السنيورة يعمل لصون ديمقراطية لبنان الهشّة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مجلة "تايم" الأميركية:
فؤاد السنيورة يعمل لصون ديمقراطية لبنان الهشّة
اليوم تهتم وسائل الإعلام العالمية بشخصية الرئيس السنيورة الذي صعد إلى المواقع الاولى من صفوف البيروقراطية المدينية الحديثة في لبنان. وقد يكون هذا الصعود نفسه، بصرف النظر عن المواقف والاراء المختلفة حياله، بمثابة فاتحة لتغيرات عميقة في بنية الطبقة السياسية اللبنانية نحو تحديثها وتمدينها اكثر فأكثر.
"ايلاف" تنشر الترجمة الكاملة لهذا التحقيق لأهميته في اضاءة بعض جوانب ومصادر الاهتمام العالمي بالرئيس السنيورة ولبنان بشكل عام.
بقلم- سكوت ماكلاود:
السراي الكبير، مقر الحكومة اللبنانية، قصر شرقي رائع يعود إلى القرن التاسع عشر. بنيت الواجهة الحجارية اصلاً والفناء الهندسي والغرف المزخرفة لتكون ثكنةً عسكريةً عثمانية. لكن المبنى الذي رمم بشكل رائع، دمّر في بداية الحرب الأهلية التي دامت 15 سنة والتي شكلت جرحاً في التاريخ اللبناني التي لا تغيب كلياً عن تفكير رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة شاغل السراي الكبير منذ ثورة الأرز في العام 2005.
ظهر مؤخراً خطر انفتاح هذا الجرح مجدداً. ففي إحدى أمسيات شهر كانون الأول، هدد آلاف المحتجّين المنتمين إلى حزب الله، الحزب الشيعي، وإلى فئات أخرى باقتحام السراي متهمين السنيورة المدعوم من الغرب بالخيانة لإضعافه المزعوم لحزب الله أثناء حربه مع إسرائيل قبل أربعة أشهر. وقبل أيام فقط ، اغتال مسلّحون ملثمون أحد أعضاء حكومة السنيورة وزير الصناعة بيار الجميل. لساعات، لم يعرف أحد إذا كان جمهور المحتجين سيكتسح الحرّاس، فيدخل المبنى، ويقيل السنيورة ووزراءه من مناصبهم وربما يشعل حرباً أهليةً جديدةً.
ظن حزب الله وحلفاؤه أنه يمكنهم اخافة السنيورة، الا أنهم واجهوا رجلاً باسلاً. فقد اتصل السنيورة بمختلف الزعماء اللبنانيين وأعلن أنه ثابت في موقعه. وقد أعلن وزير الإتصالات في حكومة السنيورة مروان حماده أنهم "يريدوننا أن نخلي المبنى" وقال "لن أخرج من هنا سوى ميتاً". أما السنيورة الذي يستذكر المواجهة أثناء مقابلة أجرتها معه مجلة التايم على مدى ثلاث ساعات في مكتبه وعلى الغداء في السراي، فقد أعلن "لم أكن يوماً أتمتع بهذه الدرجة من الصفاء في حياتي، وفي الرغم من الأخطار التي أعيها تماماً لا تعتقدوا أنني قلق البتة".
لقد تراجع المحتجّون، وحافظ السنيورة على مكاسب ثورة الأرز عندما طالب مليون لبناني في ساحة الشهداء، بعد إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في العام 2005، بانسحاب القوات العسكرية السورية التي سيطرت على البلد لثلاثة عقود. الا أن لبنان لا يزال يعاني انقساما عميقا ظهر جلياً في شهر كانون الثّاني خلال ما يدعوه البعض بالخميس الأسود عندما تطور تدافع في مقصف جامعة في بيروت بين طلاب سنّة وشيعة ليوم من الإشتباكات طالت كافة انحاء العاصمة.
يعتبر نجاح السنيورة في صيانة إستقلال لبنان وقيادة عملية إعادة بنائه السياسية والإقتصادية حاسماً بالنسبة للبنان والشرق الأوسط والولايات المتّحدة. ففي نزاع بين حركة ديمقراطية عربية نادرة تحظى بدعم الغرب وأطراف مدعومة من الأنظمة الإستبدادية في سوريا وإيران، ستؤدي هزيمته الى تحطّم نموذج تتشبه به الدول العربية الأخرى والقضاء على أمل إدارة بوش الواقعي الوحيد لنجاح قضية الشرق الأوسط. كما أن انتصار إيران وسوريا وحلفائها سيدخل البلد، من ناحية أخرى، على الأرجح في نزاعات مستقبلية مع إسرائيل وسيؤدي الى هجرة جديدة للمثقفين اللبنانيين.
قد يكون دفاع السنيورة في شهر كانون الأول من السراي قد شكل نقطة تحوّل في هذا النزاع، اذ ظهرت إشارات عن خمود الأزمة، على الأقل بشكل موقت فقد تراجع أمين عام حزب الله حسن نصر الله عن لغته القتالية وطلب من انصاره الخروج من الشارع. كما أن حليفه السياسي الأول قائد الجيش اللبناني الأسبق الطموح ميشال عون الذي يتمتع بالشعبية لدى مجموعة مهمّة من المسيحيين أعرب علناً عن قلقه الواضح من تبعات إحتجاجات المعارضة المستقبلية التي قد تتسبّب باقتال مسيحي مسيحي.
أبطأ المعلّقون العرب الذين يرون في نصر الله بطلاً لمحاربته إسرائيل في تسليط الضوء على موقف السنيورة الداعي للحرية، وهذا لا يدعو إلى الاستغراب. لكنّ السنيورة حاز على تأييد العديد من اللبنانيين وهو يتمتّع بدعم واسع بين السنّة والدروز والمسيحيين وبعض الشيعة. وفي المرات النادرة التي يخرج فيها السنيورة من السراي لتناول وجبة طعام في الخارج، يستقبله مالكو المطعم المتفاجئون بالتصفيق. ويقول الناشط المناصر للديمقراطية ايلي خوري الذي كان وراء اطلاق حملة "أحبّ الحياة" لرفع معنويات اللبنانيين "ان السنيورة مصدر فخر، فلدينا رئيس وزراء لا يؤدّي مهامه كسياسي". ويضيف حليف السنيورة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط: "لقد أثبت أنه رجل دولة. الإنقلاب كان سيعني نهاية الحلم اللبناني بلبنان مستقل ومزدهر".
ويبدو أن لحنكة السنيورة السياسية نتائج تتعدى حدود لبنان الهشّة. ففي شهر كانون الثّاني، أحرز نجاحاً سياسياً عبر إقناعه 41 بلدا مشاركاً في مؤتمر الدول المانحة في باريس التعهّد بدفع مبلغ 7.6 مليارات دولار أميركي لإعادة بناء لبنان. كما أنه يدفع نحو إنشاء محكمة دولية سيمثل أمامها من يتهمهم تحقيق الأمم المتّحدة المستمر بالضلوع في الإغتيالات السياسية في لبنان. لقد ألقيت مسؤولية اغتيال الحريري وهو صديق الطفولة للسنيورة والصحافيين جبران تويني وسمير قصير واثني عشر آخرين منذ شهر تشرين الأول 2004 بشكل واسع على النظام السوري. وأوضح السنيورة أن الهدف من التحقيق "ليس فقط الكشف عن هوية مرتكبي هذه الجرائم، بل حماية الديمقراطية. لا يتعلق الأمر بأخذ الثأر. إنه واجب تجاه الشعب اللبناني".
لا يمكن لوم معارضي السنيورة للاستخفاف به، فلا شيء في خلفيته هيّأه ليصبح حامياً للديمقراطية اللبنانية. فهو محاسب ومصرفي، ويشغل منصب رئيس مجلس وزراء بصفته مسلما سنيا وفقاً لما ينص عليه دستور البلد. الا أنه ليس أحد أسياد الحرب الطائفيين أو زعيم احدى العائلات كالذين يتبوأون عادةً في لبنان مناصب سياسية كبيرة محفوفة بالخطر. ترعرع هذا القومي العربي المتحمس في صيدا تماماً شأنه شأن الحريري الذي عيّنه وزير مالية أثناء عملية إعادة بناء بيروت المنكوبة التي قام بها الحريري في التسعينات. وبما أن إبن الحريري ووريثه السياسي سعد كان قليل الخبرة في السياسة، قرر السنيورة القبول بمنصب رئيس مجلس الوزراء بعد أن ربحت حركة المستقبل الإنتخابات قبل سنتين.
على الرغم من أنه بدا أن السنيورة المعتدل الأطباع مقدّر له العمل في المجال المالي، فان إغتيال الحريري وثورة الأرز التي تسبّب بها وانسحاب القوّات السورية كلها أمور أقحمته في النزاعات الإقليمية التي حولت لبنان لفترة طويلة ساحة حرب سياسية. إستقال وزراء حزب الله من حكومة السنيورة في شهر تشرين الثّاني بحجة الارتهان إلى الولايات المتّحدة والعودة عن الوعد الذي قطعته والقاضي بالحكم بالتوافق مع حزب الله. أما القضية الأساس فكانت تصويت الحكومة على المضي بانشاء المحكمة الدولية على الرغم من إعتراض حزب الله. وقد أعلن نائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم لمجلة التايم "نخاف أن يستغل السياسيون المحكمة للوصول إلينا والى أطراف أخرى في لبنان". كما ان الحزب متخوف من تعرضه في نهاية المطاف لضغوط قد تمارسها الحكومة لنزع سلاحه. ويتذرع الحزب بأنّه على المجموعة الميلشيوية التي وضعت حداً في العام 2000 للإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان مدة 22 سنة أن تحتفظ بسلاحها لمقاومة الهجمات الإسرائيلية المستقبلية. من الواضح أن حزب الله قلق أيضاً من خسارة تأثيره إذا ما تحول حزباً سياسياً ليس الا.
واليوم، تماماً كما كانت عليه الحال في الماضي، يشكل لبنان حجر أساس في النزاع الأوسع على السلطة والتأثير في منطقة الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي رحب فيه الرئيس بوش بثورة الأرز، أعلن مرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي مؤخرا بأنّ إيران ستهزم أميركا في لبنان. وإضافة إلى التنافس على السيطرة على البلد، تواجه واشنطن طهران ودمشق في كلّ الميادين من برنامج إيران النووي ومستقبل العراق إلى السلام العربي الإسرائيلي. وقد أوضح السنيورة قائلاً "لدى الإيرانيين رغبة في انشاء لن أقول دولة تابعة لكن شيء من هذا القبيل". ثم لديك السوريون. وهم صريحون بشأن (معارضة) المحكمة الدولية. ما يحدث في لبنان ناتج من اضطرابات خارجية تستخدم أيادي لبنانية. نحن لا نريد أن نكون ساحة حرب.
على الرغم من أن السنيورة يرحب بالدعم الأميركي، فان اتهام المعارضة له بأنه عميل لأميركا يثير غضبه، جزئيا لأن علاقته مع واشنطن ليست دائماً سهلة. فاضافةً الى إنتقاده ما يسميه دعم واشنطن "الأحادي" لإسرائيل، أثار غضبه، خلال حرب اسرائيل - حزب الله الصيف الماضي، عدم استجابة إدارة بوش لتوقع السنيورة دعم الولايات المتحدة لوقف اطلاق نار فوري. فهو يطلق على اسرائيل تسمية "الآلة القاتلة" التي تذرعت بخطف حزب الله لجنديين اسرائيليين لاعادة احتلال لبنان. وعلى الرغم من ان المعارضين انتقدوا السنيورة لتقبيله وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على وجنتها لدى زيارتها بيروت، اختلف الاثنان بعيداً عن الأضواء حول كيفية وضع حد للحرب. فقد أعلن السنيورة في مرحلة ما لأحد مساعدي رايس: "هذا موقفي. وحتى لو قاموا باستهداف السراي، لن أتحرك". يوضح السنيورة أنه يرحّب بالدعم الأميركي كالتزام واشنطن تقديم مساعدات بقيمة مليار دولار أميركي طالما لا يمس هذا الدعم حقوق بلده. ويصرح "أنا رجل واقعي. أريد التعامل مع الأميركيين. وأعرف أنه لا يمكن التوصل الى حلّ حقيقي إذا لم نتعامل مع الاميركيين، لكن ليس على حساب مبادئي وبلدي وكرامتنا".
استجابت الولايات المتّحدة في نهاية الأمر لرفض السنيورة السماح لقوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة اللجوء للقوة ولمطالبته بقرار يصدر عن الأمم المتحدة ويدعو إلى انسحاب إسرائيل من منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها والتي يصرّ على أنها "أراض لبنانية ويجب أن ينسحبوا منها. فأنا لا أستطيع أن أطلب من حزب الله تسليم سلاحه في الوقت الذي ما زال فيه بلدي محتلاً". فهو يريد من الولايات المتّحدة أن تمارس مزيداً من الضغط على إسرائيل لتنسحب الا أن واشنطن تفضّل حالياً عدم مضاعفة أعباء رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت.
لقد ساهم السنيورة في إقناع حزب الله للقبول بوقف إطلاق نار تطلب سيطرة الجيش اللبناني على جنوب لبنان، وهو القاعدة الرئيسة لعمليات حزب الله، للمرة الأولى منذ 30 سنة. الا أن حزب الله، مباشرة بعد ذلك وفي شهر كانون الأول، أغرق لبنان في أزمة من خلال إرسال مؤيديه إلى الشارع للمطالبة بحصة أكبر من السلطة. لقد أظهر السنيورة مرونة في التعاطي على الرغم من رفضه التنحي. فعرض توسيع الحكومة لتضم عدداً أكبر من الشخصيات المعارضة ومناقشة تحديد مجال تحقيق الأمم المتّحدة على ضوء مخاوف حزب الله الذي يخشى من نظر المحكمة في أعمال إرهابية سابقة حمل الحزب مسؤوليتها كتفجير سفارة الولايات المتحدة في بيروت في العام 1983. الا أن موعد المفاوضات مع حزب الله لا يزال غير محدّد حتى الآن.
يبقى السنيورة متفائلا بشأن مستقبل لبنان على الرغم من العقبات وهو يقف على احدى شرفات السراي مع عدم وجود اي محتجّ على مرأى البصر ينظر الى بيروت الممتدة أمامه والى البحر الأبيض المتوسط غرباً، وجبال لبنان المكللة بالثلوج شرقاً. يوضح قائلاً "يمكننا الاستفادة من تجربة ماضية وكانت تجربة قاتلة. لا خيار أمام اللبنانيين سوى ادراك أنّه عليهم العيش معاً". ربما ستمهد شخصيته التي تجمع بين الارادة الصلبة والمرونة الطريق لبلوغ هذا الهدف الصعب المنال.
*ترجمة بلال خبيز