الأسد في طهران: قمة الهواجس المختلفة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تحالف مستمر وتاريخ يتقدم إلى الوراء
الأسد في طهران: قمة الهواجس المختلفة
سوريا وايران تتعهدان العمل لمواجهة المخططات الاميركية
إيران تلاحق منفذي تفجيرات مدينة زهدان
إشتباكات بين الشرطة الايرانية وجماعات مسلحة
إيلي الحاج من بيروت: تجيء الزيارة التي باشرها الرئيس السوري بشار الأسد لإيران اليوم السبت في ذكرى انتصار ثورتها الإسلامية لتذكر بأن التاريخ في هذه المنطقة يتقدم ولكن إلى الوراء . فقبل الأسد الإبن كان والده الرئيس الراحل حافظ الأسد وقف وحده من بين الدول العربية مع جمهورية الخميني الإسلامية في إيران التي كانت تلوّح بتصدير ثورتها إلى كل العالم العربي حيث أخفقت لاحقاً إلا في البيئة الشيعية في لبنان بمساهمة سورية كبيرة- لتصطدم بالعراق ورئيسه السابق صدام حسين الذي وقفت وراءه كل الدول العربية الأخرى في حربه الطاحنة مع إيران الملالي.وعندما انتهت تلك الحرب المديدة والباهظة التكلفة على تلك المستويات وارتد صدام على الكويت، لامه حافظ الأسد وبعث إليه رسالة مختصرها : ما هكذا تحتلها بل كما فعلت أنا في لبنان! ثم قبل بالمشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت، مغلباً برغماتيته بعد تردد ومبلغ نقدي ضخم من الكويتيين المشردين من بلادهم تلك الأيام. وعندما حان وقت إسقاط نظام صدام بالتدخل العسكري الأميركي المباشر فتح الأسد كما النظام الإيراني الحدود لعابريه المسلحين آملين في الإفادة إلى أقصى حد على حساب الأميركيين طبعاً، ولكن أساساً على حساب العراقيين الذين يتخبطون بمختلف مذاهبهم وأحزابهم في مستنقع دم مرشح للتتوسع إلى بلدان أخرى، أول ما يتبادر إلى الذهن منها فلسطين ولبنان.
ولا جدل في أن زيارة الأسد لطهران اليوم تحوطها ظروف اقليمية بالغة الدقة والحساسية. وستتركز المحادثات فيها على العراق في ضوء زيارتي وزير الخارجية السوري وليد المعلم لطهران وأنقرة من أجل تنسيق الجهود الايراني- السوري- التركية في هذا البلد ، واتخاذ موقف مشترك من الاستراتيجية الجديدة للرئيس جورج بوش، قبل اجتماع وزراء خارجية دول الجوار المقرر الشهر المقبل في بغداد . كما يتوقع ان تتناول المحادثات الأوضاع في لبنان بعد طرح المملكة العربية السعودية وإيران "أفكاراً" لحل الأزمة اللبنانية واطلاع الأمين العام لمجلس الأمن القومي الايراني علي لاريجاني دمشق على هذه الأفكار، في مقابل تأكيد دمشق رسميا على دعمها "التوافق اللبناني".
وتعتبر الزيارة التي تمهد لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، بمثابة تأكيد على العلاقة التحالفية الراسخة بين سورية وايران والتي باتت بالنسبة إلى دمشق حاجة أكثر من أي وقت.ولكن هناك من يرى ان زيارة الأسد ترمي الى تنسيق المواقف والسياسات بعدما برزت تمايزات وتباينات متحركة في مواقع ومسائل تحت سقف التحالف الثابت . إذ يكثر الحديث في الاوساط السياسية المتابعة للاتصالات الاقليمية والدولية الجارية لحل المأزق السياسي اللبناني، عن تمايز ايران- سوري.
تباينات وحسابات مختلفة
وترصد هذه الأوساط باهتمام العلاقات بين الدولتين الحليفين باهتمام مسجلة ملاحظات عدة أبرزها:
- انفتاح الاتصالات السعودية- الايرانية منذ نهاية العام الماضي أدخل تحسنا على قنوات الحوار العربية- الايرانية، يفوق التحسن في علاقات النظام السوري العربية، خصوصا مع المملكة العربية السعودية، اذ ان علاقات الرياض مع دمشق ما زالت في حال من التراجع منذ أن تهجم الرئيس السوري الصيف الماضي على القادة العرب واصفاً إياهم ب"أنصاف الرجال" .
- حاجة ايران الى الانفتاح على الدول العربية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية تعود الى رغبتها في تحييد الموقف العربي تجاهها، حداً أدنى، في مواجهة المجتمع الدولي بعد صدور القرار ١٧٣٧ ضدها بالاجماع . وهي قد ترمي من وراء الانفتاح الى ما هو أبعد ، أي الى ان تشكل العلاقة مع السعودية جسر حوار لاحقا مع المجتمع الدولي حول الملف النووي الايراني، خصوصا ان السعودية ودول الخليج يهمها تجنب مواجهة عسكرية بين طهران والدول الغربية ،نظرا الى انعكاساتها الخطرة على المنطقة ككل، وتدعو الى حل سياسي بين واشنطن وطهران التي ترى في هذا الموقف سببا لانفتاحها على الرياض. اضافة الى سبب آخر لا يقل أهمية هو رغبتها في تجنب تنامي الحساسية السنية- الشيعية في المنطقة، فتنة كانت المبادرة إلى النفخ في نارها من خلال نظرية تصدير الثورة الإسلامية ، أي الشيعية . بدءا من العراق مرورا بدول الخليج وصولا الى لبنان، ويعود موقفها الجديد إلى إدراكها أن الفتنة بين المذهبين تضعف أوراقها التفاوضية وتغرقها في أتون صراع يضاعف خصومها ويؤلبهم أكثر عليها.
التفجيرات في إيران
جديرة بالملاحظة في هذا السياق تزامن مجيء الأسد إلى طهران مع ظاهرة عودة التفجيرات إلى إيران، وهذه المرة على أيدي منظمة سنية تسمي نفسها "جند الله" أوقعت الأربعاء الماضي 11 قتيبلاً في صفوف "الحرس الثوري" وتنشط جنوب شرق البلاد قرب الحدود مع باكستان . فهل هي رسالة إلى النظام الإيراني تحذره من المضي قدماً في التحريض المذهبي في بعض الدول العربية، خصوصاً أن كل دول المنطقة بما فيها إيران تضم أقليات قابلة للتفجير؟ وماذا عن القول أن "الخمس" الذي يجمع في بعض الدول العربية تستخدمه إيران في نموذج "تصدير الثورة"؟
- توصلت ايران مع المملكة السعودية الى صيغة تسوية للأزمة اللبنانية قريبة من مضمون مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. وبكلام آخر تحاول ايران الايحاء بالاهتمام وبالاستعداد للمساعدة، في وقت يعلن انظام السوري رفضه التوصل الى تسوية.
وتتساءل مصادر تابعت هذا الملف من بيروت: هل فعلا حاولت ايران التوسط لدى النظام السوري؟ وهل ضغطت في هذا الإتجاه علماً أنها تملك امكانات الضغط؟ أم ان ثمة توزيعا للأدوار تلين بموجبه طهران وتتشدد دمشق؟ وهل أن ايران في صدد تقطيع الوقت في انتظار ما ستؤول اليه الأزمة الايرانية - الاميركية، خصوصاً أن مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي أعلن أن لبنان سيكون أرض الهزيمة لأميركا ، وأن رئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد صرح الجمعة أن إيران ولبنان جسم واحد ، مذكراً بمقولة الرئيس الأسد الأب " سورية ولبنان شعب واحد في دولتين"؟
إلى ذلك يتميّز الاختلاف بين ايران وسورية في موقف كل من البلدين من القرار ١٧٠١ الذي أوقف الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في لبنان، فإيران تريد الاحتفاظ بالقوة العسكرية للحزب التابع لها في لبنان عموما وجنوبه خصوصا، لأنها ورقة ضد اسرائيل والولايات المتحدة اللتين تهددان بتوجيه ضربة عسكرية الى ايران بذريعة منعها من امتلاك السلاح النووي. أما دمشق فتقوم باتصالات سرية مع اسرائيل وتبدي استعدادها لمحادثات سلام قد تكون في حال حصولها تثبيتا للنظام السوري الذي لا تريد اسرائيل زعزعته.
ويبرز عند هذه النقطة اختلاف أساسي في الأهداف، فإيران توظف ارتباط "حزب الله" اللبناني بها في تعزيز موقعها التفاوضي في ملفها النووي ومن أجل بسط نفوذها الاقليمي في العالم العربي، فيما تستخدم دمشق النفوذ الايراني و"حزب الله " اللبناني لحماية نظامها الذي يعرضه للإهتزاز انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري . كما تريد دمشق استعادة موقعها والنفوذ الذي كان لها على الساحة السياسية اللبنانية.
ولا ريب أن همّ القيادة الإيرانية الأول في الوقت الحاضر هو إعطاء "حزب الله" الفرصة الكافية في عملية اعادة تأهيل سياسية وعسكرية، إذ ترى ان الحزب يحتاج إلى فترة تهدئة، وإن الفوضى التي يمكن ان تترتب على الأزمة السياسية في لبنان لا تخدم مصالح هذا الحزب ولا مصلحة ايران، لأنها تجعل من "حزب الله" مجددا هدفا للخارج.
ويخلص متابعو هذا الموضوع في بيروت إلى أن المفتاح الرئيسي للأزمة السياسية في لبنان موجود في طهران، ولكن القيادة السورية ما زالت قادرة على التعطيل، وبالتالي يجب ان ينصب البحث على كيفية "تحييد" هذا العامل. وثمة اقتناع بأن "مفتاح" الموقف السوري المعطل يكمن في المحكمةذات الطابع الدولي . فسوريا على ما يقول وزير خارجية عربي تربط بلاده بدمشق علاقات وثيقة، لن تتساهل أبدا في موضوع هذه المحكمة، إلى درجة أنها غير مستعدة للحوار في شأنها ولا بسماع اسمها .
في المقابل لا ترى ايران ضيراً من قيام المحكمة مع مراعاة هواجس" حزب الله "الذي يرفض الربط لسبب ما بين كل الإغتيالات او محاولات الاغتيال التي جرت منذ خريف عام ٢٠٠٤.