري قد شن من دمشق تصريحات معادية للحكومة العراقية وللعملية السياسية في البلاد مشيرا الى انه لايمكن ان تحقق الحكومة المصالحة التي تدعوإليها الا اذا سبقتها خطوات جادة ومنها إلغاء العملية السياسية الفاشلة التي دمرت العراق وما زالت تدمره وإلغاء ما ترتب على هذه العملية من دستور زائف جائر وفئوي وطائفي عنصري يقسم أبناء العراق وكذلك إنهاء المجلس الوطني المهزلة وإطلاق سراح الاسرى والموقوفين الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف على حد قوله .
بغداد تهاجم دمشق وتعتبر مواقفها معادية للشعب العراقي
فقد اعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ ان الموقف السوري "معاد للشعب العراقي" منتقدا بحدة الاجراءات السورية الجديدة بحق المقيمين من العراقيين واتهم مجموعات داخل الحكم السوري بمحاولة تخريب اي جهود لعلاقات طيبة بين البلدين.
واضاف الدباغ في تصريحات لقناة "العراقية" الحكومية الليلة الماضية قائلا "لدينا اعداد هائلة من العراقيين لجأت الى سوريا التي فرضت اجراءات اقامة ودخول غير معهودة .. الموقف السوري معاد للشعب العراقي بهذه الطريقة التي يتعامل بها مع الملف العراقي .وكان بامكان العراقيين حتى وقت قريب الحصول على اذونات تتيح لهم البقاء في سوريا ثلاثة اشهر قابلة للتجديد لكن السلطات السورية لم تعد تصدر منذ العشرين من الشهر الماضي سوى اجازات اقامة لمدة اسبوعين قابلة للتجديد مرة واحدة شرط تقديم وثائق بينها عقد ايجار.
وقال الدباغ "نناشد صوت العقل في سوريا وكل المسؤولين السوريين هناك مجموعات داخل الحكم السوري وداخل القيادة السورية تحاول تخريب اي جهود" لكنه لم يحدد هوية هذه الجهات. واكد "هناك كارثة تحيق بالعراقيين الموجودين في سوريا الان .. وهناك غضب عارم بين العراقيين على الموقف السوري وغضب في العراق على هذا الموقف المؤذي .
واشار الى ان السلطات السورية بدأت تمنح العراقيين اقامة لمدة 15 يوما ويجب ان يغادروا البلاد لفترة شهر ويعودوا مرة اخرى موضحا ان لبنان لا يقبلهم وفي الاردن هناك مشاكل و تركيا تفرض تأشيرة ولذلك فان دمشق تضع مئات الالاف من العراقيين في وضع صعب مشددا بالقول "هذا ليس موقفا وديا".
وحول وقف الرحلات الجوية بين بغداد ودمشق اشار الدباغ الى ان السوريين فرضوا شروطا غير معهودة وقال "اليوم قدموا اخر ورقة طلبوا ضمانة شركة طيران ثالثة للخطوط العراقية "جيء بشركة لبنانية نتوقع الا يكون هناك سبب اخر ويوميا هناك شروط جديدة تفرض من قبل الطيران السوري".واضاف ان مؤتمرا لحزب البعث انعقد في سوريا يمجد قاتل العراقيين صدام حسين "وهذا ليس موقفا وديا .. كما تستقبل القيادات السورية شخصيات ترتبط بالارهاب جهارا نهارا وتدعمه". واضاف "نأمل من الصوت المتعقل في القيادة السورية الانتباه الى ان الخطوات التي بنيت وبدأها العراقيون والسوريون الا تذهب ادراج الرياح بسبب موقف متعنت من بعض الاشخاص الموجودين في الحكم في سوريا" . واكد انه "لا يجوز إخضاع الناس الابرياء من قبل مجموعات موجودة في الحكم في سوريا تناصر البعثيين وتدعم الارهاب".
واوضح ان الرئيس جلال طالباني ذهب الى دمشق مؤخرا واخذ معه وفدا وزاريا وبقي فترة ليست معهودة لرئيس دولة كل ذلك لاثبات حسن نية الطرف العراقي . وكان طالباني قام الشهر الماضي بزيارة استغرقت اسبوعا هي الاولى لرئيس عراقي منذ قرابة ثلاثة عقود اجرى خلالها مباحثات مكثفة وصريحة للقضايا الامنية بين البلدين وتم التوصل الى اتفاق على مواصلة التعاون في مختلف المجالات الامنية .
ومن جهتهم يعتزم عدد من اللاجئين العراقيين في سوريا الإعتصام يوم الاثنين المقبل أمام مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في دمشق إحتجاجا على قرار السلطات السورية تحديد مدة إقامتهم في البلاد. ومعروف ان هناك حوالى مليون عراقي مقيمين او نازحين الى سوريا.
وكان أكثر من مئة لاجئ عراقي إنتهت مدة إقاماتهم تجمعوا الخميس قرب مقر المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دمشق في مسعى إلى الحصول على مساعدة المنظمة الدولية لهم إثر الإجراءات السورية الأخيرة. ويشعر الكثير من اللاجئين العراقيين بالخوف من العودة الى العراق في ظل الظروف الأمنية المتردية خاصة وأن بعضهم تلقوا تهديدات مباشرة من جهات متطرفة فيما قتل أقارب البعض منهم أو تعرضوا للإختطاف.
الضاري يهاجم بغداد من دمشق ويتهمها بالكذب
فبعد اجتماعات عقدها الضاري مع الاسد ونائبه الشرع ومسؤولين سوريين كبار اخرين قال الضاري "لا توجد عملية سياسية في العراق وما يعلن عنه في الاعلام كله اعلان وما جرى من اجتماعات لمصالحة سياسية هي اجتماعات اعلامية ليست جادة". واضاف "لا يمكن ان تكون مصالحة الا اذا سبقتها خطوات جادة ومنها إلغاء العملية السياسية الفاشلة التي دمرت العراق وما زالت تدمره وإلغاء ما ترتب على هذه العملية من دستور زائف جائر وفئوي وطائفي عنصري يقسم ابناء العراق وكذلك إنهاء المجلس الوطني المهزلة واطلاق سراح الاسرى والموقوفين الذي يقدر عددهم بعشرات الآلاف".
واشاد الضاري "بموقف سوريا ورفضها للاحتلال" مؤكدا ان "سوريا ضد الارهاب ولكنها لا ترفض المقاومة لانها حق مشروع وسوريا لا تستجيب لطلبات الاحتلال بتسليم الفارين من جحيم العراق وهي لا تنوي ان تسلم الفارين من جحيم الاحتلال وجحيم الميليشيات وجحيم الاستبداد والاقصاء".
واضاف "أن التخوفات التي انتابت العراقيين بعد إقامة العلاقات الرسمية بين سوريا والحكومة الحالية في العراق قد زالت بعد إيضاح القيادة السورية لالتزامها بالتعاون التام مع القوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال وعدم تأثير عودة العلاقات على التزامات القيادة السورية في هذا الصدد".
وقد اجتمع الضاري مع وفد من شيوخ ووجهاء عشائر الجنوب العراقي في مقر إقامته في دمشق. وقال ناطق باسم هيئة علماء المسلمين ان أعضاء الوفد جددوا للضاري العهد بأنهم سيحافظون على وحدة العراق أرضا وشعبا وأنهم سوف يقفون سدا منيعا بوجه كل المحاولات التي تريد النيل من وحدة العراق والعراقيين.
وكانت الحكومة العراقية قد سعت العام الماضي إلى اعتقال الضاري الذي يلعب دورا مؤثرا في المجتمع السني العراقي للاشتباه في علاقته بما تسميه بالارهاب وهو يعيش الان في المنفى في الاردن ولكنه يزور سوريا وبلدانا عربية أخرى بشكل مستمر.
وكان الرئيس العراقي جلال طالباني قال خلال زيارته لدمشق قبل أسبوعين ان العراق سيطلب من سوريا تسليم مطلوبين ومنهم بعثيون سابقون يشتبه في أنهم سرقوا ملايين الدولارات ويدعمون التمرد المسلح ضد القوات الاميركية لكنه لم يسم هؤلاء المطلوبين.
علاقات ثنائية لاتتسم بالود تحكمها المصالح الحزبية
وقد تميزت العلاقات بين البلدين الجارين وعلى مدى العقود الخمسة الماضية منذ تسلم حزب البعث زمام السلطة في دمشق وبغداد عام 1963 بارتباطها بالعلاقات بين اجنحة هذا الحزب الذي اسسه عام 1947 في دمشق كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار.
ففي خمسينات القرن الماضي وعقب حركة 14 تموز (يوليو) عام 1958 في العراق التي قضت على النظام الملكي واسست الجمهورية الاولى وجاءت بنظام حكم ميال لليسار كانت سوريا جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت ايضا مصر. وكان حزب البعث السوري قد حل نفسه واصبح جزءا من النظام السياسي الذي قاده من القاهرة الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.
وبعد نجاح حزب البعث العراقي في القضاء على نظام عبدالكريم قاسم في انقلاب 8 شباط (فبراير) عام 1063 الدموي وانهيار دولة الوحدة وتسلم البعثيين السلطة في دمشق بعد شهر واحد بالضبط تحسنت العلاقات بين سوريا والعراق تحسنا ملحوظا. الا ان الحكم البعثي في العراق سرعان ما تصدع نتيجة صراع داخلي بين جناحيه المدني والعسكري. وقد اصطلح على تسمية الجناح الاول بـ"بعث اليسار او "جماعة سوريا"" بينما سمي الآخر بـ"بعث اليمين."
وبلغ هذا الصراع اشده في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1963 حين حلت القيادة القومية للحزب والتي كان مركزها دمشق قيادة العراق وتولت حكم البلاد حكما مباشرا الا ان هذا الحال لم يدم طويلا حيث انقلب ضباط الجيش العراقي من القوميين على البعثيين في الثامن عشر من الشهر نفسه واقاموا حكما عسكريا برئاسة عبدالسلام عارف.
وفي السابع عشر من تموز (يوليو) عام 1968 نجح الجناح العسكري اليميني من حزب البعث في ترتيب انقلاب في العراق أطاح بحكومة عبدالرحمن عارف الذي اصبح رئيسا للجمهورية بعد مقتل شقيقه عبدالسلام اثر حادث طائرة عام 1965 . وكان هذا الجناح يمثله عناصر مثل احمد حسن البكر الذي اصبح رئيسا للبلاد وصدام حسين الذي سرعان ما اصبح نائبا للبكر والشخص القوي في العراق وحردان التكريتي الذي اصبح قائدا للجيش . وبدأت الخلافات بين جناحي حزب البعث السوري "اليساري" والعراقي "بعث اليمين" بالظهور الى السطح بشكل جلي بعد ذلك بقليل وخصوصا بعد تسلم حافظ الاسد مقاليد الامور في دمشق عام 1970.
وبعد تسلم صدام حسين رئاسة الجمهورية رسميا في العراق عام 1979 وشنه الحرب على ايران في السنة التي تلتها اختارت سوريا الوقوف الى جانب طهران في الحرب ما ادى الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1982 وذلك بعد ان اتهم العراق سوريا بتهريب الاسلحة الى العراق من طريق سفارتها في بغداد. واستمرت العلاقات بين البلدين متوترة وزادت توترا بعد ان قررت الحكومة السورية المشاركة في القوات الدولية التي حررت الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991.
ولكن العلاقة تحسنت نسبيا وحصل تقارب بين النظامين الحاكمين في بغداد ودمشق خلال الفترة التي فرضت فيها العقوبات الدولية على العراق حيث اتهمت الولايات المتحدة السوريين بالقيام ببيع النفط العراقي وتهريب البضائع الى العراق. وبعد الحرب الاميركية في العراق عام 2003 والاطاحة بنظام صدام حسين لجأ الكثير من قادة وكوادر حزب البعث العراقي الى دمشق. ويتهم الاميركيون الحكومة السورية بمساعدة هؤلاء او التغاضي عنهم في تنظيم وادارة جزء من "المقاومة" العراقية للقوات الاميركية. واتهم مستشار الامن القومي موفق الربيعي مؤخرا سوريا بايواء زعيم منظمة انصار السنة الارهابية المطلوب للعراق .
لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قام بزيارة الى بغداد ووقع فيها مع نظيره العراقي هوشيار زيباري في الحادي والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على اتفاق لعودة العلاقات الدبلوماسية بين بلديهما .. وتم بعد ايام رفع العلمين السوري والعراقي على مقر سفارتي البلدين في دمشق وبغداد . وخلال الشهر الماضي قام الرئيس العراقي جلال طالباني بزيارة رسمية الى دمشق استمرت اسبوعا كاملا تم خلالها التوقيع على اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والفني والامني .. لكن التطورات التي شهدتها العلاقات بين بغداد ودمشق خلال اليومين الماضيين ألقت بظلال جديدة على هذه العلاقات وسط مخاوف من عودتها الى الصفر من جديد .