متهمو الأنفال بين الإعدام والمؤبد والبراءة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بحضور وفد وزاري وبرلماني يمثل إقليم كردستان
متهمو الأنفال بين الإعدام والمؤبد والبراءة
أسامة مهدي من لندن: بحضور وفد رسمي وبرلماني يمثل اقليم كردستان العراق، تصدر المحكمة الجنائية العراقية العليا اليوم أحكامها بحق ستة متهمين من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في النظام العراقي السابق المتهمين بإرتكاب جرائم حربمخلّة بالإنسانية ضد الأكراد العراقيين في عمليات الانفال عامي 1987 و1988، بينما دعا رئيس فريق الدفاع عن الرئيس السابق صدام حسين وبقية أعوانه الأمين العام للأمم المتحدة إلى التدخل لمنع إعدام المتهمين في القضية.
ومن المنتظر أن تصدر المحكمة في جلستها الحادية والستين اليوم الأحد أحكامها ضد المتهمين الستة الذين يتقدمهم علي حسن المجيد ابن عم صدام حسين والمسؤول العسكري السابق لمناطق كردستان والمعروف باسم "علي الكيماوي" لإصداره أوامر بإستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الاكراد في تلك العمليات التي راح ضحيتها حوالى 180 الف مواطن كردي وتدمير وحرق 5 آلاف قرية لهم. وقد اعترف المجيد خلال المحاكمة أنه اصدر اوامر للقوات بإعدام جميع الاكراد الذين تجاهلوا الاوامر بمغادرة قراهم، لكنه لم يعترف بإصدار أوامر بإستخدام أسلحة كيماوية.
وعشية الجلسة، قال رئيس هيئة الادعاء العام منقذ آل فرعون الذي سبق له وان طالب بإعدام خمسة من المتهمين الستة، إن المحكمة ليست ملزمة بالأخذ بطلبه لأن الإدعاء لا يقرر الأحكام، وإنما هيئة المحكمة لكنه أوضح انه اذا لم يقتنع بحكم ما فإن له الحق في الاعتراض عليه واستئنافه.
النطق بالحكم بحضور وفد كردي
وسيجري النطق بالحكم بحضور وفد وزاري وبرلماني يمثل حكومة اقليم كردستان يشارك فيه كمال كركوكي نائب رئيس برلمان الاقليم وجنار سعد وزيرة الشهداء وشؤون المؤنفلين وعدد من اعضاء البرلمان ومحموعة من ابناء ضحايا الانفال. ويطالب الاكراد الذين يشكلون 20 في المئة من سكان العراق بإنزال اقسى العقوبات ضد المسؤولين عن عمليات الانفال، حيث لا تزال مناطقهم الجبلية بشمال العراق تعاني من آثار تلك العمليات الحربية التي استمرت سبعة أشهر واستخدمت خلالها غازات الخردل والاعصاب.
ومن المتوقع صدور احكام ضد المتهمين العسكريين الخمسة تتراوح بين الاعدام والمؤبد وتبرئة المدني الوحيد في القضية طاهر توفيق العاني محافظ الموصل الشمالية سابقًا. وسبق للادعاء العام ان طالب المحكمة بإنزال أقسى العقوبات وأشدها على المتهمين علي حسن المجيد وسلطان هاشم وصابر عبد العزيز الدوري وحسين رشيد التكريتي وفرحان مطلك الجبوري مذكرا أن العقوبة الأشد الواجب تطبيقها وفقًا للأحكام القانونية، هي عقوبة الاعدام لقيامهم بجرائم ضد الانسانية تضمنت القتل العمد والابادة وابعاد السكان ونقلهم قسرًا وسجنهم، إضافة إلى ممارسة عمليات تعذيب واغتصاب واخفاء قسري للسكان.
وكانت المحكمة قد أجلت في العاشر من الشهر الحالي النطق بالحكم في القضية إلى اليوم الأحد، بسبب عدم إكمالها قراءة وتدقيق أوراق القضية. وقد بدأت اولى جلسات المحاكمة في الحادي والعشرين من آب (اغسطس) عام 2006 بحضور الرئيس السابق صدام حسين الذي اسقطت المحكمة التهم الموجهة اليه بعد اعدامه. فقد اعدم صدام شنقا فجر الثلاثين من كانون الاول (ديسمبر) الماضي بعدما ايدت محكمة التمييز الحكم الصادر بادانته في مقتل 48 مواطنًا في مدينة الدجيل في شمال بغداد مطلع ثمانينات القرن الماضي إثر محاولة فاشلة لإغتياله هناك.
مطالب هيئة الادعاء العام
وطالبت هيئة الإدعاء العام في المحكمة في الثاني من نيسان (أبريل) الماضي بإنزال عقوبة الإعدام بخمسة من المتهمين وتجريمهم بتهم إرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية منظمة ومتعمدة ضد أبناء الشعب الكردي وتبرئة المتهم السادس طاهر توفيق العاني، وتخفيف حكم الإعدام عن صابر الدوري مدير الإستخبارات السابق لكن هيئة الدفاع عن المتهمين الستة دفعت ببرائتهم جميعًا.
وفي مطالعة مطولة أمام المحكمة قدم رئيس هيئة الإدعاء العام منقذ آل فرعون عرضا تفصيليًا للمهمات التي تولاها كل من المتهمين الستة والجرائم التي ارتكبها من خلال أدلة عرضها على المحكمة مشيرًا إلى أن ممارسات المتهمين عدا العاني تندرج ضمن جرائم حرب والإبادة الجماعية لقومية. وأشار إلى أن المتهمين أوغلوا في الجريمة، وقال إنه بدلاً من تقديمهم اعتذارًا للشعب الكردي ولضحاياه وللإنسانية عن جرائمهم، إلا انهم كانوا يفتخرون بما قاموا به . واكد ان جرائم المتهمين ارتكبت ضد الانسانية من خلال هجوم منهجي ومنظم ومتعمد واسع النطاق، اضافة الى ابعاد السكان ونقلهم قسريًا وسجنهم وحرمانهم الشديد للحرية والتعذيب والاإغتصاب والاخفاء القسري للسكان .
كما عرض الادعاء العام وثيقة موقعة من صدام حسين في الثاني والعشرين من آذار (مارس) عام 1987 يؤكد فيها أن "للرفيق علي حسن المجيد مطلق الصلاحيات في المنطقة الشمالية" بينما اشارت وثيقة اخرى الى "استخدام اسلحة خاصة في كردستان".
كما عرض آل فرعون خلال احدى الجلسات فيلم فيديو يتضمن لقطات لعلي حسن المجيد، يعرب فيها عن رغبته في قصف الاكراد بأسلحة كيميائية قائلاً: "سأقصفهم بأسلحة كيمائية". كما استمعت المحكمة الى شريط صوتي قال المدعي العام انه يعود الى صدام حسين، يتضمن مقاطع يؤكد فيها مسؤوليته في اتخاذ قرار حول الاسلحة الكيميائية. وقال صدام في الشريط "سأتحمل مسؤولية استخدام اسلحة كيميائية .. لا يمكن لأحد ان يوجه الضربة دون موافقتي" .. مضيفًا: "من الافضل استخدام هذا السلاح في اماكن مزدحمة كي يكون فعالا ويطال اكبر عدد ممكن من الناس". وقال "يجب ان ننقل الاكراد الى محافظات اخرىلإنهاء الامة الكردية ووقف المخربين. يجب ان نسمح لهم بالعمل والسكن في تكريت وبالتالي سيتحولون الى عرب". وشدد صدام في الشريط قائلاً: "عندما تقع اعمال تخريبية اقطعوا رؤوسهم على الفور".
وكان قاضي المحكمة محمد الخليفة العريبي قد تلا في جلسة سابقة التهم ضد المتهمين الستة واحدًا بعد الآخر، وهي تتعلق بإرتكاب جرائم حرب واخرى ضد الانسانية وثالثة بالابادة الجماعية وعقوبة كل واحدة منها الاعدام.
دفوعات المتهمين
وعند تقديم دفوعاتهم ركز المتهمون العسكريون الخمسة على انهم كانوا ينفذون أوامر عسكرية عليا في زمن كانت تخوض فيه البلاد حالة حرب ضد عدو خارجي هي ايران التي احتلت الاراضي العراقية الشاسعة. واكد المتهمون انهم لم يشاركوا بأي جرائم ابادة جماعية او جرائم حرب وانما كانوا يتصدون للقوات الايرانية المهاجمة التي اشترك معها حرس خميني وقوات البيشمركة الكردية. وأوضحوا أن عدم تنفيذهم لتلك الاوامر العسكرية العليا كان سيعرضهم للإعدام كما ينص على ذلك قانون العقوبات العسكرية في زمن الحروب. وشدد المتهمون على انهم كانوا عسكريين محترفين يعملون على خدمة بلدهم. وبعد انتهاء المتهمين من أقوالهم طلب محامو الدفاع التخفيف عن موكليهم وطي صفحة الماضي... واكدوا ان المتهمين كانوا ينفذون اوامر عسكرية عليا سيعرضهم عدم تنفيذها الى الحكم بالاعدام.
دعوة الامين العام للامم المتحدة الى التدخل
ومن جهته دعا رئيس فريق الدفاع عن صدام حسين وبقية اعوانه الامين العام للامم المتحدة الى التدخل لمنع اعدام المتهمين في قضية الانفال. ونقل بيان عن المحامي خليل الدليمي قوله في رسالة موجهة الى بان كي مون امس "اننا وبصفتنا هيئة دفاع قانونية عن جميع هؤلاء الاسرى المعتقلين الماثلين امام ما يسمى المحكمة الجنائية العراقية وغيرهم من المعتقلين نطالب بالضغط لاطلاق سراحهم جميعًا، وان تعذر ذلك وبالحد الأدنى نقلهم خارج العراق الى دولة محايدة ليتمكن محاموهم وذووهم من زيارتهم". واضاف "نأمل ان تتكلل جهودكم السريعة لكون العدة اعدت لقسم من هؤلاء القادة المعتقلين يوم الاحد يوم النطق بالحكم".
وخاطب الدليمي مون قائلا "اننا نطالبكم وبإلحاح بالضغط وعلى وجه السرعة لإنهاء وكل هذه المحاكمات غير المشروعة ايقافها، وإلغاء عقوبة الاعدام في العراق".
المتهم الرئيس في القضية بعد اعدام صدام حسين
ويعتبر المتهم الرئيس في القضية حاليًا علي حسن المجيد بعد تنفيذ حكم الإعدام بحق الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان يعتبر المتهم الرئيس فيها حيث تؤكد العديد من الوثائق انه وراء الاوامر التي صدرت بقصف القرى الكردية بالأسلحة الكيمياوية. وعرض الادعاء خلال الاشهر الماضية حوالى 60 وثيقة صادرة عن مديرية الاستخبارات العسكرية وادارة الحكم الذاتي ومديرية الامن صيف عام 1987 تدعو قوات الجيش الى تنفيذ الإعدام بأي شخص يدخل مناطق تم حظر الدخول إليها ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و70 عامًا من دون محاكمة، ولكن بعد التحقيق معهم لاستحصال معلومات منهم واستخدام الطائرات لضرب من يدخل هذه المناطق ايضًا.
وقد تم اسقاط التهم عن صدام حسين المتهم الرئيس في القضية بعد إعدامه عقب أربعة أيام من مصادقة هيئة التمييز العراقية على قرار محكمة الدجيل التي أدانته وعدد من مساعديه في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بالمسؤولية عن مقتل 148 مواطنًا من أبناء تلك البلدة الواقعة شمال بغداد عقب محاولة جرت لإغتياله هناك عام 1982 خلال الحرب العراقية الإيرانية.
واستمعت المحكمة منذ بدء جلساتها في الحادي والعشرين من آب (اغسطس) من العام الماضي الى حوالى 100 مشتكٍ وشاهد وخبير اجنبي، كما عرض عليها حوالى 60 وثيقة رسمية حيث يوجد هناك 1270 شاهدًا ومشتكيًا لكنها اكتفت بهؤلاء موضحة انه في قضايا جرائم الابادة الجماعية يكون هناك عادة عدد ضخم من الشهود والمشتكين مما يتعذر الاستماع اليهم جميعهم.
المتهمون في قضية الانفال
والمتهمون الستة الآخرون بالإضافة الى صدام حسين الذي اسقطت عنه التهم اثر تنفيذ حكم الاعدام بحقه في الثلاثين من كانون الاول (ديسمبر) الماضي هم علي حسن المجيد الملقب بعلي كيمياوي وكان مسؤولاً عن المنطقة الشمالية وسلطان هاشم احمد وزير الدفاع السابق وصابر عبد العزيز الدوري رئيس المخابرات العسكرية وحسين رشيد التكريتي رئيس هيئة الاركان للجيش العراقي السابق وطاهر توفيق العاني العضو القيادي في حزب البعث المنحل والسكرتير العام للجنة الشمال وفرحان مطلك الجبوري الذي كان يشغل منصب مسؤول الاستخبارات العسكرية للمنطقة الشرقية.
ويواجه المجيد تهمة ارتكاب إبادة جماعية فيما يواجه المتهمون الآخرون تهمًا بإرتكاب جرائم حرب ويدفع هؤلاء بأن حملة الانفال رد شرعي على قتال الأكراد العراقيين الى جانب إيران ضد بلدهم في الحرب بين الدولتين بين عامي 1980 و1988.
ويتهم الاكراد القوات العراقية بشن هجمات بغاز الخردل وغاز الاعصاب في الحملة التي استمرت سبعة أشهر والتي يقولون ان اكثر من 180 الف شخص قتلوا خلالها فيما نزح عشرات الالاف. وتركزت إفادات شهود العيان الستة خلال الجلسات السابقة على حجم المعاناة التي خلفها استخدام الجيش العراقي لأسلحة "كيمائية" على المدنيين خلال حملة الانفال العسكرية حيث أبلغ قرويون أكراد المحكمة كيف أن عائلات قضت نحبها بعد ان قامت طائرات بقصف القرى الجبلية بأسلحة كيماوية.
وقد سميت الحملة " الأنفال" نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم. و(الأنفال) تعني الغنائم أو الأسلاب، والسورة الكريمة تتحدث عن تقسيم الغنائم بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة. استخدمت البيانات العسكرية خلال الحملة الآية رقم 11 من السورة: "إذ يوحي ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ".