أخبار خاصة

الأمير الأحمر يحاضر عن الأزمة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تشويش واضطرابات من المتوسط إلى شبه القارة:
الأمير الأحمر مولاي هاشم يحاضر عن هلال الأزمة

الأمير المغربي الأحمرمولاي هاشم إيلاف- من لندن: تطرق الأمير المغربي "الأحمر" مولاي هاشم إلى هلال الأزمة في المنطقة بعد غزو العراق في العام 2003، والأحداث الدراماتيكية المتتالية التي تلت ذلك بدءاً بمنطقة البحر الأبيض المتوسط ووصولا إلى شبه القارة. وفي محاضرة ألقاها في جامعة كاليفورنيا (سانتا باربرا) بحضور ممثل عن "إيلاف" وشخصيات بارزة وسفراء، استعرض "الأمير الأحمر" مولاي هاشم - وهو ابن عم العاهل المغربي الملك محمد السادس - أبرز المحطات التي أعقبت الثورة الإيرانية عام 1979، بدءا بانقسام الاتحاد السوفياتي مرورا بالتحالف الدولي الذي حشدته الولايات المتحدة لإخراج الجيش العراقي من الكويت ثم غزوة العراق في العام 2003، وما تلا ذلك من تطورات شكلت هلال إسلامي واضح يحمل ثلاثة عقد: عقدة فلسطين ولبنان وإسرائيل، ثم عقدة العراق وإيران، ثم عقدة أفغانستان وباكستان. ونوجز فيما يلي أبرز المقتطفات من المحاضرة:

الفكرة والتطبيق

ما إن أرست الثورة الإيرانية دعائمها في المنطقة عام 1979، حتى ظهر عدد من صانعي السياسة الأميركية الذين كانوا مولعين بالفكرة التي تحث على استخدام (القوة الاسلامية) في مواجهة الاتحاد السوفيتي عبر انشاء هلال اسلامي يمكن عولمته لاحتواء السوفييت. وكان على رأس مؤيدي هذه الفكرة وقتها (بريجينسكي)، خصوصا وان القوى الاسلامية المحافظة سبق وأن استخدمت لتهميش القوى العلمانية الوطنية والاحزاب اليسارية وابرز مثال على ذلك ما كان يحدث في ايران منذ عام 1954، حيث كانت المبادئ الايرانية الاسلامية قد حفزت في وقتها القوى الاسلامية في المناطق الجنوبية من الاتحاد السوفياتي .

ومنذ ظهور تلك الفكرة، دخلت الولايات المتحدة في سلسلة من السياسات المختلفة والمتناقضة احيانا من دون ان تنسى اولوياتها التي حصرتها في ضمان تفوقها في الحرب الباردة ودعم إسرائيل، فالولايات المتحدة كانت مترددة في دعم الأصولية الإسلامية والدول التي تدعم مثل هذا الخط او الدول التي تعارضه، ورسميا هي كانت تفضل العراق في حربه مع ايران بينما اعطت الاشارة لاسرائيل كي تزود ايران بالاسلحة.

ثم جاء الوقت الذي ظهرت فيه قوة سياسية في الولايات المتحدة كانت موالية لاسرائيل ودعت الى الحذر من ايران، أدخلت الولايات المتحدة في سلسلة تحالفات مع كل من المملكة العربية السعودية وباكستان من أجل انشاء جيش عالمي للجهاد لمقاتلة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. من هنا، تحولت فكرة (بريجينسكي) الى واقع في هذه الحرب.

أسئلة في الوقت الضائع

في أعقاب طي صفحة الاتحاد السوفياتي، ومع حلول عام 1991، نجحت الولايات المتحدة في تنظيم قواها في تحالف دولي لاخراج الجيش العراقي من الكويت، تحالف استجابت له قوى عربية مثل الجمهورية العربية السورية والمملكة المغربية بناء على نداء دولي مبني على قرار صادر عن مجلس الامن.

وفي ذلك الوقت أيضا، كان العرب متأكدين ان هذا القرار لن يشمل اخراج العراق من الامارات الغنية بالنفط فقط وانما أيضا من وجود نظام عالمي جديد قائم على العدالة حيث سيتم تنفيذ كل القرارات السابقة للامم المتحدة والتي صدرت وطالبت بانسحاب اسرائيلي من المناطق ذات الكثافة الفلسطينية.

بعد انتهاء المهمة في الكويت كان هناك ضغط كبير للمضي قدما الى بغداد والتخلص من نظام صدام حسين، لكن في المقابل كان هناك قوة تدعو للتهدئة وتحمل العديد من الاسئلة "اذا كنا سنزيل صدام من السلطة، علينا ان نعد المزيد من القوى، ومتى ما ننتهي من ذلك؟ وعلينا ان نضع حكومة بديلة، اي نوع من الحكومات؟ سنية؟ ... ام شيعية؟ ... كردية؟ ... ام بعثية؟ ... ام نجلب بعض الاصوليين الاسلاميين؟ كم من الوقت يجب ان نبقى في بغداد لكي ندعم الحكومة؟ ... ما الذي سيحدث للحكومة لو انسحبت القوات الأميركية؟ .. كم هم عدد الضحايا الأميركين اللذين يجب ان نقبل بهم في مثل هكذا حرب؟

وكان ديك تشيني وزير الدفاع الأميركي في صفوف من يريدون تغير النظام العراقي من اجل ان تكون الولايات المتحدة القوة العالمية الوحيدة، وكذلك دعم الرغبة الاسرائيلية في اخراج العراق من معادلة العرب ضد اسرائيل، وهنا بدأ اصحاب هذا الخط بناء خطط مستقبلية من اجل ضرب العراق بشرط واحد ... ان تكون الظروف مؤاتية.

الاسرائيليون كانوا مرتاحين للتدخل الأميركي الخجول في الشؤون الفلسطينية بقيادة وزير الخارجية جيمس بيكر لانهم كانوا على يقين انه سيكون التدخل الاخير ... بينما وجد الفلسطينينون ان النظام العالمي الجديد ما هو الا نسخة عن سابقه.

التاريخ يعيد نفسه من الثورة العربية الى .. الحرب الباردة!

ثم بدأت الحرب على جبهة اخرى، وانتهت ايضا من دون ان تفي الولايات المتحدة بوعودها او حتى على الاقل ان تحظى باحترام وحينما سئل بريجنسكي قبل ثلاثة أعوام من اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) اذا ما كان نادما على تأسيس حركة جهادية من اجل اخراج الاتحاد السوفياتي من افغانستان، قال "نندم على ماذا؟! .... ما هو الاهم في التاريخ؟ طالبان ام انهيار الاتحاد السوفياتي؟ اثارة بعض المسلمين ام تحرير اوروبا الوسطى وانهاء الحرب الباردة ؟".

كل هذه الأحداث وفلسطين على حالها، إلى أن وقعت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) التي أحدثت تغييرا في المناخ السياسي في أميركا، بينما ظهر هلال إسلامي واضح في ثلاثة عقد: فلسطين ولبنان واسرائيل، ثم العراق وايران، ثم افغانستان وباكستان.

العقدة العراقية - الإيرانية

بعد انتهاء الحرب عام 2003، كانت التوقعات كثيرة بان يحدث التحول السهل الى دولة محررة ومستقرة و موحدة وديمقراطية في العراق بعد (الانتصار) الأميركي... وان اي نتيجة اقل من هذه ستعتبر فشلا ذريعا.

انظروا ما يحدث الان ... انه (الفشل الذريع) .. ومن المستفيد منه؟ إنها ايران.

كانت الاستراتيجية الأميركية في حل الجيش العراقي وإلغاء الدولة كفيلة في إزالة إيران عن خارطة الاعداء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، كما أزالت العدو التقليدي لإيران في المنطقة. في المقابل، اعتمدت أميركا على رجال دين من الطائفة الشيعية في ايران، يتحالفون معها داخل العراق، الأمر الذي أسفر عن تقوية الجمهورية الإسلامية.

تراجعت كل القوى الان امام سيطرة القوى الدينية في المنطقة، وعادت الثورة الإيرانية لتمثل في بدايتها ظاهرة شيعية او فارسية، حتى ان بعض رجالات الدين الشيعة على غرار السيستاني في إيران وفضل الله في لبنان كانوا لايتفقون بالكامل معها. فهم أصلا لم يوافقوا على ولاية الفقيه إلا انهم اليوم اكثر راحة مع تعاظم القوة الايرانية، حيث باتت هذه القوة الان تمثل المقاومة الإسلامية بمختلف شعاراتها، فتحولت شعارات القومية العربية في الحرب الى شعارات إسلامية.

وأصبحت إيران في وسط عاصفة تهب في الشرق الاوسط. وأصبح بإمكانها الآن تسهيل خروج القوات الأميركية من العراق أو زيادة أعداد الجنود الضحايا، كما يمكنها إبقاء الاسرائيليين في الخليج مع الخوف من حزب الله في لبنان، ودعم حماس في فلسطين، ودعم جماعات شيعية في شرق السعودية حيث يرتكز النفط السعودي، إضافة الى استعدادها التام لملئ الفراغات في العراق بحلفائها.

تعاظم الدور الاستراتيجي الإيراني، بينما تضاءلت الخيارات أمام إسرائيل والولايات المتحدة، اللتان لم يبق أمامهما سوى خيار واحد وهو خيار الضربات الجوية الذي لن يزيل النظام الإيراني لكنه قد يشعل فتيل الأسلحة النووية في المنطقة. وبدا خيار استخدام الاسلحة النووية اكثر تواترا مع تورط أميركا في العراق، وتورط إسرائيل في لبنان، من دون الحاجة الى استخدام قوات أكثر لاجبار إيران على التراجع إلى خلف حدودها لتتعادل الامور في المنطقة.

هجوم من هذا النوع سيكون حماقة كبرى، فحتى وان نجحت أميركا في ازالة النظام الايراني الا ان مثل هذا العمل سيكون معزولا، وسينعكس سلبا على مختلف البلدان حول العالم التي ستشعر بالخوف على نفسها. ومن المحتمل ان تنجح الجيوش الأميركية والاسرائيليةفي إلحاق الخراب بإيران، إلا أن النصر سيكون بعيدا، إذ ان الضعف السياسي يؤدي إلى الهزيمة ايضا، والخوف يزداد اذا كان هناك تقاربا من نوع ما بين السنة والشيعة.

البدائل

من هنا، كان لا بد من إيجاد أفكار بديلة. وبينها كانت فكرة تحويل السعودية إلى ملجأ للطائفة السنية في المنطقة. فهل ستتمكن السعودية والخليجية العربي وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية والأكراد والطائفة السنية في لبنان والعراق إضافة الى حركة فتح في فلسطين في حال حصولها على دعم اميركي وإسرائيلي من الصمود وصد هذا التأثير الآتي من إيران وحلفائها في سوريا وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين؟

السعودية ودول الخليج العربي على استعداد لدعم حركات سنية مسلحة، إلا أنه يصعب توريط هذه الدول بمواجهة عسكرية مع إيران لأن ذلك يعني دخول مسلمي الشرق الأوسط في حرب أهلية. وحتى لو انتصروا، فإن ذلك النصر سيشكل أزمة أخرى لأميركا سيكون عليها أن تتعامل معها.

العقدة اللبنانية الإسرائيلية ... والخسارة الأميركية

تمثل هذه العقدة الصورة الأوضح لما يحدث في الشرق الاوسط اليوم، والمثال الأقرب والأوضح يكمن في حرب إسرائيل الصيفية. في هذه الحرب التي دارت في تموز (يوليو) من العام الماضي، لم يكن لدى الجيش اللبناني أو حزب الله أي نية لغزو إسرائيل وتدمير طرقاتها وجسورها كما فعلت هي. حتى أن الطلقة الإسرائيلية الأولى في هذه الحرب لم تكن موجهة إلى البنى التحتية التي نمت في لبنان بوجود رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري، بل تم تدميرها بأسلحة أميركية لم تستثن أي مفصل من لبنان، الأمر الذي يؤكد عدم وجود سياسة أميركية في هذا البلد وفي البلدان الاخرى المجاورة، ولن تساعد كل هذه الاعمال العسكرية في النهاية اسرائيل.

ووعدت الولايات المتحدة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بدعم الديمقراطية أيام حركة 14 آذار(مارس)، إلا أنها فوجئت به باكيا ويتسول الولايات المتحدة لتوقف الهجمات على لبنان، وخسرت أميركا مزيدا من اصدقائها العرب.

في المقابل، وعدت أميركا إسرائيل بمساعدات تبلغ قيمتها 4.5 مليار دولار، وشكلت الأسلحة الأميركية مليونين من ثلاثة ملايين قنبلة عنقودية ألقيت على لبنان، 90% من هذه القنابل تم إلقاؤها خلال الساعات الـ72 التي سبقت الهدنة، بينما استقبلت السنيورة الباكي بالربت على كتفه. حتى أن أحد الجنرالات الإسرائيليين وصف حرب تموز قائلا إن "ما فعلناه كان خطأ وامر مجنون بالفعل... غطينا كل المدن بالقنابل العنقودية".

مع كل هذه الأحداث، كيف يمكن للأميركيين أن يقنعوا العرب في دخول الحرب ضد القوى الشيعية أو ضد إيران؟

هل سيقبل العرب أن تحولهم الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل إلى "سنيورة آخر"؟ خصوصا أن الحرب أضعفت حكومة السنيورة، وأعطت حزب الله فرصة ليلعب دورا أكبر على صعيد السياسة الداخلية، ويطالب بحكومة وحدة وطنية.

على الضفة الأخرى، هزمت إسرائيل سياسيا على الرغم من نصرها العسكري الذي حققته في حربها على لبنان، بينما لا يبشر الوضع الداخلي في الأراضي الفلسطينية بصورة أفضل.

العقدة الأفغانية - الباكستانية

وبالرغم من نجاح الولايات المتحدة في جمع تحالف دولي في أفغانستان، إلا أنها فشلت في تصفية قادة القاعدة الكبار، ولم تمض الأمور في أفغانستان في الاتجاه المخطط لها مع وجود انقسامات تشمل الجميع في هذا البلد.

واستمر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في إصدار أفلام الفيديو، فيما تستعيد حركة طالبان نشاطها وقوتها يوما بعد يوم إلى أن أصبحت في يومنا هذا نداً قويا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة. انعكس ذلك على الفرنسيين الذين فضلوا سحب أفضل قواتهم فيما لم يحددوا جدولا زمنا لسحب القوات المتبقية، كما يبقى مجهولا أيضا الدور الذي ستلعبه هذه القوات بعد حين.

كل هذه الأحداث تأتي فيما يترقب العالم الطريق المعتدل الذي ستتخذه الولايات المتحدة، خصوصا ان العالم يحتاج إلى أقوى بلد فيه ليردع أي خصم محتمل من أن يتحول إلى عدو قاتل، بينما ينتظر العرب من أميركا أن تردع إيران.

*ترجمة زيد بنيامين (دبي)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف