الحفريات في الحرم القدسي مستمرة وانتفاضة ثالثة على الأبواب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خلف خلف من رام الله: يتوقع المراقبون أن تتصاعد حدة المواجهات في الحرم القدسي خلال الأيام القليلة القادمة، بشكل يؤدي لإندلاع انتفاضة ثالثة، وبخاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت صرح اليوم الأحد أنه من المتوقع أن تستمر الحفريات الجارية في الحرم القدسي مدة ثمانية أشهر وإن الجسر العلوي المقرر بناؤه في طريق باب المغاربة لن يقام إلا بعد إتمام هذه الحفريات، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن أولمرت دعمه الكامل لسلطة الآثار التي تجري الحفريات، منوها أن حكومته تصرفت بمقتضى تقييمات الجهات المختصة بما فيها جهاز الأمن العام والشرطة، وأنها اختارت التوقيت الملائم لإجراء الأعمال.
في المقابل، ارتفعت في الأوساط الإسرائيلية أصوات تطالب أولمرت بوقف أعمال الحفر فوراً؛ خوفاً من تصاعد العنف ومن تدهور الوضع الأمني، حيث دعا وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى إيقاف عمليات الهدم فوراً، حيث أكد نائب وزير الدفاع أفرايم سنيه أن بيرتس قد وجّه فعلاً رسالةً عاجلةً إلى أولمرت لإعادة النظر في الحفريات ودراسة إيقافها، وقال للإذاعة العبرية إنه يشاطر بيرتس موقفه حيال ماقد تسفر عنه الحفريات من نتائج على صعيد العلاقات بين إسرائيل و"جهات عربية معتدلة وذات شأنٍ في العالم العربي ترى في الحفريات أمراً مقلقاً جداً.
تحريض على مواصلة الحفريات
لكن اللافت للنظر أنه في مقابل الأصوات "العقلانية" المطالبة بوقف الحفريات، حرضت صحيفة هآرتس المحسوبة على الأوساط الليبرالية، وحتى اليسارية الصهيونية، في افتتاحيتها، الحكومة على "عدم الخنوع" للضغوط وعلى مواصلة الحفريات، مذكرة بأن وزير الدفاع إبان الاحتلال الإسرائيلي للقدس موشيه ديان كان قد قرر أن يبقي باب المغاربة بيد إسرائيل؛ "للحيلولة دون تمكن المسلمين من إغلاق البوابات كافة المؤدية إلى المسجد الأقصى" حيث "جبل الهيكل" التي تعتبر أنه كان موجوداً وفق التصورات الإسرائيلية، ولهذا فإن بناء الجسر على مستوى حائط البراق الذي يدعي اليهود أنه "حائط المبكى" إلى باب المغاربة هو "مصلحة إسرائيلية حيوية، وهيئة الأوقاف الإسلامية نفسها لاتنكرها، وهو جزءٌ من "الوضع القائم المستقر جداً الذي أرساه ديان وتبنته الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال القدس قبل 39 عاماً"، وحذرت الصحيفة مما وصفته بـ "زعزعة الوضع الراهن".
وفي وقت لاحق أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بتركيب كاميرات إنترنت في موقع الحفريات التي تنفذها سلطة الآثار الإسرائيلية في منطقة باب المغاربة، وذلك لنقل الصور بواسطة الإنترنت للعالم بأسره، حتى يتأكد الجميع أن هذه الأشغال لاتشكّل تهديداً لأساسات المسجد الأقصى، وكانت هذه المبادرة قد عرضت على أولمرت من قبل النائب في اليمين المتطرف يسرائيل حسون -الرجل الثاني السابق في جهاز الأمن الداخلي الشين بيت- إثر الاحتجاجات التي أثارتها هذه الأعمال في العالم العربي والإسلامي، وقد أفاد مصدر برلماني إسرائيلي بأن حسون قد عرض هذه المبادرة على أولمرت الذي أعطى تعليمات لتنفيذها، وقال حسون: "إن هذه المبادرة تهدف إلى أن تثبت للعالم العربي أنه لايتم التعرض بتاتا للمساجد من خلال الأعمال الجارية".
تداعيات أعمال الحفر
وذكر التلفزيون الإسرائيلي أن المواجهات التي حدثت في القدس هذا الأسبوع لمتنجح في توحيد فلسطينيي الداخل فقط، وإنما نجحت في توحيد العالم الإسلامي بأسره، فقد قال خالد مشعل قبل أيام: "إن الشعب الفلسطيني قادر على مفاجأة العدو بما لديه من مخزون ومستودعات من أجل الدفاع عن وطنه وأماكنه المقدسة، من جهة أخرى يجب على إسرائيل أن تسأل نفسها إن كانت هذه العمليات لها مايبررها، وهل يساوي هذا الأمر وقوف العالم العربي الإسلامي كله أمامها، بما في ذلك مصر والأردن أيضاً".
وكان الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر قد دعا العالمين العربي والإسلامي إلى الشروع في انتفاضةٍ عربيةٍ إسلامية من أجل القدس، وقال الشيخ المتواجد حالياً في القدس، والممنوع من الاقتراب من أسوار البلدة القديمة بسبب قرار من محكمة الصلح الإسرائيلية لمدة عشرة أيام: "إن حكومة إسرائيل بدأت بحربٍ دينية ولا أحد يعرف نتائجها".
وفي السياق نفسه ادعت صحيفة "معاريف" أن باحثاً إسرائيلياً من معهد الآثار في الجامعة العبرية وهو البروفيسور يوسف باتريخ قد عثر على أدلةٍ تفيد في معرفة المكان الدقيق للهيكل المزعوم في الحرم القدسي الشريف، حيث يعتقد "بوجود" الهيكل شرقي الساحة الحالية ويميل جنوباً وليس بالتوازي مع حائط البراق "المبكى".
وذكرت الصحيفة أن "المكان الدقيق للهيكل" في ساحة الحرم كان حتى الآن كان بمثابة تخمين ليس إلا، غير أن البروفيسور يوسف باتريخ يقول: "إن مكتشفاتٍ تم تجاهلها حتى الآن تشير إلى المكان الدقيق للهيكل في الحرم، ويدور الحديث عن بئر مياهٍ هائل الحجم، ويوجد تحت الساحة العليا للحرم، بمحاذاة الزاوية الجنوبية الشرقية منها". وهذا البئر حسب ادعاءات الباحث يشير إلى المكان الدقيق للمذبح والهيكل. وحسب مكتشفات البحث، فإن الصخرة التي بنيت فوقها قبة الصخرة في القرن السابع الميلادي توجد خارج "نطاق الهيكل" على حد زعمه.
أعمال الحفر في باب المغاربة: خلفية تاريخية
نشرت صحيفة هآرتس أن الخلاف الذي نشب مؤخراً بسبب أعمال الحفريات والهدم في باب المغاربة لايحدث لأول مرة بل مازال يتكرر منذ حزيران/ يونيو 1967؛ ففي الخامس عشر من شهر آب/أغسطس 1967، الموافق لتاريخ التاسع من آب حسب التقويم العبري*، دخل الحاخام العسكري شلومو غورن وحاخامات الهيئة الحاخامية العليا إلى ساحة الحرم القدسي من باب المغاربة، وقد حملوا معهم بوقاً و"خزانة المقدسات" ومنصةً متحركة وأقاموا الصلاة هناك، وبعد ثلاثة أيام رغب غورن بجمع آلاف المصلين اليهود في المكان وقام بسابقة بفعله ذلك، لكن خططه وتحركاته هذه كانت تناقض تماماً الوضع القائم الذي قرر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه ديان الذي فرضه بعد أسبوعٍ من حرب حزيران.
حيث كان ديان قد قرر بأن يسمح لليهود بزيارة الحرم، ولكن دون أن يصلوا فيه، وقد تسببت أعمال غورون في احتجاجاتٍ إسلاميةٍ قوية وعاصفةٍ جماهيرية أدت إلى اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قراراً رسمياً كانت تتجنب اتخاذه حتى ذلك الحين وهو: أن يصلي اليهود الذين يرغبون بإقامة طقوسهم في الحائط الغربي، ولن يُسمح لهم بالصلاة داخل الحرم القدسي الشريف.
وتوضح الصحيفة أن التوتر الذي حدث في تلك الأيام أدى إلى بلورة وضعٍ قائمٍ آخر في باب المغاربة، وهذا الوضع القائم كان ثانوياً كما يبدو للوهلة الأولى، إلا أنه ذو مغزى كبير وهو الذي تمخض عن الواقع القائم في المكان منذ أربعين عاماً، فالبوابة الوحيدة المؤدية إلى الحرم التي يحتفظ اليهود بمفاتيحها هي باب المغاربة، وهي أيضاً البوابة المركزية التي يدخل السياح واليهود وقوات الأمن من خلالها إلى منطقة الحرم، حيث يدخل المسلمون من البوابات الأخرى عادة.
ورداً على الخطوات التي اتخذها غورن، قام المسؤولون الفلسطينيون في الأوقاف الإسلامية بخطوةٍ مقابلة، فأغلقوا بوابة المغاربة ولم يسمحوا لحاخامات الهيئة الحاخامية العليا بالدخول، وهكذا علم الجمهور لأول مرة بأن بناية أبو السعود المجاورة للبوابة تحتوي على مكتب لموظفي الحاخامية الرئيسية، وما أن نُشر الخبر حتى أمر ديان بإخلائهم من هناك ووضع في الموقع وحدة للشرطة العسكرية الإسرائيلية.
إلا أن الخلاف لمينتهِ بذلك؛ ففي آب 1967 ناقشت الحكومة الإسرائيلية ترتيبات الزيارة للحرم القدسي، وكانت هيئة الأوقاف الإسلامية قد جبت من كل يهودي إسرائيلي أوسائح يرغب في الدخول إلى الحرم رسوم دخول، بينما أعفت العرب من ذلك، الأمر الذي احتج عليه عضو الكنيست مناحيم بيغن آنذاك، وتبنى موقفه وزراء في الحكومة الإسرائيلية تحت ادعاء أن "إلزام الإسرائيليين بالدفع يناقض مبدأ حرية الوصول، ولذلك ستقوم إسرائيل بالسيطرة على البوابة منذ الآن فصاعداً"، وهذا ماجاء في قرار الحكومة.
وقد اعتبر وزير الأديان الإسرائيلي آنذاك زيرح فيرهفتيغ نفسه مسؤولاً عن تطبيق هذا القرار، وطالب مدير الأوقاف الإسلامية حسب طهبوب بإعطائه المفاتيح، لكن مدير الأوقاف رفض ذلك، ونشر المجلس الإسلامي الأعلى بياناً جاء فيه أن "الحرم الشريف هو مكانٌ مقدسٌ للمسلمين، ولا يوجد حق لأي طرفٍ عليه.. وتستطيع السلطات الإسرائيلية مراقبة الأمن في الموقع، ولكن ليس السيطرة عليه"، وأوضح المجلس الأعلى أنه لاينوي تسليم المفاتيح.
وتتابع الصحيفة أنه بعد أيامٍ معدودات من ذلك صرح موشي ديان في مؤتمر كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي بأن مطلب السماح بحرية دخول اليهود إلى الحرم القدسي قد قُبل، وقام ديان وقائد المنطقة الوسطى عوزي نركيس آنذاك بزيارة باب المغاربة، وقام دافيد فرحي مستشار نركيس للشؤون العربية بأخذ المفاتيح من طهبوب ووضع أفراد الشرطة العسكرية الإسرائيلية عند البوابة.
وتشير الصحيفة إلى أن المسلمين سلموا بذلك الواقع طوال سنة، ولكن بعد إحراق المسجد الأقصى في آب 1969 على يد المتطرف مايكل روهان، قرر المفتي الشيخ حلمي المحتسب محاولة استعادة السيطرة على باب المغاربة، وصرح المجلس الإسلامي الأعلى بأن باب المغاربة لنيُفتح أمام الزوار طالما لمتُسترجع المفاتيح، كما أغلقت البوابات الأخرى أيضاً أمام الزوار، ولم يُسمح إلا بدخول المصلين المسلمين إلى الحرم.
وتدعي الصحيفة أن إسرائيل قد أحجمت عن القيام بأي خطوةٍ خلال أشهر طويلة من منطلق "تقدير" مشاعر المسلمين بعد الحريق، إلا أن الضغط على الحكومة الإسرائيلية وخصوصاً على ديان، لإعادة السيطرة على بوابة المغاربة أخذ في الازدياد، وفي نهاية المطاف هدد ديان المحتسب بطرده من البلاد، كما حصل مع سلفه في المنصب الشيخ عبدالحميد السائح.
وفي التاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 1969 اجتمعت الحكومة الإسرائيلية للتداول في الأمر، واعتقدت رئيسة الحكومة غولدا مئير أنه لايتوجب القيام بشيء يُفهم منه أن خللاً ماقد حصل في الترتيبات التي كانت متبعةً في الحرم القدسي قبل الحريق، وادعى ديان أن على إسرائيل أن تتطلع لإعادة الوضع القائم الذي كان سائداً في السابق، وبعد أيام إثر اتصالات مع الأوقاف فُتح باب المغاربة، وبعد شهر من ذلك قرر المجلس الإسلامي الأعلى فتح كل بوابات الحرم أمام الزوار، لكن المساجد نفسها بقيت مغلقةً أمام الزوار لسنةٍ أخرى، وفُتحت للجمهور فقط في تشرين الأول 1970.
وبقي باب المغاربة منذئذ تحت السيطرة الإسرائيلية، وسمحت الشرطة الإسرائيلية لأتباع "أمناء جبل الهيكل" بالصلاة فوق التلة الترابية المفضية إلى باب المغاربة، كما استخدمت هذه البوابة خلال المظاهرات التي جرت في الحرم في تشرين الأول/أكتوبر 1990، واقتحمت ساحة الحرم من خلالها، بعد أن احتلت جموع المسلمين الغاضبة المنطقة لعدة ساعات، الأمر الذي أدى إلى استشهاد 17 فلسطينياً داخل الحرم في تلك الأحداث.